تراجع التقنيات الفنية وقلة وعي المسؤولين.. يشوهان جمالية التعليق العربي

الحربين والسالمي أكدا لـ «الشرق الأوسط» أن لهما مدرسة خاصة.. والبعض يتقاضى 15 ألف دولار

TT

يعتبر التعليق في العالم العربي جزءا مهما من منظومة النقل التلفزيوني، الذي يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من المشاهدة، لتعود بالنفع المالي على المنشآت الإعلامية التي تتبناها، ويعد التعليق فنا مستقلا بذاته، ويتطلب موهبة مميزة تملك المقومات الصوتية والشخصية، مما تسبب في وجود فوارق بين المعلقين، في ظل الكثير من المعوقات التي يواجهونها أثناء ممارسة التعليق، والتي تحول دون تحقيقهم مستوى أعلى من الاحترافية في عملهم، ويأتي في مقدمة تلك العوائق تخلف التقنيات الفنية التي توفرها القنوات الفضائية العربية، إثر تمسكها ببعض الأجهزة التي لا تناسب التطور الذي تشهده الثورة التقنية الحديثة، إلى جانب وقوع البعض منهم تحت وطأة التقليد، ليستنسخ من معلقين آخرين ذات الأسلوب، ويستخدم نفس الكلمات، من أجل أن يحقق الجماهيرية ذاتها التي يمتلكها المعلقون الآخرون، خصوصا حينما يكون المعلق في بداية مشواره الرياضي، وسعيا منه لنيل الأجور العالية التي تخصصها القنوات الفضائية للمعلقين الأكثر طلبا في الساحة، وهو ما أحدث صراعات داخلية في الوسط التعليقي، ويسعى البعض إلى إسقاط الآخرين، من أجل أن يحظى بالشعبية الكبرى بين الرياضيين، إلى جانب الميول التي يكون لها تأثير سلبي على موقف المعلق أثناء وصفه للمباراة، مما يجعله منحازا إلى طرف على حساب آخر، ليفقد بذلك التصرف المصداقية التي تتطلبها مهنية العمل الإعلامي، التي تستلزم منه الوقوف في منطقة محايدة، تكفل لكل جانب حقه، ويحاول المعلقون العرب الكبار تأسيس مدرسة مستقلة للتعليق العربي، بحيث يكون مستقلا وليس تابعا لأي مدرسة أوروبية، له سماته التي تبنى على واقع الرياضة العربية في المنطقة، وما تستلزمه من الدمج بين الوصف وعرض المعلومة، مما يعطي المعلقين في العالم العربي طابعا خاصا، يرضي ذائقة المتابعين العرب، الذين بدورهم يختلفون عن المتلقي الأوروبي، بناء على الاختلاف الثقافي والاجتماعي، وإن كان بعض المتابعين يفضل النمط الغربي في التعليق، مما يجعله ينتقد الكثير من المعلقين العرب، إلا أنهم يرون ضرورة تغيير الفكرة في أذهان المتلقين، لكي يدركوا أهمية تكوين أسلوب خاص للعالم العربي، بدلا من أن يكون تابعا لغيره من الأساليب المستوردة.

وأوضح المعلق الرياضي السعودي عيسى الحربين أن القنوات التجارية تعيش ثورة ربحية من خلال الرياضة، وبالتحديد كرة القدم، وكذلك الأمر بالنسبة للقنوات المدعومة حكوميا، التي بدأت تجني من هذا الانفتاح الرياضي، ولا أقول بأن المعلق عملة بارزة، أو مهمة بين عملات الجذب في التغطيات لتلك الأحداث الرياضية، بل أقولها وبكل صراحة، إنه العملة النفسية والأبرز على الإطلاق، ولذلك نجد منافسات تجارية بين القنوات تعكس قيمة التعليق وقدره. وأضاف: المعلقون هم من صنعوا قيمتهم المهنية، وحجم ما يتقاضونه من أجور مالية، التي لا تعد مبالغا فيها، خصوصا إذا قارناه بما تجنيه القنوات من أرباح نظير المتابعة الجماهيرية لهم، كما أن التعليق الرياضي ليس فنا سهلا، بل يحتاج إلى العمل والتجارب لتقديمه بأفضل صورة، وكما أن هناك تفاوتا بين الأطباء والمهندسين والمعلمين وغيرهم في المؤسسات الخاصة، فالأمر كذلك بالنسبة للمعلقين سواء على الصعيد العملي أو المادي.

وتحدث عيسى الحربين عن المعوقات التي تقف أمام المعلق العربي، وقال: لا يمكن حصرها، فهي كثيرة وتؤرقه على الدوام، ويأتي في مقدمتها التقنيات الفنية التي لا تزال ينقصها الكثير عما نجده في انتدابات الدوريات الأوروبية، إلى جانب الإدارات البعيدة كل البعد عن مهنية الخطاب الإعلامي، وسياساتها المتقلبة للترضيات الخاصة، وما يتبعها من قضايا تزعج المعلقين، وكذلك عدم تقبل الجمهور بأن التعليق العربي يعيش مدرسة خاصة موحدة وجديدة، فيها مزج بين الإثارة والمعلومة، ولا يزال معظمهم يرى بأن المعلق بهذا المزج يتفلسف، وعليه فقط وصف المباراة دون الخروج عن المستطيل الأخضر، وهذه أبرز المشكلات وليست كلها، علما بأن الأداء الفني للكرة العربية لا يتوافق مع رؤية الجمهور، وهذا يحتم على التعليق العربي أن يقدم مدرسة جديدة بعيدا عن الملعب.

واعتبر الحربين قناة «»الجزيرة الرياضية هي الأكثر احترافية في الوسط الرياضي، وقال: من واقع تجربتي في 4 قنوات رياضية فإنها الوحيدة التي وصل معلقوها إلى الاحتراف المهني، بسبب الإدارة المحترفة، وثبات سياسة رسالتها الإعلامية الواضحة، فهذه وجهة نظري من واقع التجربة، ويجب ألا تفسر بأساليب بعيدة عن المنطق، لذا على القنوات الأخرى أن تخطو خطوات تتوافق مع استراتيجيات التخطيط الإعلاني، الذي يتواكب مع الجودة المهنية فيها.

واختتم الحربين حديثه بالتأكيد على حق التعبير لدى الجميع، وقال: إن كان المعلق ذكيا فإن الجمهور أذكى، ويعرف النقد وأهدافه وأغراضه، ويدرك القيمة المهنية الإعلامية لدى المعلق، وبهذه الصورة تعاملت مع انتقادات وصلت إلى 204 خلال ثلاث سنوات فقط في الكرة السعودية، اشتملت على تصريحات فضائية، ومقالات، ومواد صحافية، لم يكن فيها الكثير من المهنية، لكن كما ذكرت النقد يعتبر أمرا مشروعا للجميع.

وكشف المعلق الرياضي العماني سالم السالمي أن المعلقين الذين ينتمون لمؤسسات إعلامية محترفة يتقاضون رواتب جيدة، وفقا لأدائهم ومستوياتهم التي يقدمونها، ولكل قناة رياضية أسلوبها في تقييم مستوى الأجور، بناء على معايير تراها منسجمة مع ما يراه المسؤولون فيها، وهي التي تجعل المعلقين يتنقلون من فضائية إلى أخرى، بحثا عن البيئة الملائمة التي توفر لهم أجرا يليق بهم، حيث يتقاضى بعض المعلقين ما يقارب الـ 15 ألف دولار شهريا، إلا أن العقبة الأبرز أمام التعليق في العالم العربي تكمن في قضية الاحتكار، الذي يجعل معظم المسابقات المحلية والقارية والعالمية منحصرة في قناة فضائية واحدة، مما يقلل فرص ظهور العديد من المعلقين، ويصعب مسألة الظهور إلى الجمهور الرياضي.

وتابع: المعلقون العرب وصلوا إلى مرحلة الاحتراف، الذي يتعلق في المقام الأول بالمؤسسة الإعلامية، فمتى ما استطاعت توفير ما يساعد المعلق للظهور بصورة جيدة، فإنه سيظهر كذلك، وإن كانت لا تملك المقومات الكافية فسينعكس سلبا على مستوى التعليق، وتبقى الأبواب مشرعة بين المعلقين ليتنافسوا فيما بينهم، ولكل مجتهد نصيب، فأنا أميل إلى الأجواء التنافسية، لأنها تضفي حماسا أكبر في الوسط الرياضي، وعلى المعلقين أن يتقبلوا الانتقادات التي تأتيهم بصدر رحب، فإن كان النقد يسعى للبناء والتوجيه السليم فعليهم أن يستفيدوا منه، وإن كان هدفه الهدم فلا يلتفتوا إليه.

واختتم السالمي حديثه بالتحذير من انجراف المعلق خلف ميوله أثناء مزاولته لمهنة التعليق، وقال: إقحام الميول سيؤثر بشكل سلبي على علاقة المعلقين بالمتلقي، لأنه يحب أن يسمع الصوت المحايد، فهو يسعى للبحث عن المصداقية التي من المستحيل تحقيقها في ظل سيادة الميول والعاطفة اللذين يفسدان العمل التعليقي برمته.