حادثة «موامبا» تفتح باب التساؤلات حول مدى اهتمام الأندية السعودية بـ«قلوب» اللاعبين

TT

«عندما رأيته ملقى على أرضية ملعب وايت هارت لين، أطرقت رأسي وقلت: كنت سألاقي ذات المصير لو لم أمنع من ممارسة كرة القدم بعد تلك الفحوصات التي أجريتها قبل نهائيات كأس العالم 2006 بفترة بسيطة»، هكذا بدأ الأسترالي الدولي السابق توني فيدمار حديثه عن اكتشافه المفاجئ لوجود مشاكل تتعلق بانتظام ضربات القلب بعد مسيرة دولية مع منتخب بلاده استمرت لـ15 عاما، وذلك لإلقاء الضوء على حالة مشابهة لما حدث للاعب بولتون باتريك موامبا الذي سقط في مباراة فريقه أمام توتنهام الأخيرة بعد إصابته بأزمة قلبية أدت إلى توقف نبضات قلبه لمدة تقارب الساعتين.

وشن فيدمار في حديثه هجوما على الأندية البريطانية التي لعب لمصلحتها في فترة ماضية، مشيرا إلى أنها لا تهتم بصحة لاعبيها مؤكدا بالوقت ذاته أنه لم يتعرض للكشف الطبي في مسيرته الرياضية سوى 3 مرات، منها اثنتان كانتا في الفريق الهولندي بريدا ومرة وحيدة في صفوف فريق كارديف سيتي خلال 5 أعوام قضيتها مع غلاسكو رينجرز الأسكوتلندي تعرضت فيها لكشف طبي اعتيادي، أما مع ميدلزبره الإنجليزي الذي قضيت في صفوفه موسما كاملا فأنا متأكد بأنني لم أتعرض لأي كشف طبي.

وأتت تصريحات فيدمار الأخيرة لتزيد الشكوك المتزايدة حيال إهمال الأندية البريطانية الكشف عن أمراض القلب لدى لاعبيها، والتي زادت حدتها بعد تعرض موامبا للإصابة في مقابل اهتمام دول أخرى كإيطاليا التي سنت قرارا في عام 1982 يقضي بإلزام جميع الرياضيين محترفين كانوا أم هواة بالخضوع لفحص سنوي عن أمراض القلب، وهذا ما أدى إلى انخفاض نسبة الوفيات في البلاد بين عامي 1979 و2004.

الاتهامات التي وجهها فيدمار وبعض وسائل الإعلام الإنجليزية تجاه أندية بلادها كانت صادمة للكثيرين، نظرا لاحترافية العمل الموجود داخل تلك الأندية، الأمر الذي أثار فضولنا في الـ«الشرق الأوسط» للبحث في أوساط الأندية السعودية لمعرفة ما إذا كان هناك اهتمام كاف بسلامة قلوب اللاعبين المحترفين، وما هي أوجه القصور التي تعتري عمل العيادات الطبية داخل الأندية.

في البداية، قال المدرب والمنسق الفني السابق لفريق النصر علي كميخ لـ«الشرق الأوسط» عن هذا الموضوع: في حقيقة الأمر هناك فحوصات تجرى مرة واحدة للاعبين في الأندية السعودية بداية كل موسم، يتم التركيز فيها على 3 أمور أساسية وهي الأمراض المعدية والنظر والقلب، ويعاقب اللاعب الذي يتهرب من إجراء هذا الفحص، وأضاف: في حالة شعور لاعب ما بالإرهاق أو أي أمر آخر فإن طبيب النادي غالبا ما ينصحه بالراحة ليوم واحد وبعدها يتوجه اللاعب للمستشفى خارج النادي لفحص حالته.

وعن الأطباء المتواجدين في الأندية ومدى كفاءتهم للإشراف على مثل هذه الحالات، تابع كميخ: «الأطباء المتواجدون في الأندية يكونون متخصصين في إصابات الملاعب، بالإضافة إلى تخصص جانبي قد يكون في القلب أو أي مجال آخر، لكن مع هذا ما زالت العيادات الطبية في الأندية تفتقد إلى مفهوم العيادة الطبية الشاملة، وحقيقة أستغرب عدم توجه الأندية السعودية إلى الاهتمام بهذا الجانب رغم جلب اللاعبين بهذه المبالغ الطائلة والتي قد يخسرها النادي في حالة عدم متابعة صحة اللاعب بشكل مستمر».

من جانبه، خالف طبيب نادي النصر الدكتور محمد رياض تركي حديث علي كميخ، حيث كشف عن الاهتمام الذي توليه الأندية لمتابعة لاعبيها من الناحية الصحية، مؤكدا أن هناك كشفا طبيا يجريه اللاعب قبل بداية كل موسم وهو موحد لكل اللاعبين في العالم تحت مظلة الاتحاد الدولي لكرة القدم، حيث تهتم تلك الفحوصات بتاريخ إصابات عائلة اللاعب بأزمات قلبية نظرا لكون أغلب أمراض القلب وراثية، وواصل: الكشف الموحد يجبر كل اللاعبين في العالم على إجرائه سواء كانوا محترفين أم هواة، ويتم خلالها إجراء تخطيط للقلب وإجراء عملية التصوير بالأمواج فوق الصوتية للقلب، بالإضافة إلى فحوصات أخرى، وفي هذه الحالة يجب على الطبيب المشرف على الفحص معرفة عدد الساعات التي يتمرن بها اللاعب لأن الاختلاف بين بعض الحالات يكمن بحجم الجهد المبذول من قبل اللاعب ذاته، حيث يختلف جهد اللاعب المحترف عن الهاوي وعن لاعب الفئات السنية، ونحن في نادي النصر نرسل اللاعبين إلى مستشفى الطب الرياضي لإجراء هذه الفحوصات، وأتواصل شخصيا مع الأطباء المشرفين لمعرفة حالة اللاعب، موضحا أن الفحص يعتبر دقيقا بنسبة 99% ويمكن له معرفة الخطر المحدق بحالة اللاعب في حالة وحيدة، وهي أن يكون الطبيب جيدا وملما بالرياضة حيث سبق أن أوقف بعض الأطباء لاعبين عن ممارسة الكرة بسبب حدوث أي تغيير بتخطيط القلب وهذا أمر خاطئ لأن الرياضة تسبب هذا التغيير الطبيعي.

من جهته، اعترف طبيب نادي الشباب والهلال سابقا البلجيكي كارل ويليام بوجود قصور في العيادات الطبية في الأندية السعودية فيما يتعلق بمواجهة المشاكل الصحية الخطيرة ومنها أمراض القلب، قائلا: أستغرب من عدم وجود جهاز للصعق الآلي في الأندية السعودية، والأكثر غرابة أن السيارة التي تنقل المصابين لا تحتوي على هذا الجهاز، والنقطة الوحيدة التي يوجد بها هي سيارة الإسعاف المتوقفة في أطراف الملعب وفي هذه الحالة لا تعتبر ذات فائدة لأن العملية يجب أن تتم خلال أقل من 3 دقائق على سقوط اللاعب ونقله إلى سيارة الإسعاف يستغرق أكثر من ذلك الوقت.

وطالب ويليام الاتحاد السعودي بعقد اجتماعات بين الأطباء والاختصاصيين المعالجين بشكل شبه دوري وذلك للاستفادة من بعضهم البعض، مضيفا: في الأندية السعودية المشاركة بدوري زين لا يوجد سوى 5 أطباء فقط والباقون هم اختصاصيون فقط، ولذا يفترض بأن تجرى لقاءات بيننا لنستطيع مساعدتهم بمعالجة مثل هذه الحالات بدلا من ترك الأمور بهذا الشكل.

وبحسب مجلة «نيو ساينتستس» البريطانية المتخصصة في مجال العلوم والتقنية، فإن الرياضي الذي يعاني من أمراض القلب أكثر عرضة للوفاة من غيره بنسبة تصل إلى 3 أضعاف، كما أن احتمالية إصابة الأشخاص السمر وذوي الأصول الكاريبية بالتشوهات القلبية يزيد إلى 4 مرات مقارنة بالأعراق الأخرى، ولهذا يفضل بعضهم إجراء فحوصات إضافية كل عام للتأكد من حالاتهم الصحية.

ومنذ بداية العقد الجديد تعرض أكثر من 44 لاعبا في مختلف دوريات العالم للوفاة في الملعب أو بعد الانتهاء من اللعب وذلك بسبب أمراض القلب مقارنة بـ11 لاعبا في العقد الذي سبقه 1990 - 2000.

ومن أبرز تلك الأسماء الروماني كاتالين هيلدان المتوفى بعمر الـ24 عاما بمباراة ودية مع فريقه ستيوا بوخارست الروماني، والمجري ميكلوس فيهر لاعب بنفيكا البرتغالي الذي توفي بعمر الـ24 أيضا، ولاعب الأهلي المصري محمود عبد الوهاب (23 عاما) بعد أحد التمارين مع فريقه، والكاميروني مارك فيفيان فو (28 عاما) بمباراة منتخب بلاده في بطولة كأس القارات لكرة القدم 2003 ضد كولومبيا، ولاعب أشبيلية الإسباني أنطونيو بويرتا (22 عاما) ومواطنه دانيال خوركي لاعب إسبانيول (26 عــــــاما) بعد أحد التمارين.