قوى الأخضر السعودي.. مشاركة «عالمية» سلبية تعيد النظر في الاستعداد للأولمبياد

مشاركة المنتخبات العربية في بطولة العالم للكبار كانت الأضعف على مدى التاريخ

TT

أثار المنتخب السعودي لألعاب القوى علامات استفهام عدة بعد مشاركته المخيبة في بطولة العالم لألعاب القوى الـ13 للكبار، التي اختتمت مؤخرا في مدينة دايغو بكوريا الجنوبية، وبوجه عام تعتبر المشاركة العربية في هذه البطولة هي الأضعف على مدى التاريخ بالنظر إلى مشاركتها منذ النسخة الأولى التي استضافتها العاصمة الفنلندية هلسنكي قبل 28 عاما، وعلى الرغم من مشاركة 96 لاعبا ولاعبة من 19 دولة عربية في 31 مسابقة, فإنهم لم يحصلوا سوى على ميداليتين فضيتين؛ جاءتا من نصيب العداء السوداني أبو بكر كاكي في سباق 800م، والعداءة التونسية حبيبة الغريبي في سباق 3000م موانع.

«الشرق الأوسط» بدورها طرحت تساؤلات عدة على طاولة المتخصصين الوطنيين في رياضة ألعاب القوى، منها دور الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لألعاب القوى والأندية في صناعة اللاعب البطل الذي يملك القدرة على حصد الميداليات في المحافل الدولية، ومنها الألعاب الأولمبية أو بطولات العالم للكبار.

في البداية، ذكر عضو مجلس الإدارة، رئيس اللجنة الفنية بالاتحاد السعودي لألعاب القوى الدكتور حبيب الربيعان، أن المستويات في بطولة العالم عالية جدا, «وحتى تنافس على تحقيق الميداليات فأنت مطالب بمرحلة إعداد طويلة وإلى عدد كبير من اللاعبين المؤهلين لمثل هذه المشاركات التي تتوقف على عدة عوامل، لعل أبرزها الدعم المادي الذي يعاني منه اتحاد ألعاب القوى الذي يعمل بكل طاقاته وجهده للظهور بالمستوى المشرف، ولكن للأسف نحن نعاني من عدم وجود ميزانية نستطيع من خلالها صناعة البطل، ولن تصدق لو قلت لك إن اتحاد اللعبة هو من يقوم بتجهيز لاعبي المنتخبات والأندية، حيث لا يوجد الدعم المادي الكافي من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب لبناء جيل من صغار السن نستطيع متابعتهم».

وأردف الربيعان: «حتى تستطيع تحقيق ميدالية في الأولمبياد أو البطولات العالمية تحتاج إلى سنوات طويلة في إعداد اللاعب منذ الصغر، وبشكل متواصل، وتحت إشراف فني عالمي، والكثير من المشاركات على جميع الأصعدة، ولكن ما يحدث للأسف أن اللاعبين الذين يمارسون ألعاب القوى يأتون وهم كبار في السن، وبالتالي يصلون للمستوى العالمي وهم في نهاية المشوار».

وبين الربيعان أنه «يجب علينا أن نتعلم من الآخرين, فعلى سبيل المثال صاحب الميدالية الذهبية في الوثب الثلاثي، اللاعب الأميركي الذي حصل على مسافة 96 و17 مترا لا يتعدى عمره الـ20 عاما، وكذلك بطل رمي الجلة هو الآخر لم يتجاوز سن العشرين، فكيف حقق هذان اللاعبان الإنجاز؟ بكل تأكيد هناك رعاية واهتمام ودعم متواصل وميزانية مفتوحة وتدريبات متواصلة في المدارس مرورا بالجامعات، فهنا يكمن الفارق، إضافة إلى أن ميزانية اتحاد ألعاب القوى ضعيفة جدا، ولا تتعدى مليوني ريال، والأندية لا يوجد فيها أي اهتمام للعبة، وحتى تستطيع المنافسة على تحقيق الميداليات، فلا بد من توفير العشرات من هادي صوعان ومحمد الصالحي، فمثل هؤلاء اللاعبين بإمكانهم تحقيق الميداليات، فالتنافس مطلوب خاصة في لعبة كالقوى، فمن الصعب أن تصرف نصف ميزانية الاتحاد على لاعب واحد، وربما يتعرض للإصابة قبل شهرين من المشاركة، فكيف سيتم تعويضه، فاللاعب شاويش كانت آمالنا معلقة عليه، لأنه يمتلك المقومات التي تجعله يحقق ميدالية مشرفة، ولكن للأسف تعرض للإصابة وتبخرت أحلامنا في هذا البطل وخسرنا كذلك ما تم الإنفاق عليه طوال هذه الفترة.

وأضاف الدكتور الربيعان: «إن الإقبال على ألعاب القوى ضعيف جدا ونسعى في اتحاد اللعبة إلى إعادتها مجددا في الأندية الممتازة، وللأسف تفاجأنا بشروطهم على الرغم من مبادرة رئيس الاتحاد، الأمير نواف بن محمد، من خلال زيارته للأندية، حيث لم نجد أي اهتمام، وكانت أعذارهم عدم وجود ميزانية، وطلبوا المساعدة من اتحاد اللعبة ودفع جميع التكاليف، فهل يعقل أن يقوم اتحاد اللعبة بالدفع للأندية من أجل مشاركة لاعبيها في المسابقات؟ خصوصا أن الوصول للإبداع والتألق يعتبر دائرة متصلة بين اتحاد اللعبة واللجنة الأولمبية والرئاسة العامة لرعاية الشباب ممثلة في الأندية التي يتوجب عليها الاهتمام في تفريخ اللاعبين، ومن ثم يبدأ دور اتحاد اللعبة في عمله بعد أن يصل اللاعب إلى مستوى معين، وما نشاهده حاليا العكس، حيث انقلبت الآية، فلا يقوم النادي بأي مجهود، وأصبحت المسؤولية أمام اتحاد اللعبة في كل ما يخص اللاعبين ومشاركتهم، لدرجة أن اتحاد اللعبة هو الذي يدفع تكاليف المعيشة والمشاركة في المسابقات المحلية وهو لا يستطيع بأي حال من الأحول صناعة بطل، في ظل الميزانية الضعيفة التي تصرف له، وإذا أردنا فعلا تطوير اللعبة والمنافسة على تحقيق الميداليات لا بد من وضع ميزانية هائلة تساعد الاتحاد على تسيير أموره بنجاح.

من جهته، أوضح البطل العالمي والمشرف العام على المسافات الطويلة والقصيرة سعد شداد، أن النتائج التي صاحبت المشاركات العربية في بطولة العالم للألعاب القوى تعتبر نكسة للجميع، وقال: «الذين شاركوا في بطولة العالم للألعاب القوى اعتمد وجودهم على الأرقام التي حققوها في المرحلة التأهيلية التي تؤهلهم للدخول إلى الأدوار النهائية، وحسين الحمضة حقق رقما شخصيا منحه التأهل للألعاب الأولمبية في لندن 2012، ودخل النهائي لأول مرة، وهذا يعتبر إنجازا بالنسبة له، في حين أن اللاعب محمد شاوين كان مرشحا لتحقيق ميدالية، كونه يعتبر من أفضل ثلاثة عداءين في العالم، بعد تحقيق زمن 31 و3 دقائق في مسافة 1500م، ولكن للأسف فإن اللاعب تغير فكره وأسلوبه بعد تحقيقه هذا الزمن، حيث تعالى في المعسكر على المدرب، وكان يريد فرض البرنامج وفق ما يراه مناسبا، ولم يتوقف عند هذا الحد، بل يريد مناقشة المدرب في برنامج التدريبات بمعنى أنه يريد التدخل في عمل غيره، وهذا بطبيعة الحال مستحيل، ولن نسمح بأن يقوم لاعب أو عداء بفرض رأيه والتدخل في الجوانب الفنية، وهذا ما أثر عليه في المشاركات التي كان آخرها بطولة العالم التي أدت إلى إخفاقه في سباق 1500م، أما اللاعب علي العمري استطاع الوصول إلى أرقام جيدة وتأهل إلى الألعاب الأولمبية في لندن، وحقق المركز الـ16 وقدم ما عليه ولا يستطيع الوصول إلى أكثر من هذا المركز، ويعتبر هذا هو مستواه، والأمر ذاته ينطبق على زميله العداء حسين الحمضة، فعندما تشارك في بطولة العالم لا بد من تحقيق رقم تأهيلي جيد يكون قريبا من العداءين الأبطال حتى تستطيع المنافسة على تحقيق ميدالية.

وكشف سعد شداد عن أن الدعم المادي يعتبر وسيلة مهمة في إعداد البطل، و«لكن السؤال من أين نحصل على هذا المال؟ فجميع الاتحادات الرياضية بما فيها اتحاد ألعاب القوى ليس لديها الميزانية التي تكفيها لتحضير بطل، وإعانة الرئاسة العامة لرعاية الشباب لا تكفي الاتحادات، وحتى تستطيع تحضير لاعب بإمكانه تحقيق الميداليات فأنت بحاجة إلى أن تصرف عليه مبلغا لا يقل عن 600 ألف ريال سنويا، إضافة إلى ذلك نوعية الرياضي السابق أفضل من الحاليين فيما يخص الانضباط والإمكانيات الجسمانية لتحقيق الهدف الذي يسعى الوصول له، وألعاب القوى من أصعب الرياضيات وتجد فيها الإقبال محدود بعكس كرة القدم وكرة السلة أو كرة الطائرة، فليس من السهل إقناع اللاعب أن يتوجه إلى هذه الرياضية خصوصا أن تدريباتها صعبة والتحضير فيها متعبة وممل، فمستوى المشاركة في بطولة العالم صعبة للغاية، ولن تتمكن بسهولة أن تحقق نتيجة إيجابية، ويصعب مقارعة منتخبات كينيا وأميركا وجامايكا وإثيوبيا في هذا المجال، ويمكن وصف ذلك بالمستحيل إلا إذا أردت فتح مدارس ألعاب قوى في جميع مدن السعودية، على أن تجد الاهتمام والمتابعة لتستطيع وقتها منافسة تلك الدول التي ذكرتها، ومشكلتنا أنه كل عام يتكرر نفس الموال فإذا أخفق المنتخب يتم تسليط الضوء على هذه الإخفاقات، وكان من المفترض متابعة اللاعب منذ البداية حتى النهاية ليتم إعداده بالشكل المطلوب، فالمنتخبات الأخرى، على سبيل المثال أميركا وجامايكا، تجد فيها اللاعب يأتي من المدارس وهو جاهز تماما ولكن في مدارسنا للأسف نسبة 95 في المائة من مدرسي التربية البدنية غير مؤهلين لقيادة المدارس في مادة التربية الرياضية، وهذه حقيقة وواقع نعيشه».

كما أضاف: «فكيف نستطيع إحضار لاعبين سواء في ألعاب كرة القدم أو كرة الطائرة أو كرة سلة ليتم صقله في منتخب الناشئين والشباب والدرجة الأولى، أيضا لدينا مشكلة في عدم وجود مراكز متخصصة لإعدادهم، التي تندرج هي الأخرى تحت مظلة ضعف الموارد المالية، حيث نجد الأندية تعاني من نقص المال كون إعانة الرئاسة العامة لرعاية الشباب لا تصرف إلا على كرة القدم فقط، ورياضتنا في السعودية والخليج محصورة في هذه اللعبة، في حين الألعاب المختلفة تأخذ حيز 2 في المائة فقط من الاهتمام، وهذا هو الواقع، ولكن لو تحدثنا على سبيل المثال عن الأبطال الأميركيين نجد أن هناك اهتماما غير مسبوق بهم؛ فالبطل الذي حقق الميدالية الذهبية في الوثب الثلاثي لديه الكثير من المميزات، فهو يمتلك منحة دراسية من الجامعة ولديه مدربون متخصصون على مستوى عال، بالمقابل الجامعات لدينا لم تعمل على تأهل أو صقل أي لاعب، فالمقارنة لا تذكر فيما نشاهده في أميركا وفرنسا وبريطانيا وجامايكا وما نشاهده عندنا، وهناك فوارق كثيرة، حتى الملاعب لو تحدثنا عنها للأسف تالفة والمضامير خالية من أماكن للتسخين وتنقصها الكثير في الأدوات، ولكن أملنا الوحيد في الفترة الحالية هو أن يكون الرياضي حريصا على نفسه، بحيث يتغلب على صعوبات كثيرة ويواظب على التدريبات باحترافية، ويعسكر في مناطق تساعده على تحقيق طموحاته حتى لو ضحى بوقته وماله وهذا ما عملت فيه أنا وزميلي هادي صوعان، واستطعنا ولله الحمد تحقيق نتائج إيجابية شرفنا فيها الوطن، خصوصا أن اتحاد اللعبة لا يستطيع توفير هذه الأشياء على الرغم من أنه يعتبر من أفضل الاتحادات، والأمير نواف بن محمد رجل يحب اللعبة ويفهمها، ولكن اليد الواحدة لا تصفق».

من جانبه، أكد عضو المجلس الأولمبي الآسيوي والبطل السعودي هادي صوعان أنه لا يمكن لأحد نفي ضعف المشاركة السعودية في بطولة العالم الـ13، فـ«الحضور جاء باهتا وهذا ينطبق كذلك على الحضور العربي باستثناء تونس والسودان بعد نجاحهما في تحقيق ميداليتين، على الرغم من الإمكانيات والظروف والمشكلات التي يعيشها البلدان في الوقت الراهن، ولو عدنا للحديث عن أبرز الأسباب في عدم تحقيق نتائج مشرفة في مشاركتنا يجب أن نتحدث بكل صراحة وواقعية، فالرياضة السعودية من دون استثناء تسير باتجاه معاكس، وألعاب القوى جزء من الألعاب الأخرى ومثلها مثل أي اتحاد، وحتى نكون صادقين مع أنفسنا فاتحاد ألعاب القوى لم يسجل حضوره في البطولات من أربع سنوات، وفي اعتقادي أن الضعف التدريبي كان له دور كبير في تواضع النتائج، وأحس أن الأمور العاطفية أصبحت أكبر من الجوانب العملية والجدية، والمشكلة التي نعانيها في اتحاد ألعاب القوى والرياضة السعودية بشكل عام أننا نبحث عن التفوق الرياضي والنتائج الاحترافية بعمل تطوعي، وهذا لا يمكن حصوله بأي حال من الأحوال، ويفترض أن يكون هناك أناس قائمون على العمل بمسمى موظف متخصص في رياضة ألعاب القوى أو أي رياضة أخرى، ومن غير المعقول أن تصل نسبة الموظفين المتطوعين من 70 إلى 80 في المائة، مما يعني أنه عمل جزئي ولديهم وظائف أخرى، نحن لا ننكر أن اتحاد ألعاب القوى سجل وأسس قاعدة جيدة في الفترات السابقة، ولكن السؤال هل استطاع المحافظة على هذه القاعدة؟ أشك في ذلك، وهناك من يعلق أمر الإنجاز بالمال، وأعتقد بأن صناعة البطل لا تعتمد على الأموال بقدر ما تتكئ على الفكر الذي من خلاله تستطيع صناعة أجيال من الأبطال.

وقبل المقارنة ماليا لا بد من رؤية الجانب الفكري، فهذان الأمران مرتبطان ببعضهما، والكل مسؤول عن ذلك، ابتداء باتحاد اللعبة ومرورا باللاعب والأجهزة المساعدة التدريبية والإدارة، وكذلك الأندية والقطاعات التي تعتبر شريكا أساسيا، وحتى نستطيع صناعة بطل لا بد من الوقوف على وضع اللاعب الأسري والاجتماعي، وتسهيل مهمته، وتوفير جميع الإمكانيات التي تساعده على النجاح الذي شاهدناه في الكثير من الدول التي حققت الميداليات، ولو أخذنا للاعب الأسطورة الجامايكي بولت فهذا العداء لديه دكتور واختصاصي علاج ومدرب ومساعد مدرب، في حين نجد بعض الفرق المحلية لدينا لا يوجد لديها دكتور متخصص في كرة القدم، التي تعتبر الرياضة الأولى لديها، أيضا لو تحدثنا عن المنتخب الأميركي، فإنه عاد بقوة لمنصات التتويج من خلال الاهتمام والمتابعة وتغيير البرامج، وسجل حضورا مميزا ومذهلا في هذه البطولة على مدى ثماني سنوات ماضية، ولديه نخبة من الأبطال؛ على سبيل المثال الواثب كريستيان تايلور، الذي حقق الميدالية الذهبية بمسافة 96 و17 مترا، وعمره لم يتعدّ 20 عاما، والسبب أن اللاعبين يجدون جميع الإمكانيات المتاحة ليكونوا أبطالا من قبل المدارس والجامعات التي تعتبر شريكا استراتيجيا في بناء القاعدة من سن 16 إلى 22 عاما، التي تعتبر سن العطاء.