فنزويلا تكتب تاريخا جديدا في أميركا الجنوبية وتصدر الأزمات للأرجنتين

أزمة تواجه الكبار.. أم نهضة تنطلق مع الصغار

TT

تهب رياح التغيير على أميركا الجنوبية. الجملة التي عادة ما كانت تظهر مقترنة بالسياسة، يبدو أنها انتقلت الآن أيضا إلى اللعبة القارية الأكثر شعبية، بعد الانتصار التاريخي الذي حققته فنزويلا على الأرجنتين بقيادة ليونيل ميسي. وبينما تقوم قوى كروية مثل إسبانيا أو ألمانيا بسحق منافسيها دون رحمة في أوروبا، يبدو أنه يتأكد في كرة أميركا الجنوبية ما ظهر على استحياء في بطولة كوبا أميركا الأخيرة: تقارب مطلق في المستوى.

ذلك ما تشير إليه على الأقل الجولتان الافتتاحيتان للتصفيات الشاقة المؤهلة نحو مونديال البرازيل 2014، اللتان لم يتمكن أي فريق من فرض أسلوبه الكروي على بقية المنتخبات خلالهما. أزمة قوى أم نهضة للصغار؟ فبينما يحمل كبار تقليديون مثل الأرجنتين كاهل 18 عاما دون ألقاب على مستوى الفريق الأول، هناك منتخبات كان ينظر إليها تاريخيا على أنها ضعيفة تقطع خطوات عملاقة إلى الأمام.

قبل 36 عاما، خسرت فنزويلا صفر - 11 أمام الأرجنتين في نسخة عام 1975 من «كوبا أميركا». وفجر الأربعاء الماضي عاد فريق المدرب سيزار فارياس، بعد أن منح نفسه شرف التعادل مع البرازيل في آخر نسخ البطولة القارية وتغلب عليها قبلها في لقاء ودي عام 2008، وحول إلى حقيقة ما كان سيبدو محض خيال في أزمنة كروية أخرى. فاز على الأرجنتين: للمرة الأولى في 18 مباراة.

بيد أن الخيال العلمي يبدو أنه لم يعد يدهش حتى صانعيه. فعقب سقوط فريق المدرب أليخاندرو سابيلا بمدينة بويرتو لاكروز الحارة قال المدافع نيكولاس بورديسو «بعد بطولة كوبا أميركا، كان على المرء أن يكون ساذجا للغاية كي لا يلحظ أن تصفيات صعبة للغاية قادمة في الأفق».

ربما كانت أوروغواي، بطلة كوبا أميركا الأخيرة ورابع مونديال جنوب أفريقيا، هي الفريق الوحيد الذي يمكنه الخروج من الجولتين الافتتاحيتين للتصفيات بابتسامة بعد فوزها على ضيفتها بوليفيا وتعادلها في زيارتها لباراغواي. وقال دييغو فورلان نجم الفريق الذي يتصدر التصفيات «أربع نقاط رصيد جيد». كما يبدو أن كولومبيا قد تعافت سريعا من خروجها المبكر من دور الثمانية لبطولة كوبا أميركا ومن الرحيل العاصف لمدربها السابق إيرنان داريو غوميز، حيث حققت فوزا في لاباز هو الأول للفريق على ارتفاع 3600 متر في العاصمة البوليفية التي تبتعد كثيرا عن سطح البحر.

وتتخبط تشيلي وبيرو بين السعادة والحزن. ففريق المدرب الأرجنتيني كلاوديو بورجي استهل مشواره بشكل متواضع، ليس فقط لخسارته على أرض كتيبة التانغو 1 - 4، بل للفضيحة التي فجرتها بعض وسائل الإعلام المحلية التي أشارت إلى قيام لاعبين بالذهاب إلى المعسكر وهم ثملون. رفض الفريق التشيلي الاتهامات، وتعهد بتغيير الأمور ووفى بعهده بفوز كبير على ضيفته بيرو 4 - 2.

بدورهم، كان أبناء المدرب الأوروغوياني كلاوديو ماركاريان، أصحاب المركز الأخير في التصفيات المونديالية الماضية، قد استهلوا مشوارهم بنجاح عبر الفوز 2 - صفر على باراغواي، فريق المدرب الجديد فرانسيسكو أرسي الذي استطاع التأهل إلى النسخ الـ4 الأخيرة من المونديال. بعد جولتين فقط، تتعادل 6 من المنتخبات الـ9 في الرصيد بـ3 نقاط. الإحصائيات تشير بوضوح إلى ما يعرفه الجميع منذ بطولة كوبا أميركا الماضية: لن تكون هناك مباريات سهلة في هذه التصفيات. لقد هبت رياح التغيير.

وعودة إلى منتخب الأرجنتين العريق، نجد أن الحماسة الناتجة عن الانتصار الأرجنتيني العريض على تشيلي، الذي فتح باب الأمل نحو وأد الفشل في جنوب أفريقيا وبطولة كوبا أميركا، تبددت في غضون أربعة أيام فقط بعد الهزيمة التاريخية أمام فنزويلا التي أعادت الشكوك حول نقاط الضعف في صفوف كتيبة التانغو. ويبدو الطريق نحو البرازيل 2014 الآن شاقا مثلما كان ليونيل ميسي نفسه قد تنبأ قبل أيام: «التصفيات ستكون صعبة جدا».

وبعد الهزيمة الأولى التي لطخت تاريخا دام 18 انتصارا للأرجنتين أمام فنزويلا، عاد النجم الكبير لتجديد تنبئه «علينا أن نكون أقوى على أرضنا، وأن نفوز بكل المباريات وبالتأكيد أن نحاول الفوز خارجها أيضا، بيد أن الأمر ليس سهلا، إنه صعب وسيبقى كذلك حتى النهاية». وتتهم الانتقادات التعديل الخططي الذي قرره المدير الفني الأرجنتيني أليخاندرو سابيلا نحو 5 - 2 - 3 بدلا من 4 - 4 - 2 التي لجأ إليها أمام تشيلي. لكن هناك نقاط ضعف أخرى يحمل راقصو التانغو أوزارها منذ عهدي المدرب الأسبق دييغو مارادونا وخليفته سيرجيو باتيستا، من دفاع متداع وصعوبات في صنع الهجمات من وسط الملعب، وهي المشكلات التي لم يستطع سابيلا، على الأقل باللاعبين الذين استدعاهم حتى الآن، إيجاد حل لها خلال فترة ولايته القصيرة.

أمام تشيلي، وجدت الأرجنتين في الهجمات المرتدة السريعة أفضل سلاح لها. لكن الرقابة اللصيقة التي فرضها المدير الفني الفنزويلي سيزار فارياس عطلت هذا السلاح وأحدثت عطبا في الماكينة الأرجنتينية. وكان الضيق البادي على القائد ميسي بمثابة ترمومتر حقيقي للأزمة التي يعانيها فريقه. لقد دخل في جدال مع الحكم وصرخ في زملائه ولم يتفاهم مع ماركوس روخو، ومع غرقه في الغضب والإحباط والإرهاق وجه نظرته إلى الأرض وقلل مجهوده، ليظهر ميسي المكتئب نفسه الذي انتقده الأرجنتينيون في الكثير من المباريات خلال بطولتي كأس العالم 2010 وكوبا أميركا.

وتؤكد صحيفة «أوليه» الرياضية أن «الخطط والأبطال فشلوا في بويرتو لاكروز» المدينة الفنزويلية التي استضافت اللقاء. وتحذر صحيفة «لاناسيون» من أن «الدفاع مشكلة كبيرة لا تحل»، مضيفة أن «المنتخب يعد ضحية مشكلة يبدو أنها ستستمر لوقت أطول بكثير». وأمام سابيلا الآن نحو الشهر لتقييم ما حدث ومحاولة إصلاح الأخطاء قبل المواجهة المقبلة في التصفيات القارية المونديالية، عندما تستقبل الأرجنتين في بيونس آيرس المنتخب البوليفي يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني)، قبل أربعة أيام من حلوله ضيفا على كولومبيا في بارانكيا، في اختبار صعب جديد خارج الديار.

من جهتهما انتقد سيزار لويس مينوتي وسيرخيو باتيستا مدربا المنتخب الأرجنتيني لكرة القدم سابقا، أداء المدير الفني الجديد سابيلا، عقب الهزيمة أمام فنزويلا.

وأوضح مينوتي الذي تولى تدريب المنتخب الأرجنتيني خلال كأس العالم 1978: «لكي يكون لديك فريق جيد فينبغي أن تمتلك مدربا جيدا». وأضاف «لقد تحججنا بأعذار الإرهاق وسوء الطقس وسوء أرضية الملعب، ولكنها حجج واهية، الأرجنتين تمتلك مهارات فردية قوية مثل غونزالو هيغوين وليونيل ميسي وأنخيل دي ماريا، ولكن ذلك لا يظهر في أداء الفريق».

وتابع «إذا واصلنا ذلك دون أن يكون لدينا قناعات محددة، فإننا سنعتمد فقط على ميسي، وهذا لا يمكن أن يحدث في فريق». وعلى الجانب الآخر أوضح باتيستا «ما نحتاجه حقا هو تغيير الطابع الذهني، لأن الفوز ولا شيء غير الفوز هو هدف المنتخب الأرجنتيني، ما يحتاجه الفريق هو العمل ثم العمل، لدينا لاعبون جيدون، ولكن أيضا إسبانيا تمتلك لاعبين جيدين، ولكن الفرق بيننا وبينهم، أن لديهم خطوطا عريضة ومشروعا كبيرا يسعون إلى تحقيقه».