«لجنة الانضباط».. بين هتافات المشجعين وتلميحات الإداريين

تفاوت العقوبات يثير الجدل حول قراراتها.. والصرامة منفذها الوحيد

TT

«مثيرة للجدل إن اتخذت قرارا، ومثيرة للجدل إن اكتفت بالصمت».. هذا هو الوصف المناسب لحال لجنة الانضباط التابعة للاتحاد السعودي لكرة القدم التي ما زالت تخفق يوما بعد يوم في المواقف التي تعترضها، وذلك من خلال تعاملها المتذبذب والمتفاوت بالصرامة والتساهل والتجاهل من وقت لآخر رغم أن الحدث ربما يتكرر نفسه في أكثر من مرة، ولكن يختلف الزمان والمكان والأطراف المعنيين بهذا التصرف، إلا أن الفعل يظل واحدا كما هو دون زيادة أو نقصان.

لجنة الانضباط وفقا للتعريف المُدرج أمامها بحسب لوائح الاتحاد السعودي لكرة القدم فإنها الجهة المختصة بتوقيع العقوبات المعتمدة والمنصوص عليها في اللائحة (يعني لائحة الانضباط التي ربما تتغير من موسم لآخر) للمخالفات التي لم يرد فيها تقارير فنية أو إدارية أو التي لم يلحظها حكام المباريات ولم تلفت انتباههم، من خلال هذا التعريف نجد أن اللجنة تعمل وفق لوائح معتمدة ونهائية تشمل كل العقوبات المتوقع ارتكابها وذلك وفقا للاستناد للائحة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في بعض البنود واللوائح والاستفادة من خبراته في هذا المجال، مع وجود استثناءات لتصرفات وأفعال ربما تطرأ على الساحة الرياضية وذلك من خلال إيجاد بنود عمومية في اللائحة بإمكان أعضاء اللجنة إدراج هذه المخالفات تحتها، هذه اللوائح تشمل كل الرياضيين بداية من الأندية ككيانات والمنتسبين لها (رؤساء وأعضاء وإداريين وفنيين وعاملين) إضافة للاعبين وحكام المباريات والمقيمين والمراقبين والجماهير الحاضرة داخل الملعب، إضافة لأي أشخاص أو فئات ترى اللجنة خضوعهم للوائحها، تشمل هذه القوانين واللوائح لما قبل المباراة وأثناء لعبها وعقب نهايتها، تبدأ عقوباتها بالمخففة (لفت النظر) وتنتهي بالصارمة والقاسية بـ(سحب الجوائز وتهبيط الأندية من درجة إلى درجة).

الجماهير الرياضية ترى عبر ما تكتبه وتطرحه في عالم الإنترنت أن اللجنة تبدو مجاملة في قراراتها لبعض الأندية على حساب أندية أخرى، ليظل الأمر بمثابة حلقة تدور دون توقف وكل ناد بات يشتكي من قرارات اللجنة المتفاوتة، الحقيقة وبحسب متابعة لما أصدرته هذه اللجنة من قرارات نجدها متناقضة متذبذبة متفاوتة في عقوباتها لأسباب مجهولة لا أحد يعلم سرها حتى وإن بدت اللجنة تخشى مجابهة الأندية « الكبيرة» والعملاقة جماهيريا وإعلاميا.

من تناقضات قرارات اللجنة تغريمها لمدرب فريق النصر علي كميخ بغرامة مالية بلغت 75 ألف ريال وإيقافه لثلاث مباريات رسمية، وفي ذات الوقت قررت لجنة الانضباط تغريم إداري الهلال لدرجة الشباب خالد الحبيش بغرامة مالية بلغت 75 ألف ريال وإيقافه لثلاث مباريات رسمية (هاتان العقوبتان جاءتا بعد فعلين متشابهين وذلك بالتصريحات ضد حكمي المباراتين)، مكمن الغرابة هنا هي تساوي عقوبة كميخ بالحبيش رغم أن الأول مدرب لفريق يلعب في دوري زين للمحترفين والأخير إداري لفريق الهلال بدرجة الشباب، والسؤال لماذا تساوت العقوبتان رغم اختلاف درجتي المسابقة؟ ولجنة الانضباط في قراريها (51 و52) والمتعلق بأحداث الخرج قامت بتغريم الهلال بمبلغ 30 ألف ريال والشعلة بمبلغ 15 ألف ريال وجاءت التفرقة في العقوبة كون الأول يلعب في دوري زين في حين أن الأخير مصنف في دوري الدرجة الأولى لذلك جاءت العقوبة (نصف العقوبة الأساسية للهلال)، وعودا على قرار لجنة الانضباط بشأن أحداث مباراة الخرج والتي اكتفت فقط بتغريم الهلال والشعلة بمبالغ مختلفة نجدها نفسها في موسم 2009-2010 قامت بنقل مباراة النصر ونجران من الرياض إلى نجران بعدما قامت جماهير النصر في مواجهة الأخير مع الشعلة بمنافسات كأس الأمير فيصل بن فهد موسم 2009-2010 برمي عدد من العلب الفارغة وقوارير المياه على حكم المباراة المساعد ورمي الحكام بالقوارير أثناء خروجهم من ملعب المباراة ليأتي القرار بنقل المباراة وتغريم النصر مبلغ عشرين ألف ريال، في حين أنها في أحداث الخرج الأخيرة اكتفت بمعاقبة الهلال والشعلة بغرامة مالية. وأيضا ما صدر مؤخرا من لجنة الانضباط والقرار رقم 53 والقاضي بمعاقبة لاعب فريق الهلال سلمان الفرج بعشرة آلاف ريال بسبب امتناعه عن الظهور في منطقة اللقاءات السريعة التي تعقب المباريات (فلاش إنترفيو) وجاءت معاقبة الفرج وفقا لبيان اللجنة (نظرا لما لاحظته لجنة الانضباط مؤخرا من امتناع بعض اللاعبين من الظهور في اللقاءات السريعة الحصرية) مما يعني أن هناك تجاوزات من لاعبين سابقين في هذا الموسم إلا أن اللجنة تجاهلتهم وأوقعت العقوبة بالفرج الذي ذهب ضحية لصحوة لجنة الانضباط.

بعيدا عن تناقضات اللجنة وتفاوت عقوبتها المتعددة نجد اللجنة تغفل وبشكل شبه نهائي الالتفات لما يصدر من المدرج، وتكتفي فقط بالنظر لما يرمى منه وهنا تبدو المشكلة أعظم وأكبر رغم أن ما يصدر من المدرجات في أحيان كثيرة يبدو أشد وقعا وأكثر خطورة في المجتمع الرياضي وخاصة بين صغار السن، وفي الفترة الأخيرة عانى مهاجم المنتخب السعودي ياسر القحطاني كثيرا بسبب ما طاله من أهازيج غير أخلاقية، الأهزوجة بدأت في ملعب وانتقلت منه لآخر حتى باتت بمثابة الشرط الأساسي لإقامة مباراة يكون طرفها فريق الهلال، ومع ذلك لم نجد لجنة الانضباط تحرك أي ساكن وتوقف هذا العبث وهذا الخطر الذي بدأ باجتياح مدرجاتنا. القحطاني عانى نفسيا حتى وإن لم يظهر ذلك على السطح حتى بدأ اللاعب في تذبذب بالمستوى وتراجع كبير، مما دفعه إلى الانتقال لنادي العين الإماراتي بنظام الإعارة في مطلع هذا الموسم ليجد وقفة مشرفة من قبل لجنة الانضباط الإماراتية التي عاقبت جماهير فريق الوحدة الإماراتي بعدما رددت ذات الأهزوجة التي انتشرت من المدرجات السعودية لتضع حدا صارما لمثل هذه الأهازيج غير الأخلاقية. حادثة القحطاني لم تكن الأولى في ملاعبنا ولن تكون الأخيرة فقد سبقها أهازيج «عنصرية» ضد الأندية كمجموعة، ولكنها الأولى من نوعها كونها موجهة ضد لاعب واحد، حاليا طفحت على السطح أهزوجة ضد لاعب الاتحاد الشاب محمد أبو سبعان وما زالت لجنة الانضباط «نائمة في العسل» ولم تحرك أي ساكن تجاه هذه التصرفات المشينة التي بدأت تنهش وتخدش جمالية الرياضة ومفهومها الشريف. غياب اللجنة وعدم تحركها تجاه هذا الخطر الذي بدأ يدب في مدرجات الأندية سيجعل الجماهير مشحونة على أقصى درجة وستتجه على طريقة «الفزعة» لنجوم ناديها بترديد أهازيج بالمثل مسيئة للاعبين الأندية الأخرى في ظل غياب لجنة الانضباط ورفع يدها عن هذه الأحداث خشية الأندية الجماهيرية.

المتابع الرياضي يدرك حجم خطورة هذه الهتافات العنصرية بالدرجة الأولى والأخلاقية المشينة بالدرجة الثانية، حيث يهدد الاتحاد الدولي دائما بإيقاع أقصى العقوبات في حق المدرجات التي يصدر منها أهازيج وهتافات عنصرية في مباريات تحت إطار الاتحاد الدولي لكرة القدم، ذات الحال لكافة الاتحادات العالمية والأوروبية والاتحادات المجاورة. وفي 2004 هدد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) المنتخب الإسباني بالإقصاء والإبعاد عن المشاركة في أكثر من بطولة عالمية بسبب قيام مشجعيه بترديد ألفاظ عنصرية تجاه بعض لاعبي المنتخب الإنجليزي. وفي إيطاليا قامت رابطة الأندية الإيطالية بمعاقبة فريق يوفنتوس الإيطالي وحرمان جماهيره من الوجود في مواجهة روما (يناير 2010) بسبب الهتافات العنصرية التي صدرت من المدرج الخاص بيوفنتوس الإيطالي ضد المهاجم الإيطالي ماريو بالوتيللي لاعب فريق إنترميلان السابق. وفي بريطانيا الأمر لم يقتصر على كون الهتافات العنصرية قضية رياضية فقط بل امتد الأمر لأكثر من ذلك حينما قامت الشرطة باعتقال اثنين من مشجعي توتنهام قاما بترديد هتافات ضد مدافع فريق بورتسموث سول كامبل وتم القبض على المشجعين من خلال الاستعانة بشريط مصور للمباراة. كل هذه الأحداث التي وردت هنا دليل على خطورة الألفاظ العنصرية كما هو الحال للألفاظ المشينة والأخلاقية.

بعد كل هذه الحالات التي جرت ستكون لجنة الانضباط على موعد مهم أمام التحدي والخطر الذي بدأ باجتياح مدرجات الملاعب السعودية من ألفاظ عنصرية وأخلاقية، ويتوجب عليها إصدار عقوبات رادعة وخاصة بشان المدرج الذي سيردد كهذه الأهازيج لتنجح اللجنة في منعها والحد منها وتنجو من «فخ» المقارنات مع حالات سابقة.