خالد الفيصل.. الرياضي الشاعر الذي ألهب مدرجات الملاعب بفكرة «دورات الخليج»

«دايم السيف» أبهر العالم بخدماته الوطنية فأطلقت «ناسا» مركبة فضاء تحمل اسمه نحو المريخ

TT

منح الضوء الأخضر لفكرته، وسعى خلفها حتى تحولت لحقيقة على أرض الواقع، امتدت لفترة زمنية طويلة (أربعين عاما)، وشهدت ملاعب هذه الفكرة ولادة عمالقة نجوم الخليج وأساطيره، وأصبحت وجبة دسمة للشارع الرياضي الخليجي.

هي بطولة كأس الخليج للمنتخبات لكرة القدم، التي يقف خلف فكرتها الأمير السعودي خالد الفيصل بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة حاليا، ومدير رعاية الشباب آنذاك، فلا يخفى على أي رياضي خليجي أن الأمير خالد الفيصل هو صاحب فكرة دورة الخليج للمنتخبات على الرغم من بعض الأقاويل التي ترددت في فترات متفاوتة بأن البحرين تقف خلف الفكرة، وبالتحديد الشيخ محمد آل خليفة رئيس الاتحاد الرياضي البحريني الأسبق، إلا أن الوثيقة المكتوبة التي قدمها الشيخ محمد الخليفة للمؤرخ السعودي محمد القدادي، وتم نشرها في كتاب «قصيدة خالد الفيصل الأولى» قبل «خليجي 19»، التي جرت في مسقط عام 2009 كانت بمثابة الدليل القاطع بأن الأحاديث التي نسبت الفكرة إليه عارية من الصحة, مؤكدا أن الفيصل هو صاحب هذه الفكرة.

الأمير خالد بن فيصل بن عبد العزيز آل سعود ولد في مكة المكرمة يوم 24 فبراير (شباط) 1940 بمنزل والده الملك فيصل بن عبد العزيز بحارة الباب، عندما كان والده أميرا لمكة المكرمة، ووالدته الأميرة هيا بنت تركي بن عبد العزيز، وهو متزوج من الأميرة العنود بنت عبد الله، ولديه من الأبناء الأمراء بندر وسلطان وسعود.

درس المرحلة الابتدائية والمتوسطة والثانوية في السعودية، ثم حصل على دبلوم الثانوية الأميركية من مدارس برن ستون 1961، ليلتحق بعد ذلك بواحدة من أشهر الجامعات العالمية، وهي جامعة أكسفورد البريطانية لدراسة العلوم السياسية والاقتصادية.

وبعد عودته من دراسته الجامعية عين مديرا لرعاية الشباب التابعة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية في 1967 ليبدأ أولى محطات النجاح العملية في حياته، التي كانت وما زالت حاضرة، فكان المؤسس الحقيقي لمنهجية قطاع الرياضة في البلاد السعودية، سواء كان ذلك على صعيد إصدار القوانين والأنظمة الخاصة بهذه المؤسسة التي تسترعي اهتمامات فئة كبيرة من شباب الوطن، إضافة لدعمه وعمله المستمر على تأسيس البنية التحتية للرياضة من إنشاء الملاعب الرياضية، كملعب الأمير فيصل بن فهد (الملز سابقا)، إضافة لملعب الأمير عبد الله الفيصل بجدة، علاوة على كونه وضع الخطة الخمسية للفترة 1970 ولغاية 1975، ولم يستمر حتى نهاية هذه الخطة، حيث عين أميرا لمنطقة عسير خلال هذه الفترة.

وكان الأمير خالد الفيصل هو صاحب المبادرة، بقيام ملك البلاد باستقبال أفراد بعثة المنتخبات الرياضية عند تحقيق أي إنجاز، وذلك عندما استقبل الملك فيصل بن عبد العزيز أفراد المنتخب السعودي بعد تحقيق إحدى البطولات إبان إشرافه على رعاية الشباب، واستمر هذا النهج حتى يومنا الحالي.

الأمير خالد الفيصل كان يطرح فكرته «إقامة دورة الخليج» في أكثر من مناسبة للمقربين منه، وفي إحدى المناسبات قام بالتصريح بهذه الفكرة التي لاقت استحسان جميع الحاضرين ليقوم بعد ذلك بعرضها على الملك فيصل بن عبد العزيز الذي وافق على ذلك، وقام الوفد البحريني المشارك في أولمبياد «مكسيكو 1968» بعرض الفكرة على رئيس الاتحاد الدولي «فيفا»، الإنجليزي ستانلي روس، حيث نالت إعجابه ورحب بالفكرة وأبدى دعمه تجاهها، وبعد عودة الوفد البحريني عقد اجتماعا تم من خلاله وضع الخطوط العريضة للبطولة، ولم تمض سوى فترة قصيرة حتى رأت هذه الفكرة النور بمشاركة أربعة منتخبات خليجية (السعودية والبحرين والكويت وقطر). وفي 1970 أقيمت أول بطولة خليجية للمنتخبات في البحرين لتتحول الأمنية لواقع، والحلم لحقيقة، وفي 1971 ودع الأمير خالد الفيصل المجال الرياضي بعدما صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيينه أميرا لمنطقة عسير، ويعتبر الفيصل إداريا ناجحا وقياديا محنكا، ويحسب له بُعد النظر في التخطيط المستقبلي، فقد أمضى الأمير خالد فترة جاوزت الخمسة والثلاثين عاما كأمير لمنطقة عسير، أسهم خلالها بتنشيط السياحة في المنطقة حتى أصبحت الوجهة الأولى للسياحة في السعودية، وفي 2007 صدر مرسوم ملكي يقضي بتعيينه أميرا لمنطقة مكة المكرمة ليعود للمكان الذي دوت فيه صرخته الأولى في هذه الحياة.

الأمير خالد الفيصل بعيدا عن حياته العملية، فهو شاعر وأديب وفنان تشكيلي، وله الكثير من القصائد الشهيرة في وطنه السعودية، وفي موقف حدث للأمير خالد عندما قدمه الملك فهد بن عبد العزيز لسلطان عمان قابوس بقوله: «شاعرنا»، فرد الأمير خالد الفيصل بقصيدة: «نعم شاعرك وأفخر بالسماوة.. وسام فيه عز وله حلاوة». وكان الفيصل في بدايته الشعرية ينشر قصائده تحت لقب «دايم السيف» في إشارة لاسم خالد المفسر بالـ«دايم» والفيصل بـ«السيف»، وللأمير خالد نشاط وحراك لتنشيط ودعم المجال الثقافي في بلده، حيث أسس أول منتدى أدبي ثقافي في الرياض، إضافة لإصداره للكثير من الكتب والدواوين الشعرية، علاوة على إقامته للأمسيات الشعرية في السعودية، كما قام بتأسيس جائزة «المفتاحة» التي تمنح سنويا من منطقة أبها للمميزين والمبدعين في مجالات مختلفة على مستوى البلاد، إضافة لاستحداثه مؤسسة الفكر العربي، التي تقيم سنويا مؤتمرا بحضور نخبة من الأدباء والمثقفين والمفكرين العرب والعالميين.

نال الأمير خالد الفيصل الكثير من الأوسمة التكريمية، منها وسام الريادة، بعد تبنيه لفكرة كأس الخليج، أيضا وسام النهضة الملكي من الدرجة الأولى تسلمه من الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ووسام «الأرز الوطني» من رتبة الوشاح الأكبر، وهو أرفع وسام لبناني سلمه له رئيس مجلس الوزراء اللبناني الدكتور سليم الحص، وذلك اعترافا بثقافة الأمير، ووسام «فيلا فيكوسا» المرتبة العظمى، ووسام «فرنسيس الأول» المرتبة العظمى، كما قامت وكالة «ناسا» الفضائية بوضع اسمه على مركبة أطلقتها للمريخ 2003 اعترافا بخدماته الوطنية والقومية والعالمية، كما نال وسام قلادة الشرف مع الشعار الذهبي من المعهد العربي البرتغالي، وهو الوسام الذي لم يمنح إلا لرؤساء الدول في العالم العربي من قبل.