جولة في «الشرق الأوسط» «سانتياغو بيرنابيو» تكشف واقع الملاعب السعودية

تذاكر إلكترونية.. دخول بلا تدافع.. أجهزة مخصصة للتدفئة.. أماكن مجهزة للمسنين

TT

كانت وما زالت الجماهير هي الأساس في تنظيم مباريات كرة القدم في العالم أجمع. ولأن ملاعب السعودية اعتادت أن تكون مكتظة بالجماهير لمساندة الفرق والمنتخبات في فترة زمنية سابقة، فإنه سيكون من غير الطبيعي غياب الجماهير عن الملاعب في الفترة الحالية، وهو الأمر الذي بات يجعلنا نسجل تراجعا كبيرا في أرقام الحضور الجماهيري في ملاعبنا خلال المنافسات المحلية، مما أفقدنا نصف مقعد في بطولة دوري أبطال آسيا بسبب عدم اكتمال نصيب الحد الأدنى من معدل الحضور الجماهيري في الدوري المحلي والبالغ خمسة آلاف مشجع لكل مباراة، وللجميع أن يتخيل عدد حضور مباراة في دوري زين لا يتجاوز الثلاثين مشجعا، مما يعني أننا فقدنا الرقم الأصعب والأهم في الرياضة لدينا. عزوف الجماهير عن الملاعب يكشف الكثير من المشكلات الخفية التي كانت تتغطى بثوب «محدودية النقل التلفزيوني» حينما كان التلفزيون السعودي يكتفي بنقل أبرز مباراة في اليوم، وهو الأمر الذي يدفع الجماهير للتقاطر حول الملعب ومشاهدة فريقها المفضل الذي يغيب عن الشاشة، ليكون الملعب هو الحل الأوحد لرؤيته، علاوة على ذلك كانت المستويات الفنية والمواهب من الجيل الذهبي والعملاق للكرة السعودية عاملا مساندا لحضور الجماهير للمباريات، وهو الأمر الذي باتت تفتقده ملاعبنا في الوقت الحالي، حتى وإن حضرت مواهب في فترات زمنية متفاوتة، ولأن هذا الملف يعتبر من أهم الملفات التي يُفترض أن تكون على طاولة المسؤول الرياضي لإيجاد حلول تسهم في إعادة ملح المدرجات وجمالها، لأجل ذلك قامت «الشرق الأوسط» بعمل جولة تُقارن من خلالها كيفية حضور المشجع للملعب في إسبانيا كمثال، والطريقة التي يحضر بها الجمهور السعودي إلى أي مباراة تقام في إحدى المدن السعودية. وكانت الوجهة إسبانيا وبالتحديد العاصمة مدريد حيث مقر نادي ريال مدريد وملعبه الشهير «سانتياغو بيرنابيو» لحضور مواجهة ريال مدريد ونظيره أتليتك بلباو التي أقيمت في 22 يناير (كانون الثاني) الماضي وانتهت بفوز ريال مدريد بأربعة أهداف مقابل هدف لبلباو.

وفي «الشرق الأوسط» فضلنا اختيار مواجهة مصنفة من الصف الثاني لنادي ريال مدريد لحضورها ومشاهدة التنظيمات عن قرب ومدى الفوارق لدينا هنا في السعودية وهناك في إسبانيا، وقد تم تحديد المواجهة منذ فترة طويلة تقريبا وتم إنهاء كل الحجوزات المتعلقة بذلك من دون خشية من تأجيل مفاجئ للمباراة يربك ويفشل برنامج الرحلة المُعد منذ فترة زمنية ليست بالقصيرة، فتاريخ المواجهة المحدد معروف منذ صدور جدول الدوري في أغسطس (آب) الماضي، عند القيام بإنهاء حجوزات السكن. كانت معظم المميزات التي يضعها كل فندق أمامه على مواقع الحجوزات العالمية في الإنترنت أنه يتمتع بالقرب من ملعب «سانتياغو بيرنابيو»، أو أنه يبعد أمتارا قليلة عن محطة المترو المؤدية للملعب العملاق والشهير ذاته، مما يعني أن الأمور التنظيمية لا تقتصر فقط على آلية الحضور وطريقة دخول المُشجعين هناك، فالاهتمام بالبنية التحتية الجيدة مرتبط كذلك بالرياضة في مدريد، وكل البلدان والعواصم المتقدمة كرويا وحضاريا، فملعب النادي الملكي كما يعرف عن ريال مدريد يقع في مكان مميز من العاصمة، ويحيط به عدد من الفنادق القريبة والمجاورة للملعب، إضافة لعدد من المطاعم العالمية المشهورة، وغيرها من الخدمات التي تزيد من جمالية هذا الصرح العمراني الكبير، على عكس ما يحدث لدينا.. فعلى سبيل المثال الملعب الأكبر لدينا في السعودية «ملعب الملك فهد الدولي» تحيط به أحياء جديدة كونه يحتل موقعا بعيدا عن قلب المدينة وشريانها الرئيسي، ويبتعد أيضا عن السكن الراقي وكبرى الفنادق في العاصمة الرياض، إضافة لذلك فقد جرت العادة على أن تحيط الأتربة بالملعب بعد خروج الجماهير من المباريات كون غالبية الأراضي المجاورة «ترابية».

* التذاكر وأريحية الشراء

* من هنا في السعودية، ومن خلال موقع ريال مدريد الإسباني الرسمي على الإنترنت، بإمكانك الدخول ومشاهدة مقعدك وشراء تذكرتك ودفع قيمتها عبر بطاقات «الفيزا» و«الماستر كارد» ومن ثم تسلمها عبر أجهزة الخدمة الذاتية المنتشرة في أرجاء مقر النادي ومتجره الملاصق له والمطل على الشارع القريب من الملعب، إضافة لشراء التذاكر عبر منافذ البيع في الملعب. فضلنا شراء التذاكر من إسبانيا ومن خلال نوافذ البيع الموجودة في ملعب النادي لمشاهدة حجم الازدحام وكيفية التعامل مع الجماهير الراغبة في شراء التذاكر هناك. كان اليوم المحدد لشراء التذاكر هو الجمعة، وهو يعتبر يوم عمل في إسبانيا، حيث كانت الساعة تشير لدخول وقت العصر. فور وصولنا للشباك المحدد للبيع كان أمامنا ما يقارب الخمسة أشخاص فقط، كون وسائل بيع التذاكر متاحة ولا تقتصر على نقاط البيع، إضافة لوجود بطاقات العضوية الخاصة لأعضاء النادي. بائع التذاكر عند الوصول إليه يقدم لك خريطة الملعب لمشاهدة تقسيم المدرجات مع أسعارها والتي تتراوح من مواجهة لأخرى حسب أهميتها. كانت أسعار تذاكر مواجهة مدريد وبلباو تتراوح بين 40 و135 يورو. قمنا باختيار نوعين من التذاكر الأولى منها، كانت أفضل فئة والبالغ سعرها 135 يورو (وهي المدرجات المقابلة لمقاعد البدلاء مباشرة) أما التذاكر الثانية فكانت أقل فئة والبالغ سعرها 40 يورو (التي تقع في الجهة ذاتها لكنها في الطابق الأعلى من الملعب.. السادس أو السابع)، خلال عملية شراء التذاكر يمكن لأي مشجع اختيار رقم مقعده الخاص به إضافة لإمكانية حجز عدد من المقاعد المتجاورة إذا كان يرغب في حضور المواجهة بصحبة عائلته أو أصدقائه.

* أجواء المواجهة

* بعد غياب شمس يوم الأحد، وهو اليوم المحدد لحضور المواجهة، توجهنا إلى ملعب «سانتياغو بيرنابيو» قبل ساعتين على موعد صافرة بداية المباراة. كانت البوابات الخارجية للملعب تبعد عن محطة المترو قرابة الـ200 متر، وتنظيمات السير كانت تمضي وفق ما أعد له مسبقا، والأنظار لا تشاهد إلا مشجعين على أقدامهم يسيرون من دون سيارات وإزعاجات أصوات منبهاتها. عدد محدود كان يقف تحت مراقبة وإشراف رجال الأمن هناك كي لا تحدث أي اختناقات في الطرقات والشوارع. متاجر صغيرة ومتنقلة وليست تابعة للنادي تبعد أمتارا قليلة عن البوابات الخارجية وذلك لبيع المياه والمشروبات الغازية والعصائر والشالات والأعلام. تبقى على انطلاق المباراة 90 دقيقة وأبواب الملعب ما زالت مقفلة، والمنطقة المحيطة بالملعب تكتظ بالمشجعين الذين يقضون وقتهم هناك باستمتاع حيث توجد أشهر المطاعم والمقاهي العالمية وذلك في انتظار افتتاح الأبواب.

* طريقة دخول الملعب

* بعدما تبقى نحو 70 دقيقة فُتحت أبواب الملعب، وأخذت الجماهير طريقها للبوابات المخصصة لدخولها والموجودة على تذكرة المباراة، مما يجعلك تشاهد البوابات الخارجية الكثيرة غير مزدحمة وتجد الدخول يسيرا من دون أي تدافعات. أخرجنا تذاكر المباراة واتجهنا للبوابات الإلكترونية، فقط تمرير للشريط الموجود على التذكرة على الجهاز الخاص بقراءته ليفتح الباب لك عقب ذلك. مررنا بسلام دون أي مضايقات من رجال الأمن الذين كان دورهم التفتيش السريع في بعض الأحيان، والمرور من دون أي تفتيش في أحيان أكثر، حيث يقتصر التفتيش الدقيق والسريع في الوقت ذاته على من يحمل حقيبة أو أي شيء مغطى. كانت المسافة الفاصلة بين بوابة الملعب الخارجية والداخلية أقل من 80 مترا للمدرجات ذات القيمة 135 يورو للتذكرة، في حين تبدو المسافة ليست بعيدة عن المدرجات التي تقع في الطابق السادس باستثناء سلم الصعود لها والمزود بالسلالم الكهربائية أيضا. اتجهنا فور الدخول لرجل الأمن المخصص بذات البوابة التي سيتم الدخول منها، وتم إظهار التذكرة له قبل أن يبادرنا بالترحيب والتحية، وأخذ يسير أمامنا حتى وصل للمقاعد التي تحمل أرقامها تذاكرنا ليشير إليها مغادرا من أمامنا بابتسامة لطيفة.

كانت المدرجات شبه خالية رغم تبقي أقل من ساعة على انطلاق المواجهة، معظم الجماهير كانت تقضي وقتها خارج محيط الملعب، في حين أن البقية كانوا في الداخل يتوزعون بين الدخول للمدرجات والتقاط الصور التذكارية والجلوس في أماكنهم وبين تبادل الأحاديث وتناول بعض المرطبات والمأكولات الخفيفة الموجودة في حرم الملعب. بعد الدخول ومعرفة المقاعد يمكن لأي مشجع أخذ جولة في الملعب والخروج والعودة في أي وقت ما دام يحمل الجزء المتبقي من التذكرة التي تخول له العودة للمكان ذاته.

بعد عودة اللاعبين لغرف الملابس استعدادا للنزول مجددا لأرضية الملعب لبدء المواجهة قمنا بشراء بعض المأكولات والمشروبات الغازية لتناولها أثناء مشاهدة المواجهة من دون أي مضايقة من رجال الأمن قبل الدخول للمدرج. خلال ذلك وقبله كانت الجماهير بدأت تأخذ طريقها لمقاعدها بعدما تبقى قرابة الـ10 دقائق، حيث بدأت الأعداد تتزايد بشكل كبير من دون أي زحام مزعج ومقلق. كان الحكم يشاهد ساعته للتأكد من الوقت وذلك لإطلاق صافرته معلنا بداية المواجهة، وفي ذات الوقت ذاته كانت الجماهير قد أخذت أماكنها بالكامل في المدرجات لتشاهد هي الأخرى المواجهة بسلام.

هدوء صاخب يعم المكان. أهازيج النادي صاحب الأرض (ريال مدريد) كانت تنتشر دون أي مكبرات صوتية مزعجة حد النشاز، فبإمكانك إجراء مكالمة هاتفية دون الحاجة لمغادرة الملعب أو الصراخ بصوت عال حتى تصل رسالتك للشخص الذي تهاتفه. وفي الوقت ذاته قد تجد قدميك تهتزان طربا دون أي قصد للأهازيج التي تطلقها فرقة (الألتراس) الخاصة بنادي ريال مدريد والتي تتخذ من مدرجات خلف المرمى مقرا لها، علاوة على الهدوء الذي يحيط بك ويمكنك من الحديث مع من يجلس بجوارك بكل سهولة. ستجد أن الجماهير الحاضرة للمواجهة تتفهم أن المباراة للجميع، فالكل يجلس في مكانه دون الوقوف وحجب الرؤية لدى الآخرين، وفي الحالات التي تستدعي الوقوف ينهض الجميع لذلك، إما لتسجيل هدف أو لإجراء تبديل أو لعودة لاعب مصاب أو غيره، مما يجعلك تشاهد كل تفاصيل المباراة. أماكن المشجعين في أعلى المدرجات أو أسفله متساوية من حيث الأمان، فالمشجع هنا وهناك لا يخشى سقوط حذاء أو قلم أو قطعة معدنية أو علب فارغة على رأسه عند الاحتجاج على لاعب أو مدرب أو حكم.

ليس بالضرورة أن تغادر مقعدك قبل 10 دقائق من نهاية الشوط الأول إذا ما أردت تناول أي وجبة بين شوطي المباراة تفاديا للزحام وضمانا للوصول السريع للبائع في مكانه، ففي ملعب «سانتياغو بيرنابيو» يحيط بأغلب الأبواب الصغيرة الداخلية مكانان لبيع الوجبات الخفيفة والمشروبات والمرطبات والمياه، ففي حال أردت الشراء بين الشوطين ستكتفي بالسير عدة خطوات بسيطة فور خروجك من البوابة الداخلية، حينها ستجد أمامك طابورا بشريا ليس بالطويل نظير أماكن البيع الكثيرة والمتعددة والمنتشرة في أرجاء الملعب. أقل من دقيقتين حتى تتمكن من شراء ما تريد من دون إحداث أي تلفيات أو فقدان أشياء مهمة من جيبك، إضافة لذلك توجد أجهزة البيع الذاتي للمشروبات الغازية المعروفة والمياه. الحديث نفسه والأوصاف الجميلة ذاتها تنطبق على دورات المياه التي تنتشر هي الأخرى بالقرب من البوابات الداخلية للملعب مع عناية خاصة ونظافة مستمرة تمكن من يرغب من الذهاب إليها بسهولة دون أي صعوبة وطابور بشري عملاق وضخم يفقدك مشاهدة وقت طويل من المواجهة. حراك بشري هائل في أرجاء الملعب خلال خمس عشرة دقيقة فقط، ومع إطلاق الحكم صافرته معلنا بداية الشوط الثاني سيكون الجميع عاد إلى مكانه على وجه السرعة من دون أي عمليات ازدحام في طريق العودة.

* وسائل التدفئة في الملعب

* يكون تبريد المكان أسهل من تدفئته إلا في ملعب مدريد العملاق يحدث العكس، حيث إن الزائر والمشجع سيزيد انبهارا عندما يشاهد أجهزة التدفئة تنتشر في الأماكن المرتفعة من الملعب وبالتحديد من مدرجات الدور الخامس وما فوقها، حيث يساعد ارتفاع المدرجات العالي على برودة الأجواء الشديدة أكثر من بقية المدرجات، إلا أن وجود أجهزة تدفئة يقلل من هذه البرودة. كانت المباراة التي تم حضورها في وقت متأخر في مدريد، ودرجات الحرارة في تلك الأيام منخفضة كثيرا، والبرودة شديدة. بعدما أخذ المشجعون طريقهم للجلوس في أماكنهم استعدادا لانطلاق المباراة التي لم يتبق عليها إلا دقائق قليلة، قامت إدارة الملعب بتشغيل أجهزة التدفئة التي كانت معلقة على غطاء الملعب، مما منح المدرجات درجات حرارة مناسبة ودافئة تجعل المشجع يستمتع بالمواجهة التي خصص جزءا من وقته في الإجازة (بحسب أيام العمل في مدريد) لحضورها من أجل دعم النادي ومساندته في مسيرته. إشعال أجهزة التدفئة يمنح أي زائر من خارج مدريد انطباعا حول مدى الاهتمام الكبير بالمشجع هناك واحترامه والبحث عن توفير كل سبل الراحة له ليقوم بتكرار تجربته في حضور مواجهة في الملعب ذاته (سانتياغو بيرنابيو)، أو لضمان الحضور المتواصل لأعضاء وجماهير النادي التي تساند وبقوة فريقها ريال مدريد بكل مواجهة، ودائما ما تسجل نفسها في إجمالي الحضور الذي يبلغ ما يزيد على ثمانين ألف متفرج وهي السعة الإجمالية للملعب.

قبل إطلاق الحكم صافرته معلنا نهاية المواجهة بأقل من خمس دقائق تبدأ بعض الجماهير في مغادرة أماكنها والتوجه للبوابات الخارجية، وهؤلاء يشكلون النسبة الأقل من الغالبية التي تجلس حتى نهاية المواجهة كاملة، ومبادلة لاعبي النادي التحية قبل توديع الملعب كما تجري العادة هناك.

عند الخروج سيكون من الطبيعي أن يحدث زحام خفيف، فملعب يتسع لما يفوق الثمانين ألف متفرج بالتأكيد سيكون خروج المتفرجين منه أصعب من دخولهم، كونه يأتي في وقت واحد وفي لحظات متقاربة. عند توديع الملعب ستكون المحطة المقبلة هي الأصعب في حضور المباريات هناك وأقصد «محطات المترو»، كون معظم الجماهير تعتمد في تنقلاتها على المترو الذي تشهد بوابة الدخول إليه زحاما عظيما، إلا أنه في الوقت ذاته لا توجد هناك أي تدافعات تكلفك فقدان مقتنياتك أو تحدث ضررا جسديا لك، فعلى الرغم من هذا الزحام فإن الدخول إليه سلس من دون أن توقفات. وعند تجاوز البوابات الإلكترونية لمحطة المترو ينتهي الازدحام، كون الجماهير تبدأ في سلك طرقات مختلفة ومتفرقة تسهم بدورها في تفكيك ذلك التكتل، ورغم الزحام ستجد نفسك خلال أقل من نصف ساعة قد وصلت للوجهة المطلوبة، وبذلك يتم إسدال الستار على يوم رياضي ترفيهي تعرف من خلاله معنى الرفاهية في الملاعب والتي ما زالت مفقودة لدينا في السعودية.

* ممنوعات الملاعب «لا تعقيدات ولا تشديد»، ببساطة كان هذا هو شعار الممنوعات عن المدرجات في ملعب سانتياغو بمدريد. فالملعب يبدو كغيره من الأماكن الترفيهية والمطارات وغيرها من المؤسسات. المحظور يبدو واحدا، والنظام العقابي كذلك واحد. في الملعب وقبل الدخول للمدرجات كنت متخوفا من عدم سماح رجال الأمن بدخولي للملعب بسبب حملي لـ«كاميرا احترافية» (كبيرة الحجم) كما يحدث لدينا في الملاعب السعودية التي تُمنع فيها الكاميرات بحسب الأمزجة والأهواء. في مدريد مررت من أمام رجال الأمن من دون أن يبدي أي منهم تساؤلا عن سبب دخول بالكاميرا أو أخذ أي منهم تفتيشها ومشاهدة حجم البطارية، وهل هي صغيرة أم كبيرة ليتم رفض الدخول بها، بل كان الأمر طبيعيا. الممنوعات في الملعب تبدو واضحة من دون تعقيد، فلم أشاهد صناديق صغيرة بجوار رجال الأمن مليئة بالأقلام والمسابح وشالات الأندية الأخرى، فهناك لم أشاهد إلا أحد رجال الأمن يطلب من مشجعين فتح العبوة البلاستيكية ويقوم بأخذ «غطائها»، علما بأن جميع ما يباع في الملعب يقدم في أكواب بلاستيكية إذا رغبت ذلك، أما شالات الأندية الأخرى أو الأعلام أو المقتنيات الشخصية فهذه تمر من دون أي رفض، وتشاهد أعلام دول وشالات أندية عربية في مباريات كبيرة يحتضنها ملعب مدريد.

وصدمة التنظيم هنا في السعودية سيكون الدخول لملعب الملك فهد الدولي بالعاصمة الرياض، كونه يعتبر أفضل الملاعب، بمثابة الحلم الذي يبحث عنه المشجعون لحضور مباراة نهائية تحتضنها جنبات الملعب، والأمر ذاته ينطبق على بقية الملاعب المنتشرة في المدن السعودية (ملعب الأمير فيصل بن فهد، ملعب الأمير عبد الله الفيصل بجدة، ملعب الأمير محمد بن فهد بالدمام وغيرها) سواء كان هذا الشغف والأمل لحضور مواجهة نهائية أو دورية عادية يسعى من خلالها المشجع لرؤية فريقه ونجومه المفضلين على أرض الملعب، لكن سيكون الأمر بمثابة الصدمة له عندما يشاهد حجم المعاناة والتعب خاصة في المواجهات النهائية الكبيرة في ظل عدم معرفة أرقام المقاعد، إلى جانب الازدحام المروري في الطرقات والشوارع الذي يأتي عقب نهاية المباريات وفي ظل الخدمات المتواضعة التي تقدم في جنبات هذه الملاعب، وكذلك غياب الاحترام وانتشار الفوضوية في الإجراءات الأمنية للدخول من تعقيدات في عملية التفتيش ووجود أنظمة متعددة بحسب الأهواء والأمزجة، إضافة للوقوف الطويل جراء شراء تذاكر من منافذ البيع كونها الخيار الوحيد في السعودية أو الاضطرار لشرائها من السوق السوداء وذلك لتجنب الازدحام. السوق السوداء تجد لها طريقا في أوساط المشجعين المغلوبين على أمرهم حتى وإن ارتفعت الأسعار ووصلت إلى أرقام فلكية وجنونية. وهناك العديد من المشكلات التي تحاصر المشجعين وتجعلهم يفكرون كثيرا قبل الحضور للملاعب التي بدأت تشهد تراجعا كبير الفترة الأخيرة.

* شراء التذاكر ومنافذ البيع

* تنحصر طريقة شراء التذاكر على منافذ البيع من دون وجود أي مميزات خاصة بأعضاء النادي أو من يريد الحصول على التذاكر الموسمية أو طرحها عبر الإنترنت الذي يحصل في مباريات قليلة جدا لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وذلك في مدينة جدة، حيث تقوم شركة صلة بطرح جزء بسيط من التذاكر في حين تكون النسبة الأكبر لمنافذ البيع. أما الغالبية فسيكونون مضطرين للتوجه لمنافذ البيع التي تتفاوت من ملعب لآخر، فدائما ما تحضر المشكلات مع قلة المنافذ واقتصارها في عدد قليل، حيث يكون المشجع مضطرا للوقوف في طابور بشري طويل أو اللجوء للسوق السوداء التي يتربص قائدوها بالمشجعين الذي يريدون الخلاص من هذا الازدحام الطويل وسرعة الدخول للملاعب خاصة في المواجهات الكبيرة والنهائية، إضافة لبعض المشكلات التي تحدث في المباريات العادية والناتجة عن قلة منافذ البيع وطرق طرح التذاكر.

* طريقة الدخول للملعب

* عند شراء التذكرة لا يمكنك رقم المقعد إن وجد عليها من الجلوس في مكان محدد، ففي حال أراد المشجع الجلوس في مكان مميز فإن ذلك يعني أنه يتطلب منه الحضور للمواجهة قبل وقت مبكر جدا من انطلاقتها، كون أبواب الملاعب تفتح قبل المواجهة في الغالب بما يزيد على ثلاث ساعات، والمواجهات المهمة والمباريات النهائية بما يزيد على خمس ساعات. عند فتح البوابة سيكون أمام كل مشجع طابور بشري طويل لقلة رجال الأمن وعدم وجود بوابات خارجية متعددة، ورغم ذلك يكون التفتيش دقيقا بدرجة مملة ومهينة للمشجع في أحيان كثيرة، حيث تشاهد منظرا محيطا برجال الأمن قبل الدخول للملعب من علب مياه وشالات وأعلام لأندية أخرى مرمية على الأرض وصناديق مليئة بالأقلام والمسابح الخاصة بالجماهير التي تخلت عنها من أجل الدخول للملعب وعدم وجود فرصة كافية للعودة للسيارة التي تم إيقافها في مكان بعيد من أجل وضع هذه المقتنيات فيها. بعد تجاوز محطة التفتيش الأولى التي تتمركز بالقرب من البوابات الخارجية ستكون أمام المشجع نقطة تفتيش أخرى تكون بالقرب من البوابة الداخلية، بحيث لا يمكن له الدخول بأي مأكولات أو مشروبات، وذلك في ملعب الملك فهد الدولي بالعاصمة الرياض حيث توجد في أرجائه الداخلية أماكن بيع الأغذية، في حين توجد في ملعب الأمير فيصل بن فهد بالرياض أيضا خارج محيط الملعب الداخلي. وبعد الدخول للملعب سيكون من الصعوبة الخروج مجددا إلا في الظروف الصعبة كأوقات الصلاة كون المُشجع يدخل للملعب منذ وقت مبكر جدا من دون تناول أي وجبات غذائية أو مرطبات، ويكتفي بإدخال بعض الأطعمة والمشروبات عبر طرق غير مشروعة بحسب أنظمة الملاعب وأمنها لدينا.

* متابعة المباراة والفوضوية

* أربع أو ثلاث ساعات ستكون كافية لإرهاق أي شخص وجعله غير قادر على القيام بأي أنشطة أخرى، وهو ما يحدث في ملاعبنا، فالنسبة العظمى من الجماهير تحدد وجهتها للملعب قبل انطلاق المباراة بزمن طويل ومبكر جدا لأسباب متعددة كما ذكر في الفقرات السابقة، إضافة لعدم تناول أي وجبات طيلة هذا الوقت الطويل والاكتفاء بالخروج من المدرج وتناول المأكولات خارج محيط المدرجات ومن ثم العودة لها عقب الفراغ من تناول الوجبة، ولا يقتصر الأمر على عدم تناول الوجبات والمشروبات في المدرجات حتى وإن تم السماح بها في أوقات متفاوتة وبحسب الأنظمة المتغاير أيضا، ففي المباريات الجماهيرية الكبيرة خاصة المواجهات النهائية ربما تقوم بشراء تذكرة لحضور المباراة وبالتالي تقوم بمتابعتها واقفا على قدميك دون الجلوس على المقاعد بسبب الفوضوية في آلية الدخول للملعب، وعدم ضمان الأرقام ذاتها الخاصة بالمقاعد التي تأتي على التذاكر، مما يجعل الجميع يرغب في مكان مميز وبالتالي يحدث الازدحام التي تقلق الجماهير.

الخروج بين الشوطين ومن ثم العودة للمقعد ذاته مجددا أمر صعب جدا في حال لم يوجد من يضمن لك المقعد من الأصدقاء والمقربين، ففي ملعب الملك فهد الدولي بالعاصمة الرياض على سبيل المثال سيكون الخروج من المدرجات ومن ثم شراء وجبات أو مشروبات بين الشوطين أمرا صعبا للغاية بالنسبة لمدرجات الواجهة الرئيسية، كون العدد البشري هائلا جدا في المواجهات الكبيرة ومنافذ البيع قليلة، مما يعني وجود مضايقات كبيرة، وعدم القدرة على الشراء يعيد للأذهان فوضوية الشراء التي تحدث في مقاصف المدارس والتي قد ينقضي الوقت المخصص للإفطار من دون أن تتمكن من تناول أي وجبة منها، والأمر ذاته ينطبق على الجماهير في مدرجات الملاعب السعودية، فإما الصيام وعدم الأكل إلا بعد الخروج أو الخروج والتضحية إما بآخر الشوط الأول أو ببداية الشوط الثاني.

* الواسطة تسمح بكل ممنوع

* على الرغم من هذه الفوضى العارمة التي تخيم على ملاعبنا وطريقة دخول الجماهير إليها وخروجهم منها وقضاء أوقاتهم فيها فإن معرفة أحد المنتمين للملعب قد تكفيك عناء الاصطفاف لشراء تذكرة للمباراة أو اللجوء لشراء تذكرة من السوق السوداء بسعر مرتفع، فبحسب ما أكدته بعض الجماهير لـ«الشرق الأوسط»، فإن معرفة أحد المسؤولين في الملعب تمكنك من الدخول للمباريات من دون دفع قيمة التذكرة أيا كانت، إضافة لكونه يتغاضى عن التفتيش عما يحمله المشجع من خلال التعاون مع أصدقائه المسؤولين في الملعب، مما يجعلنا نشاهد بعض الممنوعات والأجسام الحادة والخطيرة تدخل لمدرجات الملاعب لدينا في أحيان كثيرة، علاوة على ذلك قد يلجأ بعض العاملين في الملاعب الرياضية لدينا لإدخال الجماهير للملاعب عن طريق «التهريب» أو بمصطلح آخر «التسريب» وذلك مقابل دفع جزء من إجمالي التذكرة والبالغ عشرين ريالا لغالبية التذاكر لدينا في الملاعب السعودية، وبذلك يتمكن المشجع الذي دفع نصف القيمة من الدخول للملعب من دون تذكرة بمساعدة «مسؤول الملعب».

ليست الجماهير هي فقط التي تؤكد الدخول غير الرسمي للملاعب، بل أكد ذلك مسؤولون في هيئة دوري المحترفين السعودية، مثل الدكتور حافظ المدلج ومحمد النويصر حينما سعيا إلى تبرير سحب المقعد السعودي في دوري أبطال آسيا بأن جماهير تدخل إلى الملعب ولا يتم احتسابها ضمن الحضور الجماهيري.

* متعة ورفاهية في المدرجات

* قد يبدو شعارا جميلا لكنه بالتأكيد واقع لا نعيشه وحلم لم نحققه بعد، فإن حضرت المتعة في الميدان والتي اعتدنا على غيابها الفترة الأخيرة عن ملاعبنا فبالتأكيد ستكون الرفاهية بعيدة جدا عن المدرجات ما دامت الأندية لم تشرف بشكل مباشر على تنظيمات الجماهير وطريقة دخولهم، أو كانت هناك شركات خاصة ومؤهلة لتنظيمات الملاعب وإحضار الرفاهية فيها واحترام المُشجع على أنه «عميل قد دفع قيمة دخوله لهذا الملعب»، ومعاملته على كونه عميلا تجني من خلفه الشركة المُشغلة والنادي أموالا طائلة وبالتالي يجب احترامه لا كما يحدث لدينا، فالمشجع يحضر للملاعب كأنه سلعة رخيصة لا ثمن لها، ويتلقى الإهانة مرات متعددة، ويقاوم التعب والإرهاق، ويتحمل الجوع وحرارة الأجواء أو برودتها. المشجع هو في النهاية إنسان ينشد المتعة ويرغب في مساندة ناديه ومشاهدة نجومه على أرض الميدان. فالجماهير هي المتعة الأكثر في كرة القدم. متى يتحرك المسؤولون لإدراك ذلك؟.. فمن سمحت له الفرصة بحضور مواجهة في أي من الدول المتقدمة حضاريا وكرويا سيدرك حجم الفوارق بين المدرجات هنا وهناك، ومعها ستبدو أسباب غياب الجماهير عن الملاعب واضحة أمامه.