حلم تنظيم كأس العالم «2022» في الخليج بات قريبا من التحقيق

فارس وقانوني يقودان الملف المتكامل.. وهيئات وشخصيات كروية عالمية رأت في قطر مميزات المرشح الأكبر

TT

من يجرؤ على تنظيم الحدث الكروي الأكبر في العالم؟ بلا شك أنه لمثل ذلك مواصفات خاصة.. ومقومات أكثر خصوصية.. ناهيك عن متطلبات لا بد أن تعنى بها.. وعليه فقد كان تساقط دول كثيرة في مسيرة طلب التنظيم للحدث الرياضي الأهم جديرا بأن يجعل من تقدموا بعدهم أكثر دقة وحرصا قبل أن يطرقوا هذا الباب، نشير إلى ذلك ونحن ندرك أن أكثر من بلد عربي قد طلب التنظيم.. لكن الحسرة حضرت حينما أدرك مسيروه والمتابعون أن الأمر لم يكن إلا مجرد رغبة ينقصها كثير من المقومات والمستلزمات.

قطر.. هذا البلد الخليجي الذي بات محل أنظار العالم من خلال القدرات التنظيمية الهائلة التي عني بها.. قدم أنموذجا عالي القيمة من خلال ملف التنظيم الذي تقدم به لأجل الظفر بتنظيم مونديال 2022.. هو ملف يحمل الكثير من الإيجابيات؛ لذلك فإنه بات مفضلا حين التسابق بعد أيام وتحديد في 2 ديسمبر (كانون الأول) المقبل.. كيف لا وهو يحقق كل المتطلبات التي يرى فيها «الفيفا» سيفا حادا للتنظيم؟ أما لماذا يرى كثيرون أن قطر قادرة على النجاح في التنظيم؟ فبلا شك أن الأمر لن يكون لأجل رغبة مسيري «الفيفا» بأن يكون جزء جديد من العالم حاضرا في التنظيم كما هو الشرق الأوسط.. بل لأن هناك مقومات فائقة الدقة والقيمة يحملها الملف القطري.. ويكفي أن نستشهد هنا بالمحايدين، فالصحف العالمية قرأت موضوع المتقدمين لكأس العالم 2022 وإمكاناتهم وخرجت برؤية محايدة من شخصيات نافذة وصاحبة قرار ووسائل إعلامية مؤثرة، فالقناة العالمية «سي إن إن» خلصت إلى أن قطر تشهد أكبر نهضة رياضية في الشرق الأوسط، وصحيفة الـ«هيرالد تريبيون» أشارت إلى أن إمكاناتها المادية والبنية التحتية تؤهلها لتكون أول دولة عربية شرق أوسطية تستضيف المونديال.

وأجمعت قنوات عالمية كثيرة على أن النجاح الباهر جدا الذي حققته قطر في دورة الألعاب الآسيوية عام 2006 أعطاها أفضليات كثيرة لأجل التنظيم، ناهيك عن أنها قد أثبتت للعالم من قبل قدرتها على تنظيم أي بطولة كبيرة ولا شك أن تنظيم كأس العالم للشباب عام 1995 كان دليلا على قدراتها؛ حيث نجحت البطولة تنظيميا وجماهيريا ومن جميع النواحي، وما تعيشه من تنمية مستدامة وارتقاء في الصحة والتعليم يجعلها أكثر حظوة من الدول الكبرى والقوية في آسيا وأوقيانوسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا، ناهيك عن أن قطر حققت نجاحات كبيرة في تنظيم العديد من المنافسات الرياضية من أهمها بطولات ألعاب القوى ضمن الـ«غراند سلام»، كما أنها ستستضيف أيضا كأس آسيا لكرة القدم عام 2011، بالإضافة إلى أنها كانت منافسا قويا وتقدمت بملف جيد لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية عام 2016، كما أن قطر لديها من الإمكانات والطاقات المادية والبشرية والبنية التحتية بما يجعلها قادرة على الوفاء بجميع شروط «الفيفا» حتى ما يذهب إلى درجات الحرارة، وبما يجعلها مؤهلة لتكون أول دولة عربية تحظى بشرف تنظيم كأس العالم.

الأهم أن ملف قطر قد خلق هزة عنيفة داخل «الفيفا» من جراء التسهيلات الكبيرة والمميزات التي منحتها قطر للتنظيم.. لكي تكون الدولة الأولى التي تعدل من أجوائها لأجل كأس العالم، غير أن بإمكان أي قادم للدوحة مشاهدة كل مباريات كأس العالم من المدرجات إذا رغب في ذلك.. ويبدو أن معظم أعضاء تنفيذية «الفيفا»، وفقا لمصادر أوروبية مطلعة، باتوا أكثر إيمانا بأن قطر قد قدمت ملفا متكاملا حاملا للكثير من الإيجابيات التي يصعب على منافسيها تقديمها.. وهو ما يشير إلى أنها باتت الأكثر تأهيلا واستحقاقا لنيل شرف تنظيم مونديال 2022.

* فارس وقانوني يقودان الملف

* مَن من الآسيويين لا يتذكر تلك اللقطة الفروسية الرائعة التي امتزجت بالعنفوان والرهبة والسيطرة، تلك التي كان ضلعاها الرئيسيان، فارسا شابا متوثبا وفرسا أحكم الشاب سيطرته عليها.. وهو ينطلق من الأسفل إلى الأعلى وإلى علو شاهق عبر جسر بللته الأمطار لأجل إيقاد شعلة أولمبياد الدوحة 2006.. لقد كان منظرا مهيبا حبس الحاضرون في ملعب خليفة أنفاسهم ومعهم الآسيويون وفي العالم ممن يتابعون الحدث من خلف الشاشات.. كيف لا.. والشعلة في القمة والمطر ينهمر وزلق الفرس بات متوقعا؟ لكن همة الفارس صعدت بشموخ لتدفع فرسه ويبلغ القمة ويضيء الشعلة.. ذلك الفارس كان الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، نجل أمير دولة قطر، والفرس هي فرسه المسماة «الشعلة».

هو شاب أكاديمي يحمل شهادة البكالوريوس في الشؤون الدولية من جامعة جورج تاون.. عاشق للفروسية وكرة القدم وإن كان قد بلغ في الأولى شأن التفوق.. حمل على عاتقه تنظيم المونديال من خلال رئاسته ملف استضافة دولة قطر لنهائي بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022، وقد فعل ذلك انطلاقا من قناعة راسخة بأن إقامة بطولة كأس العالم في قطر سوف تسهم في تعزيز أواصر الأخوة بين أبناء المنطقة والعالم أجمع، الأمر الذي سيسهم بدوره في تحفيز مسيرة التطور وتعزيز الانسجام والتفاهم بين الناس من مختلف قارات العالم.

الفارس الثاني هو حسن عبد الله الذوادي، الرئيس التنفيذي للجنة ملف قطر 2022، وهو محور التحركات للملف، يحمل الماجستير في القانون من جامعة شيفيلد في إنجلترا، وقد عمل مديرا للإدارة القانونية التابعة لمؤسسة قطر للاستثمار، قبل توليه مهمة الملف.

ولأن الذوادي ذو خبرات دولية وتجارب ناجحة فقد تم تعيينه في المكان المناسب لتعزيز انتشار ملف قطر 2022 على مستوى العالم، وكعاشق لكرة القدم فإن الذوادي سعيد بأن يكون جزءا من الفريق الذي يقود مسيرة تحقيق هدف دولة قطر في استضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2022 وإضفاء طابع ومفهوم جديدين على هذا الحدث الرياضي العالمي المهم.

حسن الذوادي يعشق كل الرياضات، إلا أن لكرة القدم مكانة خاصة في نفسه، فقد كان أحد لاعبي فريق نادي قطر، أحد فرق المقدمة في قطر، وهو يدرك أبعاد هذه الكرة ويعرف خباياها ودرجة الإمتاع التي تحققها.

المنتمون للملف جميعهم من أصحاب الخبرة والتقنية، وكما أشار مرارا مدير الاتصالات في الملف ناصر الخاطر فإن هناك كثيرا من المميزين في عالم كرة القدم دعموا الملف ووقفوا معه.. ولعلنا لن ننسى انضمام أحد أفضل من أنجبتهم كرة العالم عبر تاريخها، زين الدين زيدان، وهو يعلن الشهر الماضي انضمامه كسفير ودعمه الكامل لكل ما هو سبيل لنيل قطر حق التنظيم.. وسبقه في ذلك ثلاثة من نجوم الكرة في العالم وهم: السعودي سامي الجابر، الذي شارك في 4 نهائيات لكأس العالم، والنجم الأرجنتيني الكبير غابريل باتستوتا.. والقائد الهولندي المميز رونالد دي بور.. ولعل ما أفاض به الجابر للصحافة العالمية كان تعبيرا أكبر عن حجم الاهتمام بهذا الملف وأهميته للمنطقة حينما قال: «أنا سعيد لكوني أول سفير لملف قطر 2022، منذ أن كنت صغيرا وأنا أحلم برؤية كأس العالم تقام في منطقة الشرق الأوسط، وآمل أن يتحقق هذا الأمر من خلال الملف القطري».

وأضاف: «الملف القطري ليس حلم أبناء قطر فقط، بل جميع سكان الشرق الأوسط الذين يتوقون لرؤية هذا الحدث العالمي الضخم يقام في المنطقة للمرة الأولى في التاريخ».

وختم: «تجربتي تقول لي إن قطر ستكون مكانا مدهشا وفريدا لاحتضان كأس العالم في المستقبل، وستساعد بلا شك في إلهام الملايين من الشباب في المنطقة لتمثيل بلادهم في نهائيات كأس العالم».

* قبل ديسمبر.. لم يعد هناك عائق

* الرؤية تقول: إن العالم كله ينتظر الآن الخميس المقبل (2 ديسمبر 2010) ليعرف من سيفوز بتنظيم بطولتي كأس العالم 2018 و2022، خاصة أن تنظيم هذه الكأس لم يذهب أبدا إلى منطقة الشرق الأوسط، وقطر عازمة على استضافة أحداثها هناك ويمكنها هذا بالفعل، وإصرارها كبير على هذا وهناك دعم كبير من جميع أجهزة الدولة، وبما سيجعلها منافسا شرسا لا يمكن الاستهانة به، خاصة أنها بعد أن خرجت من المنافسة على استضافة الألعاب الأولمبية 2016، ركزت تماما على كأس العالم عام 2022 واعتبرته مناسبا لملفها وطموحها، خاصة أن شروط «الفيفا» متحققة تماما على أرض قطر، فيكفي أن نشير إلى أنه سيكون لديها 12 ملعبا مجهزا للمونديال، وأن الغالبية من هذه الملاعب موجودة على أرض الواقع، أما الباقي فسوف يتم استكماله في الفترة المقبلة، أما من الناحية الأمنية التي هي من أهم متطلبات «الفيفا».. فكيف إذا كان صاحب الملف من أقل البلدان في العالم في معدلات الجريمة بكل أنواعها.. وهو بلد يعيش بطريقة متطورة قادرة على التعامل مع من هم على أرضه؟

ونتذكر هنا أنه حينما أراد «الفيفا» لأميركا أن تنظم نهائيات كأس العالم عام 1994 لم يلتفت إلى الحرارة العالية جدا التي كانت تعانيها بعض المدن الأميركية، لا سيما أن الجدولة معنية بمباريات خلال وقت الظهيرة وفي هذه المدن.. وكذلك أن تقنية تكييف ملاعب الكرة لم تحضر بعد.. في ظل التطورات التقنية والعلمية الجارية فقطر قد أعدت العدة لجعل ملاعبها أكثر قدرة على منح الراحة والمتعة، بل إنها باتت صديقة للبيئة، وسوف تسخر التكنولوجيا لخدمة مونديال 2022 بما يقدم للعالم بطولة مدهشة تعلق في الأذهان.

* شواهد التنمية في قطر

* حينما تكون التنمية مرتبطة ببلد يشق طريقه مسرعا ويبدأ من حيث انتهى الآخرون فلا بد من توافر الأدوات اللازمة لمواكبة هذا التسارع ليواكب الباحث عن الحقيقة الأمر مع ما سمع وقرأ بل ومع ما وجده من اختلاف وما رأى من مشاهد لافتة ومثيرة تستحق التوقف عندها.

فقطر الآن من العناوين البارزة للتنمية، ليس في الخليج العربي فقط، بل تتعداه لتسابق باقي العالم ويكفي أن معدلها التنموي قد حضر ضمن المراتب الأولى عالميا.. كيف لا.. والأرقام والمؤشرات الخاصة باقتصاد قطر باتت مذهلة؟ ناهيك عن مظاهر العمران التي أصبحت علامة مميزة لهذا البلد مطرد التقدم، فالأبراج الشاهقة، سواء التي قيد البنيان أو التي أتمت وقوفها، ما زالت حاضرة وتنبئ عن النهضة الكبرى التي تعيشها قطر.

ليس ذلك فقط، بل إن مشاريع النفط والغاز ومشاريع البنى التحتية، سواء ما خص النهضة التعليمية أو الرياضية أو الصحية أو الاجتماعية، ناهيك عن السياحية، أصبحت في محل التنفيذ.

الحيوية قائمة وملموسة في الشأن القطري، حيوية تنطلق من استقرار سياسي مثالي وفعل اقتصادي متطور، وأمن اجتماعي بات مضرب مثل، كلها تدفقت إيجابا لتتبنى حركة إصلاح شاملة.

الآن قطر محط أنظار المستثمرين والشركات العالمية الكبرى، وكل من يريد أن يستثمر في هذه التنمية الخلاقة، وبما يجعل من قطر قطبا أساسيا للنمو، على مدى سنين طويلة.

هذا الفعل العظيم انطلق من النظرة الحكيمة لأمير البلاد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني الذي ما إن تولى مقاليد الحكم عام 1995 إلا وشرع فورا بإعادة ترتيب وتنظيم البلاد، معتمدا منهج التخطيط العلمي الحديث، ومنطلقا من الاستغلال الأمثل للموارد التي حبا الله هذه البلاد بها، فكان تطوير التعليم أولى المهام، ومن ثم الاستفادة الكبرى من الخبرات الأجنبية، مع وضع الخطط طويلة المدى.. وليس ذلك فقط، بل حرر التجارة وشجع القطاع الخاص ودعمه لأجل نيل المبادرات والاستثمارات سواء المحلية أو الأجنبية، وهيأ لها المناخ الاستثماري الاقتصادي السليم وخلق نظام دولة المؤسسات والقانون.

الجانب الأهم في الاستراتيجية التنموية القطرية هو ما ذهب إلى إعادة النظر بالاستثمار من خلال انتهاج الانفتاح التدريجي وتهيئة القطاع الخاص المحلي لتقبل هذا الواقع الجديد انطلاقا من كون قطر عضوا في منظمة التجارة العالمية، وبما يتوجب عليها تحرير الكثير من القطاعات الاقتصادية بحلول العام 2013. وعليه لا بد من إعادة النظر ببعض القوانين والتشريعات مع ضرورة تطوير الأنظمة الحالية، ووجبت الإشارة إلى أنه بعد الإصلاحات قد نما الاقتصاد القطري خلال السنوات الخمس الماضية بمعدل 30% سنويا.

تترافق الخطوات الاستثمارية مع العمل على تفعيل دور القطاع الخاص وتعزيز دور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ولعل الخطوات التي اتخذتها دولة قطر على مدى السنوات الأخيرة تركت نتائج إيجابية على النشاط الاقتصادي في البلاد، ووجبت الإشارة إلى أن ذلك كله ترافق مع إطلاق ورشة إصلاح اقتصادية عبر إقرار سلة من التشريعات أبرزها قانون الاستثمار الأجنبي، وقانون الملكية الفكرية، مع منح غير القطريين التسهيلات وحق التملك، وإلغاء الاحتكار في قطاع الاتصالات، وتركت هذه الخطوات نتائج إيجابية على مستوى وحجم النمو الاقتصادي، وحجم الصادرات القطرية، والميزان التجاري الذي حقق فائضا كبيرا جدا.

أيضا فإن التنمية في الرياضة ذات شأن كبير في دولة قطر ويكفي أن نشير إلى الأهم وهو موضوع الساعة الرامي إلى سعي قطر لاستضافة كأس العالم 2022، وهو الحدث الرياضي الأهم في العالم، الذي يجذب زائرين ومشاهدين من جميع أنحاء المعمورة. ورشحت الدوحة نفسها وهي تدرك أنها ستتنافس مع دول ذات خبرات وتاريخ في التنظيم والإدارة الرياضية، إلا أن الدوحة قد انطلقت من ركائز مهمة ستجعل ملفها مهيأ تماما لدعم الاستضافة، لا سيما أنها تعبر تماما عن المتطلع المدجج بالقدرة والتقنية والإمكانات.

وتخطط الدوحة لأن تكون المركز الأكاديمي والمركز الرياضي وكذلك المركز السياحي الرئيسي لمنطقة الشرق الأوسط ولتحقيق هذه الرؤية تقوم بزيادة مرافقها السكنية والفندقية بطريقة ملحوظة وسريعة وبحلول عام 2016 سيتوافر ما يزيد على 80 ألف غرفة فندقية في قطر.

وبعد هذه الشواهد نقول هنا وبصوت مرتفع: إن كأس العالم جديرة بأن تحضر إلى منطقة الشرق الأوسط، وقطر عازمة على استضافتها هناك ويمكنها هذا بالفعل، وإصرارها كبير على هذا، وهناك دعم كبير من أقطار كثيرة ومن داخل «الفيفا» نفسه، خاصة أن الأخيرين يدركون أن هذه الدولة المتوثبة تعمل جاهدة لاستضافة حدث رياضي ضخم وعالمي، بعد العهد الذي قطعته على نفسها بإقامة بنية تحتية رياضية عالمية تضعها على الخريطة الرياضية العالمية.