ألمانيا واليونان.. مواجهة تجتاز الكرة في دور الثمانية اليوم

اللقاء في البطولة الأوروبية يفتح الجراح السياسية والاقتصادية بين البلدين

TT

تواجه ألمانيا، أحد أبرز المرشحين لإحراز لقب بطولة الأمم الأوروبية الحالية يورو 2012 ببولندا وأوكرانيا، اختبارا جديدا مع الصبر عندما تلتقي اليوم مع اليونان في دور الثمانية من البطولة. فمن المرجح أن يواجه المنتخب الألماني بقيادة المدرب يواخيم لوف دفاعا أكثر عندا، يقوده لاعبان محترفان بالدوري الألماني، من خطوط الدفاع التي واجهها في دور المجموعات خاصة للمنتخبين البرتغالي والدنماركي اللذين تغلب عليهما بصعوبة.

ففي جميع الأحوال، لم يتغير دفاع اليونان كثيرا منذ أن أحرزت لقب بطولة الأمم الأوروبية يورو 2004 مستعينة بخططها في التحفظ لأقصى الدرجات وبمبدأ الأمان أولا. وفي الهجوم، تعتبر اليونان أكثر فاعلية بكثير من ألمانيا حاليا حيث أحرزت ثلاثة أهداف في البطولة الأوروبية من أصل ثلاث فرص فقط سنحت لها بدور المجموعات. وستكون الحركة والتمرير السريع هما مفتاح اللعب بالنسبة لهجوم ألمانيا الذي قد يقوده اليوم المخضرم ميروسلاف كلوزه بدلا من ماريو غوميز الذي سجل ثلاثة أهداف لألمانيا حتى الآن.

وسيلعب الجناحان لوكاس بودولسكي وتوماس مولر نفس دوريهما وكذلك الحال بالنسبة لمسعود أوزيل، الذي ظهر دون المستوى حتى الآن، وباستيان شفاينشتايغر وسامي خضيرة في خط الوسط. ويوجد لدى لوف عدة خيارات أخرى على مقاعد البدلاء لديها القدرة أيضا على تحطيم حائط الصد اليوناني المنيع وتتمثل هذه الخيارات في اللاعبين أندري شويرله وماركو ريوس وماريو غويتسه.

وقال خضيرة: «يجب علينا أن نتحرك كثيرا. ستكون مهمتنا صعبة لو ظللنا ثابتين في مراكزنا. لذا علينا أن نتحرك لكي نربك حساباتهم».

ولم تعد ألمانيا تقدم حاليا الهجمة المرتدة السريعة التي أثارت عالم كرة القدم خلال مشوارها القوي نحو المركز الثالث ببطولة كأس العالم 2010. فقد أصبح خصومهم يدافعون بشكل أكبر أمامهم، أما لوف فقد قدم أداء يعتمد على التمرير الكثير للكرة فيما يشبه إلى حد ما أداء حاملة اللقب إسبانيا التي واجهت هي الأخرى اختبارا في الصبر خلال يورو 2012. ولكن ما زالت ألمانيا هي صاحبة المنتخب الوحيد الذي فاز في جميع مبارياته الثلاث بدور المجموعات فيما اعتبرها الكثيرون أصعب مجموعات البطولة أمام البرتغال والدنمارك وهولندا. ويسود شعور بالثقة الكبيرة داخل معسكر ألمانيا حيث يبدو أن مجرد احتمال تعرض الفريق لهزيمته الأولى أمام اليونان لم يخطر على بال أي من اللاعبين من الأساس وذلك قبل مواجهتهم التاسعة مع اليونان في تاريخ البلدين. وقال خضيرة: «بالتأكيد لن يتمكن اليونانيون من كسرنا» بينما قال مولر: «لا توجد كلمة خروج في قاموس طموحات الفريق لتحقيق النجاح».

وصرح السياسي الألماني رالف شتيجنر من الحزب الديمقراطي الاشتراكي بعبارة مشابهة حيث قال: «إن فرصهم في إعادة التوازن لبلادهم أقوى من فرصهم في الفوز بمباراة كرة القدم أمام ألمانيا». وتلقي الظروف السياسية الراهنة بظلالها بشكل جزئي على مباراة اليوم حيث يرى اليونانيون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على أنها القوة الدافعة وراء تطبيق إجراءات التقشف المفروضة عليهم كجزء من اتفاق البرنامج المالي الدولي لإنقاذ اليونان ماليا.

ورغم أن كل من الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) والمفوضية الأوروبية من أجل خلق عالم من الاتحاد في القارة العجوز على مستويات مختلفة، سيكون من المستحيل تجاهل حالة الارتياب والشك العميقة بين الشعبين اليوناني والألماني عندما يلتقي منتخبا البلدين اليوم. ومثلما هو الصراع بينهما على ملعب كرة القدم، يبدو الحال في عالم الاقتصاد، حيث تمثل ألمانيا القوة الدافعة الرئيسية في الاقتصاد الأوروبي بينما تبدو اليونان هي الحلقة الأضعف في الاقتصاد الأوروبي. ولكن مباراة اليوم تبدو الوسيلة المناسبة للثأر والرد من قبل اليونانيين بعد المهانة التي تعرضت لها بلادهم على المستوى المالي والاقتصادي بعدما تلقت بلادهم خططا لإنقاذها من الإفلاس.

وذكرت صحيفة «سبورتداي» اليونانية «الآن نحتاج للألمان!» وذلك قبل مباريات الجولة الثالثة الأخيرة من مباريات المجموعة الثانية بالدور الأول للبطولة والتي شهدت فوز ألمانيا على الدنمارك 2-1 لتحسم صدارة المجموعة وتتأهل لمواجهة اليونان في دور الثمانية بعدما احتل المنتخب اليوناني المركز الثاني في المجموعة الأولى. وطالب عنوان صحافي آخر «أحضروا لنا (أنجيلا) ميركل» في إشارة إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي يتهمها كثير من اليونانيين بالعناد في عملية فرض إجراءات تقشف تنفذها اليونان في مقابل القروض الطارئة التي تحصل عليها اليونان في إطار إنقاذها من الإفلاس والانهيار.

ويضاعف من صعوبة الموقف أن ميركل ستحضر مباراة اليوم بعد ساعات من اجتماع مهم لها بالعاصمة الإيطالية روما للتعامل مع ما يمكن أن يصبح الضحية التالية في أزمة منطقة اليورو وهي إيطاليا. ورغم ذلك، ما زال من المتوقع أن يركز المشجعون في المدرجات والبالغ عددهم 40 ألفا بشكل أكبر على المباراة الكروية التي ستدور أمامهم على أرض الملعب. وبعيدا عن التطورات التي شهدتها أوروبا في الفترة الماضية، يسود العداء التاريخي بين اليوناني وألمانيا حيث تعيد مباراة اليوم فتح الجراح بين البلدين بسبب الاحتلال النازي خلال الحرب العالمية الثانية التي انطلقت شرارتها من منطقة قريبة للغاية من مدينة غدانسك التي تشهد مباراة اليوم. وبينما يمكن اعتبار اليونان هي مسقط رأس الحضارة الغربية، يعاني هذا البلد حاليا من أزمة اقتصادية حادة ويضطر لتقليص كبير في النفقات العامة. ويبدو العداء ضد ألمانيا في أعلى درجاته لدرجة دفعت مجموعة من المحتجين إلى ارتداء زي نازي للتعبير عن غضبهم من السياسات الاقتصادية التي تمليها برلين.

ويتحدث المدرب البرتغالي فيرناندو سانتوس المدير الفني للمنتخب اليوناني كما لو كان يونانيا حيث قال في الأسبوع الماضي «الجميع يجب أن يحترموا اليونان لديمقراطيتها وقيمها وعلمها. كل شيء بدأ في اليونان ولذلك من الصعب على أي أحد أن يمنحنا محاضرات». ولذلك، هل تصبح مواجهة اليوم مجرد مباراة في كرة القدم؟ للإجابة على هذا، يكفي النظر لما قاله ميخاليس سيفاكيس حارس مرمى المنتخب اليوناني بعد مباراة ألمانيا أمام الدنمارك والتي انتهت بفوز ألمانيا. وقال سيفاكيس «نحن شعب رائع لا يستحق كل هذا».

ومن المؤكد أن الفوز على ألمانيا في مباراة اليوم سيمنح اليونانيين فرصة رائعة للخروج من أحزانهم في ظل الأزمة الاقتصادية لبلدهم. ولكن لارس بيندر الذي سجل هدف الفوز 2-1 للمنتخب الألماني على الدنمارك يوم الأحد الماضي، لا يعتقد أن السياسة ستلعب دورا في مباراة اليوم. وقال بيندر «نعلم جميعا الموقف السياسي في اليونان. كانت هناك انتخابات يوم الأحد الماضي. من الصعب بالتأكيد على اليونانيين أن يحتفلوا في حالة التأهل وأن ينسوا ما تمر به بلادهم. ولكنني لا أعتقد أن ذلك سيكون له أي تأثير على المباراة».

ويريد اللاعبون التركيز على المباراة أيضا وسيكون على المنتخب اليوناني أن يركز تماما على اللعب إذا ما أراد تفجير مفاجأة دون قائده الموقوف يورغوس كاراغونيس. وتعهد نائب القائد كوستاس كاتسورانيس بأن يقاتل المنتخب اليوناني، كما أن احتراف المدافعين كرياكوس بابادوبولوس وسقراط في ناديي شالكه وفيردر بريمن الألمانيين على الترتيب سيساعد الفريق اليوناني بشكل كبير. حيث أصبح هذان اللاعبان على معرفة جيدة بغالبية اللاعبين الألمان من مسابقة الدوري.

وقال بابادوبولوس: «إنها مباراة خاصة بالنسبة لي بكل تأكيد. سألعب أمام لاعبين أعرفهم جيدا من الدوري الألماني، وسيكون هذا الأمر ميزة كبيرة بالنسبة لي.. لا يوجد لدينا ما نخسره».