خبراء سعوديون: سوء التخطيط أعاد كرتنا عقودا إلى الوراء

قالوا إن اتحاد اللعبة بحاجة عاجلة لمشروع تطويري حقيقي ضخم

TT

تعالت أصوات النقاد والمحللين والشارع الرياضي في السعودية بشكل عام، بعد الصدمة الكبيرة التي حصلت عقب خروج المنتخب السعودي من بطولة كأس أمم آسيا 2011 بعد أن كان يتربع على عرشها كمنافس ثابت لأكثر من عقدين، إثر خسارته للمرة الثانية على التوالي أمام منتخب الأردن 0/1، بعد أن خسر في اللقاء الأول أمام سورية 1/2. وطالب الكثير من النقاد والمنتمين للشارع الرياضي بإيجاد حلول عاجلة لإعادة هيبة الأخضر السعودي إلى وضعها الطبيعي. «الشرق الأوسط» أجرت تحقيقا موسعا مع بعض الشخصيات الرياضية القريبة من الكرة السعودية والمتابعة للواقع الرياضي.. وإليكم تفاصيل هذا التحقيق..

في البداية، ذكر مدير تحرير الشؤون الرياضية في صحيفة «الجزيرة»، محمد العبدي، أن ما شهدته الكرة السعودية من نتائج متدهورة في السنوات الأخيرة يعود من وجهة نظره الخاصة إلى أسباب تنظيمية بحتة. وقال «فوضوية الوسط الرياضي السعودي هي السبب في كل ما يحل بالوسط الرياضي، فهنالك عدة أمثلة، رئيس النادي الأهلي يتهجم على الحكم، ورئيس نادي النصر يحاصر الحكم لمدة نصف ساعة داخل الملعب، ولا يتخذ أي قرار ضدهما، فمن الطبيعي أن يكون اللاعبون غير مبالين، ومن الطبيعي أيضا أن يكون الإداريون لا مبالين ما دامت لا توجد قرارات حاسمة ضد المخطئ. صدقني كل ما في الأمر أن العملية تنظيمية بحتة، وهذا ما جعلنا نمر بفوضوية في الوسط الرياضي. فتخيل أن التلفزيون السعودي يخصص حلقة كاملة ليلة مباراتنا أمام سورية من أجل شتم المدرب البرتغالي بيسيرو، عبر برنامج أحد ضيوفه صحافي يكتب في إحدى المنتديات، ومقدمه بلا تاريخ، فهذا يدمر الوسط الرياضي ومفاهيم الناس بهذا العمل، فطبيعي جدا أن المنتخب لا يفوز، وأن يتدهور في ظل هذه الظروف، وإحقاقا للحق فإن ما ذكرته عن رئيسي النصر والأهلي مثال فقط، لكن أمثالهما كثر من رؤساء الأندية».

وأضاف العبدي «أنا ضد استمرار فهد المصيبيح كمدير للمنتخب، وهذا رأيي فيه منذ زمن بعيد، ونحن لا ننكر أنه إداري تنظيمي ممتاز، لكنه لا يصلح إداريا للمنتخب، واستمراريته ستكون ضد المنتخب، فهو للأسف تعامله جاف، ولو كان لدينا غير المصيبيح في بطولة آسيا 2007 لفزنا باللقب».

وبيّن العبدي أن الجيل الحالي من اللاعبين هو أفضل جيل في تاريخ الكرة السعودية كإمكانات، لكن هذا يعتمد على المدرب كيف يستطيع توظيف قدراتهم ومهاراتهم، وكيف يستطيع هؤلاء اللاعبون تقديم كل ما لديهم وما يطلب منهم، وبالتالي فالموضوع أقرب ما يكون هو مجرد عمل إداري وفني بحت.

وحول تعليقه على من يطالب بحل اتحاد الكرة، قال «نحن لا نطالب بالإقالة بقدر ما تكون هناك إصلاحات، والأمير سلطان بن فهد ذكر في تصريح له أن لجنة التطوير تم حلها، لكن السؤال: لجنة التطوير من يرأسها ومن يمثلها؟! وبالتالي يمكن القول إننا أناس عاطفيون ونمارس التدمير لكل ما يمس الكرة السعودية بصلة، ولو لاحظنا في الآونة الأخيرة ما يكتب ستجد حتى الكتاب غير الرياضيين أصبحوا يتدخلون في الشؤون الرياضة بطريقة انتهازية بحتة وسمجة ومخجلة، وبصراحة أنا كمدير تحرير لواحدة من أشهر الصحف السعودية تعمدت ألا اكتب، لأنني بصراحة لا تشرفني الكتابة في وسط يموج بهذا الشكل من الفوضى».

وعن الحلول المناسبة لمعالجة ما وصلت إليه الرياضة السعودية، قال «يجب أن يكون هناك عمل إداري قوي وصريح وشفاف، وألا تتاح الفرصة لكل من هب ودب للإساءة للكرة السعودية ونجومها، فتخيل أن هنالك شخصا يسيء للكرة السعودية ونجومها ويهاجمهم وهو من ضمن الوفد الرسمي، فكيف نطالب اللاعبين بأن يؤدوا ما يطلب منهم؟».

وعلى نفس السياق، يقول الأستاذ المشارك في علم النفس الرياضي في كلية التربية البدنية بجامعة الملك سعود، الدكتور صلاح السقا، إن «سوء التخطيط هو المتسبب الرئيسي في تدهور الرياضة السعودية بشكل عام، والحقيقة أن هذا الشيء لمسناه منذ زمن بعيد، حيث أصبحنا لا نشاهد فيها إلا إصلاحات بسيطة يمكن تسميتها بالمسكنات من دون النظر إلى المشكلة الحقيقة، وحتى الآن هذه المشكلة مستمرة، وعندها نشكك في من يسمون بالخبراء، لأن المشكلة تكمن في من هو الخبير، ومن يضعه، ومن يأتي به، ومن يقول هذا خبير وهذا ليس بخبير».

وعن موضوع استمرارية مدير المنتخب فهد المصيبيح من عدمها، قال «عندما نتحدث عن هذا الموضوع فصاحب القرار هو من يقرر بقاء فهد أو رحيله، لكن لا بد ألا يكون التجديد من أجل التجديد فقط، بل أن يكون التجديد مبنيا على أسس موضوعية، ولا بد أن نسأل أنفسنا قبل أن نتحدث عن المصيبيح، ما هي الأعمال المطلوبة من فهد المصيبيح حتى نستطيع تقييمه؟.. وهل قام بالأعمال الموكلة إليه على أكمل وجه؟.. فالعملية ليست كلعبة الشطرنج أسماء تتغير فحسب، لا بد أن نعرف على أي أسس نحرك هذه الأسماء، ولماذا نلعب بهذه البطاقة قبل أن نلعب ببطاقة أخرى. يجب أن تكون الأمور مدروسة، وللأسف جميع قراراتنا مبنية على الانفعال، ومبنية أيضا على النتائج وليس وفق البناء على المعطيات، وما دامت المعطيات لا نأخذها بعين الاعتبار فثق تماما أن قراراتنا ستكون عاطفية وانفعالية ووقتية، ولن تؤدي إلى الحلول المناسبة».

وكشف السقا أن اللاعبين الموجودين في المنتخب هم نتاج نظام معين «وإذا كان النظام الذي يصنع هؤلاء اللاعبين جيدا ومميزا فثق تماما لن يكون لدينا مشكلة في من سيبقى أو يرحل، لأنه في النهاية لا يصح إلا الصحيح، لذلك لا بد من معرفة الهدف والنظام، فهل نحن بحاجة إلى التغيير في نظامنا من حيث اختيار اللاعبين والتعامل معهم ووضع المعسكرات وإعداد الفرق، أم يكون نظامنا في التعامل والتعاطي مع الدوري وتأجيل المباريات وبرمجتها؟ جميع هذه الأمور لا بد من وضعها على الطاولة لمناقشتها، فهي من وجهة نظري السبب في ما حدث لنا وليس السبب في الأشخاص، ويجب أن نحدد على الأقل أهم أربعة أسباب رئيسية فعلا كانت محصلتها هذه النتائج السيئة، حتى نستطيع التغيير في العمليات والنظام».

وأضاف «إذا كان النظام الموضوع ومعاييره سليمة هنا من الممكن أن يكون الخلل في الأشخاص»، وعلق السقا على من يطالب بحل اتحاد الكرة، وقال «عندما أطالب بشيء لابد أن يكون لي هدف في ذلك، هل من طالب بذلك متأكد ولديه اليقين بأن الاتحاد السعودي لكرة القدم والأسماء الموجودة هي السبب في ما وصلنا إليه؟ وهل يعتقدون أن هنالك طريقة تضمن لنا اختيار أفراد آخرين؟ في اعتقادي أن بعض الكلمات من السهل إطلاقها، ومن الممكن قولها في حالة انفعال، ولنفرض أن بعض هؤلاء لديهم معلومات بأن بعض أعضاء الاتحاد على سبيل المثال لا يقومون بدورهم الصحيح، فعلى الأقل جزء من العملية أو نصف أعضاء الاتحاد جاءوا من خلال الانتخابات، فهل الانتخابات التي عملناها ووضعنا أملنا فيها هي التي تسببت في إخفاقاتنا؟ ونحن كمنتمين للوسط الرياضي ليست لدينا القدرة على الاختيار الصحيح، وهذا يقود إلى أننا كمنسوبي أندية نعتبر جزءا من العملية».

وبين السقا أنه «لا بد من وجود جلسة تكون بعيدة عن الانفعالية ولا تكون أهدافها معروفة مسبقا، بحيث تتم مناقشتها بعقلانية، وأن تركز على أهم الأسباب التي أدت إلى إخفاقنا بكل وضوح ومصداقية، وللأسف أن مشكلتنا تكمن في معظم الأوقات أن أسبابنا تعالج (بالظن)، وهذه المعالجات ليست مبنية على قراءة مستفيضة، وهي بحد ذاتها مشكلة في أن تكون وجهات النظر بهذه الطريقة، وكل واحد يعتقد أن وجهة نظره هي الحقيقة، وهي التي تؤدي للإصلاح، لذا لا بد من وضع الأمور على الطاولة وقراءتها قراءة متأنية بناء على قرارات، حتى نستطيع تصحيح مسار رياضتنا بالشكل الذي يعيد الكرة السعودية لوضعها الطبيعي».

في المقابل، قال المدرب الوطني فؤاد أنور في بداية حديثه «سبق أن تطرقنا إلى موضوع تدهور الكرة السعودية والأسباب الرئيسية التي أدت إلى ما وصلنا إليه، ومن وجهة نظري أعتقد أن عدم الاهتمام بالفئات السنية سواء في الأندية أو المنتخب، وعلى مدار السنوات الماضية التي حققنا فيها البطولات أو الإنجازات للمنتخب السعودي على مستوى جميع الدرجات وحتى وصولهم للمنتخب الأول، ما هو إلا عمل تراكمي، وهو من أهم أسباب تدهور الكرة السعودية، ولو تحدثنا عن هذه البطولة بالذات سنجد أن الأخطاء سببها الجهاز الفني واللاعبون أنفسهم الذين شاركوا في تصفيات كأس العالم 2010 ومن ثم بطولة كأس أمم آسيا الحالية 2011، فلم يتغير شيء، بمعنى أننا في هذه البطولة لم نر لاعبين ولا جهازا فنيا قادرا على تعديل ما حدث، وبالتالي كان الخروج مبكرا».

وعلق فؤاد أنور على استمرارية فهد المصيبيح بقوله «المشكلة التي يعاني منها المنتخب أكبر من استمرارية فهد المصيبيح من عدمها، حيث إن هناك مشكلات فنية لا يستطيع أي مدير أن يحلها، ولا أستطيع أيضا الحكم أو التقييم في الجانب الإداري للمنتخب، كون العمل الإداري في المنتخب لا يتسم بالوضوح، لكن بحكم أنني لاعب وقائد للمنتخب السعودي في فترة من الفترات ومشاهد للدوري السعودي أستطيع التحدث عن الأمور الفنية فقط».

وأضاف «أرى أن اختيار اللاعبين يحدده الجهاز الفني الذي سيقود المنتخب في الفترة المقبلة، الذي من المفترض أن يكون على مستوى عال ولديه الخبرة الكافية في كرة القدم، وإذا خططنا لكأس العالم 2014 لتكوين منتخب قوي فهناك الكثير من اللاعبين لن يستمروا مع الأخضر إلى عام 2014، وبالتالي لا بد من ضخ دماء جديدة وإعطائهم الفرصة في هذه المباريات مثلما رأينا في كأس الخليج الماضية في اليمن التي برزت من خلالها دماء شابة، لكن لم نرهم في كأس آسيا على الرغم من تقديمهم مستويات إيجابية وكبيرة في كأس الخليج، على الرغم من أن بعضهم شاركوا لأول مرة مع المنتخب».

ورفض أنور التعليق على موضوع حل اتحاد الكرة من عدمه، مشيرا إلى أنه ليس مخولا للحديث عن هذا الجانب، وقال «أعتقد أن المشكلة تكمن في أن المنتخب لم يكن لديه مدرب كبير له خبرته وسجله الفني، ولا يوجد لاعبون يقدمون المستوى المنتظر منهم، وهذا لن يساعد في حل اتحاد الكرة أو إقالة المصيبيح، فالمنتخب الياباني على سبيل المثال تعاقد مع مدرب إيطالي عالمي، سبق أن أشرف على منتخب إيطاليا، وعلى فريقي إيه سي ميلان وإنتر ميلان، فالمنتخبات المتطورة كاليابان تحضر مدربين على مستوى عال من الخبرة والسجل التدريبي، ونحن نحضر مدربين لم يشتهروا أو يدربوا إلا في المنطقة، فهذه هي المواضيع التي يجب أن تتم مناقشتها، وبالتالي لست مخولا للحديث عن جدوى إقالة المسؤولين في الاتحاد السعودي لكرة القدم، فأنا رجل فني ولاعب سابق، وأتحدث في الأمور الفنية فقط».

وأضاف «يجب علينا التروي وعدم الانفعال في معالجة الأمور، فالمنتخبات التي تطورت وأصبحت تقدم كرة جميلة مثل الأردن وسورية مع احترامي لها لو لعب المنتخب السعودي أمامها بمستواه الفني المعروف فإنها لن تكسبه»، مؤكدا على أن «الحل من أجل عودة الكرة السعودية إلى وضعها الطبيعي سيكون بالتعاقد مع مدرب جديد له اسم وتاريخ كبير على المستوى العالمي، وأن يكون التوقيع معه لمدة أربعة أعوام، لكن مشكلتنا في السنوات العشر الأخيرة أننا نحضر مدربين أقل من تاريخ الكرة السعودية ليدرب أحدهم سنة أو ستة أشهر ثم نقيله ونحضر مدربا آخر وهكذا، فجميع المدربين الذين دربوا المنتخب في هذه الفترة ليس لهم تاريخ، واشتهروا في المنطقة فقط، فمن الطبيعي أن نحصل على نتائج غير إيجابية».