وفاة الجوهري «جنرال الكرة المصرية» وتشييعه عسكريا في القاهرة وعمان

جلطة دماغية تنهي مسيرة المدرب القدير الذي حقق أفضل الإنجازات مع منتخب بلاده وقاد حملة تطوير الكرة الأردنية

TT

توفي المدرب المصري الشهير محمود الجوهري أمس في أحد مستشفيات العاصمة الأردنية عمان إثر تعرضه لجلطة دماغية يوم الجمعة الماضي عن عمر 74 عاما.

وكان الجوهري الذي يطلق عليه لقب جنرال الكرة، يعمل مستشارا للأمير علي بن الحسين رئيس الاتحاد الأردني لكرة القدم ويشرف على وضع الخطط والبرامج الهادفة لدفع عجلة الكرة الأردنية نحو مزيد من التطور والإنجازات.

وأقل ما يمكن أن يوصف به محمود نصير الجوهري، أنه حدوتة الكرة المصرية، كتاب دونت فيه الكرة المصرية أفراحها وأتراحها منذ اقترن اسمه بها قبل نصف قرن من الزمان.

عرف الجوهري كرة القدم في سن مبكرة مع جيرانه في ضاحية حلوان جنوب القاهرة ولفتت موهبته الأنظار مبكرا واهتم به أساتذته في المرحلتين الابتدائية والإعدادية حيث كان أبرز لاعبي فريق مدرسته إلى أن اصطحبه أحد أساتذته إلى النادي الأهلي أواخر الأربعينيات وانضم إلى صفوفه وعمره دون السابعة عشرة ليبدأ رحلته مع الكرة والشهرة والتاريخ. وبفضل موهبته بات الجوهري واحدا من التشكيلة الأساسية للأهلي على الرغم من وجود عناصر يصفها التاريخ الكروي المصري بالعمالقة مثل أحمد مكاوي وصالح سليم.

وفي زمن قصير بزغ نجم الجوهري الذي تخرج في الكلية الحربية ضابطا منتصف الخمسينيات وانضم للمنتخب المصري في أول بطولة لكأس الأمم الأفريقية وكان هداف البطولة الثانية عام 57 برصيد ثلاثة أهداف واستمر تألق الجوهري لكن الإصابة التي لحقت به مبكرا حالت دون استمراره على الرغم من أنه سافر إلى النمسا للعلاج وكان أول لاعب مصري يعالج في الخارج ليعتزل اللعب أوائل الستينيات ويشجعه اللواء علي زيوار مدير الكرة السابق في الأهلي وقائده في الجيش المصري على الانخراط في عالم التدريب الذي سرعان ما أثبت تفوقه فيه ليجد في التدريب العوض عن اللعب ويحقق فيه ما لم يكمله في اللعب من نجومية.

وبدأ الجوهري رحلته مع التدريب بالإشراف على فريق أحد فروع الجيش في دوري القوات المسلحة ومنه إلى فريق تحت 20 سنه في الأهلي لكن اندلاع حرب 67 بين مصر وإسرائيل حال دون تفرغ الجوهري للتدريب لكونه ضابطا في الجيش وانشغل في وظيفته الأساسية حتى تحقق النصر في حرب السادس من أكتوبر 73 ليطلب الجوهري بعدها التقاعد بعد أن أدى دوره في خدمة بلده ليتفرغ للعمل في المجال الذي يعشقه وهو التدريب.

وشق الجوهري طريقه مبكرا في عالم التدريب وبعد سنوات قليلة من العمل في مصر سافر إلى السعودية للعمل في نادي الاتحاد لعدة سنوات عاد بعدها إلى مصر مطلع الثمانينيات ليتولى تدريب الفريق الأول بالنادي الأهلي ويحقق معه الفوز بعدد من البطولات المحلية توجها بالفوز ببطولة كأس أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 83.

وتواصلت مسيرة الجوهري مع النجاح وتولى تدريب المنتخب المصري عام 88 وبدأ رسم خطة العودة للمونديال بعد غياب استمر 56 عاما حيث نجح الجوهري في تحقيق الحلم للكرة المصرية وتحول إلى بطل قومي تهتف الجماهير باسمه قبل اللاعبين.

لكن مسيرة الجوهري لم تخل من محطات الإخفاق فبعد العودة من المونديال بدأ المنتخب المصري الاستعداد لتصفيات كأس الأمم الأفريقية ولعب مع اليونان وخسر 1 - 6 فأقيل من منصبه بعدها لكنه سرعان ما عاد بقرار رئاسي عندما كان في طريقه لتدريب النادي المصري البورسعيدي لكنه عاد لتدريب المنتخب للمرة الثانية وقاده للفوز بكأس العرب عام 92 في سوريا بعدما تغلب على المنتخب السعودي في ختام البطولة 3 - 2 وكانت وقتها هي المرة الأولى التي يفوز فيها المنتخب المصري باللقب العربي.

وبسبب حجر ألقى به أحد المتفرجين نحو الألماني فابيتش مدرب زيمبابوي في ملعب القاهرة عام 93 ضمن تصفيات كأس العالم، أمر الاتحاد الدولي بإعادة المباراة وخوضها على ملعب محايد وتحديدا في فرنسا ليتعادل الفريقان سلبا وتخرج مصر من التصفيات ويترك الجوهري المنتخب.

لكنه عاد للمرة الثالثة عام 98 ليقود المنتخب المصري إلى تحقيق إنجاز كبير بعد رحلة عمل قضاها مع نادي الوحدة الإماراتي ومنتخب عمان وكان المدرب العربي وربما العالمي الوحيد الذي قاد فريقين في تصفيات كأس العالم 98 هما سلطنة عمان ومصر ولم يترك عام 98 يمر من دون أن يحقق فيه إنجازا كبيرا يعيده إلى القمة من جديد وتحقق له ما أراد بفوزه بكأس الأمم الأفريقية التي استضافتها بوركينا فاسو ولم يمض العام قبل أن يختاره الاتحاد الدولي ضمن أفضل 20 مدربا في العالم.

لكن عام 99 شهد انتكاسة لم يكن يتوقعها أكثر المتشائمين ففي بطولة العالم للقارات مني المنتخب المصري بخسارة ثقيلة أمام شقيقه السعودي 1 - 5 ليقال الجوهري بعد أن حملته الجماهير مسؤولية ما حدث، فاحتجب عن الأنظار حتى عاد ليقود المنتخب المصري من جديد في تصفيات كأس العالم 2002 لكن التوفيق لم يحالفه فتعرض لحملة إعلامية عنيفة طالبته بالاعتزال.

ويعتبر الجوهري أول مدرب مصري يتولى تدريب فريقي الأهلي والزمالك في تاريخ الكرة المصرية، كما كان أول مدرب يقود فريق الأهلي للفوز ببطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 82 كما نجح مع الزمالك في الفوز ببطولة أفريقيا للأندية أبطال الدوري عام 93 والفوز بكأس السوبر الأفريقي بعد أن تغلب على مواطنه الأهلي في جوهانسبورغ مطلع عام 94 وتولى الجوهري تدريب عدد من الأندية الخليجية منها الأهلي والاتحاد في السعودية، الشارقة والوحدة في الإمارات، ودرب منتخب سلطنة عمان عام 96 وقاده في بطولة كأس الخليج.

وبدأت مسيرة الجوهري مع الكرة الأردنية في عام 2002 حيث أشرف فنيا على المنتخب الأول وقاده للوصول لأول مرة إلى نهائيات كأس أسيا في الصين عام 2004 وتأهل معه لدور الثمانية قبل خسارته الشهيرة أمام اليابان بركلات الترجيح بعد التعادل في الوقتين الأصلي والإضافي 1 - 1 وحقق مع المنتخب الأردني الكثير من الإنجازات العربية أهمها المركز الثالث في كأس العرب في الكويت والمركز الثاني في بطولة غرب آسيا.

وحظي الجوهري بتكريم من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين في عام 2005 ومنحه وسام العطاء المتميز خلال استقباله في القصر الملكي في عمان بعد أن أنهى مسيرته مع المنتخب قبل أن يعود مستشارا فنيا.

وجاء إعلان نبأ وفاة «جنرال الكرة» حزينا على أوساط الكرة المصرية والأردنية حيث نعى الأمير علي بن الحسين نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ورئيس الاتحاد الأردني للعبة وفاة الجوهري واصفا إياه بأنه أحد رموز كرة القدم في الوطن العربي.

وعبر الأمير علي في بيان صادر عن الاتحاد الأردني أمس عن أصدق مشاعر العزاء والمواساة لعائلة الفقيد وأسرة كرة القدم المصرية والأردنية والعربية والقارية والدولية لرحيل أحد أبرز رموز كرة القدم في الوطن العربي.

وقال الأمير علي: «لقد أحزنني جدا وفاة (الكابتن) الجوهري لكنها مشيئة الله التي شاءت أن يقدم لوطنه سنوات حافلة من العطاء والإنجازات وأن يسلم روحه هنا في الأردن».

وتابع الأمير علي: «ندين له (الجوهري) بالفضل لكل ما أنجزناه على صعيد كرة القدم العربية والقارية والدولية وعلى روح المسؤولية التي تمتع بها خلال السنوات العشر الماضية التي عمل فيها مع الكرة الأردنية وكان خير من استشير وخير من قدم النصح والإرشاد لمنظومة كرة القدم الأردنية».

واستطرد الأمير علي نائب رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم قائلا: «لقد أمضى الجوهري سنوات من العطاء.. الذي قدمه بكل إخلاص وتفانٍ ولذلك فإنه سيبقى معنا بذكرياته الطيبة وببصماته التي لن يمحوها الزمن لصدقه في عمله. كل العزاء والمواساة أقدمه من قبلي إلى عائلته ممثلة بالسيدة الفاضلة عقيلته وأبنائه الذين عاشوا معنا كأسرة أردنية بين كل الأردنيين».

من جهتهم استقبل المصريون الخبر بحزن شديد حيث نعى وزير الرياضة العامري فاروق الجوهري معتبرا إياه أسطورة التدريب في مصر والعالم العربي. وقال الوزير في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه عقد اجتماعا طارئا عقب خبر الوفاة مع قيادات الوزارة لبحث شكل التكريم ليكون متناسبا مع تاريخ الجوهري الرياضي ومكانته وما حققه من إنجازات مشرفة على المستويين المحلي والعربي.

كما أصدر اتحاد الكرة المصري بيانا نعي فيه الجوهري، وقال عزمي مجاهد المتحدث باسم الاتحاد المصري إن هناك ترتيبات جارية بالفعل مع القوات المسلحة المصرية لإقامة جنازة عسكرية للمدرب الراحل. وأضاف عزمي: «بدأنا فعلا في هذه الترتيبات والإجراءات لتكريم المدرب الذي له بصمات على الكرة المصرية والعربية».