سوء التنظيم وغياب العقوبات الرادعة وراء تزايد ظاهرة مقتحمي الملاعب في السعودية

مدير الملعب حمل رجال الأمن المسؤولية.. وطالبهم بجعل الملعب خلفهم ومراقبة الجماهير فقط

TT

أن تشاهد مشجعا وحيدا يقفز من المدرج ويقتحم أرضية الملعب ويتجه للسلام على أحد اللاعبين قد يبدو هذا المنظر مرفوضا نوعا ما، وإن كان يتكرر خلال فترات متباعدة.. لكن أن تشاهد مجموعة من المشجعين يقتحمون أرضية الملعب ويكون هدفهم افتعال حركة تخريبية غير لائقة أو المطاردة مع رجال الأمن على طريقة الفيلم الكارتوني الشهير «توم وجيري» فهذا يبدو غير لائق إطلاقا.

هذا ما حدث بالفعل مساء أول من أمس في مدينة أبها أثناء مباراة الهلال السعودي ونظيره الوداد المغربي، حيث اقتحم أرضية الملعب خمسة مشجعين شوهوا جمالية اللقاء ونقلوا صورة سيئة عن التنظيم وسلوكيات المشجع السعودي لمن كان يتابع المباراة.

هذه الحادثة لا تبدو جديدة على الكرة السعودية، إذ اعتاد المشاهدون عليها بين فترة وأخرى، فملاعب الحزم ونجران والفتح وغيرها من الملاعب السعودية شهدت نزول أعداد كبيرة من الجماهير لأرضية الملعب، إضافة إلى أن ملعب الملك فهد الدولي لم يسلم أيضا من نزول المشجعين لأرضية الملعب.

ويتبادر للذهن عند ذكر مثل هذه الحادثة المشجع (تحتفظ «الشرق الأوسط» باسمه) الذي اقتحم أرضية ملعب الملك فهد الدولي بالعاصمة السعودية الرياض حين كانت تقام مباراة الهلال مع نظيره الاتحاد في مباراة ذهاب نصف نهائي كأس ولي العهد موسم 2005، ليبدو هذا المشجع أنه هو من شرع هذه الحركة على الأقل في السنوات الخمس الأخيرة، وكأنه أراد الشهرة، لا سيما أن الإعلام حاضر وصوره ستوجد وتنتشر في المنتديات، وسرعان ما يحقق مبتغاه من النزول لأرضية الملعب حيث التغطية الإعلامية بكل أنواعها المشاهدة والمقروءة.

الأكيد أن الدوافع متنوعة بين هوس الشهرة وجنون المغامرات والتحديات، فهذا مشجع ينزل من دون هدف، وذاك يبحث عن الشهرة، وآخر يقتحم الميدان لكسب الرهان مع أحد أصدقائه كما حصل مع المشجع الذي اقتحم ملعب مدينة الملك عبد الله الرياضية ببريدة حيث كانت تقام مباراة الرائد والنصر ضمن مباريات موسم 2008، وذلك بعد أن عرض عليه أصدقاؤه مبلغ خمسة آلاف ريال سعودي إذا فعل ذلك (أقر بذلك) وتمكن من مصافحة المهاجم النصراوي سعد الحارثي، وهو بالفعل ما حدث، لكن ألقي القبض عليه من قبل رجال الأمن في الملعب وتم إصدار حكم بحقه بالسجن لمدة ثلاثة أيام وجلده 10 جلدات، وتوقعيه على تعهد بعدم تكرار فعلته تلك.

وتبدو هذه العقوبات بسيطة في حق من شوه جمالية تلك اللقاءات بفعله المشين وإثارة الحماس لدى غيره من المتابعين لتكرار فعلته، والمثل يقول «من أمن العقوبة أساء الأدب».

مثل هذه الحوادث لا تخص المنافسات السعودية فقط، بل هو تصرف نشاهده في جميع المسابقات العالمية بل وحتى بعض البطولات القارية الكبرى، ففي الحدث الأبرز عالميا كأس العالم 2010 الذي أقيم مؤخرا في جنوب أفريقيا، شهدت البطولة نزول مشجعين لأرضية الملعب، الأول كان الإيطالي ماريو فيري الذي دخل أرضية ملعب المباراة التي جمعت بين منتخبي ألمانيا وإسبانيا ضمن مباريات نصف نهائي كاس العالم بكرسي متحرك على أنه من ذوي الاحتياجات الخاصة، لكنه فجأة نهض من الكرسي واقتحم المستطيل الأخضر، وكان دخوله احتجاجا على عدم ضم مهاجم منتخب بلاده الإيطالي كاسانو، إلا أن الشرطة ألقت القبض عليه وخيرته بين عقوبتين إما دفع غرامة مالية قيمتها 300 يورو أو السجن لمدة ثلاثة أشهر. أما الحادثة الثانية فكانت مع المشجع الإسباني الشهير جيمي جامب (أشهر مقتحمي الملاعب)، الذي اقتحم ملعب المباراة النهائية باستاد سوكر سيتي في جوهانسبورغ، والتي جمعت بين هولندا وإسبانيا، وكان هدفه وضع شال فريقه برشلونة الإسباني على كأس العالم، في إشارة منه إلى أن الكأس إسبانية، إلا أن رجال الأمن طرحوه أرضا قبل وصوله للكأس، وتم تغريمه بمبلغ بسيط قدره 200 يورو لكونه لم ينزل لأرض الملعب والمباراة قائمة بل كان هذا قبل بداية المباراة. حدث هذا خلال مباراة كانت النواحي الأمنية فيها من الصرامة الشيء الكثير نظير العدد الكبير من رؤساء الدول الحاضرين، وعلى الرغم من أن عقوبة المائتي يورو المطبقة في حق المشجع الإسباني تبدو مخففة، فإنه تعرض لعقوبة قاسية وذلك بالسجن لمدة عام كامل بعد اقتحامه ملعب تنس، كما تم سجنه لمدة خمسة أشهر مرتين، وثلاثة أشهر مرة واحدة. أخيرا الحل يبدو سهلا، والمطالبات به كانت منذ فترة، وهي إيقاع عقوبات مالية كبيرة لمن يقتحم أرضية الملعب، أو السجن لفترة لا تقل عن ستة أشهر لمن يكون عاجزا عن الدفع، ففي الملاعب الأوروبية نشاهد المدرجات من دون سياج حديدي، لكن النظام ومن ثم الخوف من الغرامات والعقوبات هو ما يمنعهم من اقتحام أرض الملعب.

ونشير إلى أن مدير ملعب الملك فهد الدولي المهندس سلمان النمشان سبق أن طالب بجلد المشجعين الذين يدخلون الملاعب وسط انتقادات لاذعة وساخرة من قبل بعض النقاد السعوديين، في حين أن مسؤولين آخرين سبق أن طالبوا بوضع لائحة تخص هؤلاء المشاغبين بعقوبات منظمة مع الجهات الأمنية بحيث يعاقب بالسجن لفترة تتراوح بين شهر و3 أشهر، مع غرامة مالية تتراوح بين 20 ألفا وحتى 40 ألف ريال، على أن يتم قبل اعتمادها رسميا عمل حملة إعلامية لتعريف الجماهير بتلك اللوائح والعقوبات المفروضة.

وطالب مدير ملعب مدينة الأمير سلطان بن عبد العزيز بالمحالة ورئيس لجنة الملاعب ببطولة النخبة الدولية الثالثة بأبها معتق بن جرمان بتنظيم لائحة خاصة، تُسن فيها أشد العقوبات على الجماهير المخالفة التي تقتحم الملاعب، وتعلن، وتكون واضحة للجميع، وتشارك في تنظيمها الجهات المختصة ومن أهمها وزارة الداخلية والرئاسة العامة لرعاية الشباب، فكما أن هناك لوائح عقوبات على اللاعبين الإداريين والمدربين، فلماذا لا نوجد لائحة خاصة بهؤلاء المتجاوزين للنظام حتى يكون هناك وعي من الجماهير وتختفي هذه الأفعال.

وعن المباريات المقبلة أكد أنه تم التنسيق مع مدير شرطة منطقة عسير لتكثيف الأمن في المباريات. وأشار إلى أن مواصفات ملعب المحالة تندرج بحسب المواصفات العالمية والخاصة بالرئاسة العامة لرعاية الشباب، وقال «لدينا 18000 مقعد للجماهير، فهو ملعب من تأسيسه يختص بمقاعد للجماهير ومحاط أمنيا بسياج مناسب ونفق من جهة الدرجة الأولى يرتفع لسبعة أمتار وسياج آخر، لكن ظاهرة اقتحام الملعب أصبحت في الفترة الأخيرة تشكل قلقا كبيرا، وهي دخيلة على ملاعبنا، وللأسف تكررت في أكثر من ملعب».

وأضاف جرمان «يجب على رجال الأمن الذين يحضرون للملعب أن يكون لديهم حس أمني خاص بمتابعة الجماهير وملاحظتها، وعدم الانشغال بأمور أخرى كمتابعة المباراة مثلا، فلماذا لا يتم تطبيق ما يحدث في ملاعب عربية وعالمية عندما يتجه رجال الأمن للجماهير بنظرهم طوال المباراة تاركين أرض الملعب خلف ظهورهم حتى نضمن السيطرة تماما على وضع بعض الجماهير التي تحاول اقتحام الملعب؟».

وعما حدث في مباراة الهلال والوداد قال بن جرمان «كان هناك حضور كثيف ومتأخر، حيث نطالب الجماهير بالحضور المبكر تفاديا للازدحام في المباريات المقبلة، كما أن هناك فعاليات أخرى خارج الملعب وهي استعراض للسيارات وسباقات أشغلت الجماهير، حيث وصلوا للملعب وشاهدوا الشوط الأول، ثم بين الشوطين انتقلوا لمتابعة فعاليات السيارات ثم عادوا، ليكون التنظيم مرتبكا على أثر ذلك، والجميع شاهد خروج نحو 18 ألف مشجع في لحظة واحدة، وكذلك عودتهم في وقت واحد، ومن تابع المدرجات بين الشوطين سيدرك أن الملعب كان خاليا من الجماهير والسبب مشاهدتهم لتلك الفعاليات».

ومن جانبه، طالب مدير مكتب رعاية الشباب بالمنطقة الوسطى عبد الرحمن المسعد بضرورة تثقيف الجماهير السعودية التي تحضر المنافسات الكروية، وقبل ذلك تثقيف رجال الأمن فيما يخص كيفية التعامل مع الجماهير وطريقة التعامل معهم، مؤكدا أنه لا يتمنى أن يشاهد رجل أمن يجري وراء مشجع وسط نقل تلفزيوني لملايين المشاهدين، موضحا أن ذلك فيه إهانة لرجل أمن له قيمته ومكانته في المجتمع السعودي.

وقال «بصراحة يجب أن يكون هناك رجل أمن معني بالأمن الرياضي، ويدرك الدور الذي يقوم به من أجله، ويكون له الزي الرياضي الخاص به، لأنه من غير المعقول أن تنظر لرجل أمن يجري بزيه الرسمي خلف مشجع داخل الملعب.. هذا غير ممكن.. يجب أن نعمل على زيادة الثقافة للمشجعين، وأن نوضح لهم أن ما يقومون به هو إساءة لهم ولأسرهم وللكرة السعودية».

وشدد المسعد على أنه ضد المطالبات بعقوبات تصل إلى سجن هؤلاء المشجعين، وذلك لاعتبارات عدة، وهي أن المشجع نزل إلى أرض الملعب بغرض الإعجاب بلاعب والسلام عليه، وكان ذلك من باب التحدي والمغامرة، ولا يجب أن يعاقب مثلا بالسجن ويوضع مع مجرمين ليكون بعدها الضرر أكبر من الفعل الذي قام به.

وأضاف «في تقديري أن العقوبات المالية قد تكون أشد.. حينما يعلم المشجع أنه عندما ينزل إلى أرض الملعب سيغرم ماليا بمبالغ باهظة فلن يفكر في الشروع بهذه المغامرة أو حتى التحدي. يجب أن تكون العقوبات الموقعة عليهم فورية بحيث يعاقبون ماديا. ما قام به لا يحتاج إلى تحقيق أو طول تفكير. على المعنيين أن يضعوا العقوبة الفورية وألا يخرج هذا المشجع الشاب أو الصغير من الملعب إلا بدفع غرامته فورا.