المدربون الأجانب في السعودية.. بين خشية الإقالة والبحث عن النتائج الفورية

35 منهم أشرفوا على 14 فريقا حتى الآن.. والقرارات المتسرعة تعيد الرياضة إلى الوراء

TT

كثيرا ما نسمع عن تردد بعض الأسماء التدريبية ذات القيمة العالية فنيا وماليا في قبول العروض بمنطقة الخليج، وذلك خشية الإقالة عند أول خسارة أو إخفاق يتعرض له الفريق في أي مسابقة حتى مع وجود الإغراءات المالية الكبيرة، وكثيرا ما يسارع المسؤولون في الأندية السعودية إلى إعلان الإقالات على الهواء مباشرة بعد إخفاق المدرب في مباراة ذات حساسية كبيرة دون تردد، والطريف في الأمر أن التصريحات التي يطلقها مسؤولو هذه الفرق فور التعاقد مع أي مدرب في بداية كل موسم تشير إلى أنه (مدرب جيد ويملك سيرة ذاتية مميزة)، فهنا إما أن يكون الأمر غير صحيح وتم إحضاره بسبب القيمة المادية المنخفضة والمناسبة لظروف النادي، أو أن تكون إدارة النادي وقعت ضحية أحد السماسرة، في حين من الممكن أن يملك المدرب سيرة ذاتية مميزة لكنه لم يجد الأجواء التي تساعده على العمل بسبب التدخلات الإدارية في أحيان، أو تمرد نجوم يملكون قوى داخلية في الأندية، وفي كلتا الحالتين الذي يتحمل الخطأ الأكبر هنا هو إدارة النادي.

بعيدا عن هذه المقدمة التي تجسد واقعنا الحالي، حتى وإن اختلف البعض مع أجزاء من تفاصليها الصغيرة، سنتطرق إلى عدد من المدربين الذي عملوا هذا الموسم على صعيد فرق الممتاز «الفرق المحترفة» وحتى آخر المباريات التي أقيمت في منافسات ذهاب دور الـ8 من مسابقة كأس الملك للأندية الأبطال، فوفقا لموقع إحصائيات الدوري السعودي لكرة القدم بلغ عدد المدربين الذي أشرفوا على مباريات دوري زين السعودي للمحترفين هذا الموسم 32 مدربا لـ14 فريقا، منهم مدربون فقط عملوا لفترة مؤقتة (مباراة واحدة) وهم الثنائي التونسي حافظ الهواربي مع الرائد، وخالد بدرة مع الأهلي، ومع إطلالة بطولة كأس الملك حضر 3 مدربين للقائمة السابقة لتصبح 35 مدربا لهذا الموسم، فالنصر أقال مدربه الكرواتي دراغان وأحضر البرتغالي غوميز مدرب الرائد بنظام الإعارة لمدة شهر، بينما وقع فريق الفيصلي في مأزق بعد أن منحت إدارة النادي طاقم التدريب والجهاز الفني إجازة طويلة كنهاية موسم، إلا أن قرار الاتحاد السعودي لكرة القدم بخصم 3 نقاط من فريقي التعاون والوحدة منح الفيصلي فرصة المشاركة في كأس الملك للأبطال، وسارعت الإدارة بإحضار المدرب الوطني الحميدي العتيبي للحضور كبديل مؤقت للكرواتي زلاتكو، كذلك الحال لفريق الوحدة الذي اعتذر مدربه التونسي لطفي البنزرتي عن إكمال مهمته في كأس الملك ليتم تكليف المصري، بشير عبد الصمد، بقيادة الفريق الأحمر في بقية مبارياته، بهذه الحالة نجد أن جميع الفرق غيرت مدربيها باستثناء فريقي الفتح والقادسية، بالإضافة إلى فريق الفيصلي في دوري زين السعودي للمحترفين فقط، أما على صعيد بطولة كأس الملك للأبطال فقد حضر مدرب جديد للفيصلي.

وبهذه القائمة ذات الرقم الكبير الذي وصل إلى 35 مدربا بمعدل 2.5 مدرب لكل فريق هذا الموسم، تمنحنا مؤشرا خطيرا بالتأكيد على المستقبل الفني والمهاري والتكتيكي للرياضة السعودية، فكيف ننتظر من مدرب تقديم مستوى فني أو عمل جيد على الصعيد التكتيكي والمهاري للاعبين وإثرائهم فكريا نحو عالم الرياضة والاحتراف وتطوير أنفسهم وهو في الوقت ذاته ينتظر بين فينة وأخرى قرار إقالته بسبب ما وصله من مواطنيه الذين سبق لهم العمل هنا في السعودية، ومن واقع تجربة عايشها خلال الفترة التي قضاها في منافسات الدوري السعودي.

هناك في أوروبا عند قراءة حوار لأي من اللاعبين ونجوم العالم ستجده يجزل الثناء ويعيد الفضل لأحد مدربيه الذين أشرفوا على موهبته السابقة وهو (أي المدرب) من قدمه للساحة ودعمه في بداية مشواره بإسداء النصائح وتقديم برنامج غذائي له، الأمر لدينا ربما يبدو مختلفا حتى وإن كان حاضرا بصورة متقطعة وأوقات مختلفة، فدائما نجد المدرب يبحث عن اللاعب الجاهز لأجل تحقيق النتائج الإيجابية التي من شأنها إبقائه في منصبه فترة أطول، وهذا بالتأكيد سيجعلنا نفقد الكثير من المواهب التي اندثرت بسبب البحث عن النتائج الوقتية خوفا من القرارات الارتجالية من قبل مسؤولي الفرق السعودية التي دائما ما تجعل المدربين بمثابة كبش الفداء لإخراج أنفسهم من دائرة الملامة أمام محبي النادي.

أمام هذا الرقم الكبير من الإقالات والاستقالات يظهر نموذجا مشرفا في قليل من الفرق السعودية في كيفية التعامل مع المدربين وإحضارهم في الأعوام الأخيرة، فمثلا إدارة نادي الهلال قامت بإحضار مدربين من طراز عال كالروماني كوزمين الذي استمر مع الهلال موسمين كانت قابلة للزيادة قبل أن تتم إقالته من قبل اتحاد الكرة، ذات الحال ينطبق على فريق الفتح بعد أن نجح رئيس النادي المهندس عبد العزيز العفالق في إبقاء التونسي فتح الجبال مدربا للفريق لمدة 5 مواسم منذ أن كان فريقه يقبع في غياهب الدرجة الأولى إلى أن قاده الجبال لاقتحام صفوف دوري زين السعودي للمحترفين بعد أعوام طويلة من الغياب، أعقبه تقديم مستويات رائعة ومميزة في مسابقات الكرة السعودية منها إحراجه لفرق كبيرة في مسابقة كأس ولي العهد، مسؤولو الفتح لم يكابروا ولم يعدوا بخطف إحدى بطولات الموسم، وهذه بالتأكيد عقلانية ومنطقية في ذات الوقت في ظل إمكانات النادي التي تتطلب العمل من خلالها وليس البحث عن بديل يصعب توفيره في ظل الظروف المالية الصعبة، في الفيصلي أيضا يجيد مسؤولو النادي الاستقرار الفني والإداري أيضا، فمنذ أن كان عنابي سدير في دوري الدرجة الأولى استمر مدربه التونسي الهادي الوالي موسما كاملا حتى قاده لدوري الأضواء، أيضا الموسم الحالي تم التوقيع مع الكرواتي زلاتكو وقدم مستويات أكثر من رائعة حتى خرجت على السطح أنباء بأن أعين مسيري الأخضر الأولمبي اتجهت صوبه. الكرواتي بعد نجاحه اللافت هذا الموسم جعل إدارة ناديه تقوم بالتجديد معه موسما ثانيا، كما أن إدارة القادسية أصرت على إبقاء مدرب فريقها البلغاري ديميتروف حتى نهاية الموسم، على الرغم من اقتراب الفريق من الهبوط منذ فترة متقدمة من منافسات الدوري، إلا أن البلغاري استمر طوال الموسم حتى هبط الفريق لمصاف أندية دوري الدرجة الأولى قبل أن يعود مجددا بعد قرار الاتحاد السعودي لكرة القدم الذي يقضي بخصم 3 نقاط من فريقي الوحدة والتعاون بسبب تعمدهما التأخير في النزول لأرضية ملعب المباراة الذي من شأنه التأثير على ميثاق اللعب النظيف والتأثير على نتائج الآخرين.