كبار اللاعبين يهملون صوت العاطفة.. ويطبقون مبادئ الاحتراف

القحطاني مهد الطريق.. ومالك سار على الدرب.. والحارثي أثار الجدل.. ونور ينتظر

TT

تكشف ثقافة الاستغناء عن اللاعبين الذين باتوا رموزا للأندية عن بداية تطبيق حقيقي للاحتراف الذي لا يؤمن بالولاء للقميص بل للمال الذي يطرح على طاولة المفاوضات، فهو الوحيد القادر على إدارة بوصلة اللاعبين نحو الوجهة التي يريدها. الانتقالات ظاهرة صحية آمنت بها كافة الدول المتقدمة كرويا لأنها تدفع الأندية باتجاه زيادة مواردها المالية من أجل ضمان بقائه في دائرة المنافسة، وتتيح لها فرصة المحافظة على اللاعبين المميزين إلى جانب ضم آخرين بإمكانهم صنع الفارق.

«ياسر القحطاني مهد الطريق». القناص، كما يحب الهلاليون تسميته، أدرك ضرورة تغيير اللاعب للأجواء الروتينية التي يقضيها في صفوف ناديه لعدة مواسم، ذلك الروتين القاتل الذي يسلب منه وهجه ويجعله آلة معطوبة غير قادرة على العطاء. التجديد من خلال تجربة فريق آخر تبعث في مسيرة اللاعبين الحياة التي تكفل لهم تطوير مستوياتهم وتجعلهم أكثر كفاءة من السابق.

انتقال القحطاني إلى نادي العين الإماراتي واجه صخبا جماهيريا أزرق. المدرج اعتبر رحيله بمثابة السقطة الإدارية التي كان الأجدر بها أن تعض عليه بنواجذها وتحاول جاهدة ثنيه عن الانتقال، لكن الإدارات غالبا ما تقيس تلك القضايا بمقياس آخر، خصوصا في ظل انخفاض مستوى اللاعب، وعدم توفير حصانة كافية له تجعله بعيدا عن بعض الهتافات المسيئة التي يتلقاها من مدرجات الأندية المنافسة.

القحطاني خلال أسابيع قليلة استطاع أن يعيد لمعدنه الكروي لمعانه السابق. وبات يحظى بشعبية تعتبر الأولى من نوعها في كرة القدم الإماراتية وتجاوز بعض اللاعبين الإماراتيين، وبات مصدر اطمئنان للمدرج العيناوي الذي يستبشر خيرا حينما يجده موجودا في المقدمة، عكس ما كان يراه المدرج الأزرق في الآونة الأخيرة، حيث كان عالة على الفريق ولا يقدم المأمول منه.

«مالك.. وتجربة النصر». شهور عجاف قضاها مالك معاذ برفقة الأهلي خلال الموسمين الماضيين، كان خلالها حبيس دكة البدلاء لانخفاض مستواه بشكل مفاجئ دون مبرر صريح، مما دفع الإدارة لإدارته إلى نادي العاصمة النصر الذي هو الآخر كان في أمس الحاجة لمهاجم تتنفس من خلاله رئته الهجومية التي أصبحت مشلولة دون فاعلية تهدد المنافسين.

خروج مالك لم يكن متوقعا لما يحظى به من شعبية جارفة لدى أنصار الأهلي، إلا أن الخطوة الجريئة لا مفر من الإقدام عليها ليخرج اللاعب من دوامة الإحباط التي باتت تعصف به.

ورغم عدم الاستقرار الفني في النصر، وتحديدا بعد إقالة الأرجنتيني غوستافو كوستاس، فإن مالك معاذ بدا مستواه متصاعدا من مواجهة لأخرى، وتحركاته الخطرة أعادت جزءا من هيبة الأصفر الهجومية في ظل غياب الضغط الجماهيري الذي كان يعانيه في ناديه السابق مع أنه شارك في معظم المواجهات كبديل والمدرج الأهلاوي بات تواقا لاستقبال لاعبه بعد فترة الإعارة من أجل استعادة ذكرى بداياته الجميلة التي استطاع من خلالها تمثيل المنتخب السعودي الأول.

«الحارثي والقميص الأزرق». يبدو أن انتقال سعد الحارثي من النصر إلى الغريم التقليدي الهلال هو الأكثر صخبا في الساحة الرياضية السعودية، ورغم إيمان الجماهير الصفراء والإدارة بأن مهاجمها لم يعد عنصر الحسم داخل الملعب، فإن خشية تألقه مع الهلال تؤرقهم، فحينها ستتوجه أصابع الاتهام نحوهم لتفريطهم به، خصوصا أنه أحد أبناء النادي الذين تدرجوا في فئاته السنية منذ عهد الرمز الراحل الأمير عبد الرحمن بن سعود، لكن اللاعب يؤمن بأن استمراره غير مجدٍ في الوقت الحالي، ولن يتمكن من استعادة مستواه السابق في ظل الظروف التي يعيشها النادي، ويسعى جاهدا إلى أن يجد طريقا آخر يثري مسيرته الكروية قبل أن يعلن اعتزاله عنها. ويبدو الهلال أكثر الأندية إغراء نظير تألقه في المواسم الأخيرة وحصده العديد من الألقاب، وضمه لعناصر محلية وأجنبية قادرة على مساعد أي لاعب للوصول إلى القمة واستعادة الثقة. الحارثي يدرك صعوبة موقفه وهو يختار الأزرق، ولا تخفى عليه المنافسة الشرسة بين ناديه السابق والنادي الذي يتطلع لارتداء قميصه، لكنه يفضل المجازفة رغم محاولات حثيثة من شرفيي النصر لثنيه عن تلك الخطوة، وإبقائه ممثلا للنصر إلى الأبد.

«نور والاحتراف الخليجي». اللاعب الأول في نادي الاتحاد، محمد نور، الذي يعتبر الأكثر تأثيرا داخل المستطيل الأخضر لما يحمله من روح القائد الذي يبعث الحماس لدى كافة اللاعبين من أجل تقديم عطاءات بلا حدود أسهم في تحقيق النادي لبطولتين آسيويتين خلال العقد الأخير، إلى جانب تحقيقه عددا من البطولات المحلية. مكوثه في الاتحاد لم يعد مؤكدا بعد أن أبدى رغبته في خوض تجربة جديدة في إحدى الأندية الخليجية التي يأتي على رأسها الجيش القطري الذي أوضح مسؤولوه رغبتهم الشديدة والجادة في ضمه خلال فترة الانتقالات المقبلة.

الأجواء الحالية في البيت الاتحادي لا يراها نور كالسابق، يعتقد بأنها بيئة طاردة لا بديل عن الخروج منها بحثا عن ذاته وشخصيته التي تراجعت كثيرا نظير الإخفاقات التي تكبدها الفريق ابتداء من البطولة الآسيوية وحتى الـ14 نقطة التي اكتفى بها في الدوري السعودي بعد خوضه 10 مواجهات جعلته مبتعدا عن الصدارة. الجماهير الاتحادية التي كانت في السابق متشبثة به باتت منقسمة بين مطالب برحيله وآخرين ملتزمين الصمت حيال ما يحدث، والإدارة حائرة بين صوت العقل والعاطفة.

إيجابيات احتراف اللاعبين الكبار في أندية منافسة لا يقتصر على إعادة وهجهم وبريقهم بعد أن خفت نورهم، بل تمتد إلى أبعد من ذلك، حيث تقلص من احتقان الجماهير والتعصب المقيت الذي يعتبر الداء الأكثر فتكا بالكرة السعودية، فارتداء اللاعب النجم قميصا آخر يكرس فكرة الاستمتاع بالمستديرة مهما كانت الألوان التي يرتديها اللاعبون، في الوقت الذي تجعل ارتباط المدرج متعلقا بالنادي وليس بمن يمثله، وذلك سيمحو ظاهرة دعم بعض الإدارات والشرفيين للاعبين محددين دون غيرهم، وهو الأمر الذي تسبب في تذمر الكثيرين في الوسط الرياضي، وأحدث انقسامات داخلية تعانيها معظم الأندية الكبيرة داخل أروقتها.