ديل بييرو يحتفظ لإيطاليا بذكريات جميلة عن اللعبة الساحرة

حطم الأرقام القياسية داخل يوفنتوس حتى لم يعد هناك شيء يمكن تحطيمه

TT

كلما طال أمد التحقيق الذي يجريه «الفيفا» بشأن مزاعم فساد مسؤولين به، ازدادت حاجة هذه الرياضة للتذكير بسبب حب الرجال لها وممارستهم إياها. وشهدت عطلة نهاية هذا الأسبوع تألق النجوم المعتادين داخل أوروبا؛ حيث أحرز كريستيانو رونالدو هدفين لحساب ريال مدريد، وكذلك أحرز كل من ليونيل ميسي وديفيد فيا هدفين لصالح برشلونة، مما أضاء سماوات إسبانيا.

ومن المثير مراقبة كيف يحافظ هؤلاء اللاعبون على تفوقهم. وعلى الرغم من أن كل فرد من خصومهم يعمد إلى دراسة كل حركة يأتون بها، تبقى غالبيتهم عاجزة عن التصدي لهم وإيقافهم، لكن لمرة واحدة سنترك رونالدو وميسي وفيا جانبا، لنمعن النظر في الرقم القياسي الذي تحقق في إيطاليا، مساء السبت الماضي، عندما تفوق أليساندرو ديل بييرو على غيامبيرو بونيبرتي باعتباره أكثر لاعب أحرز أهدافا في تاريخ نادي يوفنتوس.

جاء هدف ديل بييرو ليؤكد أول انتصار لليوفنتوس على إيه سي ميلان في استاد سان سيرو منذ 6 أعوام. وبلغ عدد الحضور داخل الاستاد 80 ألف متفرج، بينهم مالك نادي ميلان، سيلفيو بيرلسكوني، لكن غاب عنه للأسف جاني أنيلي، المالك السابق لـ«يوفنتوس». على الرغم من كل ما قدمه أنيلي ليوفنتوس، فإنه لم يكن منها استاد بمثل فخامة سان سيرو؛ حيث فضل دوما اللاعبين الجيدين على المباني الفخمة. ونجحت قدرته على اكتشاف مواهب اللاعبين، وكذلك ثروته، في ضمه بونيبرتي للنادي التوريني في خمسينات القرن الماضي، وديل بييرو عام 1993.

ولم يكن أي منهما بالرياضي الضخم أو القوي، لكن كليهما تميز بموهبة رياضية كبرى وإخلاص شديد تجاه «لا فيكييا سنيورا»، أو «السيدة العجوز»، حسبما يشتهر يوفنتوس. وتمكن ديل بييرو من تحطيم الأرقام القياسية لبونيبرتي داخل يوفنتوس، واحدا تلو الآخر. ومؤخرا، تمكن ديل بييرو، السبت الماضي، من تسجيل هدفه الـ179 في دوري الدرجة الأولى الإيطالي لصالح ناديه، ليفوق بذلك رقم بونيبرتي، 178، الذي حققه خلال مشوار كروي امتد من عام 1946 حتى 1961.

وفي رده على سؤال وجهه إليه أحد الإعلاميين مساء السبت، قال ديل بييرو: «لم تعد هناك أرقام قياسية لأحطمها، لكنني سأستمر؛ لأن المرء بحاجة لوضع أهداف جديدة نصب عينيه». ومثلما اعتاد ديل بييرو دوما، فإنه تحدث عن الفريق، بدلا من نفسه كفرد. إلا أنه عندما ألح عليه الصحافيون بأسئلة حول مستقبله، بالنظر إلى أنه سيكمل عامه الـ36 في 9 نوفمبر (تشرين الثاني)، أجاب ديل بييرو: «بالطبع أحلم بتسجيل أهداف داخل استاد يوفنتوس الجديد بعد عام الآن. وأضاف: «سيتم اتخاذ قرار بشأن تجديد عقدي بيني وبين النادي، لكن يبقى أمر واحد مؤكد، وهو أن لدي رغبة في الاستمرار في اللعب، مع يوفنتوس أو بالخارج. لا يمكنني تخيل نفسي أرتدي قميصا آخر داخل إيطاليا».

مثل هذه الأمور تضع ديل بييرو بمعزل عن كبار نجوم كرة القدم المعاصرين، وبدا الهدف الذي أحرزه، السبت، من ركلة قوية بقدمه اليمنى، متناقضا مع ضربة الرأس التي أحرز من خلالها زلاتان إبراهيموفيتش هدف ميلان الوحيد. وقد اختار ديل بييرو الاستمرار مع النادي عندما عانى عار الهبوط عام 2006 في أعقاب فضيحة مدوية. أما إبراهيموفيتش فكان من بين من فضلوا الفرار من السفينة الغارقة على الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية.

وقطعا تناقضت سعادته مع الحالة المزاجية لبيرلسكوني عندما زار غرفة تغيير الملابس الخاصة بفريق ميلان في أعقاب الانتكاسة التي مُني بها أمله في استعادة لقب بطل الدوري الإيطالي. ولا شك أن التناقض أكبر مع حالة فرانشسكو توتي، ساحر روما، لدى طرده لتورطه في شجار مع خصم من نادي ليتشي ارتكب خطأ ضده، السبت. والملاحظ أن سرعة غضب توتي كبدته ثمنا فادحا بالنسبة لموهبته الكروية، وهو ما سيتكرر مستقبلا بالنظر إلى أنه سيغيب عن لقاء روما ولاتسيو المرتقب خلال عطلة نهاية هذا الأسبوع في استاد أوليمبيكو.

والمؤكد أنه بنجاحه في الاستمرار رغم الفضائح التي عصفت بكرة القدم الإيطالية، ومزاعم التلاعب بنتائج المباريات التي دارت حول يوفنتوس، أثبت ديل بييرو تمتعه بصلابة كبيرة. وتشهد قدرته على الاحتفاظ بمكانته الكبيرة بين كبار لاعبي كرة القدم على شجاعته، وتضعه في مكانة مختلفة عن الباقين. وقد أُطلق عليه أنيلي بنتوريكيو، ليقارن بذلك بين تفوقه بمجاله ونجاح رسام عصر النهضة الشهير بنتوريكيو. ومنذ قرابة عقد، جعل أنيلي منه أغلى لاعب من حيث الأجر بمجال كرة القدم في ذلك الوقت، إلا أنه في هذه الأيام، أصبح ديل بييرو بحاجة إلى أن يتعرض زميل له للإصابة أو الإيقاف، مثلما حدث السبت، كي يشارك في مباراة ما من بدايتها. وعلى الرغم من ذلك، يحافظ بييرو على هالة التواضع المحيطة به، وهو من الذين يولون أسرتهم اهتماما كبيرا ويمتاز بحسه الفكاهي ودعمه لأبحاث علاج مرض السرطان.

وتشير الأرقام إلى أن بونيبرتي لعب 444 مباراة في دوري الدرجة الأولى الإيطالي وسجل 178 هدفا، بينما شارك ديل بييرو في 466 مباراة بالدوري الإيطالي وأحرز 199 هدفا، منها 20 هدفا سجلها أثناء مشاركة يوفنتوس في دوري الدرجة الثانية. بصورة مجملة، شارك ديل بييرو مع يوفنتوس في 647 مباراة، بما فيها البطولات الأوروبية، أحرز خلالها 278 هدفا.

وفي سؤال له عبر قناة «سكاي» حول تصوره لمستقبله، أجاب ديل بييرو: «سيتعين علي التفكير في هذا الأمر، ربما غدا. وتدريجيا، سنرى ما ستتكشف عنه الشهور المقبلة». وقال إن ماضيه أصبح بمأمن، أما مستقبله فمفتوح. ولا يزال بإمكان ديل بييرو تحقيق مزيد من التقدم على صعيد مكانته بين كبار هدافي إيطاليا. وربما يتمكن من اللحاق برقم روبرتو باجيو القياسي من حيث عدد الأهداف في دوري الدرجة الأولى، 205 أهداف، إلا أن أعلى عدد أهداف أحرزه لاعب في تاريخ دوري الدرجة الأولى الإيطالي، وهو 274 هدفا أحرزها سيلفيو بيولا، فلا يزال بمأمن من المنافسة. ومما سبق يتضح أنه بعيدا عما يدور في «الفيفا»، تبقى كرة القدم ساحرة.