الملاكم أحمد جمعة الملقب بـ«آدمز» لـ «الشرق الأوسط»: أنهيت العنصرية البريطانية بالقاضية وشارفت العالمية

قال إن أعضاء اللجنة الأولمبية التفتوا إلى مصالحهم الشخصية ورفضوا تمثيله للعراق

TT

قدم إلى بريطانيا عام 1999م الملاكم العراقي أحمد جمعة فليح الساعدي الملقب عالميا بـ«علي آدمز» من قلب بلاد الرافدين، بهدف تحقيق ذاته في لعبة الملاكمة، بعد أن رأى في نفسه القدرة على المنافسة بين الأبطال العالميين، رغم صعوبة المهمة حيث الطريق وعر، ويحتاج إلى كفاح متواصل، وهو المعروف عن رياضة الملاكمة.

أحمد جمعة أو علي آدمز كما هو مشهور به في بريطانيا، أكد في حديث لـ«الشرق الأوسط» من العاصمة البريطانية لندن، أنه بات على مشارف المنافسة العالمية من خلال لقائه الجمعة المقبل للحصول على حزام الإنترناشيونال تايتل، الذي سيؤهله لمقابلة أفضل عشرة أبطال على مستوى العالم.

وبدأ الضيف حديثه بقوله: «أنا من عائلة رياضية، فوالدي جمعة فليح الساعدي أحد أبطال العرب والعراق سابقا في الملاكمة، وسبق أن حقق بطولة العرب ثم حقق المركز الثالث على مستوى العالم لأبطال الملاكمة العسكريين عام 63م في ألمانيا، لذلك كان من الطبيعي أن أستفيد من هذا الإرث، فتعمقت أكثر في الرياضة، ولاحظ والدي أن بنيتي الجسمانية تبدو بارزة عن بقية إخوتي، إضافة إلى نشاطي الرياضي، فشجعني أكثر للاتجاه بقوة في لعبة الملاكمة، وتم ذلك منذ أن كان عمري 9 سنوات، فعلمني أصول الملاكمة وفنونها، بل إنه لم يكتف بذلك، حيث كان يسأل الخبراء في الملاكمة ممن عرفهم في مشواره مع اللعبة، عن تقييمهم لي، ومدى قدرتي في هذا المجال، وكانت الآراء المبدئية تدعمني في ذلك».

ويشير أحمد إلى أن منطقة الأعظمية التي كان يسكن بها في العراق، تشتهر بأجواء اجتماعية خاصة وكذلك رياضية، ويبين «ساعدتني هذه الأجواء على التنافس مع أبناء جيلي في تلك الفترة، وقد خلقت هذه الأجواء بداخلي علاقة حميمة مع الملاكمة، لذلك حققت العديد من البطولات على مستوى العراق».

ويوضح الساعدي كيف غادر العراق «قدمت إلى بريطانيا عام 1999م وعمري 17 عاما، وفي تلك الفترة كنت أحتاج إلى أن أكمل دراستي وفي الوقت نفسه أن أعمل لكي أصرف على نفسي؛ لأنني لم أجد راعيا يوفر علي الجهد الذي أقوم به، فتقلص نشاطي الرياضي في أول سنتين تقريبا، وفي ظل الظروف الصعبة التي عانيتها، ويعانيها كثير مثلي في بلاد الغربة، لم أستطع العودة مرة أخرى لممارسة نشاطي الرياضي إلا في سن الخامسة والعشرين».

أما عن البدايات فيقول: «بدايتي كملاكم هاو كانت ممتازة ولله الحمد، فأنا بطل بريطانيا للهواة للوزن الثقيل لمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك استمرت تطلعاتي لتحقيق ما هو أفضل، وتم ذلك ولله الحمد، وحققت بطل أوروبا للهواة، وكنت آمل المشاركة في الأولمبياد، كمحفل عالمي الكل يطمح إليه، وتأهلت لذلك، ولم أتمكن من أن أشارك به؛ لأنني لم أكن قد حصلت على الجنسية البريطانية بعد، في حين واجهت تجاهلا من اللجنة الأولمبية العراقية لتمثيل العراق، وبصراحة حزنت كثيرا وصدمت بهذا التعامل، حيث طلبت منهم عام 2004م، أن أمثل العراق في أولمبياد أثينا، بل وتعهدت بأن أحقق لهم ميدالية، وهو حلم لي أن أرفع علم العراق عاليا، ولكن دون سبب واضح، لم أجد ردا منهم، بل تجاهلوني، وحاولت مراسلتهم بشتى الطرق، حتى والدي - رحمه الله - توجه لهم في مقرهم في العراق دون جدوى، وكان آخر ما قلت لهم، إنهم إذا كانوا يخشون التكلفة المالية لإقامتي وسفري وغيرها من المصاريف، فأنا مستعد للتكفل بها، ولكن مع ذلك لم يحدث أي شيء».

ويرجع جمعة الأسباب في تعامل اللجنة الأولمبية العراقية معه إلى المصالح الشخصية «واضح أن هناك مصالح شخصية فقط، فعندما أحضر أنا من خارج العراق فإنهم لن ينتفعوا مني، فمدرب العراق كان يراهن على ملاكم لديه ربما اسمه نجاح، والمدرب يريد أن يصعد اسمه كمدرب ينجح في إخراج أبطال من تحت يده، ولكن اللاعب لم يوفق، وحقيقة في بعض اللحظات أشعر أن وراء ذلك سرا غريبا، فتخيلوا أنني توجهت للسفارة العراقية وطلبت منهم فقط دعما إعلاميا داخل العراق ليعرف المواطنون عني، دون فائدة، وتواصلت مع التلفزيون العراقي في ذات الشأن ولكن دون فائدة أيضا».

ويصف البطل العراقي، بأسى بعض مواقف التحيز، التي تعرض لها من خلال سحب بعض النقاط في لقاءاته، وضمها لخصومه، «كون لقاءات الاحتراف في الملاكمة تعتمد كثيرا على المراهنات، فالأكيد أن المراهنين يدفعون بكل ثقلهم لفوز مرشحهم، بغض النظر عن أحقيته بالفوز، وعلى الرغم من أنهم لا يعرفون الكثير عن كلا الملاكمين، فإن المهم لديهم ألا يخسروا الأموال التي دفعوها في الرهان، وينجم عن هذا الشيء، أن يقوم حكم اللقاء بالتحيز للمرشح، حيث إن لديه علما مسبقا بمن هو المرشح للفوز حسب كفة المراهنات، لذلك تعرضت لسحب عدد من النقاط، لصالح منافسي، من خلال التغاضي عن بعض المخالفات التي يقوم بها الخصم، ولكن مع مضاعفتي للجهد في اللقاءات التالية، أصبحت المساحات ضيقة أمام هذه المراهنات أن تغير مجرى اللقاءات، لا سيما إذا ما كنت متفوقا بشكل واضح، وعامة بدأ اسمي يكبر في الشارع البريطاني، وفي ظل وجود النقل التلفزيوني، أصبحت الأمور أفضل بكثير ولله الحمد».

ويبين أحمد كيف تم تحوله من عالم الهواة إلى المحترفين ويفصل «لم تكن المهمة سهلة، لأنه كي تتحول من عالم الهواة إلى الاحتراف تحتاج إلى متطلبات كثيرة، أبسطها أن يتم إشراكك في عدد من المنافسات سواء المحلية على مستوى بريطانيا أو المسابقات على مستوى الدول الأوروبية، وتم ذلك وشاركت في منافسات على مستوى أوروبا كنت أمثل فيها بريطانيا، وكذلك لعبت في روسيا وأوكرانيا عددا من اللقاءات، وسط مراقبات وتدوين لنتائجي من قبل المختصين، وفي فترة الهواة كانت الجوائز عبارة عن كؤوس أو دروع، يعني لا يوجد جوائز مادية تعين على صعوبة الحياة، على عكس مباريات الملاكمين المحترفين، فهي عبارة عن مراهنات وأحزمة، ومع ذلك استمررت، لأن هدفي دائما نصب عيني، إلى أن تمكنت بتوفيق الله من التحول إلى ملاكم محترف، وحاليا أنا ضمن العشرة الأوائل في الوزن الثقيل على مستوى الملاكمين المحترفين في بريطانيا، ولكنني لن أتوقف عند هذا الحد بإذن الله».

ويتحدث الملاكم العراقي عن برنامجه التدريبي بقوله: «أتدرب في منطقة فنشلي بلندن، تحت إشراف المدرب المعروف دون تشارلي، وهو مدرب عالمي، ويؤكدها لي بصراحة في أكثر من مرة أنه لو لم يثق بأن لدي ما أقدمه في عالم الملاكمة، لما أشرف على تدريبي، وأتذكر أنه عرض عليه مبالغ مغرية، لتدريب لاعبين آخرين ولكنه يرفض حتى يتأكد من قدرة اللاعب الذي سيشرف عليه، وهو دوما يشدد على أنه لن يضيع وقته إلا مع شخص سيجعل منه بطلا كما فعل مع خمسة أبطال من قبل، وهذا جانب يبعث فيّ الحماس، واكتشف المدرب صفة مميزة فيّ كملاكم، وهي القدرة على أداء اللكمة المستقيمة، وتعني ضربات القبضة اليسرى بكميات كبيرة، وكثير من ملاكمي الوزن الثقيل لا يجيدونها، وبالمناسبة هي الضربات المشهورة لدى الأسطورة العالمي محمد علي كلاي، وهذه الصفة ساعدت المدرب، فأصبح يكثف التدريبات، إلى درجة أنني أتدرب ما بين 4 إلى 8 ساعات بشكل يومي ما عدا يوم الأحد».

ويكشف أحمد جمعة عن أن برنامجه التدريبي المكثف قد حرمه من الكثير من أصدقائه لأنه لا يوجد وقت للالتقاء بهم، ولكنه مضطر لذلك لتحقيق حلمه في الوصول للعالمية في الملاكمة، مشيرا إلى أن البريطانيين أطلقوا عليه لقب «علي» تيمنا بالأسطورة محمد علي كلاي، ويضيف: «أما اسم (آدمز) فهو لأحد أصدقائي الإنجليز المقربين مني جدا، وقد توفي في حادث سيارة قبل سنوات فأضفته لاسمي، ليصبح لقبي المعروف (علي آدمز)، وبإذن الله سأحصل على الحزام الذي سبق أن حصل عليه الأسطورة محمد علي كلاي، وأعدكم بأن الفترة ستكون قريبة ولن تطول بإذن الله».

ويؤكد البطل العراقي أن نقطة ضعفه الوحيدة أنه لا يوجد لديه راع يدعمه ماديا، ويتكلف بوضع الإعلانات وتسويقه بشكل جيد، ويبين «الحمد لله، بحسب آراء متابعي اللعبة في بريطانيا، واستنادا إلى ما قدمت من أرقام، فإنني أستطيع تقديم نفسي في الحلبات العالمية، ولكن لعبة الملاكمة، بخلاف الرياضات الأخرى، تحتاج من اللاعب إلى التركيز بقوة فقط على التدريبات، والتهيئة النفسية للقاءات، وترك بقية الأعمال للراعي الخاص، ولكنني أفتقد لراع ثابت، فالرعاة الذين معي في الوقت الحالي هم متنوعون ومؤقتون، حسب كل لقاء، ولكن لو وجدت راعيا جيدا فسأستطيع تقديم نفسي بشكل أفضل، فأنا محتاج إلى معسكرات خاصة، وكذلك إلى مسوق جيد لوسائل الإعلام، وآمل أن أجد من يدعمني وأعلن ذلك من خلال صحيفتكم».

وعن لقاءاته الأخيرة يقول: «لعبت مع بطل المجر قبل شهر ونصف الشهر وتمكنت بحمد الله من التغلب عليه، ولقائي يوم الجمعة المقبل سيكون أول لقاء لي على حزام الإنترناشيونال تايتل، وتتكون المقابلة من 12 جولة، وإذا تمكنت من الفوز بإذن الله فسأصنف ضمن العشرة الأوائل على مستوى العالم في بطولة الملاكمة للوزن الثقيل، وعند ذلك سيكون المجال مفتوحا أمامي لمواجهة أي بطل عالمي، من الأسماء الكبيرة الموجودة في الوقت الحالي».

ويختتم أحمد جمعة فليح حديثه بحزن عن قصة والده الذي توفي مؤخرا ويقول: «كنت متجهزا لاستقبال والدي من العراق لحضور لقائي المقبل على حزام الملاكمة العالمي، وجهزنا جميع أوراق دخوله إلى بريطانيا، ولكن القدر كان أسبق وتوفي، والحقيقة أن هذا الأمر أثر علي كثيرا، ولكنني سأواصل اللعب في الملاكمة بكل جهد، لأحقق أمنيته، فقد كان متابعا لي في كل صغيرة وكبيرة، حتى اللقاءات التي كنت ألعبها في بريطانيا كان يستمع إليها من الحلبة مباشرة عن طريق هاتف أحد الأصدقاء، لأنه يريد أن يطمئن عليّ، خاصة أنها غير منقولة على القنوات الدولية، ولكن أعد الشعب العراقي الحبيب، بأن أواصل مسيرتي وسيرون بطلا عالميا قريبا، وسأعيد ذكرى البطل العالمي محمد علي كلاي».