الارتفاع المذهل في أسعار التذاكر يهدد العلاقة بين الجماهير وفريقها المفضل

مباريات آرسنال الأعلى سعرا وسط ارتفاع تكاليف مشاهدة كرة القدم في غالبية الأندية الإنجليزية

TT

يبين التاريخ أن مشجعي كرة القدم يظلون متمسكين بأنديتهم في السراء والضراء، وعند الصعود أو الهبوط، وفي ظل ارتفاع الأسعار، بل حتى في أقسى اللحظات العجاف التي تغيب فيها البطولات. وهم لا يبدلون ولاءهم أبدا لأن فطائر اللحم غالية الثمن أو لأن الشاي قد صار باردا، تماما كما لا يمكن أن يتخلوا عن أسرهم، بل إن الروابط بينهم تكون أقوى وأعمق وفي معظم الحالات غير قابلة للتغيير على الإطلاق.

ولكن في حقبة التقشف التي نعيشها، أصبح ثمن كرة القدم والتكلفة الأساسية لكونك مشجع كرة قدم عبئا ماديا كان يعتبر في الماضي أمرا بسيطا. وقد صرح رئيس مجلس إدارة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم اللورد تريسمان لمحطة «بي بي سي سبورت» قائلا: «ما ألاحظه عندما أذهب إلى المباريات في الدوري الإنجليزي الممتاز هو أن الحاضرين هم من الأفراد الأكثر ثراء. عندما لا يكونون من الأثرياء، فإن الوالد عادة هو من يذهب، حيث لم يعودوا يصطحبون معهم أبناءهم لأنهم لا يستطيعون تحمل الثمن. يبدو لي ذلك مقلقا للغاية بالنسبة لمستقبل اللعبة».

وهناك دراسة واسعة النطاق أجرتها محطة «بي بي سي سبورت» حول ثمن تذكرة كرة القدم تكشف الحقائق وتقدم مخططات بيانية تعبر عن الاتجاهات المتغيرة في كل جانب من جوانب اللعبة في بريطانيا، وتقر هذه الدراسة بحقيقة أساسية لا مفر منها، وهي أن ثمن مشاهدة هذه اللعبة الجميلة لم يكن أبدا أغلى مما هو عليه الآن. فلا يمكن تجاهل تأثير الاتجاه التجاري المفرط، والارتفاع المذهل في أسعار التذاكر، والسعي المتواصل وراء تحقيق إيرادات كهدف في حد ذاته، لكن كرة القدم تعلم أنه لا يمكنها أن تتحمل تبعات الاستخفاف بمشجعيها.

وقد ذكر الرئيس التنفيذي لنادي آرسنال إيفان غازيديس لمحطة «بي بي سي سبورت»: «أرى أن علينا نحن والأندية الأخرى أن نكون على وعي بالبيئة الاقتصادية. علينا أن نفكر في جودة العلاقة مع مشجعينا على المدى الطويل، لأنها علاقة قديمة جدا تعود إلى 126 عاما مضت، وأظن أنها علاقة سوف تظل موجودة 126 عاما أخرى، ولكن علينا أن نتأكد من أننا ندير تلك العلاقة بطريقة سليمة». ويعتبر نادي آرسنال حالة واضحة ينبغي تسليط الضوء عليها، حيث يصل ثمن أغلى تذكرة له إلى 126 جنيها إسترلينيا، بارتفاع يقترب من الربع عن أسعار العام الماضي، وأرخص مقعد في المباريات الكبيرة باستاد الإمارات، وخاصة الفرق العملاقة، كان ثمنه 62 جنيها إسترلينيا.

وقد مر علينا وقت كانت لعبة كرة القدم «ستغضب وتثور» فيه من فكرة أن تصبح في يوم من الأيام عرضة لخطر أن تصير أسعارها أعلى من متناول المواطن العادي، وبهذا المعدل الذي تسير به فهي كذلك، وخاصة في السنة التي أعلن فيها نادي آرسنال ارتفاع قيمة الأجور التي يدفعها من 124 مليون جنيه إسترليني إلى 140 مليون جنيه إسترليني. وفي جميع الأقسام الأربعة الأولى من الدوري في إنجلترا، ارتفع متوسط سعر أرخص تذكرة عن التوقيت نفسه من العام الماضي، وهذه حقيقة واضحة ولا مراء فيها.

إلا أن الإحصاءات في بعض الأحيان لا تخبرنا بالقصة كاملة، فأسعار بيع التذاكر يوم المباراة في ارتفاع مستمر، ومع ذلك فإن أعداد الحضور ترتفع هي الأخرى، ويبلغ متوسط معدل امتلاء الاستادات في الدوري الإنجليزي الممتاز منذ بداية هذا الموسم حتى الآن 95.1 في المائة، بارتفاع يتجاوز 4 في المائة عن الموسم الماضي. وقد ظلت هذه الأرقام ثابتة أو في تحسن لما يزيد على 10 سنوات في دوري الدرجة الأولى، وفي موسم 1992-1993. كانت الاستادات لا تسجل في المتوسط أكثر من 69.6 في المائة من سعتها القصوى.

كما أن مبيعات التذاكر الموسمية في الأندية تعكس قصة نجاح مماثلة، فرغم أن قيمة أغلى تذكرة موسمية لنادي تشيلسي تبلغ 1250 جنيها إسترلينيا، فقد باع النادي جميع التذاكر الموسمية التي طرحها للبيع الماضي وعددها 25 ألف تذكرة (وهو نفس عدد التذاكر الموسمية التي بيعت العام الماضي)، كما باع نادي توتنهام هو الآخر كامل تذاكره الموسمية البالغ عددها 23 ألف تذكرة، وكذلك فعل نادي نورويتش سيتي الذي طرح 22 ألف تذكرة، أي أقل بعدد 5 آلاف تذكرة فقط من سعة استاد كارو رود.

وقد استغل نادي كوينز بارك رينجرز صعوده موسم 2011 - 2012 كذريعة لرفع أسعار التذاكر بدرجة كبيرة، إلا أنه قام بخفضها مرة أخرى بعد أن أصبح توني فيرنانديز مالكا للنادي في شهر أغسطس (آب) عام 2011. حيث أدرك رجل الأعمال الماليزي سريعا أهمية أسعار التذاكر، مما جعل النادي يقرر تثبيت أسعار التذاكر هذا الموسم. وقام نادي ويغان بخفض أسعار تذاكره الموسمية، بعد أن ظلت ثابتة لمدة 5 سنوات على التوالي، وذلك من أجل المحافظة على حضور الجماهير، كما فعل نادي ويست بروميتش شيئا مشابها لهذا.

وتبين الأرقام أيضا أن سعر أرخص تذكرة للبالغين يصدرها نادي آرسنال قد تراجع بمقدار 9 جنيهات إسترلينية ليصل إلى 26 جنيها إسترلينيا خلال الأشهر الـ12 الماضية، في حين يبيع نادي نيوكاسل تذاكر مبارياته مقابل 23 جنيها إسترلينيا فقط. وما زال نادي مانشستر سيتي بطل إنجلترا يقدم تذكرة موسمية ثمنها 275 جنيها إسترلينيا فقط، وأرخص تذكرة له ثمنها 26 جنيها إسترلينيا.

وهذا هو الجانب الآخر من القصة، فالجماهير ما زالت تقبل بالملايين على مباريات الدوري الإنجليزي، وما زالت تدفع ثروات صغيرة من أجل متابعة فريقها، حتى في ظل فقدان الناس لوظائفهم واهتزاز الاقتصاد العالمي، دون أن يجبرهم أحد على هذا. ومع ذلك، فإن هناك من يحذرون من الاهتزازات غير المرئية للمشكلات القادمة، فما زالت مبيعات تذاكر مباريات نادي مانشستر يونايتد نشطة بشكل عام، في الوقت الذي تم فيه طرح تذاكر موسمية لمشجعي نادي آرسنال المسجلين على قائمة الانتظار. وما زال هناك طلب على التذاكر، ولكن إذا نظرت عن كثب بما يكفي، فستجد أن الهوة بين المشجعين وأبطالهم تتسع يوما بعد يوم.

ويقول مالكولم كلارك، رئيس «اتحاد مشجعي كرة القدم»: «أظن أن هناك خطرا كبيرا في أن تنمو حالة من النفور بين المشجعين واللاعبين على مستوى القمة في اللعبة. عندما يرى المشجعون نوعية الرواتب التي تدفع للاعبي القمة في وقت يتعين على البلاد فيه أن تشد أحزمتها ويمر الجميع فيه بأوقات اقتصادية عصيبة، فإن هذا قد يثير نفورا كبيرا». كما أن مظاهر التباين بين الأغنياء والفقراء تثير الذهول، فالناديان صاحبا أعلى الأرباح (وهما مانشستر يونايتد وآرسنال) يحقق كل منهما إيرادات من كل مباراتين يلعبهما على ملعبه أكثر مما يحققه نادي ويغان في موسم كامل، رغم الجهود الهائلة التي يبذلها مسؤولو ويغان من أجل المحافظة على حضور الجماهير.

إن كرة القدم في جوهرها لا تقوم على المال، ومن الصعب تخيل أن يأتي وقت لا يجد فيه المشجعون 20 جنيها إسترلينيا تحت وسادتهم كي يشتروا تذكرة لمباراة كرة قدم، إلا أن هذه الأرقام قد تعطي فرصة للتأمل في واقع يبين أن كرة القدم لن تستطيع تحمل ثمن الاستخفاف بالمشجعين.