الخسائر المالية تهدد باستبعاد الفرق الكبيرة من البطولات الأوروبية

رواتب اللاعبين باتت خيالية.. ومعدلات الإنفاق أرهقت الأندية

TT

القواعد المالية الجديدة تضع رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، ميشال بلاتيني، على طريق الصدام مع الكثير من أقوى الأندية في أوروبا. من مقر إقامتهم المطل على مياه بحيرة جنيف الهادئة، يدرس المسؤولون التنفيذيون في الاتحاد الأوروبي لكرة القدم التأثيرات بعيدة المدى للقواعد الجديدة التي يزعمون أنها ستحدث تغييرات جذرية في ساحة كرة القدم الأوروبية.

شرح المحاسبون التابعون للاتحاد، بتفاصيل مضنية، تعقيدات قواعد اللعب النظيف المالي، وكشفوا عن الأرقام التي يقولون إنها ستجعل القواعد الجديدة ضرورية لمستقبل اللعبة، وإن الأندية التي لا تمتثل للهدف الأساسي من التشريعات، والمتمثل في الإنفاق وفق مواردها، سيعني حرمانها من المشاركة في البطولات الأوروبية قبل موسم 2014 - 2015.

في غضون ذلك، قدم فريق مانشستر سيتي، في ملعب «كارينغتون»، حيث يتدرب الفريق، المهاجم الجديد إدين جيكو الذي بلغت صفقة التعاقد معه 27 مليون جنيه إسترليني، والذي يعتبر أحدث الإضافات إلى الفريق الذي تكلف نفقات ضخمة لتشكيله منذ أن اشترى الشيخ منصور النادي في عام 2008، وبدأ حملة غير مسبوقة في الإنفاق أدت إلى خسائر تقدر بنحو 121 مليون جنيه إسترليني.

ومع إصرار المدير الفني للفريق روبرتو مانشيني مرة أخرى على أن شراء اللاعب الجديد يمثل إسرافا أخيرا قبل أن يشرع الفريق بحماسة في الوفاء بالمعايير الجديدة، كان بلاتيني قد تحدث بوضوح عن العواقب التي يمكن أن تواجه أي ناد لا يلتزم بتلك المعايير. وقال بلاتيني، الواثق من إعادة انتخابه مرة ثانية رئيسا للاتحاد الأوروبي لكرة القدم لأربع سنوات أخرى في أبريل (نيسان): «مع القوة تأتي مسؤولية مساعدة وحماية كرة القدم». ونجاح أو فشل هذه المغامرة سيحدده تأثير مبادرته الجريئة. وأشار بلاتيني إلى أن منصور أكد له شخصيا العام الماضي أن مانشستر سيتي سيلتزم بالقواعد الجديدة، لكن مصادر مطلعة في الاتحاد قالت إن النادي يواجه «تحديا كبيرا». ويظهر تقرير عام 2009 القياسي الذي أصدره الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، أمس، ويقع في 111 صفحة من الرسوم البيانية والإحصاءات الوفيرة، أن الأندية الإنجليزية بوجه عام تواجه تحديات كبيرة متفاوتة في ما يتعلق بالالتزامات الجديدة، فأكثر من 50 في المائة (56 في المائة) من الأندية الأوروبية الكبرى أبلغت عن خسائر في عام 2009 مقارنة بـ47 في المائة في عام 2008.

وأظهر تحليل مفصل لحسابات أندية الدوري الإنجليزي عن الفترة نفسها قامت به صحيفة «الغارديان» العام الماضي أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الأندية الإنجليزية لن تتمكن من الالتزام بالتشريعات الجديدة للاتحاد الأوروبي لكرة القدم، إذا ما تم تطبيقها غدا.

وبموجب التشريعات الجديدة سيتوجب على الأندية التعهد بمراجعة سجلاتها وظروفها المالية ومحاولة تحسين هذه الظروف المالية والسيطرة عليها بقواعد أكثر صرامة، وذلك في كل أنشطة كرة القدم المعرضة لتراجع مستمر بسبب خسائر مقبولة يمكن تغطيتها من قبل مالك النادي. خلال العامين الأولين، اللذين سيتم تحليلهما من قبل فريق من المحاسبين التابعين للاتحاد الدولي لكرة القدم 2011 - 2012 وموسم 2012 – 2013، سيتم السماح للأندية بالإنفاق بما يزيد على عائداتها بنحو 45 مليون يورو ما دام أن الرقم يمكن تعويضه من قبل مالك النادي.

وخلال المواسم الثلاثة القادمة، ستقف الخسائر المسموح بها عند 45 مليون يورو خلال الفترة ككل، ثم ستنخفض في ما بعد إلى 30 مليون يورو خلال ثلاثة مواسم ثم 15 مليون يورو لتصل أخيرا إلى لا شيء. وفي حال فشل أي ناد سيتم التحقيق في حساباته تفصيليا إذا كشفت إحدى الأرقام عن إشارات تحذيرية في الاختبار، وسوف يتم تمرير القضية إلى لجنة جديدة تؤلف من قبل الاتحاد لاتخاذ قرار بشأن العقوبات.

لكن هناك بعض المحاذير الحاسمة، فإذا ما تمكن نادي من إثبات أنه يسير في الاتجاه الصحيح، وأن خسائره تنخفض عاما تلو الآخر ويمكنه إثبات أنها نتيجة لعقود وقعت قبل عام 2010 عندما أدرجت القواعد في كتيب قواعد الاتحاد ربما يخفض ذلك من العقوبات. وقد وصف قرار المنع الأوروبي المباشر بأنه سيكون بمثابة الملجأ الأخير، لكنه سيكون حلا مقبولا للغاية.

على هذا النحو فإن مثل هذا الإجراء يمكن أن يندرج تحت مبدأ «العيش وفق الموارد المتوافرة». لكن باستثناء مانشستر سيتي، يزعم بلاتيني أن القواعد الجديدة كان لها بالفعل تأثير على عادات إنفاق الأندية الأوروبية الكبيرة. وبالفعل، فلعدد مختلف من الأسباب، لقيت القواعد الجديدة ترحيبا من رومان إبراموفيتش، مالك نادي تشيلسي، الذي أنفق بالفعل 700 مليون جنيه إسترليني على النادي، وأيضا «غليزرز» مالكو نادي مانشستر يونايتد الذين عبروا عن أملهم في استخدام قوى توليد الدخل الطبيعية لزيادة تنافسيتهم دون الحاجة إلى المزيد من الإنفاق، وكذلك من قبل الرئيس التنفيذي لنادي آرسنال إيفان غازيديس الذي يعتقد أن القواعد الجديدة ستكافئ السياسة المالية الحذرة لناديه.

ووصف جياني إنفانتينو، سكرتير عام الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، اليوم، القواعد الجديدة بالحد العملي الأقصى للرواتب لأنها ستمنع الأندية من الإسراف في الإنفاق على الرواتب، وأشار إلى أن إحصاءات عام 2009 كانت السبب في الرغبة في عدم استمرار الوضع القائم. وأظهرت إحصاءات الاتحاد الأوروبي لكرة القدم أن الأندية الكبرى في 53 دولة زادت عائداتها بـ4.8 في المائة لتصل إلى 11.7 مليار يورو خلال العام، على الرغم من تأثيرات الركود، لكن التكلفة ارتفعت بمقدار الضعفين لتصل إلى 9.3 في المائة وهو ما يعني إجمالي خسائر تصل إلى 1.2 مليار يورو. وقد أبلغ أكثر من نصف عدد الأندية الأوروبية (56 في المائة)، التي يبلع 733 ناديا، عن خسائر صافية (4 بطولات أوروبية حققت هامشا ربحيا ضئيلا أو كادت لا تحقق خسائر - ألمانيا والنمسا وبلجيكا والسويد). فأكثر من 70 في المائة من عائدات 249 نادي أنفقت على أجور اللاعبين، وإن 73 في المائة من هذه الأندية أنفقت أكثر من 100 في المائة من دخولها على أجور اللاعبين. وأكد إنفانتينو أن الهدف الرئيسي وقف التضخم في الأجور ووقف الرغبة الجامحة - التي سيطرت على الدوري الإنجليزي وفي أماكن أخرى ـ لدى المشجعين الذين يعربون عن أملهم في قدوم فارس أبيض على صهوة جواده: «هل نموذج العمل الناجح يتمثل في هذا الفارس الأبيض الذي يأتي على صهوة جواد يحمل الكثير من المال كي ينفقه ثم يقفز من فوق صهوة جواده ويرحل».

بلاتيني ملتزم بشدة بقضيته، لكن الكثير من الأسئلة العملية لا تزال في الانتظار. وقد حاول الاتحاد تجنب بعض المصادمات، شارحا بصورة مفصلة كيفية إجراء التحليلات وكيف يمكن لعوامل مثل دخل الرعاية من المالك أن يكون عرضة لاختبارات القيمة السوقية.

لا يزال الاتحاد الأوروبي لكرة القدم متحيرا في الإجابة عن الاتهام بأن كل ذلك لن يؤدي إلا إلى الحفاظ على النظام القائم، وهو ما سيمكن الأندية الكبيرة من بسط مصالحها عبر ميزاتها الطبيعية. وقد أوضح الدوري الإنجليزي أن الاستثمارات من ذلك النوع حققت لبلاكبيرن روفرز لقب الدوري الإنجليزي ووصلت فولهام إلى نهائي دوري الأبطال ستكون مستحيلة وفق القواعد الجديدة.

وعوضا عن ذلك أشار إنفانتينو إلى أن مميزات الاتجاه إلى الاستثمار طويل المدى في البنية التحتية للملاعب وتنمية الشباب. فيمكن لمالكي النادي ضخ استثمارات بلا حدود فيهما. وأضاف: «قبل عقد مضى أبلغ آرسنال عن تحقيق عائدات أقل من ليفربول ونيوكاسل. وفي عام 2009، أي بعد عقد من الاستثمار، تضاعفت أرباحهم بمقدار الضعف عن نيوكاسل وأعلى من ليفربول. هذا أمر ممكن بالنسبة لناد في ظل وجود إدارة جيدة لكن شريطة تنفيذه بصورة سليمة. هذا ما نريده: الفوائد طويلة الأمد».

وفي النهاية فإن المساومة السياسية بين اتحاد الأندية الأوروبية، المؤسسة التي تمثل 197 ناديا من أكبر الأندية الأوروبية، والاتحاد الأوروبي لكرة القدم ستسفر عن مشهد جديد سيكون فيه فائزون وخاسرون، حيث يتوقع أن تكون الأندية الكبيرة ضمن الرابحين. وأبدى بلاتيني ثقة في أن ذلك سيساعد في كشف الطريق أمام حقبة جديدة من ملكية مسؤولة لأندية كرة القدم. آخرون أبدو قناعاتهم بأن أغلب الأندية ستحاول إيجاد سبيل للالتفاف حول القواعد الجديدة على الرغم من تحذيرات «الفيفا» من العقوبات المغلظة التي ستوقعها على الأندية التي تحاول الخداع بشأن الإسراف في الإنفاق. لكن الموقف يخضع في الوقت الراهن لمراجعة دائمة من قبل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم وخطورة ما وصفة رئيس اتحاد الأندية الأوروبية، كارل هاينز رومنيغه، بسيناريو الانصهار المرتقب بأن عدم السماح للأندية الأوروبية الكبرى بالمشاركة في المنافسة الأوروبية سيكون أكثر من كاف لفرض الانضباط على الأندية وقال: «لقد حان الوقت للضغط على المكابح وفرض نوع من العقلانية على كرة القدم».