دراسة: بيئة الملاعب الطاردة والفشل الإداري وعقلية اللاعب المحلي.. «أخطار محدقة» بالكرة السعودية

الباحث سلطان آل الشيخ قال إن الأندية تشارك اتحاد الكرة في الإخفاقات

TT

دفع العزوف الجماهيري الملحوظ عن متابعة منافسات كرة القدم السعودية، وتحديدا عبر مدرجات الملاعب المنتشرة في كل أنحاء الوطن، الباحث السعودي سلطان آل الشيخ إلى إجراء دراسة مسحية رياضية لكشف مسببات هذه القضية المؤرقة، من دون أن يغفل العوامل المساهمة أيضا في تغذية التعصب الرياضي، إلى جانب تقصيه عن الوسائل التي يستخدمها المشجعون لمتابعة فرقهم، مسلطا الضوء على عناصر تطوير كرة القدم التي تعاني تراجعا مخيفا خلال الأعوام القليلة الماضية.

وأكدت العينة البحثية بما نسبته 94.4 في المائة أنهم لا يفضلون الوجود في الملاعب، رغم أن ذلك من أهم مصادر الدخل للأندية، ويسهم في بث الحماس لدى اللاعبين ودعمهم في المباريات، ويعتقد 80 في المائة منهم أن سوء الخدمات والتنظيم من أسباب ذلك، فيما اعتبر العنصر النسائي الذي يمثل 18 في المائة المنع هو السبب الوحيد الذي يدفعهن لمشاهدة مباريات الفرق عبر التلفاز. ويعتقد 20 في المائة من العازفين عن الوجود في المدرجات أن انخفاض المستوى الفني هو الدافع، في حين أبدى 5.6 في المائة من أفراد العينة تفضيلهم حضور المباريات في الملاعب كون ذلك هو المؤثر الأول على علاقة الأندية بجماهيرها.

وتكشف النسب السابقة عن أن الانخفاض الفني لم يكن من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تواضع الحضور الجماهيري، بل إن سوء التنظيم والخدمات المقدمة هو ما جعل معظم الجماهير تعزف عن الوجود في المدرجات لتبحث عن الوسائل البديلة. ويرى الباحث أن الخدمات التكميلية الأخرى غير مشجعة على الحضور، كنظافة دورات المياه، وتوافر مواقف ملائمة للسيارات، إلى جانب انخفاض جودة خدمات التموين من المأكولات والمشروبات، علاوة على المعاناة التي يتكبدها المشجع منذ دخوله، وحتى أثناء بحثه عن مقعده خصوصا في الملاعب ذات السعة الاستيعابية القليلة، كملعب الأمير عبد الله الفيصل بجدة الذي يتطلب الحضور مبكرا أثناء المباريات الكبيرة، لا سيما أن معظم العينة المشاركة تعتبر من الموظفين والطلاب.

وعن مغذيات التعصب المقيت في الرياضة السعودية الذي يتجاوز مرحلة التشجيع إلى الكراهية وحمل الضغائن، فقد ذهب 91.3 في المائة من العينة إلى أن الإعلام يتحمل المسؤولية الكبرى في ذلك، مانحين إدارات الأندية المرتبة الثانية بنسبة 30.9 في المائة، ويرون أن اللاعبين لا يتحملون سوى 5 في المائة، وهذه الأرقام تؤكد كما يرى الباحث أن العمل الإعلامي الرياضي بحاجة إلى مزيد من التطوير والتأهيل لمنسوبيه، وإخضاعهم لدورات تأهيلية وتدريبية في المجال ذاته، نظرا لأنهم الواجهة الإعلامية التي يستمد الكثيرون من المتابعين ثقافتهم الرياضية منها، وتحديدا صغار السن.

وحول أسباب تراجع مستوى الكرة السعودية، أشار 57.7 في المائة من العينة المختبرة التي أتيحت لها فرصة اختيار أكثر من سبب أثناء الاستبيان إلى أن سوء التخطيط الإداري في المنظمات الرياضية يعد السبب الرئيسي لذلك التراجع خلال السنوات الماضية، ويرى 53.9 في المائة أن انخفاض مستوى الكفاءات الإدارية يمثل عنصرا آخر لا يقل أهمية، مما يتطلب تطوير العاملين في هذا المجال باستقطاب الأشخاص الأكفاء، إلى جانب تهيئة بيئة عمل صحية وآمنة لجذبهم. ويأتي فكر اللاعب السعودي في الدرجة الثالثة من عوامل تراجع الكرة السعودية بنسبة 41.8 في المائة، ويليه التعصب بـ29 في المائة، وأخيرا تحل قلة الموهبة بـ14.2 في المائة.

واستنادا إلى العينة، يؤكد الباحث أن نجاح أي منظمة سواء كانت تجارية أو رياضية يتطلب صياغة لاستراتيجيات طويلة وقصيرة في الأمد، واضحة المعالم، تنتج عنها خطط عمل للوصول إلى الأهداف الموضوعة، وتساعد متخذي القرار في تحديد المهام اليومية، وتمنحهم رؤية للمستقبل لا تنفصل عن قيم وأغراض المنظمة، كما تتيح فرصة الاستفادة من نقاط القوة، وإيجاد الحلول لنقاط الضعف، ولذا لا يقتصر التخطيط على الاتحاد السعودي لكرة القدم بل يمتد ليشمل إدارات الأندية، وهو بذلك يقلل من سياسة الاجتهاد ومبدأ التجربة والخطأ عند اتخاذ القرارات الأساسية.

خصخصة الأندية الرياضية هي الأمل الذي يراه 63.9 في المائة من المشاركين في الدراسة والذين أتيح لهم اختيار أكثر من سبب للنهوض بالكرة السعودية «فالخصخصة تعتبر من أهم عناصر التطوير التي يجب النظر إليها بعين الاعتبار نظرا لأنها تحول الأندية من ملكية القطاع العام إلى الخاص، وهذه الخطوة لن يقتصر أثرها الإيجابي على رياضة كرة القدم فحسب»، وإنما سيطال كل الألعاب المختلفة، وسيكون لها دور بارز في تفعيل دور الاستثمار الرياضي وجذب رؤوس الأموال لضخ سيولة تسهم في صناعة الرياضة، في حين يرى 55.3 في المائة من العينة أن الاهتمام بالنشء يعتبر من الأولويات للخروج من الأزمة الحالية، وذلك بإنشاء أكاديميات رياضية لا يشترط ارتباطها بالأندية، وزيادة عدد الفعاليات الكروية في المدارس وأحياء المدن، مما يسهم في تأهيل جيل كروي مصقول فنيا ومطور فكريا، وحضر في المرتبة الثالثة نضج فكر اللاعبين بما نسبته 49.6 في المائة، يليه تطور الإعلام بـ35.9 في المائة، وأخيرا زيادة الدعم لاتحاد الكرة بـ20.5 في المائة.

وخلص الباحث آل الشيخ إلى أن النتائج التي توصل إليها، على الرغم من فرديتها واقتصارها على شريحة محددة في الإنترنت، فإنها لا تختلف كثيرا عن الدراسات الرسمية السابقة، حيث قدم بحثه مؤشرات مهمة تكشف عن انطباع المجتمع الرياضي السعودي حول العديد من القضايا المهمة، ورؤيتهم حول أسباب حدوثها وسبل الخلاص منها، لا سيما أن الموضوعات المطروحة تمثل دورا بارزا في تطور الرياضة، كالحضور الجماهيري، والتعصب الرياضي، مؤكدا ضرورة استمرار الأعمال البحثية في هذا المجال لمساعدة صناع القرار في اتخاذ الخطوات الإيجابية التي تسعى إلى تطوير الكرة السعودية، حيث تعتبر تلك الدراسة مادة مهمة يرتكز عليها المسؤولون أثناء عملهم.