تعدد المنتخبات الوطنية.. أرق يقض مضاجع المدربين في الدوري السعودي

الأندية «محرومة» من المشاركة في صنع القرار.. ودول وبرانكو أكبر المعترضين

TT

بات تعدد المنتخبات السعودية أرقا يقض مضاجع المدربين في دوري زين السعودي، ويبعثر مخططاتهم التدريبية التي تستلزم وجود كافة اللاعبين للوصول إلى الاستعداد الكامل الذي يجعلهم قادرين على تقديم مستويات تليق بالمجهودات الإدارية والفنية التي تقدم لهم، خصوصا أن تلك المنتخبات تظهر بشكل مفاجئ ودون سابق إنذار، فيجد الجهاز الفني نفسه أمام مأزق كبير لتشتت لاعبيه بين المنتخب الأول ومنتخبات (ب) والأولمبي والشباب، ويكتفي بإجراء تدريباته الاعتيادية بعدد لا يكاد يتجاوز أصابع اليدين، مدركا أن ما يقدمه ليس سوى هباء لن يجدي نفعا ولن يعود على فريقه بالانسجام الذي يسعى كل مدرب للوصول إليه، لا سيما أنه سيكون المتهم الأول في حال إخفاق الفريق في المنافسات، في ظل محاولة عدد من الإدارات التملص من مسؤولياتها والتضحية بالمدربين من أجل إرضاء الصخب الجماهيري الذي يتعالى صوته عندما يرى فريقه يتراجع في سلم الترتيب، أو يتعرض لنتائج فادحة من أندية أقل منه، وذلك ساهم في رفض عدد من المدربين الكبار التدريب في الملاعب السعودية في ظل عدم وجود روزنامة ثابتة قادرة على خدمة مشاريعهم الفنية التي يتمكنون من خلالها إظهار أنفسهم بالهيئة الجيدة التي تعكس تطور فكرهم التدريبي، وأول ما يتبادر إلى ذهنه حال تلقيه عرضا سعوديا هو مشنقة الإقالة التي لا تكاد تخطئ مدربا حتى تصطاد الآخر.

وما يثير التساؤلات هو عدم تنسيق الاتحاد السعودي مع الأندية عندما يرغبون باستحداث منتخب وطني جديد، رغم أنهم دائما ما يرددون في تصريحاتهم بأن على كل ناد أن يوفر للاعبين الأجواء المناسبة التي تساعدهم على تقديم الأداء الأفضل مع المنتخب، ويرجعون إخفاقات الأخضر لسوء التحضير في الأندية، ويؤكدون أنها شريك رئيس لأي إنجاز وطني، إلا أن ذلك الشريك يفاجأ بأن الأمور تدار من خلفه، وبعدها يطالب بالدعم وتقديم التنازلات التي لا يقف ضررها على تلك الأندية بل حتى تمتد إلى المنتخب السعودي الأول الجريح الذي بات كطائر مقصوص الجناحين، لا يلبث أن يطير حتى يقع مجددا، مما يحتم على المسؤولين بأن يجعلوا العمل في اللجان جميعا بتعاون كافة الأطراف المعنية بالأمر، فحتى اللاعبين عليهم أن يجدولوا مشاركاتهم وتنقلاتهم بين النادي والمنتخب منذ بداية الموسم لضمان عدم إرهاقهم وتشتيتهم الذهني الذي بات واضحا على أداء معظمهم، حيث أصبح المستقبل القريب أمامهم مجهولا، فلا يستطيع أن يعلم خلال أسابيع أين سيجد نفسه، ولا إلى أي قائمة سيلتحق.

مدرب الهلال، الألماني توماس دول، ومدرب الاتفاق الكرواتي برانكو إيفانكوفيتش كانا الأكثر جرأة من بين مدربي دوري زين السعودي، وأعلنا عبر تصريحين رسميين استياءهما مما يجري من الاتحاد السعودي الذي استحدث الكثير من المنتخبات دون كشف المبررات التي دفعتهم لذلك، فمن غير المنطقي ألا يتعرف المدربون على لاعبيهم رغم وصول الدوري إلى الجولة 8، والأجهزة الفنية الأخرى ليست أقل استياء منهما إلا أنهم يخشون العقوبات التي قد تطبق عليهم عقب اعتماد الاتحاد السعودي للائحة الجديدة التي امتلأت بالغرامات المالية القادرة على إرهاق كاهل ميزانيات الكثير من الأندية فضلا عن المدربين، وتذمر مدربين سبق لهم أن أشرفوا على عدد من الأندية الأوروبية يدق ناقوس الخطر، ويؤكد أن نظام تعدد المنتخبات غير مطبق في معظم البلدان الكبرى التي استطاعت أن تصنع منتخبات قادرة على المنافسة حتى في بطولات كأس العالم، مما يطرح تساؤلا هاما يسعى للكشف عن التجارب التي من خلالها طبق الاتحاد السعودي هذه الطريقة، فالكرة السعودية بحاجة للبحث عن أساليب ناجحة في الخارج من أجل نقل تجربتها وتطبيقها، لا أن تستحدث نماذج جديدة قد تعرض الرياضة إلى انهيار أكبر مما تعاني منه حاليا، فلا مجال للمجازفة بمشاريع غير معمول بها في أكثر الدول تقدما.

المدرب الهولندي فرانك ريكارد ومساعدوه حضروا الكثير من جولات دوري زين السعودي للمحترفين التي جرت حتى الآن من أجل الوقوف على مستويات اللاعبين، ومعرفتهم بشكل أكبر للوصول إلى قائمة جيدة قادرة على تحقيق تطلعات الوسط الرياضي السعودي وإخراج الأخضر من كبواته المتكررة، مما يفقد المنتخب السعودي المسمى (ب) فائدته، خصوصا أن منافسات الدوري القوية هي من ستظهر اللاعبين بالشكل الجيد، وتكشف مدى قدرته على تقديم العطاء الذي يخوله الانضمام لصفوف المنتخب، وليس من المنطقي الاعتماد على إمكاناته في بطولة ودية غالبا ما يشارك فيها المنتخبات الأخرى بفريقهم الأولمبي كما جرى في دورة الألعاب الخليجية الأولى التي استضافتها البحرين، حيث كانت باهتة ولا ترتقي لدرجة المنافسات القادرة على تقييم اللاعبين من خلالها، في الوقت الذي تضرر فيه عدد من الأندية لارتباط لاعبيها بتلك المسابقة، خصوصا أن المسابقات المحلية لا يتم إيقافها إلا عند مشاركات المنتخب الأول، في حين تستمر رغم وجود مشاركات للمنتخب (ب) أو (الأولمبي)، وما يزيد الأمر سوءا أن عددا من لاعبي الأولمبي أصبحوا ركيزة أساسية في أنديتهم، كنواف العابد في الهلال وإبراهيم غالب في النصر ويحيى الشهري في الاتفاق وعبد الرحمن الجيزاوي في الأهلي، مما يحتم على الاتحاد السعودي وضع آلية محددة لانضمام اللاعبين الذين يمثلون صفوف أنديتهم الأولى، وعدا ذلك فإن الأندية ستضطر لإشراك لاعبين تتجاوز أعمارهم الـ21 من أجل تفادي استدعائهم للمنتخب الأولمبي، وهو الأمر الذي سينعكس سلبا على المنتخبات لعدم تأهيل اللاعبين الشبان.

يبدو أن الاستراتيجية التي من خلالها استحدث الاتحاد السعودي المنتخب (ب) لا تستند على أساس متين، نظرا لأن هذه الخطوة لا تطبق على المنتخبات بل الأندية، لأنها تعتبر جزءا من اهتمامات الفئات السنية، حيث يسعى القائمون عليها لتأهيل عدد كبير من اللاعبين قبل أن يظهروا مع أنديتهم، كما هو الحال لدى فريق برشلونة الإسباني الذي يتواجد فريقه (ب) في دوري الدرجة الثانية الإسباني، ويضم كوكبة من الشبان الموهوبين الذين يمرون بمرحلة تأهيل كروي وصقل للموهبة، وذلك الأمر لا يمكن أن يتم عمله في المنتخبات التي دائما ما تعتمد على خلاصة اللاعبين في الأندية، فلا مجال لأن يضيع العاملون على المنتخب جهودهم في الجانب التأهيلي الذي يشعر الأندية بأن الأدوار التي يقومون بها غير كافية، وذلك يدفعهم للامتعاض واتخاذ موقف سلبي تجاه تلك القرارات التي يصدرها الاتحاد السعودي، خصوصا أن تلك الخطوات لا يتم الكشف عنها بصورة جلية عبر وسائل الإعلام، فلا تزال القيمة المرجوة من المنتخب السعودي (ب) غائبة عن الجميع، خصوصا أن اللاعبين يبقون بعيدا عن أنديتهم أثناء مشاركاتها في دوري زين، وذلك يدفعهم للتذمر في ظل سعي بعضهم إلى الوجود في بطولة رسمية تضيف لسجله الكروي الكثير، والأهم خلال الفترة المقبلة أن يشكل الاتحاد السعودي لجنة قادرة على تقييم الخطوات التي تم اعتمادها مؤخرا، وعدم الحرج في إلغاء ما أثبتت التجربة عدم جدواه، فالتصحيح المبكر هو الحل للكثير من المشكلات التي أوقعت الكرة السعودية في مأزق كبير، أصبح مؤخرا يعصف بسمعتها على الصعيدين الدولي والقاري.