من المستفيد من الحروب الخفية بين النجوم والإداريين؟

الرياضة السعودية.. الخاسر الأكبر من هذه الصراعات

TT

ربما تتلاشى نجومية أحد اللاعبين سريعا بعد بروزه واكتساحه الساحة الرياضية المحلية على صعيدي النادي والمنتخب لأسباب متعددة ومختلفة، أغلبها يتجه للطابع الفني، مثل أن يصبح اللاعب متعاليا على زملائه ولا ينصاع لتعليمات المدرب، معتقدا أنه بات فوق الجميع لمجرد بروزه السريع وتفجر موهبته التي لم يقدرها، ليجد نفسه بعد فترة قصيرة خارج المستطيل الأخضر، ليحزم حقيبته ويغادر إلى عالم النسيان والمجهول، أو ليبدأ بصناعة نفسه من جديد عبر أحد الأندية الأخرى.

مثل هذه الأحداث أمر مسلم به وطبيعي أن نشاهده في أي الميادين المنتشرة في أرجاء المعمورة، لكن مثل هذه الأحداث والانحدارات في المستوى تتكرر لعدد ليس بالمتواضع من اللاعبين السعوديين الذين كانوا وما زال البعض منهم يشكل عنصرا أساسيا في المنتخب السعودي حتى إن غاب لفترة طالت أو قصرت، وما يلبث أن يعود لقيادة الأخضر السعودي كما حدث للثنائي محمد نور وياسر القحطاني.

أسماء كبيرة استطاعت أن تضع بصمتها داخل المستطيل الأخضر (حسين عبد الغني وسعد الحارثي ومالك معاذ وعبده عطيف وياسر القحطاني ومحمد نور).. أسماء كبيرة بلغة الأرقام والمادة، وأسماء لها ثقلها الفني، سواء في أنديتها أو في المنتخب السعودي، هذه الأسماء لم يتم التعامل معها بشكل يناسب هذه النجومية، ولا يعني ذلك عدم تطبيق النظام وإنما في كيفية التعامل مع لاعب «نجم»، لكنه في النهاية يظل بشرا كما هو حال غيره، يرضخ للمتغيرات والمغريات من حوله، وله مشاعر وميول وظروف خاصة، يسلك طريق الصواب ويحيد عنه إلى الخطأ، ليس لأنه متعالٍ، ولكن لأنه «بشر» الخطأ من الطبيعي أن يتكرر منه.

الأسماء التي تم سردها في الفقرة الماضية تعرضت إلى حروب خفية، حتى إن اختلفت المستويات في تلك الحروب، إلا أن البعض من هؤلاء اللاعبين صمد وعاد سريعا إلى الميدان، ومن هؤلاء اللاعبين من اختار الرحيل إلى وجهة أخرى عله يجد ما فقده في ناديه الأصلي، والبعض صمد وقاوم وما زال، فمعها إما أن يعود إلى سابق عهده وإما أن يرحل إلى عالم النسيان، هذه الحروب السرية لم تكن من خارج البيوت وإنما أتت من بين جدران ناديه الأصلي الذي ترعرع ونشأ فيه أو قدم إليه بمبالغ طائلة.

«حرب النجوم» ظاهرة قد تبدو موجودة في جميع أنحاء العالم الرياضي، ربما تظهر على السطح وربما تغيب، ولأننا اليوم أصبحنا في عصر التقنية وسرعة انتشار الأخبار من مصادر مختلفة، باتت هذه الحروب ظاهرة على السطح بشكل أكبر عن السابق للجماهير الرياضية.

حسين عبد الغني، بزغ نجمه في ناديه الأهلي حتى بات من أركانه وركائزه الأساسية، ليمتد هذا العطاء للمنتخب السعودي، وتتواصل نجومية عبد الغني هناك حتى تمكن من حمل شارة القيادة بعد سجل ذهبي وحافل، انتهى به المطاف مع ناديه الأصلي الأهلي ليختار حينها الرحيل والاحتراف الخارجي عبر بوابة فريق نيوشاتل السويسري، وذلك بسبب خلافات إدارية في تجربة لم تدم طويلا مع النادي السويسري، حتى عاد بعدها بموسم إلى دوري زين السعودي للمحترفين ولكن عبر بوابة صفراء وليست خضراء، وذلك في صفوف النصر السعودي لينجح في التألق والبروز بعدما كاد نجمه يأفل.

في النصر، حيث المهاجم سعد الحارثي، أحد أبرز نجوم جيل العقد الحالي، برز مع ناديه النصر السعودي في موسم (2004 - 2005) حتى بات من الركائز الأساسية لفريقه النصر وللمنتخب السعودي، وعليه علقت الجماهير الصفراء الآمال، صارع وقاتل في فترة لم يكن فيها النصر غنيا بالعناصر المفيدة فنيا، ونجح في تشكيل ثلاثي ناري مع ياسر القحطاني ومالك معاذ في المنتخب السعودي، انهالت عليه العروض بعد بروزه مع النصر، وانتقل بنظام الإعارة فترة وجيزة إلى فريق الاتحاد، سجل في هذه الفترة نجاحا باهرا ليعود للنصر ناديه الأم الذي لم يعد يتقبله كما في السابق، حتى ظل حبيسا لدكه البدلاء على حساب أشباه اللاعبين الأجانب الذين كلفوا خزينة النصر أموالا طائلة، بينما ظلت الفائدة الفنية غائبة ولم تحضر.

الحارثي حتى إن أخطأ في تصرفات كثيرة داخل البيت الأصفر، فإن المطلع والقريب من الشأن النصراوي يدرك جيدا أنه بات ضحية لصراعات ونزاعات شرفية سلبت عقله من داخل الميدان لخارجه، وغاب معها التصرف الإداري الأمثل، حاليا الحارثي معلق بين الرحيل من النصر أو الاستمرار فيه، وأمامه الأيام المقبلة لتحديد مصيره، لكن الأهم أن اللاعب فقد مركزه في المنتخب السعودي بعد أن ظل حبيسا لمقاعد البدلاء في ناديه.

في الهلال، حيث مهاجمه الأبرز وقائده ياسر القحطاني واللاعب السعودي الأغلى في تاريخه، غادر مؤخرا صفوف الهلال لفريق العين الإماراتي على الرغم من أنه من الركائز الأساسية للفريق الأزرق، بعدما قدم إليه من القادسية بصفقة بلغت 22.5 مليون ريال، كانت هي الأغلى وقتها في تاريخ الرياضة السعودية وليس الهلال فقط.

القحطاني تفجرت موهبته بشكل أكبر عن السابق بعد قدومه للهلال واستمراره لاعبا أساسيا في المنتخب السعودي، حتى نال شارة القيادة مع الأخضر وتوج بأفضل لاعب لقارة آسيا 2007، إلا أنه في الفترة الأخيرة مر بظروف نفسية سيئة أثرت على مستواه نسبيا، وأسهم في زيادة هذا التراجع عدم تعاقد الإدارة الهلالية مع مهاجم أجنبي يصنف من فئة الـ5 نجوم ليساند القناص في خط المقدمة، إضافة إلى حروب خفية مورست على القحطاني في الصيف الماضي جعلته يفضل الرحيل بصمت للعين الإماراتي على البقاء حبيسا لمقاعد البدلاء، أصابع الاتهام طالت الإدارة الهلالية الحالية بالضغط على القحطاني وجعلته يرحل عن البيت الأزرق وهو اللاعب الأول فيه، كونه من يحمل شارة القيادة واللاعب الذي يحظى بحب جماهيري كبير.

ياسر اختار طريقا غير واضح المعالم بالنسبة لمستقبله؛ فهو انتقل للعين الإماراتي بنظام الإعارة لمدة موسم، مفضلا الدوري الإماراتي على مقاعد البدلاء في الهلال، بعدما أتمت الإدارة الهلالية 75% من تعاقداتها للموسم الجديد في خط المقدمة.

وفي الأهلي مالك معاذ، لاعبه ومهاجمه الأبرز، شق طريق النجومية في عمر متقدم بالنسبة له، إلا أنه تمكن من فرض اسمه في الخارطة الخضراء، وأسهم في عصر المدرب الصربي نيبوشا في تحقيق بطولتين من أمام غريمه التقليدي الاتحاد، وذلك موسم 2007، وهو الموسم الذي شهد تألق معاذ اللافت مع ناديه والمنتخب، وظلت الأندية تطارده طمعا في ضمه لفرقها، إلا أن الإدارة الخضراء رفضت التخلي عنه، وهو الأمر الذي سار عليه معاذ بعدما منح الأهلي الأفضلية على الرغم من الأرقام الفلكية التي كانت تلوح في الأفق من ناديي الهلال والنصر.

شهر العسل بين معاذ والأهلي لم يدم طويلا حتى ظل مالك حبيسا لمقاعد البدلاء، بل تم إبعاده لخارج القائمة الأساسية والاحتياطية لينفجر معها اللاعب ويصرح متهما أن هناك أيادي خفية في النادي تسعى لإسقاطه وإبعاده عن الفريق، وانتهى المطاف بعلاقة مالك معاذ والأهلي بالرحيل إلى فريق النصر بنظام الإعارة لمدة موسم واحد، عله يجد ضالته التي فقدها في الأهلي، ومعها فقدت الكرة السعودية نجما لامعا ما زال يجري في الميادين الخضراء.

في الشباب برز الثنائي ابنا عطيف، أحمد وعبده، في خط الوسط مع فريقهما الشباب، وطال مد الإبداع للمنتخب السعودي الذي سيطر فيه الثنائي، بفضل تميزهما، على خط الوسط الأخضر، في الفترة الأخيرة ظل ابنا عطيف حديث الشارع الرياضي والشبابي في آن واحد، فبين موجة الأرقام الهائلة التي انهالت على ابني عطيف، أحمد وعبده، من عدة أندية تطلب ودهما، فإن الإدارة الشبابية تمسكت بهما كحال بقية النجوم في أنديتهم، لكن علاقة ابني عطيف مع الإدارة الشبابية بدأت بالانهيار، فابتداء من منح علي عطيف، الشقيق الأصغر، مخالصة مالية، خرج بعدها في عدة لقاءات صحافية متهما الإدارة الشبابية بمحاربته وأشقائه، لتقوم الإدارة الشبابية بعدها بأيام وتضع صانع الألعاب عبده عطيف على قائمة الانتقال، وهو الأمر الذي أثار جدلا بين عطيف وإدارة ناديه.

عبده عطيف لم ينتقل لأي ناد، بل استمر في الخضوع بشكل انفرادي لجلسات علاجية في الفترة الحالية لتجهيز نفسه للعودة بدءا من مطلع العام الميلادي المقبل.

أخيرا نجم الاتحاد الأبرز محمد نور، الذي يعتبر من أفضل اللاعبين الذين مروا في تاريخ الاتحاد والكرة السعودية والآسيوية أيضا، والذي فقد المشاركة مع فريقه في فترات متفاوتة بسبب حروب إدارية وشرفية كاد يذهب ضحيتها النجم الاتحادي الذي سقط لفترات متفاوتة، إلا أنه سرعان ما عاد سريعا للنهوض وإثبات نفسه كأحد أبرز لاعبي الاتحاد في تاريخه، وبات قوة مؤثرة في الفريق أسهمت في بلوغ الاتحاد أدوارا متقدمة في دوري المحترفين الآسيوي الأعوام الماضية، إضافة إلى تحقيق اللقب الآسيوي مرتين على التوالي.

نور، النجم الاتحادي الأبرز كاد يذهب وينتقل إلى نادٍ خليجي في الموسمين الماضيين بسبب ضغوط نفسية وتصفيات شخصية (إدارية وشرفية) كاد يذهب ضحيتها، إلا أن نور صمد أمام هذه الضغوط حتى إن أخطأ في تصرفاته كثيرا، لكنه عاد سريعا إلى مستواه المعهود وأفضل من ذلك.

مثل هذه الحالات التي يتعرض فيها اللاعب إلى حروب إدارية أو شرفية يكون فيها اللاعب ضحية، هي لا تبرئ ساحة بعض اللاعبين الذين ارتكبوا أخطاء أسهمت في انخفاض مستوياتهم، هذه الحروب الإدارية وعدم التعامل الجيد مع اللاعبين قتلت هذه المواهب وأبعدتها عن الساحة الرياضية، فخسرت الرياضة السعودية نجوما لامعين في الفترة الماضية.