الحكم السعودي «لا جديد تحت الشمس».. وتجربة نيوزيلندا مطلوبة

المهنا قال إن الاجتماع الشهري بمنأى عن الإلغاء.. و«الأندية تطالبنا بالمستحيل»

TT

عاش الحكم السعودي ليالي ملاحا منذ انطلاق دوري زين السعودي للمحترفين لهذا الموسم، وحظي بثقة الكثير من الأندية مما جعله يقود مواجهات كبيرة كديربي العاصمة بين الهلال والنصر، وتنعم بدعم إعلامي مميز من أجل الرفع من معنوياته ومواصلة تقديمه للمستويات الجيدة التي أوشكت أن تقارع الصافرة الأجنبية التي يميز رجالها بالصرامة وتطبيق القانون بحذافيره بعيدا عن التردد والوجل من ردود الفعل، إلا أن ذلك لم يستمر طويلا ليجد نفسه تحت سهام النقد الحاد الذي أعاده مجددا لدرجة الصفر التي حاول مرارا الخروج من عباءتها وبناء شخصية قوية تمكنه من فرض سيطرته داخل المنظومة الرياضية التي لا يقبل منسوبوها أي خطأ منه قد يسلبهم جهدهم وأموالهم الطائلة التي بذلوها على أنديتهم، خصوصا أن أعذاره التي يسوقها عقب أخطائه أشبه ما تكون بـ«ضرب الميت» الذي لا يعيد الحياة للجسد من جديد.

صافرة يطلقها الحكم والكرة تترنح في الهواء دون أن يكون لها معنى وتتسبب في هدف يراه الحكم صحيحا وكأنه لم يستخدم الأداة التي يفهم اللاعبون منها إيقاف اللعب. يتغاضى عن احتساب ركلتين جزائيتين أجمع النقاد والمحللون على صحتها دون أن يعاودوا النظر فيها لأكثر من مرة. أعلن عن وقت ضائع تسير دقائقه دون توقف لتثير حفيظة الرياضيين وتدفعهم لإقحام التقنية من أجل إعادة حسابها، وتحليل ثوانيها وما آلت إليه من أحداث. يخرج عشرات البطاقات الملونة دون أن يكون للإنذار الشفهي أي معنى في قاموسه التحكيمي. تلك هي شخصية الحكم المحلي التي انطبعت في أذهان الكثير من الأندية السعودية بعد أن أبلى بلاء حسنا طيلة الجولات الـ10 الأولى التي كانت كالسكون الذي يسبق العاصفة.

الصافرة الأجنبية التي تسجل حضورا قويا في الجولة الـ13 بثلاث طواقم من سويسرا وبلجيكا والبحرين تكشف قوّة تراجع أسهم الحكم السعودي في بورصة الدوري المحلي، وذلك التراجع ليس سوى تراكمات سابقة تتواصل بأسس البنيان التحكيمي التي ما إن ترتفع عن الأرض لأمتار قليلة حتى ينهار ليلامس الأرض مجددا، وذلك يتطلب النظر بالآلية التي من خلالها يقلد الحكم منصب إدارة المواجهات، والخطوات التأهيلية التي يمر بها أثناء إعداده ليصبح حكما، والدورات التدريبية التي يتلقى بواسطتها القوانين، وقدراته النفسية والفكرية ومدى صلاحيتها للإمساك بالصافرة، لا سيما أنه القاضي الذي يحتكم إليه الخصوم في المستطيل الأخضر.

ويوضح رئيس لجنة الحكام عمر المهنا أن كافة التصريحات التي يطلقها رؤساء الأندية والمسؤولون تجاه الحكم السعودي شأن خاص بهم، ولن يمانعوا في أن يبدو وجهات نظرهم حول ذلك، مشيرا إلى أن اجتماع 3 طواقم أجنبية في جولة واحدة لا يدخل من ضمن اهتمامات اللجنة أو يؤرقها في شأن حجم الثقة تجاه التحكيم السعودي، وقال: «الاتحاد السعودي أتاح للأندية فرصة أن تطلب حكاما غير سعوديين لـ3 لمواجهات خلال مسابقة الدوري على أن يكون الطلب قبل المواجهة بـ15 يوما».

وحول جدوى التجمع الشهري للحكام الذي يقول منظموه إن من أهم أهدافه المصارحة والارتقاء بالحكم السعودي قال المهنا: «في حال وجدنا أن السلبيات التي تنتج عنه أكثر من الإيجابيات فلن نتوانى عن إلغائه، وحتى هذه اللحظة نرى أن هناك محاسن كثيرة لهذا التجمع، فهو قائم على الجرأة والصراحة، فعلى سبيل المثال الركلة الجزائية غير الصحيحة التي احتسبت للهلال أمام الرائد أعلنا عن عدم صحتها بكل وضوح رغم أن الحكم المطلق قال إنها صحيحة عبر إحدى وسائل الإعلام، وأناشد كافة رؤساء الأندية الذين يرون بأنهم ظلموا في الجولات الماضية أن يحضروا التجمع الذي سيعقد اليوم (الاثنين) ليقفوا على كافة القرارات التحكيمية ويسمعوا رأي اللجنة حولها».

وبخصوص تذمر الأندية حول العقوبة المفروضة على الحكم المخطئ، قال المهنا: «الرؤساء يطالبون بالمستحيل، ففي كأس العالم حينما أخطأ أحد الحكام بقرار تسبب في إخراج أحد المنتخبات من البطولة كانت عقوبته مقتصرة على إبعاده عن المسابقة، ونحن كلجنة لا نملك أكثر من ذلك فعند قيام أحد الحكام السعوديين باتخاذ قرار خاطئ مؤثر فإننا نحرمه من إدارة المواجهة المقبلة ونقوم بتكليف حكم آخر لقيادة المباراة، ولكننا حينما نفعل ذلك نرفض الإعلان عن العقوبة، فما يطبق على الحكام يكون بصورة سرية، إلا عندما يرتكب سلوكا غير رياضي فعندها لا بد من الإعلان عما يترتب على ذلك».

الحكام السعوديون لا يزالون يدورون في فلك الهواة، يفتقرون إلى برنامج تنمية يطور من أدائهم كالذي أقره الاتحاد النيوزيلندي لكرة القدم مطلع العام الحالي المتضمن ربط الحكم بمستجدات التقنية الحديثة التي تجعله قادرا على تطوير قدراته والتعامل معها داخل الملعب وخارجه بالأسلوب الأمثل، إلى جانب تنمية المهارات النفسية التي يستطيع من خلالها مقاومة الضغوط والظروف الخارجية التي تشتت تركيزه وتجعله يتخذ قرارات خاطئة، وكذلك توعيته بأسلوب الحياة المثلى التي تجعله جاهزا على الصعيد البدني والنفسي قبل إدارة أي مواجهة، وجميع ذلك يمر بـ5 مستويات، حيث يضم الأول دورة حول الجوانب الأساسية التي تجعل الحكم ملما بكافة القوانين الرئيسية التي لا يمكنه أن يكون حكما إلا بمعرفتها، والثاني يشمل تقييما ميدانيا لملائمة الأوضاع الذهنية والبدنية لديه من خلال إجراء اختبارات تحدد مدى كفاءته، والثالث يكشف للحكم كيفية التمركز والوجود داخل المستطيل الأخضر، وزوايا الرؤية التي تجعله مشاهدا لكافة الأحداث، ومتمكنا من رؤية تحركات كافة اللاعبين القريبين من الكرة، والرابع يضع برنامجا لياقيا صارما وشاملا يفرض على الحكم قطع عدد من الكيلومترات لضمان قدرته على الركض بطريقة أسرع من اللاعبين، والخامس أشبه بالمستوى الاختباري الذي يربط بين كافة المستويات السابقة من أجل أن يحق للحكم إدارة إحدى مواجهات الدوري المحلي، وبعدها يتم ترشيحه للاتحاد الدولي للحصول على الشارة الدولية. تلك البرامج الجادة والدقيقة باتت حاجة ضرورية يتطلبها الحكم السعودي ليرتقي بمستواه على الصعيد المحلي، ويكون ذلك التألق سبيل له ليصل إلى المنافسات القارية والعالمية.