الروس يهللون لفوز بلادهم.. وبوتين إلى زيوريخ ليشكر الفيفا

رئيس وزراء بريطانيا والأمير ويليام أصيبا بخيبة أمل.. والحزن يخيم على الشارع الإسباني

TT

خرج عشرات الفتيان الروس إلى الشوارع في موسكو للاحتفال بفوز بلادهم بتنظيم كأس العالم عام 2018، وذلك رغم تدني درجات الحرارة في البلاد إلى أقل من 20 درجة تحت الصفر.

ورفع هؤلاء الشبان مصابيح مضيئة بألوان العلم الروسي، وطافوا ميادين العاصمة احتفالا بالحدث الكبير الذي يقام في بلادهم للمرة الأولى.

وكان الرئيس ديمتري ميدفيديف، ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين الذي دافع شخصيا عن ملف الترشيح الروسي لاستضافة المونديال، عبرا عن فرحتهما فور إعلان فوز روسيا بشرف تنظيم العرس الكروي العالمي.

وبعدما جلب لروسيا دورة الألعاب الأولمبية الشتوية، وسباقات الجائزة الكبرى لـ«فورميولا1» عام 2014، نجح فلاديمير بوتين أمس في ضمان استضافة بلاده لكأس العالم بعدما جعل من المشروع تحديا شخصيا في بلاد تعاني من غياب البنى التحتية وسمعة ملطخة بالفساد.

وتوجه بوتين إلى زيوريخ لشكر الاتحاد الدولي، فيما عبر الرئيس ديمتري ميدفيديف عن فرحته الكبيرة. وقال بوتين «سوف أتوجه إلى زيوريخ. سبق لي أن وعدت أعضاء اللجنة التنفيذية بأنه في حال تم اختيار روسيا، سأتوجه من دون شك إلى زيوريخ لتقديم الشكر والتحدث عن مشاريعنا المتعلقة بالتحضيرات لاستضافة كأس العالم». وأضاف بوتين «روسيا تحب كرة القدم، وهي تملك كل ما يلزم لتنظيم مونديال 2018 الذي سيقام بأفضل المستويات» مؤكدا أن القرار يشرف هذا البلد.

وقال بوتين «هذا يعبر عن الثقة في روسيا وإمكاناتها على الرغم من أن بعض منشآتها الرياضية غير جاهزة بعد». وأشار إلى أن روسيا قادرة على تنظيم مسابقات رياضية بهذا الحجم بفضل «إمكاناتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية».

من جانبه، كتب الرئيس ميدفيديف بعد إعلان فوز بلاده بالتنظيم، رسالة على شبكة «تويتر» بعنوان «النصر»، قال فيها «الآن يجب أن نستعد كما يجب لتنظيم كأس العالم».

من جهته، أكد نائب رئيس الوزراء الروسي إيغور شوفالوف أن بلاده ستبذل قصارى جهدها لتبرهن وتؤكد أهليتها للثقة الغالية التي منحتها لها اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا). جاء ذلك بعدما أعلن السويسري جوزيف بلاتر، رئيس الفيفا، منح حق استضافة نهائيات كأس العالم 2018 إلى روسيا، التي تفوقت على ثلاثة ملفات أوروبية أخرى، أحدها من إنجلترا، بالإضافة لملفين للتنظيم المشترك، الأول من إسبانيا والبرتغال، والثاني من بلجيكا وهولندا.

وقال شوفالوف «منحتمونا ثقتكم من خلال كأس العالم 2018، وأعدكم ألا تندموا على ذلك. دعونا نسطر التاريخ معا».

وهذه هي المرة الأولى التي تستضيف فيها روسيا النهائيات، وهي كذلك أول دولة من أوروبا الشرقية تنظم كأس العالم لكرة القدم.

ويحمل اختيار روسيا طابعا سياسيا بامتياز، لأنها لم تقدم على الورق ضمانات قوية فيما يتعلق بالبنى التحتية، فكل شيء يجب أن يشيد: الملاعب (باستثناء ملعب لوجنيكي في موسكو الذي يلبي شروط إقامة مباريات كأس العالم) والفنادق وشبكة النقل.

وكانت هناك على ملف روسيا ملاحظات من لجنة التقييم بالفيفا حول مستوى النقل والمواصلات، حيث تحتاج البلاد بشكل ضروري إلى تطوير وتدعيم خطوط الملاحة الجوية، نظرا للمساحة الشاسعة للبلاد، والتي تحتم الانتقال جوا، بينما يبدو مستوى النقل الجوي في روسيا حاليا أقل من المستوى والمعايير المطلوبة.

وذكر الفيفا في تقريره «أي تأخير في استكمال مشروعات النقل قد يترك أثرا على عمليات الفيفا الخاصة بالبطولة، والتشييد المقرر لمنشآت ومرافق مؤقتة قد يفرض تكاليف باهظة». كما أشار تقرير الفيفا إلى أن روسيا تحتاج أيضا إلى تحديث وتجديد الكثير من فنادق ونزل الإقامة، وتحديث شبكة الاتصالات الإلكترونية.

ويشكل اتساع الأراضي الروسية في حد ذاته تحديا لوجيستيا مع أن الملف يركز على 13 مدينة في 4 تجمعات، جميعها في المنطقة الأوروبية من روسيا، باستثناء مدينة ايكاترينبرغ. لكن الدعم اللامتناهي للسلطات الروسية ورئيس الوزراء فلاديمير بوتين طمأن أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا، بعد أن كان الزعيم الروسي قد لعب دورا أساسيا في استضافة مدينة سوتشي للألعاب الأولمبية الشتوية عام 2014.

وندد بوتين، الذي آثر عدم الذهاب إلى زيوريخ لدعم الملف الروسي، أمس، بالحملة الواضحة ضد أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا (في إشارة إلى إنجلترا)، وقال «لقد طمرناهم في الوحل».

ويرى جيورجي تشيردانتسيف، أحد المعلقين الروس المشهورين في كرة القدم، أن مزايا الفوز الروسي «ستكون أكثر أهمية بكثير من الآثار السلبية». واعتبر تشيردانتسيف أن «كأس العالم ستمكن من اندماج روسيا بكاملها وبصورة لا رجعة فيها داخل المجتمع الدولي». وأضاف ساخرا «الروس سيتعلمون أخيرا اللغة الإنجليزية، والأجانب بإمكانهم اكتشاف روسيا خارج الساحة الحمراء والتأكد من أننا لم نعد نحيا تحت لواء الأعلام الحمراء، وأن الدببة لا تتجول في الشوارع».

وبالنسبة إلى معارضي مشروع الاستضافة فإن ميزانية المونديال المقدرة بـ45 مليار دولار سيتم تحويلها، ولن تفيد الشارع الروسي كثيرا.

ورأى بلاتر أن التوجه نحو أوروبا الشرقية يقع ضمن إرادة اكتشاف أراض جديدة، بعد أن نظم مونديال 2002 في كوريا الجنوبية واليابان، ومونديال 2010 في جنوب أفريقيا. ويعتبر نجاح روسيا صفعة قوية لإنجلترا مهد كرة القدم، رغم الملف القوي الذي قدمته، ودفع ترشيحها ثمن باهظا نتيجة لما كشفته الصحف البريطانية عن الفساد لدى أعضاء اللجنة التنفيذية.

ولم يعط ثقل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، يساعده في مهمته الأمير ويليام، ونجم كرة القدم ديفيد بيكام، ثماره، ولم يستطع تكرار ما حققه رئيس الوزراء الأسبق توني بلير عام 2005 حين انتزع من اللجنة الأولمبية الدولية شرف تنظيم أولمبياد 2012 في لندن.

وكان الملف المشترك بين إسبانيا والبرتغال محبوكا بشكل دقيق جدا، لكن يتعين على البلدين أن يواجها أزمة اقتصادية، وتوجد شكوك كبيرة حول إمكانية حل المشكلة المالية في أجل قصير أو متوسط. وكان بلاتر كرر مرات عدة أنه لا يحبذ التنظيم المشترك، وأنه ضد هذا المبدأ عموما بعد أن جربه عام 2002 في كوريا الجنوبية واليابان.

من جهة أخرى، عبر رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، والأمير ويليام، اللذان ذهبا إلى زيوريخ لدعم ملف ترشيح بلدهما، عن خيبة أملهما الكبيرة بعد أن منح الاتحاد الدولي روسيا شرف التنظيم.

وصرح كاميرون بأنه أصيب «بخيبة مريرة»، وقال «الأمر محزن جدا. لم ننظم المونديال منذ ولادتي (أكتوبر/ تشرين الأول 1966، أي بعد 3 أشهر من المونديال الوحيد الذي نظمته إنجلترا وأحرزت كأسه). كنت آمل أن تتغير الأمور، لكن لم يكن ذلك هذه المرة». من جانبه، أعرب الأمير ويليام عن شعوره «بخيبة أمل كبيرة وحزن شديد»، وقال «قدمنا ملفا قويا جدا، لكن للأسف لم تسر الأمور كما كنا نشتهي».

ولم يكن حال نجم كرة القدم ديفيد بيكام سفير ملف ترشيح إنجلترا أفضل حالا، وقال «قمنا بكل ما نستطيع. ترشيحنا لا يمكن أن يكون أفضل من ذلك. هذا أمر مخيب، وأهنئ روسيا وقطر، إنهما دولتان مهمتان جدا، وسيكون الفيفا فخورا بهذا الاختيار».

وأدلى وزير الرياضة البريطاني هوغ روبرتسون بدلوه، وقال «لقد شجعنا الفيفا على التصويت لأسباب تتعلق بكرة القدم. حتى اللحظة لم أفهم شيئا، والتفسير الوحيد الممكن هو ما أعطاه بلاتر خلال إعلان القرار، أي إرادة توجيه كرة القدم نحو أماكن جديدة».

وأضاف عضو لجنة ترشيح إنجلترا ديفيد دين، نائب رئيس نادي آرسنال سابقا «لا أعرف كثيرا عن كيفية سير الأمور، وكل ما أستطيع قوله - وكثيرا ما نشاهده في مباريات كرة القدم - هو أن الفريق الأفضل ليس هو من يفوز دائما».

وفي المقابل، خيمت حالة من الحزن الشديد وخيبة الأمل على إسبانيا، بعد إخفاق الملف الأيبيري (الإسباني - البرتغالي المشترك) في الفوز بحق الاستضافة لصالح الملف الروسي. وقد سيطرت حالة من الثقة على إسبانيا والبرتغال في الفترة الماضية بشأن فرصة ملفهما المشترك في الفوز بحق استضافة البطولة، وعكست استطلاعات الرأي التي أجريت على مواقع الإنترنت بالبلدين هذه الثقة. لكن مع الإعلان عن نتيجة التصويت، تحول شعور الثقة إلى خيبة أمل شديدة.

وذكرت صحيفة «ماركا» الإسبانية الرياضية في عنوانها بموقعها على الإنترنت أمس «خيبة أمل أيبيرية». وذكرت في تعليقها «كان يجب ألا يحدث ذلك.. وداعا لحلم الترشح الأيبيري».

وأعربت صحيفة «آس» الإسبانية الرياضية من خلال موقعها على الإنترنت عن اعتقادها بأن الفيفا اختار روسيا وقطر لاستضافة البطولتين لأن أيا منهما لم يسبق لها تنظيم البطولة.

وعلقت محطة «كادينا كوبي» الإذاعية بالعاصمة الإسبانية مدريد على نتائج التصويت بقولها «إنها خيبة أمل كبيرة لأننا كنا نعتقد أن ملف ترشيحنا كان جذابا ومثيرا».

من جهته، أكد مدرب منتخب إسبانيا فيسنتي ديل بوسكي، أن بلاده «لبت جميع الشروط»، مهنئا روسيا وقطر اللتين وقع عليهما اختيار أعضاء الفيفا.

وقال ديل بوسكي «أعتقد أننا لبينا جميع الشروط لتنظيم هذا المونديال (2018)، لكن يبدو أن لدى أعضاء اللجنة التنفيذية معايير تختلف عن معاييرنا». واعتبر ديل بوسكي أن أحد هذه المعايير قد يكون إرادة «توسيع رقعة كرة القدم إلى أراض جديدة، إضافة إلى كون الدولتين قويتين اقتصاديا»، مشيرا بروح رياضية إلى «وجوب تقبل الهزيمة وتهنئة روسيا وقطر»، ومتمنيا «رؤية منتخب إسبانيا يشارك في كأس العالم في البرازيل (2014) وروسيا (2018) وقطر (2022)».وتابع «لنكن مرتاحي البال» رغم الخسارة «لأننا لبينا كل الشروط المطلوبة لتنظيم المونديال في بلد متحضر يقدم كثيرا ويملك منشآت رياضية جيدة ويحب بشغف كرة القدم».

وختم ديل بوسكي «لدينا بطولة هي الأفضل يشارك فيها لاعبون استثنائيون من مختلف الدول، بمن فيهم لاعبو منتخب إسبانيا أبطال العالم وأوروبا. أعتقد أننا لبينا مجموعة من الشروط.. دول قليلة في العالم تستطيع القيام بذلك».

ومن جانبه، اعتبر الدولي البلجيكي السابق مارك فيلموتس أن «الرياضة ضاعت باختيار روسيا وقطر، وأن الفيفا لم يعتمد على الإطلاق معايير رياضية».

واستضافت إسبانيا كأس العالم 1982، بينما لم يسبق للبرتغال أن نظمت البطولة العالمية. ورغم ذلك، لم يتعرض الملف الأيبيري لأي انتقادات. لكن «آس» لمحت في وقت سابق إلى أنه كان من الأفضل أن يكون العاهل الإسباني الملك خوان كارلوس موجودا في زيوريخ للمساهمة في العرض النهائي للملف الأيبيري أمام مسؤولي الفيفا. لكن صحة الملك خوان كارلوس (72 عاما) لم تكن على ما يرام في الآونة الأخيرة.

وحضر العرض النهائي للملف الأيبيري كل من رئيس الوزراء الإسباني خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، ونظيره البرتغالي جوزيه سوكراتيس، وكذلك كل من رئيسي اتحاد كرة القدم في البلدين، والنجم الشهير إيكر كاسياس حارس مرمى وقائد المنتخب الإسباني الفائز بلقب كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا.