هل المدرب الوطني لـ«الطوارئ» فقط؟

مدربون كرويون سعوديون يتهمون مسؤولي الأندية والإعلام بتغييبهم عن دوري «زين»

المدرب الوطني ناصر الجوهر خلال إشرافه على أحد تدريبات المنتخب السعودي قبل نحو عامين
TT

أضحى وجود المدرب الوطني بالساحة الرياضية في تراجع مستمر إلى الوراء، وبات بمثابة مدرب «للطوارئ».. ومهمته تنحصر فقط في إنقاذ الأندية من براكين الغضب الجماهيري عند أي إخفاق يتعرض له المدرب الأجنبي، فيما انعدم حضوره على مستوى دوري زين السعودي للمحترفين، لكنه قد يوجد في دوريات مختلفة كالأولى أو الثانية أو حتى الثالثة، على الرغم من أن تحليق الكرة السعودية نحو العالمية كان على أيدي مدربين وطنيين، فالمدرب الوطني خليل الزياني قاد المنتخب السعودي لتحقيق كأس آسيا في عام 84، بالإضافة إلى إنجازاته البطولية محليا مع الاتفاق والقادسية، وزميله المدرب محمد الخراشي قاد الأخضر نحو العالمية عندما كان مدرب المنتخب السعودي في التصفيات المؤهلة لمونديال 94، بالإضافة إلى فوزه ببطولة الخليج في العام نفسه، ناهيك عن بطولات كثيرة على المستوى الآسيوي، خاصة بالفئات السنية. أما المدرب حمود السلوة فكان شريك الإنجاز السعودي الكبير، عندما كان ضمن الطاقم التدريبي لمنتخب الناشئين الذي ظفر بكأس العالم عام 89 في اسكوتلندا، إضافة لإنجازات المدرب ناصر الجوهر، الذي تمكن من تحقيق إنجاز الوصول لمونديال 2002 وبطولة الخليج في العام نفسه، إضافة إلى المدرب عبد العزيز الخالد الذي تمكن من الفوز مع المنتخب السعودي لذوي الاحتياجات الخاصة بكأس العالم في عام 2006. فالمدرب الوطني حاضر على مستوى الأندية والمنتخبات، من حيث تحقيقه للنتائج الإيجابية، إلا أن أخطاءه دائما ما تضخم وتهول وتأخذ منحى مغايرا وبشكل متكرر وملحوظ على مدى السنوات الأخيرة.

«الشرق الأوسط» بدورها توجهت بسؤال لعدد من المدربين الوطنيين فحواه «متى يوجد المدرب الوطني في دوري زين السعودي للمحترفين، على غرار ما يحدث في معظم الدول العربية؟»، فاتفق معظمهم على أن المدرب الوطني فقط، بحاجة لفرصة كي يتمكن من إبراز وإظهار إمكانياته، فيما تضمن السؤال الثاني «هل المدرب السعودي يسعى لتطوير نفسه؟» فتفاوتت الإجابات، حيث رأى البعض أن المدرب يبحث باستمرار عن تطوير نفسه، فيما رأى البعض الآخر أن بعض المدربين لديهم اكتفاء، ولا يسعون لتطوير أنفسهم، وكان سؤال «الشرق الأوسط» الأخير عن اتجاه المدرب السعودي للتحليل، وهل هو أمر إيجابي أم سلبي؟ فاتفق الجميع على أن التحليل جزء من عمل المدرب، شريطة ألا يكون على حساب العمل الميداني. في البداية تم توجيه سؤال لعميد المدربين خليل الزياني بشأن وجود المدرب الوطني في دوري زين، فقال: «أعتقد أنه سؤال مهم، ولكن المدرب الوطني قد يوجد إذا تحقق أمران، الأول وجود الرغبة والطموح والاستعداد الفني والمعنوي والرغبة في خوض التحدي ومعترك المنافسات، أما الأمر الثاني فهو وجود رغبة من قبل رؤساء الأندية في الاستعانة بخدمات المدرب الوطني، عندها يكون مرحبا به، ونستطيع أن نراهن على نجاحه في دوري زين».

وحول قيام المدربين الوطنيين بالسعي لتطوير أنفسهم، قال الزياني: «البعض يطور نفسه، ولكن الغالبية لديهم اكتفاء، وأنا أقول إن الدورات ليست هي المنتج الأساسي للمدرب، ولكن لا بد من أمرين لكي يتطور المدرب الوطني، أولا الحصول على الدورات لصقل موهبته، والأمر الثاني هو الحصول على فرصة لتطبيق ما تعلمه».

وعن توجه المدربين الوطنيين للتحليل الفضائي، ذكر الزياني أن التدريب عرض وطلب، فإذا كان المعروض قليلا فسيصبح الطلب أقل، وإذا لم يكن هناك مدرب كفء وجاهز ومتمكن ولديه القدرة على التدريب، فمن السهل له أن يتجه للتحليل الفني، وهذا أقل ضررا على الاثنين، وبالتالي يجد المدرب نفسه في التحليل عوضا عن التدريب، وهذا شيء مقلق ومزعج في الواقع، أن يكون وطن بهذا الحجم وأندية بهذا العدد الكبير، وتجد المدربين الوطنيين قلة خاصة على مستوى الممتاز، فقد يوجدوا في الدرجة الأولى أو الثانية، ولكن متى اكتملت الخبرات والشخصية والإمكانيات وكانت هناك الرغبة والتحدي، وأثبت المدرب وجوده في دوري الدرجتين الأولى والثانية، فأعتقد أن صعوده سلم المجد ممهد، ولكن يجب أن تكون عنده الرغبة والطموح.

وفي الجانب نفسه، ذكر محمد الخراشي أنه متى وجد المدرب الوطني الفرصة من الأندية، فهو قادر على مقارعة أي مدرب من مدربي أندية دوري زين، ولكن هي قناعات غير صحيحة من بعض مسؤولي الأندية في عدم الاستعانة بخدمات المدرب الوطني.

ويضيف الخراشي: «نحن في اتحاد كرة القدم بيننا وبين الجهات الإعلامية فجوة كبيرة جدا، فالمدرب الوطني غير مطلوب من قبل الإعلام، وغير متابع للأسف الشديد، فهناك العديد من الزملاء المدربين على مستوى الدرجتين الأولى والثانية وحتى الشباب والناشئين، كانت لهم نتائج إيجابية وحضور قوي، ومع ذلك فهم غير موجودين على الساحة الإعلامية»، ويواصل حديثه: «المدرب الوطني متابع ومطور لنفسه، ويقيم العديد من الدورات السنوية، سواء داخل أو خارج السعودية وحتى على مستوى القارة الآسيوية»، ويختم الخراشي بقوله إن المدرب الوطني أحق من غيره بمجال التحليل، فإذا لم يجد فرصته في الملعب، فهو أقرب للتحليل وإعطاء وجهات نظر صحيحة، وهو الرقم الأول في الاستفادة منه، سواء على صعيد اللاعب أو المدرب المتابع للتحليل بعد نهاية المباراة.

ومن جهته، تحدث المدرب والمحلل في القنوات الرياضية حمود السلوة قائلا: «قبل أن ننتظر وجود المدرب الوطني في دوري زين السعودي للمحترفين علينا أولا أن نبحث عنه في دوري الدرجتين الأولى والثانية، وحتى الثالثة».

ويضيف السلوة: هناك مدربون وطنيون – بصراحة - لا يسعون لتطوير أنفسهم في مجال التدريب لأنهم يمارسون العمل التدريبي بعقلية المدرب الهاوي، وليس المحترف والمتفرغ، ويختم حديثه: اتجاه المدربين الوطنيين للتحليل عمل إيجابي إذا كان بعقد عمل في استوديوهات التحليل، وهو جانب إيجابي بالتأكيد يسهم في تنوير المشاهد برؤية فنية، ولكنني بصراحة لا أجد من المناسب أن يعمل أي مدرب في مجال التحليل وهو في الوقت نفسه يعمل في التدريب، فكلا العملين يحتاج للتفرغ والتركيز.

وعلى الصعيد نفسه، قال الأكاديمي والمدرب عبد العزيز الخالد: من المفترض أن يوجد المدرب الوطني في المنافسات السعودية، معللا بأن القصور هنا ليس منه - أي المدرب الوطني - بل هو من مسؤولي الأندية قائلا: إن المدرب الوطني سجل حضورا لافتا للنظر، ويملك الإمكانيات الجيدة، ولديه القدرة الكاملة في أن يقود الأندية بجدارة، وأردف الخالد قائلا: هناك عدد كبير جدا من المدربين في دوري زين أقل بكثير من المدرب الوطني، أقل كفاءة وأقل تأهيلا، ومع ذلك تمنح لهم الفرصة، فيجب أن تكون هناك التفاتة من مسؤولي الأندية لمنح المدرب الوطني الفرصة ليسجل حضوره، سواء على مستوى المنتخبات أو مستوى الأندية.

ويضيف الخالد: المدرب الوطني يطور نفسه، وهو من أكثر المدربين الذي حصلوا على دورات تأهيلية، وهناك العديد من المدربين الوطنيين سجلوا حضورا قويا، بدءا من خليل الزياني، ومحمد الخراشي، وناصر الجوهر، وغيرهم من المدربين السعوديين الذين حققوا إنجازات مع أنديتهم أو المنتخبات، أيضا المدربون القادمون الآن يطورون أنفسهم باستمرار، وحالهم كحال أي مدرب في العالم يحضر دورات ويشارك ويقرأ ويطلع على كل جديد في عالم كرة القدم، والميدان يعطي المدرب الكثير من التجارب والخبرات.

ويختم الخالد حديثه: اتجاه المدرب للتحليل أمر إيجابي، فجميع مدربي العالم إذا وجدوا وقت فراغ، أو كانت هناك بطولات وليس لديهم ارتباطات مع أنديتهم فإنهم يتجهون للتحليل كبطولة كأس العالم الآن، والتحليل جزء من العمل الفني، وظاهرة صحية أن يتجه المدرب للتحليل، فهو صاحب الاختصاص، فالمحلل التحكيمي يكون حكما سابقا لكونه صاحب تجربة، والمحلل الفني الذي يتحدث عن تكتيك وخطط ميدانية، يجب أن يكون مدربا مطلعا على هذه الأمور، ولكن يكون التحليل ظاهرة سلبية إذا كان هذا المدرب مرتبطا بعمل.

وقال المدرب ومدير أكاديمية برشلونة بالرياض علي كميخ: «عندما يكون لدى مسؤولي الأندية من رؤساء وأعضاء شرف، إضافة للإعلام الرياضي السعودي ثقافة أن المدرب الوطني قادر على تحمل كامل مسؤولياته، وقادر على تحقيق النجاحات التي يحققها المدرب الأجنبي، فهو مدرب مؤهل، ولديه الخبرة كلاعب، ولديه الخبرة أيضا كمدرب في الميدان، ولديه المؤهلات الأكاديمية، ولكنه فقط بحاجة للفرصة المبنية على ثقة متبادلة، وأن يكون الشريك الرئيسي في الرياضة السعودية (الإعلام) داعما حقيقيا للمدرب، حتى تكون لدى الآخرين ثقة كبيرة في قدرة المدرب الوطني على النجاح من خلال الطرح الإعلامي الإيجابي للمدرب السعودي، وضرورة أن يمنح الدعم المعنوي والمادي الذي يحصل عليه المدرب الأجنبي». وأنا كمدرب وطني أعتب على مسيري الأندية السعودية في دوري زين، عدم دعمهم للمدرب الوطني بأن يوجد كمساعد مع المدربين الأجانب الموجودين، حتى يستفيد من الخبرة الموجودة، وهذا أحد الأخطاء التي ترتكب في حق الرياضة السعودية، وأبرزها وجود مدربين مثل كوزمين وغيريتس وهيكتور وبيسرو في الأندية السعودية وعدم وجود مدرب وطني يعمل مساعدا لهم. ويضيف كميخ: هناك عمل جاد ومتواصل من خلال مدربين وطنيين لتطوير قدراتهم، سواء على حسابهم الشخصي، أو من خلال ما يقدمه الاتحاد السعودي لكرة القدم، وهناك عدد كبير من المدربين السعوديين يتواصلون من خلال شبكة الإنترنت مع مدربين كبار ومدارس كروية للاستفادة مما هو موجود، وأعرف عددا كبيرا من المدربين حاصلين على دورات عالية جدا، كما حصلت أنا و22 من زملائي المدربين على شهادة تدريبية في آسيا، وهم من أكفأ المدربين، والآن لا يعمل من هذا العدد المميز إلا القليل، كما أن هناك مدربين وطنيين يدفعون مبالغ خيالية للحصول على دورات، أو لحضور بطولات للاستفادة أكثر في علم التدريب، يختم كميخ حديثه قائلا: كما هو معمول في الكثير من البطولات العالمية حيث يتم الاستفادة من الكثير من المدربين الكبار في التحليل، واتجاه المدرب للتحليل أضاف الكثير من الخبرات للمشاهدين، ومتابعي هذه القنوات، ولكن يجب ألا تكون على حساب العمل، وفي بطولة كأس العالم الأخيرة ظهر مدرب الهلال البلجيكي غيريتس كمحلل لصالح إحدى القنوات الفرنسية، وأيضا مدرب المنتخب العماني كلود لوروا عمل محللا في كأس أمم أفريقيا الأخيرة، والعديد من المدربين الأجانب يتجهون للتحليل لأمرين، الأول حضور المباريات للاستفادة منها، والأمر الثاني لكي يضيفوا للمشاهد والمتابع رؤية فنية ونواحي تكتيكية.

وأخيرا، عند سؤال المدرب يوسف عنبر عن متى يظهر المدرب الوطني في دوري زين، قال: هذا السؤال يطرح نفسه، ونحن بدورنا نتوجه للمسؤولين ونناشدهم بذلك، فالإعلام طالب بالمدرب الوطني، ولدينا أمثلة كثيرة، فالدوري المصري يوجد فيه المدربون الوطنيون، ويعتبر الدوري ناجحا بكل المقاييس، وأيضا في الجزائر، وتونس، أعتقد أن المشكلة لا تخصنا كسعوديين، ولكنها مشكلة دول الخليج، فالمدرب الوطني يتطور، ولكن لا حياة لمن تنادي، وأنا أناشد المسؤولين منح الفرصة للمدرب الوطني، فهناك قدرات تحتاج لدعم ورعاية، فالدكتور السعودي منح الفرصة على مستوى الطب، وكذلك المهندس والطيار، ونحن أيضا كمدربين وطنيين نطالب أصحاب الشأن، وخاصة الأمير سلطان بن فهد، والأمير نواف بن فيصل، ونقول لهم امنحوا المدرب الوطني الفرصة، فهو لا يقل عن أي مواطن يحتاج لفرصة، فلا توجد هناك لجان للمدربين الوطنيين، نعم المدرب الوطني أخذ فرصته الآن على مستوى المنتخبات السنية، ولكن ثلاثة أو أربعة مدربين مقابل ثلاثين على الساحة فقط، هم المؤهلون، عدد غير كاف، ومن المفترض أن يوجد المدرب الوطني في دوري الدرجة الأولى أو الثانية أو كأس فيصل. ويضيف عنبر: المدرب الوطني حصل على ثلاث دورات أهلته لأن يكون مدرب فريق أول، وقد حصل جميع المدربين الوطنيين عليها، وأنا أتساءل: هل هذه الدورات كانت مفروضة من الاتحاد الآسيوي، أم كانت أهدافا لأشخاص معينين، بأن نأخذ هذه الدورات لمجرد أن تكون شهادات نحتفظ بها في منازلنا. وأردف عنبر: حصلت على الدعم في فترة من الفترات بالنادي الأهلي، ولكنني أقولها: المدرب الوطني يعمل في الأندية بحسب الأمزجة، فإذا كنت مقربا من شخص ستجد فرصتك، والكثير من المدربين الوطنيين لم يجدوا فرصتهم، ففي نادي الهلال ظهر الزميل عبد اللطيف الحسيني لفترة قليلة، وفي النصر لا يوجد أحد، وفي الاتفاق يوجد المدرب الوطني في فترات متفاوتة، فالكل يستكثر على المدرب الوطني العمل في الفريق الأول، ومع الأسف تجد بعض الأندية في بعض الدرجات كالأولي والثانية تبحث عن مدرب يعمل للفرق الثلاثة، أول وشباب وناشئين، وهذا ليس مدربا محترفا، ومع الأسف فلن نشهد أي تطوير ننشده للاعبين إذا كان مدرب الفرق الثلاثة واحد. وختم عنبر حديثه: التحليل جزء من عمل المدرب، فهو إذا لم يجد فرصته في الميدان سيتجه للتحليل، وهي فرصة أتيحت من القنوات الفضائية، والآن المدرب الوطني مطلوب للتحليل، وهذا مجال تخصصه، فالتحليل جزء بسيط من عمله، ورؤيته الفنية أيضا جزء من الذي يمارسه في الملعب.