الفيفا يعوم على ثروة ضخمة ورجاله يعيثون فسادا بالرفاهية والمحاباة

الاتحاد الدولي يملك 1.3 مليار دولار كاحتياطي مالي.. وأرباحه 1.2 مليار للعام الماضي

TT

اعتاد أعضاء اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على التدليل ومواكب السيارات وحراسة الشرطة والإقامة في فنادق 5 نجوم، والدعوات الفاخرة على العشاء والبدلات النقدية التي تصل إلى 500 دولار يوميا، و250 إضافية لزوجاتهم أو صديقاتهم.

الأعضاء الأربعة والعشرون في اللجنة التنفيذية للاتحاد هم الذين يديرون شؤون كرة القدم في العالم وينظمون مسابقة كأس العالم، هذه النخبة من الرجال يحصلون على رواتب ومكافآت تصل إلى 300 ألف دولار سنويا، هذا إلى جانب المميزات الكثيرة الأخرى. في مقابل ذلك لا يطلب منهم سوى بذل جهد متواضع لا يتجاوز حضور بعض الاجتماعات الخاصة سنويا لمناقشة القواعد والعقوبات والقضايا القانونية، وربما الأهم من ذلك كله التصويت على الدولة التي ستستضيف البطولة التي تقام كل أربع سنوات.

لكن هذه النخبة تتعرض في الوقت الراهن لضغوط لم تشهدها من قبل، لعل أبرزها الاتهامات التي وجهت إلى محمد بن همام بدفع رشى إلى أعضاء اتحادات الدول الفقيرة بهدف الإطاحة بالرئيس الحالي للفيفا سيب بلاتر، هذا إلى جانب الشكوك حول معايير اختيار روسيا وقطر لاستضافة بطولتي كأس العالم 2018 و2022.

لكن قمة الفيفا حصن ذهبي، ما دفع عددا من الخبراء إلى التشكك في إمكانية أن تؤدي تحقيقات لجنة الأخلاق في قضية بن همام، التي أثيرت حولها ضجة كبيرة والتي تم تحديد جلساتها يومي 22 و23 يوليو (تموز) في زيوريخ، إلى نتائج جوهرية.

ويقول غونتر غيبايور، أستاذ الفلسفة الرياضية بجامعة فري يونيفرستي أوف برلين الألمانية: «المنظمة لا تتمتع بالديمقراطية أو الشفافية. إنها ثقافة ترتكز على المجاملات والمحاباة والرشى، ثقافة أشبه ما تكون في بعض جوانبها بثقافة رجال العصابات».

على مدار سنوات كثيرة سابقة بدا أن هناك خطا رفيعا في الفيفا بين المصالح المتبادلة والفساد المباشر. وقد أزعج هذا الغموض غراهام تايلور، لاعب كرة القدم البريطاني السابق والذي عمل مديرا فنيا للمنتخب الإنجليزي، خلال فترة عمله التي استمرت 18 شهرا في اللجنة الاستشارية الفنية في الفيفا في بداية التسعينات. وأثناء اجتماع اللجنة التي افتتحت عملها بعشاء فاخر في مطعم 5 نجوم، ثم غداء فاخر في مطعم 5 نجوم، وفي أعقاب الاجتماع في اليوم التالي صعق من الطقوس الغريبة عندما بدأ الأعضاء في الوقوف صفا واحدا. ويقول تايلور: «وقفنا صفا واحدا مثل الأولاد المطيعين لنحصل على مستحقاتنا. وطلب مني رجل في الصف أن أطالب بتذكرة سفري، على الرغم من أن الاتحاد الإنجليزي قد تكفل بها بالفعل. وقال لي: (طالب بكل شيء ثم افتح لنفسك حسابا مصرفيا في سويسرا وسوف تتراكم الأموال فيه تباعا)».

رغم الاتهامات الموجهة إلى الفيفا، فإن بعض المطلعين على دقائق الأمور في الفيفا يصر على أن المنظمة تبذل جهودا حثيثة لتنظيف البيت من الداخل، فيشير تشاك بلازر عضو اللجنة التنفيذية الذي أثار قضية بن همام إلى أن عمل لجنة الأخلاق يشير إلى أنها مستقلة وتملك أنيابا حقيقية لأنها واجهت بن همام وعضوا قويا آخر، هو جاك وارنر. وتشكو الدول التي تقدمت بعروض لاستضافة كأس العالم من غياب المعايير الأخلاقية للفيفا، والذي وصل ببعض أعضاء اللجنة إلى عدم التفريق بين عقد الصفقات والرشوة. واستشهدوا ببرنامج «إرث» الفيفا الذي شجع الدول المتقدمة لاستضافة كأس العالم بتمويل المشروعات التنموية في مجال كرة القدم في دول أخرى، فأسهمت أستراليا على سبيل المثال بما يقارب 300 ألف دولار حتى يتمكن منتخب ترينيداد وتوباغو تحت 20 عاما من السفر إلى قبرص. وقد ارتبطت هذه المساهمة بوارنر، الذي استقال من مناصبه الرياضية بعد توقيفه لصلته بمزاعم تلقي رشوة من بن همام.

وعلى الرغم من جرأة بلازر في الإبلاغ عن فضيحة بن همام، فإنه يواجه هو الآخر انتقادات بسبب الاتفاق الذي تمكنت من خلاله شركته «سبورت فرتيزنغ»، التي أسسها خارج الولايات المتحدة في جزر كايمن، من الحصول على نسبة 10 في المائة من حقوق الرعاية ورسوم حق البث التلفزيوني لصالح اتحاد شمال ووسط أميركا والكاريبي لكرة القدم، وقد أبلغ عن هذه الصفقة في أول الأمر أندرو جنيننغز، الصحافي الاستقصائي المستقل في بريطانيا، الذي كان يعمل في هيئة الإذاعة البريطانية.

من ناحية أخرى أكد اللورد ديفيد تريسمان، رئيس اتحاد الكرة الإنجليزي السابق، على أنه شهد مطالب علنية بالرشوة خلال حملة بلاده للفوز بكأس العالم عام 2018، وأبدى دهشة كبيرة من عدم رغبة الفيفا في إجراء مزيد من التحقيقات مع أعضاء اللجنة التنفيذية ومزاعمه. وقال تريسمان: «أنا لا أدري كيف يمكن الدفاع عن الرشوة في العصر الحديث، الذي يتسم بالشفافية»، وأشار أمام لجنة برلمانية إلى سلوك أربعة من أعضاء اللجنة، حيث تراوحت المطالب من 2.5 مليون دولار لأكاديمية ترينيداد الرياضية - حيث يوجه المال بصورة مباشرة إلى وارنر - إلى حقوق البث التلفزيوني لمباراة ودية بين المنتخب الإنجليزي وتايلاند احتفالا بارتقاء الملك سدة الحكم. يذكر أن الاتحاد منذ تأسيسه في باريس عام 1904 نما ليصبح مؤسسة بالغة الثراء حيث بلغت احتياطياته 1.3 مليار دولار وبلغت أرباحه من حقوق البث التلفزيوني والتسويق العام الماضي 1.2 مليار دولار. كما استفاد أيضا من الإعفاءات الضريبية التي تمنحها سويسرا للمنظمات الرياضية.

وعبر رولاند بوتشل، عضو البرلمان السويسري، عن قلقه العميق بالقول إنه رغم هذه الإعفاءات الضريبية فإن تقرير العام الماضي الذي نشر في يونيو (حزيران) أدهشه نتيجة الرواتب التي يحصل عليها الموظفون غير الدائمين والتي بلغت 32.6 مليون دولار، أي بزيادة قدرها 55 في المائة عن العام الماضي، تم دفعها للفريق الإداري ومن بينهم أعضاء اللجنة التنفيذية. الطريقة التي توزع بها هذه المبالغ لا تزال سرية، كما هو الحال بالنسبة لرواتب كبار التنفيذيين في الاتحاد، ولعل أحد الأمثلة الأخرى على غياب الشفافية في الفيفا التي عملت مع مؤسسة «وان وورلد تراست»، غير الربحية في عام 2007 لتقييم معايير المحاسبة داخل المنظمة، لكن المنظمة لم تتبنَّ أيا من التوصيات الكثيرة التي قدمتها المؤسسة.

ويقول مايكل هامر، المدير التنفيذي لمؤسسة «وان وورلد تراست»، ومقرها لندن وتعمل على تطوير معايير صناعة القرار والإدارة: «هناك نزاع قوي بين ما تزعم المنظمة أنها تقوم به، وبين الطريقة التي تعمل بها على الأرض». وأشار هامر إلى أن الفيفا استخدم الأموال «كعصا وجزرة في الوقت ذاته للتأثير على الطريقة التي تعمل بها المنظمة».

هذه الرفاهية وهذا التدليل خلقا جوا جعل أفراد الفيفا يتصرفون بطريقة متعالية، بحسب أشخاص مطلعين وخبراء وأفراد شاركوا في تقديم ملفات دولهم لاستضافة كأس العالم.

فيقول بونيتا ميرسياديس، الرئيس السابق للجنة المسؤولة عن عرض الملف الأسترالي لاستضافة كأس العالم: «بعض أفراد اللجنة التنفيذية سافروا إلى الدول التي تقدمت بعروض الاستضافة ووضعوا مطالب لمشروعات تنموية، وهذه كناية عن المال، لا يمكن أن تعرف ما يحدث». وفي أعقاب توقيف بن همام من اللجنة التنفيذية رفض الإدلاء بأي مقابلات صحافية واكتفى بالقول: «لست في موقف يسمح لي بالكلام الآن»، لكنه أصدر بيانا على مدونته الشخصية مؤخرا شكا فيه من التسريبات والتحقيقات المتحيزة ضده.

وعبر بن همام، بحسب ما جاء في المدونة، بأن يكون القرار الذي سيتخذ بشأنه نابعا من الفيفا «لجنة الأخلاق»، لا بناء على رغبات أفراد من الخارج.

*خدمة «نيويورك تايمز».