غيريتس.. معشوق الجماهير الهلالية.. جاء بطلا ورحل باكيا على حظه العاثر

العجوز البلجيكي بين قلب حنون وعاطفي.. وملامح وجه تقطر صرامة واحترافية

TT

لم تسمح الدموع التي انهمرت من عيون العجوز البلجيكي غيريتس بإكمال المؤتمر الصحافي الأخير له في الملاعب السعودية بعد أن فك ارتباطه مع فريق الهلال متجها لتدريب المنتخب المغربي.

غيريتس اختار الرحيل ثم أجهش بالبكاء.. قد تبدو مفارقة عجيبة ولكن لحظات الوداع دائما ما تكون صعبة خاصة أن هذا الرجل البالغ من العمر 56 عاما قضى فترة ليست بالقليلة بين جنبات النادي الأزرق جعلته بالتأكيد يدخل في علاقة قوية مع لاعبي فريقه ومسؤوليه ومحبيه.

«شكرا للهلاليين وشكرا لكل السعوديين على التعامل الطيب الذي حظيت به طوال فترة إقامتي هنا في السعودية».. بهذه الكلمات ترجل الفارس عن جواده الأزرق واتجه لامتطاء جواد آخر، تاركا خلفه حبا وعشقا كبيرا في قلوب الجماهير الهلالية.

غيريتس كان مثيرا في قدومه ورحيله.. قد تبدو هذه الكلمات هي أفضل تعليق عن عقده الذي كان من المفترض أن يمتد لعامين كاملين مع فريق الهلال إلا أن البلجيكي فضل الرحيل في منتصف مشواره المقرر مع الفريق السعودي الكبير.

وقع غيريتس مع فريق الهلال في يونيو (حزيران) 2009 الماضي، في وقت كان يمر فيه الهلال بظروف عصيبة بدأت برحيل الروماني كوزمين مُقالا على خلفية أمور حدثت للأخير في نهائي بطولة كأس ولي العهد التي حققها الهلال.. ثم بمدربين لم يعرفا النجاح ليحل غيريتس خلفا لمواطنه ليكنز الذي لم يقدم أي نجاحات تذكر حيث لم يمض سوى فترة قليلة جدا.

غيريتس حقق مع الهلال في موسمه الأول درع دوري زين السعودي للمحترفين قبيل نهاية هذه البطولة بثلاث جولات فضلا عن خطفه كأس ولي العهد علاوة على تأهله بالفريق لدور ربع النهائي لبطولة دوري أبطال آسيا في موسم يبدو ناجحا بحسب لغة الأرقام.

هذا المدرب بدا عاشقا حتى الجنون للعب الهجومي واتضح ذلك من خلال تقديمه لكرة هجومية ممتعة مع الهلال جعلت جميع النقاد والمحللين يصفقون إعجابا بتقديمه لفريق لا يقهر وتأكيد على عشقه للنهج الهجومي فقد ألحق هزائم ثقيلة بكل من الاتحاد 5/0 والنصر 5/3 والفتح 5/1 ونجران 5/0 وأنهى موسمه في الدوري الماضي برقم تهديفي كبير «56 هدفا» خلال 22 مباراة.

هذه النجاحات التي حققها المدير الفني البلجيكي جعلته محط أنظار منتخبات العالم حتى إن منتخب كوت ديفوار سعى إلى خطب وده قبل كأس العالم 2010 الماضية لكن غيريتس رفض الارتباط معهم، وبما أن الأمور لا تأتي كما يشتهي المرء فقد اضطر غيريتس للرحيل من الرياض والاتجاه صوب العاصمة المغربية الرباط على الرغم من ارتياحه الفني وتحقيق جميع متطلباته من قبل مسؤولي الفريق الأزرق، لكن أمورا شخصية وعائلية أثرت على المدرب وجعلته يوقع عقدا سريا مع المنتخب المغربي يتجه بموجبه للرباط في حال فراغ فريق الهلال من البطولة الآسيوية وهو ما يحدث هذه الأيام.

إيريك غيريتس الذي دوت صرخته في مدينة ريكيم البلجيكية يوم 15 مايو (أيار) 1954، متزوج من فتاة تحمل الجنسية الألمانية، بدأ حياته الرياضية كغيره من الرياضيين في العالم وذلك بركل الكرة في ضواحي مدينته الجميلة لينضم بعد ذلك رسميا لنادي ستاندارد لييج البلجيكي الذي شهد الانطلاقة الاحترافية لغيريتس حيث كان يلعب في مركز الظهير الأيمن وبعد تألقه في بلاده اتجهت الأنظار صوبه ليوقع بعدها مع النادي الإيطالي الشهير «إي سي ميلان» وذلك في عام 1983 ليغادر أسوار هذا النادي العملاق متجها صوب نادي ماتريتش الهولندي قبل أن يحط رحاله أخيرا في أحد عمالقة الكرة الهولندية فريق إيندهوفن النادي الذي قضي فيه البلجيكي غيريتس سبعة مواسم خاض خلالها 200 مباراة وحقق ست بطولات مع هذا النادي العملاق إحداها دوري أبطال أوروبا، وأعلن غيريتس توديعه للملاعب الرياضية في موسم 1992، ليبدأ محطته التدريبية في ناديه الأم «ستاندارد لييج البلجيكي» إلا أنه قضي موسمين دون تحقيق أي إنجاز ليكون مصير علاقته مع هذا النادي «الإقالة» اتجه بعدها لتدريب فريق لييرز البلجيكي الذي كان يحتل مراكز متأخرة في الدوري إلا أنه عمل المستحيل مع هذا النادي ليتوجه كبطل للدوري البلجيكي موسم 1997 ليرتفع سهمه في عالم التدريب ويطلب وده إف سي بروج أحد الأندية الكبيرة في بلجيكا حقق معه بطولتين في الموسم الأول إلا أنه قدم استقالته في الموسم الثاني حيث لم يجد راحته في هذا النادي، ليحزم حقائبه ويغادر خارج بلاده متجها نحو هولندا وبالتحديد في نادي إيندهوفن الذي مثله غيريتس كلاعب ليعود ويحقق نجاحاته كلاعب مع هذا الفريق حيث توج بلقب الدوري المحلي مرتين على التوالي كما خطف كأس السوبر الهولندية مرتين على التوالي أيضا، اتجه بعدها لفريق كايزر سلاوترون الألماني ثم فريق فولفسبورغ الألماني إلا أن النجاح لم يحالفه ليحزم حقائبه وغادر ألمانيا متجها إلى تركيا حيث النادي الأبرز هناك «غلطة سراي» وحقق معه الدوري التركي في أول موسم يشرف عليه فنيا، وفي 2007 كانت مهمة كبيرة بانتظار البلجيكي غيريتس بعد أن وقع عقدا للإشراف الفني على مارسيليا الفرنسي حيث كان يقبع الفريق وقتها في المركز التاسع عشر في الدوري الفرنسي الذي انقضت منه 13 جولة إلا أن العجوز غيريتس عمل بقوة وأنهى الموسم وهو في المركز الثالث مما جعل الفريق يشارك في دوري أبطال أوروبا.

«غيريتس حنون للغاية وعاطفي ويتأثر بسرعة على الرغم من ملامح وجهه الصارمة، كما أنه يملك قلبا دافئا تتدفق منه حميمية نادرة تشعر معها بالقرب منه» هكذا وصف جون غيريتس الابن الأكبر لوالده المدرب في حديث سابق أدلى به لـ«الشرق الأوسط» مضيفا عن والده: «والدي يقسو على نفسه كثيرا في سبيل تحقيق النجاحات التي حصدها سابقا ويحصدها حاليا، كما أنه مولع بكرة القدم وينقل هذا الإحساس لمن حوله بشكل مثير، فالحال أشبه بتعرضه لإنفلونزا ومن ثم يقوم بنشر العدوى بين الجميع، والدي مختلف عن بقية المدربين، إنه يعامل لاعبيه كأصدقاء حقيقيين وليس كلاعبين تحت إمرته، وأجزم بأن جميع من يعمل يحترمه ويحبه ويمكنني التأكيد على ذلك»، كما واصل جون غيريتس الحديث عن والده «هو مهووس حقيقي بالإنجازات ويعطي ما نسبته مائة في المائة من جهده وفكره وقلبه وعرقه من أجل تحقيق ذلك، كما أنه بطبعه يكره الخسارة لذا تجده يلح على لاعبيه في كل الأوقات من أجل إن يقدموا أقصى ما لديهم للفوز».

بعد أن أنهى مهمته في الرياض مع فريقه الهلال حيث كانت آخر مباراة يقودها هي القمة التي جمعت بين الهلال وغريمه التقليدي النصر حزم حقائبه أمس متجها إلى المغرب لقيادة ليوث الأطلس، ويبدو أن مرحلة ساخنة في انتظاره حيث تعالت أصوات المنتقدين للبلجيكي قبل وصوله، فالجامعة المغربية أتمت التوقيع معه رغبة في تحقيق إنجاز للكرة المغربية ويأتي من أهمها التأهل لنهائيات كأس العالم 2014 المقامة في البرازيل وهذه الرغبة تدخل في إطار مشروع رياضي كبير على مستوى البلاد هدفه تحسين كافة الألعاب والارتقاء بها بميزانية قيل إنها تتجاوز الـ400 مليون يورو.