برنامج وثائقي يتهم 3 أعضاء في «الفيفا» بتلقي رشاوى

الاتحاد الدولي اعتبرها ادعاءات قديمة ولن يتم فتح التحقيق فيها مجددا

TT

أثار برنامج وثائقي بثته هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) غضب مسؤولي الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، وأيضا القائمين على كرة القدم في الاتحاد الإنجليزي، بعدما اتهم البرنامج ثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية بأنهم تلقوا رشاوى في تسعينات القرن الماضي.

وأكد برنامج «بانوراما» الذي بثته «بي بي سي» مساء أول من أمس أن البرازيلي ريكاردو تيكسيرا، رئيس اتحاد بلاده لكرة القدم، والكاميروني عيسى حياتو، رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف)، ونيكولاس ليوز، رئيس اتحاد كرة القدم بأميركا الجنوبية، حصلوا على رشاوى من شركة «إنترناشيونال سبورتس آند ليجر» (أي إس إل)، التي كانت مسؤولة عن منح حقوق بث مباريات كأس العالم.

والمسؤولون الثلاثة الذين وجه إليهم الاتهام ينتمون إلى اللجنة التنفيذية التي ستختار غدا البلدين المضيفين لمونديالي 2018 الذي تنافس إنجلترا على استضافته، و2022.

وقد تسببت إذاعة البرنامج الوثائقي في حالة من الإزعاج لمسؤولي كرة القدم في إنجلترا، حيث وصف آندي آنسون، رئيس الملف الإنجليزي، قرار الـ«بي بي سي» بإذاعة هذا الشريط الوثائقي بأنه «ضد مصلحة الوطن».

وحصل الصحافي أندرو جينينغز، الذي يحقق منذ نحو 10 أعوام في فضائح الفساد داخل الاتحاد الدولي، على وثائق حصرية بخصوص مبالغ دفعتها «إنترناشيونال سبورتس آند ليجر» (أي إس إل) وهي مؤسسة تسويقية حصلت على الحقوق الحصرية لكؤوس عالم عدة قبل إبعادها عام 2001.

وتتعلق هذه الوثائق الداخلية لهذه المؤسسة بـ175 دفعة غير قانونية في الفترة بين 1989 و1999، بقيمة 100 مليون دولار. وبحسب «بانوراما» فإن هذه الدفعات كانت بهدف رشوة مسؤولين كبار في الاتحاد الدولي.

وأشار المصدر إلى دفعات لشركة «سانود» لصالح ريكاردو تيكسيرا، عضو اللجنة التنفيذية ورئيس الاتحاد البرازيلي. وكان تحقيق لمجلس الشيوخ البرازيلي عام 2001 قد أكد أن تيكسيرا تسلم أموالا من شركة «سانود». واتهم الشريط أيضا رئيس الاتحاد الأفريقي عيسى حياتو، حيث تسلم 100 ألف فرنك عام 1995، ونيكولاس ليوز، رئيس الاتحاد الأميركي الجنوبي، بتسلمه ما مجموعه 730 ألف دولار من «أي إس إل». وكشف الشريط أيضا أن أحد نواب رئيس الاتحاد الدولي جاك وورنر، الذي اتهم سابقا بإعادة بيع تذاكر مونديال 2006، حاول مجددا ودون جدوى شراء تذاكر لمونديال جنوب أفريقيا مقابل 84240 دولارا من أجل إعادة بيعها.

وألقى إيقاف اثنين من أعضاء اللجنة التنفيذية لـ«الفيفا» بظلاله بالفعل على عملية اختيار الدولتين المضيفتين لمونديالي 2018 و2022.

وكان رينالد تيماري (تاهيتي) وآموس أدامو (نيجيريا) قد أوقفا عن مزاولة أي نشاطات تتعلق بكرة القدم لمدة عام واحد وثلاثة أعوام، على الترتيب، بعد تورطهما في عملية قام بها صحافيون متنكرون من صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية، حيث بدا فيها المسؤولان على استعداد لبيع صوتيهما في اقتراع اختيار الدول المضيفة لكأس العالم.

ويرى البريطانيون، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن توقيت إذاعة البرنامج «شيء محبط»، حيث إن وورنر والأصوات الثلاثة التي وجه إليها الاتهام ستكون عنصرا أساسيا في التحكيم، ولآمال إنجلترا في التقدم لما بعد الجولة الأولى في سباق الترشح لاستضافة المونديال العالمي.

وسوف يتوجه الأمير ويليام والنجم ديفيد بيكام ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، حسب كلام الرئيس التنفيذي للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم آندي آنسون إلى زيوريخ (اليوم) لمحاولة الحد من الضرر الذي لحق بملف ترشح إنجلترا لاستضافة كأس العالم من جراء هذه الفضيحة.

وأصر منتقدو توقيت إذاعة البرنامج الليلة الماضية على أن قوة وموضوعية الادعاءات الجديدة لم تبرر بث الفيلم الوثائقي قبل ثلاثة أيام من التصويت، خصوصا أن الادعاءات لا ترتبط من قريب أو بعيد بعملية التقدم للترشيح.

وأدان المسؤولون عن ملف ترشح إنجلترا لاستضافة نهائيات كأس العالم 2018 البرنامج، ووصفوه بأنه يمثل «إحراجا» لهيئة الإذاعة البريطانية، وقالوا في بيان صحافي: «نحن ما زلنا مصرين على موقفنا السابق بأن برنامج (بانوراما) الذي تبثه هيئة الإذاعة البريطانية لم يفعل شيئا أكثر من الاستمرار في الحديث عن سلسلة من الادعاءات التاريخية التي لا يرتبط أي منها بعملية الترشح والتصويت الحالية. ويجب أن ينظر إلى تلك الحلقة من البرنامج على أنها تمثل إحراجا لكل البريطانيين».

وأشارت التقارير الصحافية للبرنامج إلى أن هذه الرشاوى السرية قدمت عبر سلسلة من الشركات الأمامية في إمارة ليختنشتاين إلى مسؤولين بارزين في «الفيفا». واتضح أن حياتو، الذي كان ينظر إليه على أنه هدف رئيسي، في يوم من الأيام، لملف ترشح لندن لاستضافة كأس العالم قد رد بشكل غاضب على التحقيق الذي نشرته صحيفة «صنداي تايمز» خلال فترة سابقة، وسوف يثير قرار إيقاف النيجيري آموس أدامو لمدة ثلاث سنوات، غضبا إضافيا بفعل الادعاءات الأخيرة.

وذكر البرنامج أن نيكولاس ليوز، رئيس اتحاد أميركا الجنوبية حصل على مبلغين سريين من شركة «إنترناشيونال» يصل إجمالي قيمتهما إلى 130 ألف دولار أميركي خلال مداولات قضائية في عام 2008، كما حصل على ثلاثة مدفوعات إضافية بقيمة 200 ألف دولار أميركي. وكان ليوز قد تعرض لضغوط خلال الأسبوع الماضي فقط من فريق ترشح إنجلترا لاستضافة نهائيات كأس العالم. وتظهر قائمة المدفوعات أن شركة «سانود»، ومقرها ليختنشتاين، حصلت على مبلغ 9.5 مليون دولار. وتمت محاكمة ستة من مديري شركة «إنترناشيونال» السويسرية في عام 2008، بتهمة إساءة استخدام أموال الشركة، ولكنهم لم يخضعوا للمحاكمة بتهمة تقديم رشوة تجارية، لأن هذه التهمة لم تكن مدرجة على قائمة الجنح والجرائم في سويسرا حتى عام 2001.

وقد امتنع رئيس «الفيفا»، الذي يتعرض لانتقادات عنيفة بالفعل، بسبب عملية الترشح والتصويت الغامضة، عن التعليق على الادعاءات المتعلقة بتلقي المسؤولين التنفيذيين الثلاثة في «الفيفا» رشاوى.

لكن اتحاد كرة القدم في قارة أميركا الجنوبية (كونميبول) نفى ادعاءات تورط عضوين من القارة اللاتينية في أعمال فساد.

وفي بيان صدر في زيوريخ، أعلن «الفيفا» أنه لن يفتح تحقيقا في شأن هذه الادعاءات، لأنها تعود إلى أحداث وقعت قبل سنوات.

وجاء في البيان: «تم التحقيق آنذاك في هذه الادعاءات من قبل السلطات المعنية في سويسرا».

وأوضح البيان أنه في الحكم الصادر يوم 26 يونيو (حزيران) لسنة 2008، لم تدن المحكمة الجنائية في تسوج أي مسؤول من «الفيفا»، لذلك فقد أشار البيان إلى ضرورة التشديد على أنه لا يوجد من بين مسؤوليه أي شخص تمت إدانته في أي من الاتهامات الجنائية في هذه الأحداث.

وأضاف البيان: «من المهم أيضا تذكر أن هذا الأمر يخص أحداثا وقعت قبل عام 2000، ولم يصدر حكم قضائي ضد (الفيفا)، وتم غلق كل التحقيقات والقضية».

كان نيستور بينيتيز، المتحدث الرسمي باسم اتحاد «كونميبول»، قد وصف هذه الادعاءات بأنها «لا أساس لها من الصحة»، وقال: «في كل مرة تحدث جلبة من نوع ما تعاود مثل هذه الادعاءات، التي لا أساس لها من الصحة، الظهور مجددا».

أما تيكسيرا، فقد نفى بدورة أمس هذه الادعاءات. وقال متحدث رسمي باسم اتحاد الكرة البرازيلي: «لا يوجد جديد، إنها قصة قديمة أعيد فتحها من جديد بسبب قرب اختيار الدولتين المضيفتين لبطولتي كأس العالم».

لكن المشكلة توسعت بعد أن ذكرت صحيفة «تاجس أنتسايجر» السويسرية أمس أن ثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية لـ«الفيفا» ذكرت أسماؤهم في قائمة سرية لأشخاص تلقوا الرشاوى من شركة «إنترناشيونال».

وأوضح تقرير الصحيفة أن الأعضاء الثلاثة المذكورين في هذه القائمة من الأعضاء الحاليين في اللجنة التنفيذية التي اقتصر عدد أعضائها على 22 فقط يحق لهم التصويت غدا الخميس على حق استضافة كل من بطولتي كأس العالم 2018 و2022.

وكانت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية أول من كشفت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن فضيحة فساد تتعلق ببيع الأصوات.

وأوضحت الصحيفة السويسرية أن عضوا رفيع المستوى باللجنة التنفيذية ينتمي لأميركا الجنوبية حصل على 9.5 مليون دولار من شركة «أي إس إل» في الفترة من أغسطس (آب) 1992 إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 1997 عبر شركة وهمية في ليختنشتاين. كما حصل العضوان الآخران على نحو 600 ألف دولار، وكذلك 25 ألف فرنك سويسري (25 ألف دولار) على الترتيب، وهي الإشارات نفسها التي تحدث عنها برنامج «بانوراما» الإنجليزي.

لكن «الفيفا» أوضح أن هذه الأمور المتعلقة بالقضية المشار إليها تعود لسنوات طويلة مضت وحققت فيها السلطات المختصة في سويسرا. وقال بيان «الفيفا»: «إن أيا من مسؤولي (الفيفا) لم يتهم بأي مخالفة جنائية خلال تحقيق وجلسة محاكمة في سويسرا عام 2008، للنظر في انهيار «إنترناشيونال سبورتس آند ليجر»، ولذلك أصبح من الضروري مرة أخرى التشديد على أن أيا من مسؤولي «الفيفا» لم يتهم بأي مخالفة جنائية في هذه التحقيقات، وعلاوة على ذلك فإنه من الضروري التذكير بأن القرار صدر بشأن أمور حدثت قبل عام 2000، ولم تصدر أي إدانة من المحكمة ضد «الفيفا». بينما قال الباراغوياني نيكولاس ليوز، رئيس اتحاد أميركا الجنوبية: «إنها القصص ذاتها منذ عشرة أعوام».

وذكرت مصادر مطلعة في هيئة الإذاعة البريطانية أنه كان هناك اهتمام شعبي قوي بعرض الفيلم الوثائقي، قبل حدوث التصويت، وأنهم كانوا يعكفون على تحريره حتى الدقيقة الأخيرة، بعد حصولهم على وثائق رئيسية في الأسابيع الأخيرة. وأصر آندي آنسون، الرئيس التنفيذي للاتحاد الإنجليزي، أنه على الرغم من أن إنجلترا هي «أكبر المتضررين» بهذا الفيلم الوثائقي، فإنه يبدو واثقا من أن ثمة «طريقا موثوقا لتحقيق النصر» مع تكثيف جهود الحصول على أصوات الناخبين في الدقيقة الأخيرة. وكرر آنسون: «بالطبع أنا محبط إزاء توقيت عرض البرنامج».

وأضاف آنسون: «إنها حقيقة، إنهم مجموعة صغيرة مكونة من 22 شخصا، إنها مجموعة متآلفة من أعضاء اللجنة التنفيذية. وإذا ألحقت ضررا بواحد منهم، فسوف يترك تأثيرا على الآخرين. وهذا أمر حتمي تماما. أنا لا أعتقد أننا سوف نتعرض لضرر بالغ بفعل هذه الادعاءات، ولكننا يجب فقط أن نكون على دراية بتداعياتها وأن نتصرف وفقا لذلك. ولكننا سوف نكون ساذجين إذا اعتقدنا أننا لن نعترض لأي تأثير».

وخلال الليلة قبل الماضية، طالبت منظمة الشفافية الدولية، وهي هيئة رقابية دولية، الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) بتأجيل التصويت المزمع إجراؤه غدا الخميس بعد أن تركت الادعاءات تأثيرا مشوها للسمعة فيما يتعلق بعمليات «الفيفا»، وهو التأثير الذي أعطى انطباعا بأن القرار الذي قد يصدر في ظل هذه الظروف قد يسهم فقط في تأجيج الخلافات والجدل. ولكن ميشيل بلاتيني، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (الويفا)، وأحد المصوتين البالغ عددهم 22 فردا، قال بإصرار: «لا أعتقد أن هذه الادعاءات سوف يكون لها أي تأثير على التصويت، لقد اتخذ الناس قرارهم منذ وقت طويل جدا».