«أزمة فكر» تهدد احترافية الأندية السعودية.. وتحججها بخواء خزائنها «غير مبرر»

«الاحترافية» ظهرت على خطوات إدارة الفيصلي.. والفرق الكبيرة تسقط في فخ العشوائية

إدارة الفيصلي كشفت عن احترافيتها باستثمار جزء من المكرمة الملكية في إنشاء سكن خاص بالنادي
TT

«أزمة مال أم أزمة فكر وإدارة؟»، سؤال بات يتردد تجاه ما يحدث في الوسط الرياضي السعودي تعليقا على ما نقرأه من تصريحات مسؤولي أندية دوري زين السعودي للمحترفين الذين يؤكدون وجود أزمة مالية خانقة تعيق الإدارة عن إكمال عملها أو استعدادها للموسم المقبل على الرغم من الارتفاع الذي اجتاح العقود الخاصة برعاية هذه الفرق التي فاقت عشرات الملايين، فقبل أعوام ليست بالبعيدة كانت مداخيل الأندية السعودية وبالأخص الكبيرة منها لا تتجاوز حاجز العشرة ملايين وهو المبلغ الذي يقدمه الراعي الرسمي للنادي، ومثلها كذلك القيمة التي يتقاضونها نظير حقوق النقل التلفزيوني، وكانت أمور تلك الأندية تدار وفق هذه المداخيل مع مساعدات شرفية تدعم بها الخزينة لإتمام مبلغ صفقة لاعب أجنبي أو محلي يصنف من قائمة الخمسة نجوم، ويستحق أن تقدم له مبالغ طائلة لضمه لصفوف الفريق، فأصبح أعضاء شرف هذه الأندية هم الوقود الحقيقي لتسيير أمور النادي في الوقت الذي كانت فيه رياضتنا بعيدة عن الاحتراف في العمل الذي نسعى لتطبيقه، ولكنه لم يقع على أرض الواقع حتى الآن، في الوقت الحالي وبعد أن اقتحمت شركات الاتصالات ساحة الرياضة السعودية قفز مؤشر الأرقام لعقود الرعاية لنسبة فاقت الخمسة أضعاف وذلك في السنوات الخمس الماضية، ومعها أصبحت خزائن الأندية مليئة بملايين الريالات التي لم يتم استثمارها بالشكل المطلوب، فهي بمثابة الدعم الخاص للفريق الأول فقط مع تجاهل كافة «الفرق السنيّة الأخرى» التي ما زالت تعيش على ما يساهم به أعضاء الشرف فتحضر المستحقات بحضور الدعم وتغيب كثيرا بغيابه، وهي في النهاية مجهودات تستحق الثناء كونها جهودا شخصية ناتجة عن محبة لذلك النادي، أما ملايين الريالات التي يتم إيداعها في الخزينة من عقود الرعاية فحظيت صفقات اللاعبين الأجانب والمدربين بنصيب الأسد منها، وأرهقت هذه العقود خزائن الأندية ليس لموسم واحد فقط، بل يمتد هذا الإرهاق لموسم آخر وربما موسم ثالث والمحصلة النهائية لم يتغير الحال عن السابق إن لم يكن أسوأ، وذلك على صعيد بعض الأندية الباحثة عن بطولات محلية كفريق النصر أو الأندية التي تبحث عن بطولات قارية كما هو حال فريقي الهلال والاتحاد، وقد يكون الحال في بعض الأندية «الكبيرة» يرثى له، فتقع إدارة النادي ضحية لسماسرة يرفعون قيمة لاعب لا يستحق نصف هذه القيمة ويكون عالة على الفريق، وفي نهاية المطاف يتم تسريحه ويزيد رقم المديونيات على الإدارة، وعلى الرغم من الإيجابيات المتوقع حضورها عندما قامت هذه الأندية بتوقيع عقود الرعاية الأخيرة فإن الحال لم يتغير عن السابق بل ربما كان الحال من قبل أفضل، فلم نشاهد تلك الأندية تعلن عن ميزانية مخصصة للتعاقدات بالموسم الجديد للاعبين الأجانب والمحليين مع استثمار بقية هذه المبالغ لدعم بقية فرق النادي، بل استمر الصرف دون تخطيط مسبق للالتزامات المادية وفق مداخيل النادي، وتم تجاهل الفئات السنية وبقية الألعاب التي تنهض وتعيش على مجهودات شرفية فقط.

على الطرف الآخر نجحت إدارة نادي الفيصلي برئاسة فهد المدلج في تطبيق عمل إداري مالي احترافي رغم الأزمات المادية الخانقة التي تحيط بأندية الوسط والمؤخرة في دوري زين السعودي للمحترفين التي تغيب عنها عقود الرعاية الضخمة والكبيرة، فعلى صعيد التعاقدات للاعبين المحليين والأجانب تضع إدارة الفيصلي ميزانية محددة لإتمام هذه الصفقات وما يزيد عن ذلك يتم صرف النظر عنه كما حدث مع المحترف الألباني مهاجم الفريق ميغين ميملي الذي حصل على عرض كبير من إدارة التعاون ولم تقدم إدارة الفيصلي عرضا يوازي العرض التعاوني لوكيل أعمال اللاعب، بل صرفت النظر عن اللاعب رغم إمكاناته الفنية الكبيرة، واتجهت للتعاقد مع لاعب بديل له، وذات الحال ينطبق على سياسة الإدارة في التعاقد مع اللاعبين المحليين بحسب تصريحات سابقة لرئيس النادي الذي يؤكد أن هناك أرقاما محددة لميزانية أي موسم قبل انطلاقه مما يضمن توفير رواتب اللاعبين ومكافآتهم بشكل فوري إضافة لمبالغ مقدمات العقود، في الأشهر الماضية وعندما صدر الأمر الملكي بدعم الأندية الرياضية بمبالغ مالية ضخمة تشمل (153 ناديا)، وكان نصيب أندية دوري زين السعودي للمحترفين 10 ملايين ريال، قامت إدارة الفيصلي بتخصيص جزء من هذا المبلغ لإنشاء ملاعب لأكاديمية النادي مع استثمارها خارج ساعات التدريب، في الوقت الذي ذهبت فيه هذه الملايين في بعض الأندية لتسديد مستحقات سابقة على النادي، وأخيرا قامت إدارة الفيصلي بإنشاء «سكن خاص بالنادي» وهو عبارة عن مبنى مكون من طابقين ونصف موزع على 24 وحدة سكنية وبلغت تكاليف إنشاءها قرابة 2.5 مليون ريال سعودي، مما سيوفر على النادي مبالغ طائلة كانت تدفع سنويا لسكن اللاعبين الأجانب والأجهزة الفنية واللاعبين المحليين القادمين من خارج المدينة، ومع هذه الخطوات التي تقوم بها إدارة الفيصلي أثبت لجميع منسوبي الوسط الرياضي أن الفكر يأتي قبل المال.

أخيرا سيقرر الاتحاد الآسيوي خلال الفترة المقبلة نظاما سيحول الأندية إلى شركات «الخصخصة» في حال أرادت الأندية الاستمرار في المشاركة في دوري أبطال آسيا ومعها يتطلب أن تكون مصروفات النادي لا تتعدى مداخيله، إلا أننا وبالوضع الحالي الذي تدار به الأندية لن نصل لهذا المستوى من القدرة على إدارة الأندية وفق ما يتطلبه الاتحاد الآسيوي، فاللاعبون الأجانب يحضرون بمبالغ طائلة «على الرغم من أن بعضهم يتم التعاقد معه بتكفل شخصي من رئيس النادي»، إلا أننا لا نشاهد عوائد مادية يحصل عليها النادي بعد قدوم اللاعب كما يحدث في بقية دول العالم المتقدمة رياضيا من بيع قمصان اللاعب خلال تقديمه للجمهور ووسائل الأعلام، إضافة لغياب عقود الإعلانات الخاصة باللاعبين الخمس نجوم بالنادي، ووسط هذه التصريحات التي أصبحنا نسمعها بين فترة وأخرى «أزمة مالية خانقة» واستمرار التخبط في الصرف سيجعل الأندية السعودية في موقف حرج خلال الفترة المقبلة خاصة وأنها باتت تطلب من الشركات الراعية تقديم موعد صرف المبالغ عن وقتها المحدد بسبب المستحقات الكبيرة التي ترهق خزائنها.