موامبا نجا من الحرب الأهلية في الكونغو ليسقط في ملاعب إنجلترا

لاعبو الفرق الإنجليزية وجماهيرها يحيون نجم بولتون الذي ما زال يصارع الموت

TT

في الوقت الذي تنهال فيه الرسائل عبر الفضاء الإلكتروني وعلى موجات الأثير في جميع أرجاء المعمورة للإعراب عن خالص الأمنيات بالشفاء العاجل لنجم بولتون واندررز، اللاعب باتريس موامبا، الذي يرقد حاليا بين الحياة والموت في أحد المستشفيات بشمال العاصمة البريطانية لندن، يبرز موضوع مهم على سطح الأحداث، وهو أن النجم الإنجليزي ذا الأصول الزائيرية مقاتل شرس منذ نعومة أظافره، حيث كان يتعين عليه خوض المعارك الشرسة في أي مكان يرحل إليه، بدءا من ساحات المعارك الأهلية في زائير (جمهورية الكونغو حاليا) وحتى ملاعب كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز.

وذكرت «ديلي تلغراف» أمس أن موامبا قال العام الماضي: «لست أكثر لاعبي كرة القدم موهبة، ولكني أدرك جيدا ما أستطيع القيام به، وما يتعين علي القيام به حتى أحافظ على ما أنا فيه الآن. إنني أعمل في حدود إمكانياتي وقدراتي وأستمتع بما أقوم به، وأريد أن أستمتع بكل ما تمنحه الحياة لي».

وقد ولد موامبا في العاصمة الزائيرية كينشاسا (تغير اسم زائير لتصبح حاليا جمهورية الكونغو الديمقراطية) لأسرة فقيرة تضم أربعاء أشقاء يعيشون في شقة صغيرة في تلك المدينة التي كانت تعاني من الحرب الأهلية التي اجتاحت البلاد خلال فترة التسعينات من القرن الماضي. وكان موامبا يلعب كرة القدم على أصوات طلقات النيران. وعن ذلك يقول نجم بولتون واندررز: «لقد توقفنا عن ممارسة كرة القدم لأننا كنا خائفين من أن نتعرض للقتل، وقد أصيب اثنان من أصدقائي بالفعل».

وتعد الحرب الأهلية التي شهدتها الكونغو، من وجهة نظر كثيرين، أكثر الحروب دموية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تشير الإحصائيات إلى أنه ما لا يقل عن 5.4 مليون شخص قد لقوا حتفهم، ولم تلق أسرة موامبا هذا المصير المحتوم بفضل رب الأسرة الذي كان يتسم بنوع من الحكمة والبصيرة، علاوة على الدور الذي لعبه الحظ بكل تأكيد. وكان والد موامبا، كلاود، يعمل آنذاك كمستشار لرئيس الوزراء الكونغولي كينغو وادوندو الذي اضطر لمغادرة البلاد بعدما بدأت قوات المتمردين تقترب من السيطرة على العاصمة.

وفي صباح أحد الأيام، أيقظ كلاود نجله موامبا وقال له إنه سوف يغادر المنزل، وفي الحقيقة كان كلاود في طريقه إلى بريطانيا لكي يطلب اللجوء السياسي في العاصمة البريطانية لندن. ولم يتثنّ للعائلة أن تلحق بكلاود إلا في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 1999. وفي هذه الأثناء، قتل عمه إيلونجا في هذا الصراع، وهي المأساة التي ما زالت تترك أثرا عميقا في نفس موامبا للدرجة التي تجعل من الصعوبة عليه أن يتحدث في ذلك الأمر.

وقد التحق موامبا بمدرسة «كيلمسكوت»، التي لا تبعد سوى بضعة أميال عن الطريق المؤدي إلى ملعب «وايت هارت لين»، الذي يحتضن مباريات نادي توتنهام هوتسبر. ولم يكن موامبا يتحدث الإنجليزية، ولكنه كان ضليعا في الرياضيات، وسرعان ما جذب الأنظار إليه بسبب مهاراته الكبيرة داخل المستطيل الأخضر. وفي عام 2002، بدأ موامبا التدريب مع فريق الشباب بنادي آرسنال الإنجليزي، ثم وقع عقدا مع أكاديمية النادي بعد ذلك بعامين.

ولم يشارك موامبا مع المدفعجية سوى في مباراتين فقط في الدوري الإنجليزي الممتاز، وهو ما اضطره للرحيل إلى نادي برمنغهام سيتي على سبيل الإعارة حتى يتمكن من المشاركة في المباريات بانتظام. وقدم موامبا موسما ناجحا مع برمنغهام سيتي، وهو ما جعل مسؤولي النادي يتعاقدون معه بصورة نهائية في صفقة قدرت بنحو 4 ملايين جنيه إسترليني. ونتيجة لأدائه المميز مع برمنغهام، تم اختيار موامبا في نفس العام ليرتدي قميص المنتخب الإنجليزي تحت 21 عاما. يذكر أن موامبا قد دافع عن قميص المنتخب الإنجليزي في أربعة مراحل سنية مختلفة.

وسرعان ما استقر موامبا في نادي برمنغهام سيتي واستحوذ على إعجاب المدير الفني للفريق ستيف بروس الذي شبهه باللاعب الفرنسي الكبير ونجم آرسنال السابق باتريك فييرا. وقد استمر إعجاب بروس بموامبا بسبب أدائه القوي وقدرته الكبيرة على الالتحام واستخلاص الكرة من لاعبي الفرق المنافسة، ولذا أثيرت بعض الشائعات بأن بروس (بعد رحيله لتدريب نادي سندرلاند) كان يسعى للحصول على خدمات موامبا لتدعيم صفوف الفريق.

وفي صيف عام 2008، عقب هبوط نادي برمنغهام سيتي إلى الدرجة الثانية، فانتقل موامبا إلى صفوف نادي بولتون واندررز مقابل 5 ملايين جنيه إسترليني. وخلال الموسم الأول له مع الفريق، عانى موامبا كثيرا بسبب الإصابات، ولكنه سرعان ما استحوذ على إعجاب المدير الفني للفريق غاري ميغسون الذي أصبح يعول عليه كثيرا في ضبط إيقاع خط وسط الفريق بسبب قدرته الفائقة على استخلاص الكرات. وقال موامبا في عام 2010: «إنني استمتع كثيرا باللعب تحت قيادته، وأود أن أقول إنني وصلت لأفضل مستوى لي خلال مسيرتي في عالم الساحرة المستديرة».

ويتسم أداء موامبا بالقوة المفرطة في بعض الأحيان، كما يظهر جليا من خلال تسببه في إصابة لاعب ويغان جيمس ماكارثي في عام 2010، ولكن بصفة عامة يتسم أداؤه بنوع من الاتزان والهدوء. وأصبح موامبا ركيزة أساسية في صفوف بولتون واندررز، لدرجة أنه دافع عن ألوان قميص النادي في نحو 150 مباراة. ولم يعد موامبا إلى مسقط رأسه في الكونغو (زائير سابقا) منذ أن تركها في عام 1999، لرؤية الكثير من أفراد عائلته، الذين لا يزالون يعيشون هناك في الخفاء.

وقال موامبا العام الماضي: «تعد إنجلترا وطني الثاني، لأنها التي تبنتني. لقد ساعدني الناس كثيرا ورحبوا بي واحتضنوني ومنحوني هذه الفرصة. إنني أحصل على أجر يمكنني من العيش بصورة كريمة وأعيش حياة تتسم بالهدوء والراحة، ولذا فأنا ممتن للغاية وأشكر كل من ساعدني.. شكرا جزيلا».

وبالمثل، سوف يكون عالم كرة القدم ممتنا وسعيدا للغاية لو نجح موامبا في تخطي هذه المرحلة، التي تعد الأصعب في حياته على الإطلاق.

وكان بيان صادر عن نادي بولتون ومستشفى الصدر في لندن، أمس، قد أشار إلى أن حالة موامبا «مستقرة لكن حرجة»، وذلك بعد يومين على الأزمة القلبية التي تعرض لها خلال مباراة فريقه مع توتنهام في مسابقة الكأس المحلية.

كان موامبا (23 عاما) قد سقط على أرضية ملعب «وايت هارت لين» الخاص بتوتنهام في نهاية الشوط الأول من لقاء الفريقين في ربع نهائي مسابقة الكأس، وذلك دون أي احتكاك بلاعب آخر، وتبين أنه يعاني من أزمة قلبية فنقل إلى المستشفى وتوقفت المباراة والنتيجة 1 - 1.

وجاء في البيان الصادر عن بولتون والمستشفى أمس: «حالة قلب فابريس موامبا مستقرة لكنه ما زال في وضع حرج في العناية الفائقة.. العائلة ممتنة لوسائل الإعلام لمواصلتها احترامها لخصوصيتها في هذا الوقت. وحيت جماهير الأندية الإنجليزية اللاعب من خلال التصفيق له قبيل انطلاق مباريات نهاية الأسبوع، فيما ارتدى زميله السابق في بولتون غاري كاهيل قميصا عليها (صلوا لموامبا)، كشف عنها بعد تسجيله هدفا لفريقه الحالي تشيلسي أمام ليستر سيتي، من الدرجة الأولى (5 - 2)، في ربع نهائي مسابقة الكأس. كما ارتدى لاعبو فريق ريال مدريد قمصانا كتب عليها (تعافَ سريعا يا موامبا)».