مدرجات الاتحاد تطفئ شمعة الطرب الأصيل.. وتشعل ثورة الألتراس

صالح القرني ورفاقه يوقفون الأهازيج والطبول بعد 21 عاما من العطاء

TT

على وقع الفوز الثلاثي الكبير أمام سيول الكوري ضمن الدوري الآسيوي، شهدت المدرجات الاتحادية «فعليا» أول من أمس، نهاية حقبة تاريخية من الفن التشجيعي البديع بقيادة الرابطة الصفراء، ليبدأ معها فريق الألتراس في أخذ مكانه أو على الأرجح «لعب دور البطولة» في مواجهات الفريق على جميع الأصعدة، وهي النقلة النوعية التي شعر بها كل من تابع الموقعة الآسيوية سواء من مدرجات ملعب جدة أو على شاشة التلفزيون.

وبدا يوم أول من أمس تاريخيا بالفعل على صعيد المدرج الأصفر؛ إذ ودع، وبلا عودة، زمن الطبول والمزمار والفن الطربي، ودخل في مرحلة التقنية التشجيعية عالية الدقة المدعومة بالأوراق الصفراء والسوداء والأدخنة الملونة والأهازيج الجماعية على كل المدرجات، وبدا واضحا استلطاف الجيد الجديد من الجماهير هذه الطريقة منذ زمن في أرجاء أوروبا كافة.

وعانت جماهير الاتحاد الأمرين خلال البروفات الخاصة لفرقة الألتراس قبل بداية الموسم الكروي المقبل، لكنها نجحت نوعا ما في تطبيقها خلال اللقاءات الودية، كما دشنت بعض العبارات الجديدة، ووحدت الزي الذي تقرر أن ترتديه وهو قميص نادي الاتحاد، لتنتقل شيئا فشيئا من مرحلة الروابط التشجيعية إلى فرق «الألتراس».

وشوهد خلال المواجهة الآسيوية أول من أمس مجموعة من الشبان وقد أخذ كل منهم مكانه في جزء من مدرجات ملعب جدة ليقود مجموعة غفيرة من الجماهير نحو تطبيق الألتراس من خلال تزويدهم بالتعليمات والإرشادات المهمة طمعا في توحيد الأسلوب التشجيعي للمدرج كاملا خصوصا عند رفع اللوحات الملونة وتبديلها وإطلاق الأدخنة والأهازيج الجديدة.

واعترف عدد من المشجعين لـ«الشرق الأوسط» أن العملية لم تطبق بسهولة في بداية الأمر وتحديدا قبل انطلاق المباراة وذلك لعدة عوامل مهمة على رأسها وجود بعض المندسين «حسب قولهم» حاولوا تشتيت تركيز الجماهير بعيدا عن الأسلوب الجديد عبر مخالفة تعليمات قادة الفرق وتشكيكها في توقيت رفع اللوحات وترديد الأهازيج، الأمر الذي أثار غضب البعض وتسبب في اشتباكات متفرقة لم تتوقف إلا قبل دقائق قليلة من انطلاق المواجهة.

أيضا شهدت المدرجات وعلى نحو طريف اعتراض مجموعة من كبار السن على الأساليب التشجيعية الجديدة الممزوجة بالحماس منقطع النظير وهدير الصوت الهائل، وطالبوا الجميع بالسكوت من أجل الاستماع لأهازيج الرابطة في مدرجات الدرجة الأولى، لكن، وبعد شد وجذب، تم إقناعهم بضرورة التأقلم مع المرحلة الجديدة من فن التشجيع، ووقفوا من جانبهم مشدوهين من حجم التغيير الذي أصاب المدرجات الصفراء.

ولم يتنازل رئيس الرابطة الاتحادية صالح القرني، من جهته، عن موقفه بسهوله رغم مشاركته في تنظيم التدريبات التي سبقت الموسم الجديد بشأن تطبيق عملية الألتراس؛ إذ أكد مرارا وتكرارا قبل انطلاق الموسم أن الأهازيج والطبول موروث اتحادي يصعب إلغاؤه، كما اعترض على عدم إدخال معدات التشجيع القديمة إلى المدرجات، وأصر على الاستعانة بها «رغم تعليمات الرئاسة العامة لرعاية الشباب في هذا الشأن»، إلا أنه وبعد نحو 10 دقائق من ترديد الأهازيج التشجيعية أيقن تماما أن التغيير قد حل فعليا في المدرج الأصفر؛ إذ لم يجد من يردد معه الأهازيج سوى عدد قليل من الجماهير التي ربما تعاطفت مع تاريخه المديد مع الفريق الأصفر، بينما اتجهت البقية نحو التشجيع على طريقة «الألتراس».

وعلى الأرجح سيبقى القرني قائدا ولاعبا رئيسيا في المدرج الأصفر ولكن بأسلوب جديد خلاف ما اعتاد عليه الجميع.

ويعد نادي الاتحاد أول ناد سعودي اتجه للاهتمام برابطة الجماهير، وتحديدا منذ عام 1377هـ، حيث كان المشجع الاتحادي الكبير «عبد الرحمن كاكا» أول من أشرف على تنظيم الجماهير في المباريات. وفي عام 1387هـ أصدر رئيس نادي الاتحاد آنذاك محمد عشماوي قرارا بتعيين عبد الله شعيب كأول رئيس لرابطة المشجعين وقد خلفه في قيادة الرابطة صالح القرني اعتبارا من عام 1411هـ.

وكان صالح القرني انتسب لنادي الاتحاد عام 1396هـ كلاعب لكرة القدم سجله العم يحيى في الأشبال وانقطع عن التدريبات، وعاد عام 1398هـ كلاعب للكرة الطائرة، ولظروف العمل انقطع عن النادي لفترة عاد بعدها عن طريق رابطة المشجعين بعد التعرف على عبد الغني الغامدي ومحمد السالمي ومجموعة الرابطة في عهد رئاسة عبد الله شعيب.

يذكر أن السالمي والغامدي يعدان علامتين بارزتين في تاريخ رابطة المشجعين، وهما من أصحاب الفضل في استمرار عطاء رابطة المشجعين أثناء عدم وجود رئيس لرابطة المشجعين، وبعد تسلم صالح القرني للرابطة، كان لهم الفضل، بعد الله، في إرساء قواعد الألفة والمحبة بين أفراد الرابطة، وقد تم ترشيحهم لصالح القرني هم وجميع أفراد الرابطة وإدارة النادي أثناء رئاسة أحمد عمر مسعود عام 1411هـ وتم تسليم رئاسة رابطة المشجعين رسميا لصالح القرني بتاريخ عام 1411هـ أثناء رئاسة أحمد مسعود.

ومن المعلوم أن «الألتراس» كلمة لاتينية تعني حرفيا «الفائق» أو «الزائد عن الحد»، أما المعني من ورائها فهو التعبير عن المجموعات التي تعرف بانتمائها وولائها الشديد لفرقها. ونشأت الفكرة أصلا في المجر عام 1929، بعدما أسس مناصرو نادي فرنسفاروش الشهير رابطة للمشجعين، ومن ثم انتقلت العدوى إلى أميركا الجنوبية عبر بوابة البرازيل. وهناك أسست أول «ألتراس» باسم «تورسيدا» في أربعينات القرن الماضي، وذلك لكسر حاجز التشجيع الكلاسيكي السائد في تلك الفترة.

وبعد ذلك، توالى ظهور «الألتراس» في قارة أوروبا عبر جماهير نادي «هايدوك سبليت» الكرواتي - اليوغوسلافي في ذلك الحين، عام 1950، وجماهير نادي تورينو في إيطاليا ولكن بشكل أكثر تنظيما.