خليل الزياني لـ «الشرق الأوسط»: الاحتراف «الورقي» أضاع الكرة السعودية.. ومشكلتنا أكبر من «ريكارد»

قال إن «الشيشة» تحضر في معسكرات الأندية بحجة «الحرية الشخصية»

TT

يرى خليل الزياني، الخبير الرياضي وعميد المدربين السعوديين، أن الكرة السعودية تعاني مشكلات كثيرة بسبب الاحتراف الذي بدأ تطبيقه في المملكة قبل عقدين من الزمن، مؤكدا أن عقلية اللاعب السعودي «غير احترافية» وأنه مع ذلك يجني اللاعب ووكيل أعماله أموالا طائلة من الاحتراف بعكس الأندية والمنتخبات التي لم تستفد شيئا.

وأشار الزياني، خلال حوار خاص أجرته معه «الشرق الأوسط»، إلى أن المدرب الهولندي السابق فرانك ريكارد ليس أساس المشكلة، معتبرا أن إعادة الثقة للمدرب الوطني هي الحل الأنسب في الوقت الراهن.

وشدد عميد المدربين السعوديين على أن اللجان التي يتم تشكيلها عادة بعد كل إخفاق، لا تقدم ولا تؤخر، وأن التعاقد مع مدرب بعقد باهظ يزيد الأزمة اتساعا ويسهم في حدوث غليان في الشارع الرياضي السعودي بعد كل إخفاق. وكشف الزياني العديد من الأمور للمرة الأولى خلال ثنايا هذا الحوار:

* بداية، كيف تصف خروج المنتخب السعودي الأول لكرة القدم من دور المجموعات في «خليجي 21» الأخيرة في البحرين وتكرار الإخفاق الذي حصل قبل موسمين من الدور نفسه في البطولة الآسيوية في قطر، والذي كشف التراجع الكبير للكرة السعودية؟

- أرى أن الشق في الكرة السعودية أكبر من الرقعة، والتراجع له كثير من المسببات، في مقدمتها: انعدام ثقافة الاحتراف، ووجود متغيرات عديدة خلال فترات وجيزة ومتلاحقة من حيث كثرة إلغاء عقود المدربين واستبدالهم من قبل إدارات الأندية خلال الموسم الواحد إلى درجة أن هناك أندية تستعين بثلاثة مدربين في العام الكروي الواحد، كما أن هناك حركة نشطة في موضوع الانتقالات والإعارات للاعبين، مما يمنع الاستقرار في الأندية، وعدم وجود الاستقرار له سلبيات كبيرة ليس على الأندية فقط، بل على المنتخبات الوطنية، خصوصا أن هناك مدربين للمنتخب يتابعون مستويات لاعبين محددين في أندية معينة وفجأة ينتقل هذا اللاعب إلى ناد آخر وقد لا يحصل على فرصة اللعب في هذا النادي كما كان في ناديه السابق، مما يربك حسابات المدرب الذي تابع مستوى هذا اللاعب بهدف ضمه للمنتخب، ومثال ذلك اللاعبان راشد الرهيب ويوسف السالم، كما أن اللاعبين السعوديين يفقدون عقلية اللاعب المحترف القادر على المحافظة على مستواه الفني وتطوير نفسه مقابل الأموال الكبيرة التي يتقاضاها من النادي الذي يلعب له. ومن المشكلات الكبيرة في الكرة السعودية وكلاء اللاعبين الذين يبحثون عن مصالحهم ومصالح موكليهم دون أي اعتبار للمصلحة العامة.

* لكن هناك احتراف يطبق في الكرة السعودية منذ قرابة العقدين من الزمن؟

- الاحتراف مطبق لدينا منذ عقدين صحيح، لكنه لم يفد الأندية ولا المنتخبات، بل أفاد اللاعبين ووكلاء أعمالهم وآخرين، لكنه لم يفد الفرق السعودية والمنتخب الوطني.. كما قلت، هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. هناك هاجس بات لدى اللاعبين في كيفية الحصول على عقود احترافية بمبالغ مالية كبيرة بعد نهاية عقودهم من أنديتهم التي يلعبون لها، والأنظمة التي طرأت في المواسم الأخيرة كان لها أثر سلبي أكثر على وضع الاحتراف، والكرة السعودية كانت قبل الاحتراف أفضل بكثير مما أصبحت عليه بعد الاحتراف.

* هل يعني أن الاحتراف سبب نكسة الكرة السعودية؟

- هو أحد الأسباب، لأنه طبق بطريقة سلبية، مما أضعف المنافسات وخلق فوارق شاسعة بين إمكانات الأندية، فهناك خمسة أندية باتت غنية جدا من خلال رعايتها من قبل شركات كبرى ودعمها من الشرفيين بمبالغ مالية باهظة، فيما تعاني 9 أندية في الممتاز مصاعب مالية كبيرة نتيجة غياب الرعاة الكبار.. بل وأستطيع القول إن الأندية التسعة الباقية تفرخ اللاعبين للأندية الخمسة الغنية. في السابق، كان النادي يفرح حينما يتم اكتشاف وتأهيل لاعب موهوب من أجل الاستفادة الفنية منه، أما الآن، فإدارات الأندية تصاب بخيبة أمل حينما يبرز لديها نجم لأنه قد يرحل عنها سريعا للأندية الغنية بأسهل الطرق.

في السابق وقبل الاحتراف وحينما كانت الأندية سواسية من حيث الإمكانات، كان التنافس على أشده بين أكثر من 7 فرق على البطولات، وأما الآن فالبطولات محصورة في الأندية الغنية؛ وهذه من أبرز المشكلات.

* ذكرت مسألة العقلية الاحترافية للاعب، ما مواصفات العقلية الاحترافية في نظرك؟

- من مواصفات العقلية الاحترافية أن يكون هناك التزام من قبل اللاعب المحترف من حيث الانتظام في النوم والأكل وغير ذلك من الأشياء الأساسية التي يتوجب أن يكون عليها اللاعب المحترف، وفي هذا الجانب، أود أن أتذكر حدثا حصل للاعب السابق الفرنسي الشهير زين الدين زيدان الذي دعي لحضور احتفال بزيارة شخصية تجارية عربية كبيرة لإسبانيا، وقام زيدان بالاشتراط على المنظمين بأن يبدأ الحفل في وقت مبكر يناسب وقته ويغادر كذلك في الوقت المحدد الذي يلتزم به شخصيا بصفته لاعبا محترفا، وأيضا رفض أن تتضمن المائدة التي يجلس إليها مشروبات (كحولية).. وغيرها من الشروط التي تؤكد التزامه بالعقد الموقع بينه وبين ناديه السابق ريال مدريد. ويمكنك مقارنة هذا الموقف في مسألة التزام لاعبينا بمثل هذه الأمور التي تعكس صورة العقليات المحترفة.

* هل لديك أمثلة حية على وجود حالات عدم التزام من قبل لاعبين محترفين سعوديين بأنظمة الاحتراف؟

- هناك أمثلة كثيرة من بينها للاعب (تحفظ عن ذكر اسمه) الذي دفع له النادي مبالغ مالية باهظة في عقده الاحترافي وتم اكتشاف اصطحابه الشيشة لمقر السكن في أوزبكستان في إحدى المناسبات، فكان رد هذا اللاعب على الإدارة أن اصطحابه للشيشة حرية شخصية.. هذا مثل واحد على موضوع عدم توفر العقلية الاحترافية في لاعبينا.

* هل المشكلة تقتصر على اللاعبين فقط أم إن هناك تقصيرا من جانب الأجهزة الفنية والإدارية؟

- المشكلة في اللاعبين أولا، ومن ثم العناصر الأخرى، فما دامت العقلية الاحترافية مفقودة ولا يوجد تأسيس للاعبين على أساس احترافي، فسيستمر الوضع في التدهور، فلا يمكن علاج المشكلة من الأعلى وتجاهل الأساس.

* إذن الجهاز الفني تحديدا الذي كان يقوده المدرب المعروف فرانك ريكارد، كان بريئا من الإخفاق في دورة الخليج الأخيرة؟

- كما قلت المشكلة يصعب حلها من خلال التعاقد مع مدرب (عالمي) بمبالغ مالية باهظة، فالمشكلة في الاستراتيجيات الموجودة، فهناك مشكلات كثيرة موجودة لا يمكن أن يحلها مدرب، يجب أولا أن نحل المشكلات من الجذور وليس بالسعي للحل من الأعلى.

* من المدرب الأنسب لقيادة المنتخب الوطني الأول في الفترة المقبلة التي ستشهد المنافسة على التأهل إلى نهائيات كأس آسيا المقبلة في أستراليا على اعتبار أن الجهاز الفني الحالي بقيادة الإسباني لوبيز «مؤقت»؟

- الأنسب المدرب الوطني؛ لأنه الأدرى بالحال التي عليها الكرة السعودية ووضع اللاعبين، فالتعاقد مع مدربين بمبالغ مالية باهظة لا يسبب سوى اتساع في الأزمة، فكثيرون سينظرون إلى عاملي قيمة العقد المالي للمدرب والعمل الذي قام به كما حصل مع ريكارد، ولذا ما دامت هناك قناعة بأن المشكلة «لدينا»، فلماذا التعاقد مع مدرب بمبالغ مالية باهظة؟ والمدرب ليس بالقيمة المالية أو الجنسية التي يحملها، بل بالقيمة الفنية والنهج الذي يقوم به، ولذا التعاقد مع مدرب «مغمور» أفضل لأنه لن يكون مغرورا أو متعاليا بتاريخه التدريبي. وأجدد تأكيدي على ضرورة إعادة الثقة في المدرب الوطني وإذا لم يحصل بصفته مدربا فيكون مساعدا أو ضمن الأجهزة العاملة في هذا الجهاز، مثل اللياقة، لأنه على دراية كافية بواقعنا الكروي. كما أن لدينا تجارب رائعة مع مدربين أجانب كانوا مغمورين مثل البرازيلي مانيلي الذي صنع منتخبين للمملكة (أ،ب)، وأقام معسكرات في البرازيل، وحول لاعبين من الفئة «ب» إلى الفئة «أ» بعد بروزهم؛ مثل الحارس عبد الله الدعيع وفهد المصيبيح وغيرهما، وكان هؤلاء اللاعبون إضافة كبيرة للمنتخب الذي قاده العالمي الشهير زاغالو.

* ما الأهمية التي تراها للجان التي تشكل عادة بعد أي إخفاق للكرة السعودية؟

- اللجان لا تقدم ولا تؤخر، وأقول هذا الكلام من واقع تجربة، فأنا كنت عضوا في لجنتين سابقتين؛ الأولى بعد ما حصل في كأس العالم 2002 برئاسة الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز رحمه الله، والثانية بعد الإخفاق في كأس آسيا الأخيرة في الدوحة. ومن هنا، أناشد الأخ الدكتور أحمد عيد، رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم، عقد لقاءات مع رؤساء أندية الدرجة الممتازة ثم الأولى وبعدها الثانية من أجل البحث في المشكلات الموجودة وسبل حلها، لمستقبل أكثر إشراقا بدلا من موضوع اللجان التي لا تعالج المشكلات.