المحكمة الرياضية الدولية.. 27 عاما من العوم في قضايا النزاعات بجيش يضم 248 قانونيا

أسسها كيبا مباي من أجل إرساء العدل الرياضي.. وقراراتها نهائية ونافذة ولا تقبل الاستئناف

TT

المحكمة الرياضية الدولية بلوزان.. هيئة قضائية أصبح المتابع الرياضي السعودي والعربي يسمع عنها كثيرا.. وبالتأكيد السماع ليس في المفهوم أو التعريف أو الوجود وإنما فقط بالاسم.. يعرف فقط أنها محكمة تفصل في القضايا الرياضية.. غير ذلك لا توجد أية معلومات عنها بالنسبة لهذا المتابع الرياضي، لا سيما السعودي، وحينما تقوم صحيفة العرب الدولية «الشرق الأوسط» بنشر كل ما يخص هذه المحكمة الرياضية الدولية فإنها تعمل على تعميق مفهوم ما تعنيه المحكمة ولماذا أنشئت ومن استحدثها وما أهدافها ومن شكّلها ومن كان يمولها سابقا وحاليا وفيمَ تفصل ومَن رئيسها وأعضاء مجلس إدارتها.

اللبناني جيرارد حبيبيان المحامي القانوني والمحكم في المحكمة الرياضية الدولية تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن كل ما يخص المحكمة، إذ قال في البداية إن المحكمة الرياضية الدولية هي مؤسسة مستقلة عن أي منظمة وتهدف إلى تسهيل تسوية المنازعات المتعلقة بالرياضة من خلال التحكيم أو الوساطة عن طريق قواعد إجرائية ملائمة، وتم إنشاؤها في عام 1984، وكانت في بداياتها خاضعة للسلطة الإدارية والمالية للمجلس الدولي الرياضي وينتمي إليها نحو 300 محكم ينتمون إلى 87 بلدا.

وأضاف قائلا: «بالنسبة لمقرها، هي تتخذ من لوزان بسويسرا مقرا لها، علما بأن لديها مكتبين فرعيين في سيدني بأستراليا ونيويورك بالولايات المتحدة الأميركية». وأضاف: «جاءت الحاجة إليها بعد تزايد أعداد النزاعات الدولية الرياضية ذات الصلة وعدم وجود أي سلطة مستقلة متخصصة في النزاعات الرياضية يمكن أن تقوم بحل لهذه المشكلات، وطرحت الفكرة في أواخر عام 1980 وبعدها بعام وتحديدا في عام 1981، وبعد وقت قصير من انتخاب خوان أنطونيو سامارانش رئيسا اللجنة الأولمبية الدولية، طرح الأخير فكرة إنشاء سلطة قضائية رياضية محددة. ومعه في ذلك نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية القاضي السنغالي الشهير كيبا مباي، الذي كان آنذاك قاضيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي، حيث كلف الاثنان مجموعة عمل تناط بهم مهمة إعداد النظام الأساسي لما يمكن أن يتحول بعد ذلك إلى محكمة تحكيم رياضية دولية قادرة على تسوية النزاعات الدولية وتقديم إجراءات مرنة وسريعة وغير مكلفة».

ويعتبر كيبا مباي المؤسس للمحكمة الرياضية الدولية، وكان له دور كبير في إرساء العدل الرياضي على مدى تاريخ هذه المؤسسة، وتوفي عام 2007، حيث أصدر البلجيكي جاك روغ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية نعيا لكيبا مباي أكد فيه أن الأخير من الرجالات الكبيرة على مستوى الرياضة الإنسانية.

وتابع قائلا: «في عام 1983 صادقت اللجنة الأولمبية الدولية رسميا على النظام الأساسي للمحكمة، التي دخلت حيز التنفيذ في 30 يونيو (حزيران) 1984. وأصبحت جاهزة للعمل والبت في القضايا اعتبارا من ذلك الوقت، تحت قيادة الرئيس مباي، وكانت تتألف من 60 عضوا تعينهم اللجنة الأولمبية الدولية والاتحادات الدولية، واللجان الأولمبية الوطنية ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية».

وبالإضافة إلى ذلك تحملت جميع التكاليف التشغيلية للمحكمة الرياضية الدولية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية. ومن حيث المبدأ، كانت الدعاوى مجانا، في ما عدا المنازعات ذات الطابع المالي، وتسعى المحكمة الرياضية الدولية إلى حل النزاعات المتعلقة بتنفيذ العقود، وبيع حقوق البث التلفزيوني، وتنظيم الأحداث الرياضية، ونقل لاعب، والعلاقات بين اللاعبين أو المدربين والأندية أو الوكلاء، كما تقضي في الحالات التأديبية مثل العنف على ميدان اللعب، والاعتداء على الحكم.

وكشف اللبناني حبيبيان عن أن المحكمة الرياضية الدولية كانت تسير وفق دعم مالي من اللجنة الأولمبية الدولية، بيد أن المحكمة الفيدرالية العليا في سويسرا انتقدت ذلك ورأت أن ذلك يعزز من عدم شفافية المحكمة واستقلاليتها في أحكامها ما دامت تأخذ أموالها من هيئة تقضي في منازعاتها لتبدأ المحكمة في تمويل نفسها من خلال رعاية أحد البنوك السويسرية الكبرى.

وأشار المحكم والقانوني اللبناني إلى أن 90% من الاتحادات واللجان الرياضية الدولية والقارية والمحلية تعترف بالمحكمة الرياضية الدولية، موضحا أن الاتحاد الدولي لكرة القدم اعترف بها عام 2003 وبدأ في التعامل معها من خلال اتفاقه على ترشيح 100 قانوني «محكم» سنويا، بينما تقوم المحكمة الدولية باختيار نحو 70 إلى 80 محكما لأربعة أعوام متتالية.

وقال: «بصراحة حينما تم الاتفاق مع الفيفا من قبل المحكمة الرياضية الدولية أصر الفيفا على أن يقوم هو بترشيح محكمين من جانبه على اعتبار أن قانون كرة القدم ومنازعاته لها خصوصياتها فوافقت المحكمة الدولية على ذلك».

وبيّن أن التحاكم والتقاضي لدى المحكمة الرياضية الدولية يعتمد على نوعية الخلاف القائم بين الأطراف أيا كانت، موضحا أنه من الضروري أن يتم استنزاف كل الطرق القانونية المحلية والقارية والدولية حتى يتم اللجوء بعدها إلى المحكمة الرياضية الدولية.

وقال اللبناني جيرارد حبيبيان: «هناك معلومة هامة جدا وهي أن الاتحاد المحلي أو اللجنة الأولمبية الوطنية لا يمكن أن تمنعك من اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية ما دامت قد استنفذت كل الطرق القانونية في التقاضي، ونصت أنظمتها على الاعتراف بالمحكمة الرياضية الدولية وبالتالي منعها لا يجب أن يكون من قبل أي اتحاد أو لجنة، مع التأكيد على أن هناك قضايا معينة لا تقبل بها المحكمة الرياضية الدولية».

وشدد على أن القضايا التي تحكم وتنظر فيها المحكمة الرياضية الدولية هي تلك التي تخص العقوبات المفروضة على اللاعبين بالوقف جراء اعتداءات أو إيقاف أو تناول منشطات أو انتقال من نادٍ إلى آخر أو من اتحاد إلى آخر أو لاعب فسخ عقده بنفسه وسط رفض ناديه.

وأكد أن إقالة رئيس نادٍ من منصبه ليس من صلاحيات المحكمة الرياضية الدولية التدخل فيه على اعتبار أن ذلك شان داخلي، موضحا أن «السعودية كمثال يحدث فيها تعيين وتكليف لرؤساء الأندية، وهو أمر لا يحدث في العالم كله، بمعنى أن الأندية العالمية هي التي تحدد رئيس مجلس إدارتها من خلال جمعياتها العمومية المستقلة غير التابعة لوزارات الرياضة والشباب، في حين أن لديكم خصوصية في هذا الجانب ولا علاقة لنا بذلك».

ورفض حبيبيان ما يتردد أحيانا بأن المحكمة الرياضية الدولية تأخذ وقتا طويلا في التعاطي مع القضايا، مشددا على أن ذلك غير صحيح وأن التعاطي مع أي قضية يعتمد على نوعيتها وثقلها، مبينا أن بعض القضايا لا يأخذ النظر والحكم فيها سوى ساعات قليلة، لا سيما إذا كان النزاع أثناء كأس العالم أو الدورة الأولمبية، في حين أن بعضها يأخذ أشهرا بشرط أن لا تكون هذه القضية مرتبطة بحدث ما أو منافسات معينة قد تضر بالفريق أو اللاعب أو الاتحاد أو أي منتمٍ إلى الرياضة.

وكشف عن أن قرارات المحكمة الرياضية الدولية نهائية ونافذة ولا تقبل الاستئناف، لكنها تقبل الطعن حينما تخالف المحكمة القانون السويسري وبالتالي يذهب الطاعن «المتضرر» من الحكم إلى المحكمة الفيدرالية السويسرية الدولية، وهذا الأمر يكون في حدود قليلة، بل ونادرة جدا على اعتبار أن المحكمة الرياضية الدولية تعمل دائما على أن تكون قراراتها متوافقة ومنسجمة مع القانون السويسري.

وشدد اللبناني حبيبان على أنه ليس بالضرورة أن يكون القانوني المنتمي إلى اللجان القضائية أو حتى المحكمة الرياضية الدولية حاملا للقانون الرياضي، على اعتبار أن هذا التخصص جديد ومن الصعب توفيره في الفترة الحالية، لكن الخبرات الرياضية والممارسات الدائمة من قبل القانونيين في الرياضة يجعلهم أكثر قدرة على العمل في ذلك.

وقال: «في المحكمة الرياضية الدولية يوجد نحو 300 محكم قانوني أغلبهم لا يحمل تخصص القانون الرياضي، لكنهم بالخبرة والممارسة ومعرفة القوانين الرياضية استطاعوا أن يعملوا في المحكمة، وهذا الكلام ينسحب على اللجان القضائية في الاتحادات واللجان».

وأضاف: «بالتأكيد لن ينجح القانوني غير الرياضي في العمل في اللجان القضائية بشكل عام، وكذلك في المحكمة، لكن القانوني الرياضي والمتمرس الذي سبق له العمل سيكون ناجحا تماما لأنه يملك الخبرة والممارسة والاطلاع».

وبيّن أن أي نادٍ يلجأ إلى المحكمة الدولية تقوم الأخيرة بمنحه محكما والطرف الآخر محكما آخر، بينما تعين المحكمة محكما ثالثا من جانبها للحكم بين الطرفين المتنازعين.

بقيت الإشارة إلى أن اللبناني جيرارد حبيبيان يحمل شهادة القانون وسبق له العمل في عضوية اتحاد الكرة اللبناني وكان عضوا في لجنة الانضباط اللبنانية وعضوا في إدارة نادي الهومنتمن.

ويرأس المحكمة الرياضية الدولية الأسترالي «القاضي» جون كوتس المولود عام 1950، وهو عضو في اللجنة الأولمبية الدولية ويرأس اللجنة الأولمبية في بلاده، وهو محامٍ كبير ورجل أعمال في ذات الوقت، أما نائبه فهو السويدي جونر وارنر، وأما الأعضاء فهم الأميركي ميشال لينارد الذي يشغل منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية الأميركية وعضو في اللجنة الأولمبية الدولية، والمصري نبيل العربي الذي عيّن مؤخرا أمينا عاما للجامعة العربية، وهو قاض شهير عمل في محكمة العدل الدولية في لاهاي.

ومن الأعضاء أيضا الألماني توماس باخ الذي يتولى رئاسة شعبة الاستئناف والتحكيم في المحكمة الرياضية الدولية وكذلك يشغل منصب نائب رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، والسويسري باتريك بومان عضو اللجنة الأولمبية الدولية، والمكسيكي ريكاردو كونتراز عضو اللجنة الأولمبية الدولية، والسوري عبد الله الخاني الذي شغل عضوية محكمة العدل الدولية في لاهاي وعضوية محكمة التحكيم الدولية التابعة للمحكمة الجنائية الدولية، والسويسري ايفو ايزبيو، والسنغافوري مايكل هوانغ الذي يشغل منصب رئيس محكمة مركز دبي العالمي ونائب وزير العدل في بلاده ويعتبر المستشار الأقدم في سنغافورة، وهو سفير غير مقيم في سويسرا.

أما الماليزي الأمير عمران تونكو فهو عضو في اللجنة الأولمبية الدولية ويحمل شهادة الحقوق من جامعة نتونغهام البريطانية، وأما السويسري جين جاكويز فهو قاضٍ شهير في المحكمة الاتحادية السويسرية ويحمل درجة الدكتوراه في القانون.ومن الأعضاء أيضا السويدي غوران بترسون والبلجيكي فرانس ميلومانز والفرنسي آلان بلنتي الذي يحمل درجة الدكتوراه في القانون والرئيس الفخري للمحكمة الدولية للتحكيم، والكندي ريتشارد باوند الذي سبق له رئاسة الوكالة العالمية للمنشطات (الوادا)، والسويسري كورين والأميركي «البورتو ريكي» خوان تورولا والكندية تريشيا جيم سميث.

بقيت الإشارة إلى أن المحكمين «القانونيين» المعتمدين في المحكمة الرياضية الدولية يبلغ عددهم نحو 248، من بينهم 20 أفريقيا ومن بينهم أيضا 3 مصريين ومحكم تونسي ومحكمون من توغو والسنغال ومالي ومدغشقر وساحل العاج والكاميرون وكينيا وملاوي وناميبيا وجنوب أفريقيا وزيمبابوي ونيجيريا.

أما أميركا الشمالية فيمثلها 39 محكما، حيث 10 كنديين و29 أميركيا، أما وسط أميركا فيمثلها واحد من كوستاريكا، و4 مكسيكيون، وواحد من ترينداد وتاباغو، أما أميركا الجنوبية فيمثلها 11 محكما، اثنان من الأرجنتين و6 من البرازيل وواحد من تشيلي وغواتيمالا وفنزويلا، وأما آسيا فيمثلها 25 محكما إيرانيا ولبنانيان وخمسة صينيين و3 من الهند وكوريان وفلبيني وفيتنامي و4 يابانيين و3 ماليزيين و3 سنغافوريين، وأما قارة أوقيانيسيا فيمثلها 28 محكما، علما بأن أوروبا يمثلها 119 محكما، بينهم 18 سويسريا و17 فرنسيا و14 إنجليزيا و12 ألمانيا.