ربيع المال في كرة القدم السعودية.. هل يلغي انتماءات اللاعبين الرياضية؟

الخالد: عقلية الهواة لا تزال مسيطرة.. أنور: ثقافة اختيار النادي المناسب غائبة

TT

الانتماء في زمن الاحتراف الذي تشهده كرة القدم الحديثة أصبح نشازا مرفوضا لعدم اعترافه بلغة المال التي تعتبر الوسيلة الوحيدة للتخاطب بين اللاعبين والأندية، في ظل ارتفاع قيمة العقود المبرمة بين الطرفين إلى عشرات الملايين من الريالات، حتى باتت الخزائن التي تزخر بالدعم وحدها هي القادرة على أن تجعل من النادي منافسا على كل البطولات التي يوجد بها، أما تلك الخزائن الخاوية على عروشها فهي التي تجعل الأندية تترنح في المراكز المتأخرة، وتبقى متوجسة من شبح الهبوط الذي يطاردها.

اللاعب بات يؤمن بأن مصدر دخله الوحيد هو تلك الكرة التي تتدحرج بين قدميه، ويسعى جاهدا لجني الأموال الطائلة لأنه يدرك أن وجوده داخل المستطيل الأخضر لن يدوم طويلا، مما يدفعه لإلقاء ميوله خلف ظهره وتوديع ناديه الذي كان يهتف باسمه كثيرا قبل أن يكون لاعبا، بحثا عن تأمين مستقبله الذي يعتريه الغموض بعد أن يخفت نجمه، ويتناسى الكثيرون في الوسط الرياضي اسمه ليصبح جزءا من الماضي الكروي.

الجماهير هي الأخرى ترفض أن ترى لاعبها المفضل يرتدي قميص ناد منافس بعد أن كانت تصفق له وتدعمه في المدرجات، إلا أن الواقع الاحترافي أجبرها على أن تقبل ذلك الأمر، رغم أنها غالبا ما تتخذ مواقف ضد ذلك اللاعب، ولا تخفي أمنياتها بأن ترى مستوياته تتراجع من أجل أن تثبت أن ناديها يمتلك بيئة احترافية مناسبة تكفل لكل اللاعبين المنضوين تحت لوائه التميز.

وأوضح الخبير الفني السعودي الدكتور عبد العزيز الخالد، أن «عصر الاحتراف ألغى الميول والتشدق بالانتماء بين اللاعبين، فكرة القدم أصبحت مهنة، فهناك محاسبة بناء على المردود المالي، أما حينما كان اللاعبون هواة فلم يكن أمامهم سوى الانتماءات ليرتكزوا عليها، والأمر لا يقف عند اللاعب بل يشمل حتى المدربين والإداريين، فهناك تنقلات كثيرة إلى أندية منافسة، وأرى أن ذلك انعكس إيجابا على الأندية، فأندية الوسط استفادت كثيرا من لاعبي فرق المقدمة، حيث قدم اللاعبون أنفسهم بشكل مغاير ومميز لإثبات ذواتهم، وجميع ذلك يندرج ضمن الظاهرة الصحية».

وتابع «اللاعب في منظومة الاحتراف عليه واجبات وله حقوق، وعليه تطبيق ما يطلب منه على أكمل وجه بعيدا عن ميوله السابقة، وذلك الأمر هو ما يكفل له النجاح والاستمرار في العطاء، وهناك من يرى أن اللاعب السعودي إلى الآن لم يتجاوز هذه المرحلة من النضج في التعامل مع ميوله، وأعتقد ذلك غير صحيح، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكد أن اللاعبين أدركوا واقعهم الاحترافي إلى حد ما، رغم أنهم لم يصلوا إلى درجة الكمال، فلا تزال هناك عادات خاطئة وسلوكيات غير صحية، وهناك من يتعاملون بعقلية الهواة، يرتكبونها ويكون لها تأثير سلبي على مستقبلهم الكروي، وهذا ما رأيناه حاضرا بالنسبة للاعب المحور خالد عزيز الذي انتقل من الهلال إلى الشباب، فهذا اللاعب كان بإمكانه التوقيع مع أي ناد بـ20 مليون ريال، وعدم انضباطه جعله يستجدي اللعب مع أي فريق ولو بالمجان».

وأضاف الخالد «بعض اللاعبين حينما يخرجون من أنديتهم إلى أخرى، لا يتم توظيفهم بالطريقة السليمة، مما يجعل البعض يظن أن مستواه تراجع، كما هو الحال مع ظهير الهلال السابق أحمد الدوخي، حينما انتقل إلى الاتحاد ومن ثم النصر، فحينما كان في النادي الأزرق تم توظيفه بالشكل المثالي من خلال تعزيز النزعة الهجومية لديه، أما في الناديين الآخرين فأصبح مطالبا بأدوار دفاعية مما انعكس سلبا على أدائه، ولا يمكننا تفسير ذلك بأن ميول الدوخي الهلالية هي التي وقفت حجر عثرة أمامه في مسيرته الاحترافية».

واختتم الخالد حديثه بقوله «بالنسبة للجمهور فهو لم يتقبل حتى هذه اللحظة قضية انتقال اللاعب إلى ناد منافس، فنسمع أهازيج وعبارات تصفه بالخيانة نظير تركه للنادي الذي ترعرع فيه، وهذا أمر مقبول من الجماهير التي غالبا ما تكون محبة بشكل كبير لناديها، وتسعى إلى مساندته ودعمه، وأرى أنه داخل ضمن التعصب المحمود الذي لا يضر بالأطراف الأخرى».

من جهته، أوضح الدولي السعودي السابق فؤاد أنور، الذي كانت له تجربة الانتقال من الشباب إلى النصر، أن انسياق اللاعبين وراء المال لا يعني أن عقليته احترافية، بل عليه أن يختار النادي المناسب الذي يساعده على استمرار توهجه حتى لو كان ذلك النادي يقدم عرضا ماليا أقل من غيره، فهناك بعض اللاعبين الذين انتقلوا من أجل المال إلى أندية لا تزال في طور البناء، وذلك الأمر أسهم في تراجع مستوياتهم مما يجعلهم يخسرون مقعدهم سواء كأساسيين مع تلك الأندية أو حتى مع المنتخب السعودي.

وتابع أنور «الأندية في كرة القدم لا تقف على لاعب واحد، فحينما ينتقل لاعب من صفوفها تسعى إلى إيجاد البديل لتواصل منافستها، كحال الشباب الذي انتقل منه عدد من اللاعبين وظل فريقا صامدا ومنافسا على معظم البطولات التي يوجد بها، وأعتقد أن الوعي الاحترافي مؤخرا ارتفع لدينا، وتحديدا بعد انتقال ياسر القحطاني إلى نادي العين الإماراتي وكذلك مالك معاذ إلى النصر ومؤخرا سعد الحارثي إلى الهلال، وهذه الخطوات الجريئة ستساعد اللاعبين الآخرين على اتخاذ ذات الخطوة من دون أن تكون هناك ردود فعل غاضبة سواء من المسؤولين أو الجماهير، وأرى أن انتقال اللاعبين بين الأندية ظاهرة صحية ستعود بالنفع على الكرة السعودية، لكن تلك الانتقالات لا بد أن تكون مبنية على اختيار سليم، فلا مجال للتجربة في الأندية، حيث تسعى بعض الإدارات إلى تجريب اللاعبين، ومن المفترض أن يكون التعاقد مبنيا على فاعلية اللاعب ومناسبته للمرحلة الحالية لدى النادي، لكي تضمن أن تلك الصفقة ناجحة، وذلك النجاح يعود على اللاعبين من خلال تقديمهم أداء جيدا، وكذلك على الأندية التي تبحث عمن يصنع الفارق في صفوفها».