قواعد جديدة قد تحرم الأندية الأوروبية الكبرى من ضم راقصي السامبا

البرازيل أكبر مصدر للمواهب الكروية إلى القارة العجوز

TT

أشار تقرير صادر عن إحدى المؤسسات البحثية السويسرية المتخصصة في مجال كرة القدم، إلى أن كرة القدم البرازيلية قد تشهد مزيدا من المواهب خلال الفترة القليلة المقبلة، مشيرا إلى أن بلاد السامبا تعد أكبر مصدر للمواهب الكروية لكبرى الأندية في قارة أوروبا.

وللعام الرابع على التوالي، تصدرت البرازيل – التي تحتضن الكرة الجذابة - قائمة الدول المصدرة للاعبي كرة القدم لأندية الدوري الممتاز في القارة العجوز، والتي يصل عددها إلى 478 ناديا، حيث يصل عدد اللاعبين البرازيليين في هذه الأندية إلى أكثر من 500 لاعب، وهو تقريبا ضعف عدد لاعبي فرنسا التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث تصدير اللاعبين.

وأكد التقرير الصادر عن مركز «سي آي إي إس» المتخصص في رصد الإحصائيات الرياضية، أن الدوري الإنجليزي الممتاز يعتمد بصورة كبيرة على المواهب الأجنبية التي تمثل 55 في المائة من إجمالي عدد اللاعبين.

ورغم أن بلاد السامبا دائما ما تمثل خط الإنتاج الأول للاعبين البارزين في الدوريات الأوروبية التي تناولها التقرير والتي يصل عددها إلى 31 بطولة، فإن عدد اللاعبين البرازيليين في الدوري الإنجليزي الممتاز لا يتناسب مع هذا الإنتاج الضخم، ويكفي أن نعرف أنه لا يوجد سوى 17 لاعبا برازيليا في كشوف الأندية المشاركة في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسم الجاري، بما في ذلك أربعة لاعبين في صفوف نادي تشيلسي اللندني، وهم ديفيد لويز وأوسكار ولوكاس بيازون وراميريز.

ورغم أن عدد اللاعبين البرازيليين في الدوري الإنجليزي الممتاز قد ارتفع إلى 17 لاعبا من 12 لاعبا قبل عقد من الزمان، فإن هذه الزيادة تعد هزيلة للغاية، نظرا إلى القوة المالية الهائلة التي بات الدوري الإنجليزي الممتاز يتمتع بها الآن، ولذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: ما سبب قلة عدد اللاعبين البرازيليين في الدوري الإنجليزي؟

يتمثل أحد أهم الأسباب في الاختلاف الثقافي بين البلدين، وربما يكون هذا هو السبب في أن اللاعبين البرازيليين لا يتألقون في الدوري الإنجليزي الممتاز بقدر تألقهم في بلدان أخرى، مثل إسبانيا والبرتغال وغيرهما من بلدان جنوب أوروبا، نتيجة لطريقة اللعب، وكذلك اختلاف اللغة والمناخ. وثمة عوامل أخرى وراء قلة عدد راقصي السامبا في بلاد الإنجليز، ويأتي على رأسها قواعد تصاريح العمل التي تطبقها وزارة الداخلية الإنجليزية، والتي تشترط أن يكون اللاعبون الأجانب (من خارج الاتحاد الأوروبي) قد شاركوا فيما لا يقل عن 75 في المائة من المباريات الدولية لمنتخبات بلادهم خلال آخر عامين. وثمة استثناء لهذا القانون، لو نجحت الأندية في إقناع الاتحاد الإنجليزي بأن لاعبا ما يمثل موهبة فذة واستثنائية، وسوف يمثل إضافة كبيرة لكرة القدم الإنجليزية، ولكن هذا لا يحدث إلا في حالات نادرة.

وبالنظر إلى تهافت الأندية الأوروبية الكبرى على الظفر بلاعبي المنتخب البرازيلي، فإن الأندية الإنجليزية سوف تفشل بالطبع في التعاقد مع بعض هؤلاء اللاعبين الكبار، وهو أمر طبيعي. وعلى الجانب الآخر، تطبق الدول الأخرى قواعد أكثر مرونة للتعاقد مع اللاعبين البرازيليين، ولا سيما أن غالبية اللاعبين البرازيليين، الذين يلعبون في أوروبا والذين يتجاوز عددهم 515 لاعبا، لا يلعبون باسم المنتخب البرازيلي.

وهناك عامل آخر يتمثل في صرامة القواعد التي يطبقها الدوري الإنجليزي لكرة القدم فيما يتعلق بقضية امتلاك «طرف ثالث» للاعبين؛ فقد تم حظر ممارسات وكلاء اللاعبين وغيرهم من الشركات والأفراد الذين يملكون حقوق انتقال اللاعبين أو جزءا منها، بسبب القضية الشهيرة المتعلقة بالنجم الأرجنتيني كارلوس تيفيز، التي انتهت بفرض غرامة قيمتها 5.5 مليون جنيه إسترليني على نادي ويستهام يونايتد الذي أشرك النجم الأرجنتيني في المباريات، رغم أنه لم يكن يحق له ذلك؛ لأن حقوق عقد اللاعب كانت مملوكة لرجل الأعمال الإيراني كيا جورباشيان، ما يعني وجود طرف ثالث بين اللاعب السابق لنادي كورينثيانز البرازيلي وويستهام، وهو أمر مخالف للقانون.

وعندما انتقل تيفيز إلى مانشستر يونايتد، كان يتعين على النادي شراء حقوق الملكية من كل من جورباشيان وأي جهة أخرى تمتلك حقوق ملكية اللاعب، حتى يضمن النادي الجديد أنه المالك الوحيد لعقد اللاعب.

وفي البرازيل ودول أميركا الجنوبية، يتم النظر إلى مسألة ملكية الطرف الثالث على أنها جزء ضروري من اقتصاديات كرة القدم. وبدلا من دفع مبالغ مالية كبيرة للاعب موهوب، تقوم الأندية بـ«تأجير» اللاعبين من وكلاء أعمالهم أو الشركات أو الأشخاص الذين يملكون حقوق الملكية. ويرى المدافعون عن هذا النظام أنه يساعد على إيقاف هجرة اللاعبين الموهوبين إلى أوروبا؛ لأنه يتيح اللاعبين بأسعار معقولة في موطنهم. وعلى هذا الأساس، فإن اللاعبين الذين يريدون الرحيل عادة ما يتجهون إلى البلدان التي لا تمنع ملكية طرف ثالث لحقوق اللاعب، مثل البرتغال وإسبانيا وتركيا، والآن دول شرق أوروبا.

ورغم ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يدرس إمكانية إلغاء ملكية الطرف الثالث في جميع الدول الأوروبية؛ لأن هذا النظام يستنفد أموال اللعبة، ويخلق حالة من عدم الاستقرار؛ لأن الطرف الثالث الذي يملك حقوق الملكية دائما ما يبحث عن تحقيق مكسب كبير من بيع اللاعبين.

ويعتزم الاتحاد الأوروبي أن يطلب من الاتحاد الدولي لكرة القدم القيام بالشيء نفسه وإعادة هيكلة اللوائح المتبعة في عالم كرة القدم. ولو رفض الاتحاد الدولي القيام بذلك، فإن الاتحاد الأوروبي سوف يطبق القواعد الخاصة به لمنع الممارسات التي وصفها ورئيس الاتحاد الأوروبي ميشال بلاتيني في الآونة الأخيرة بأنها «ليست جيدة من الناحية الأخلاقية والمعنوية».

ولو رمى الاتحاد الدولي الكرة في ملعب الاتحاد الأوروبي مرة أخرى ليلغي ملكية الطرف الثالث، فربما يؤدي ذلك إلى تخفيض عدد اللاعبين البرازيليين الذين يلعبون في أوروبا. بالطبع، ستفضل الأندية شراء حقوق ملكية الطرف الثالث، ولكن الكثير من البطولات والبلدان الصغيرة قد لا تتمكن من دفع القيمة المالية الباهظة للتعاقد مع المواهب البرازيلية الصاعدة إذا ما كان يتعين عليها شراء اللاعبين بدلا من استئجارهم.

وكل هذا يعد في حقيقة الأمر شيئا جيدا لكرة القدم البرازيلية، التي تسعى للاحتفاظ بنجومها بغية زيادة قوة الدوري البرازيلي، الذي دائما ما يهجره اللاعبون المميزون بسبب الإغراءات المالية الكبيرة من جانب الأندية الأوروبية. وتعمل البرازيل بكل قوة لبناء وتطوير 12 ملعبا لاستضافة كأس العالم المقبلة، ويخشى البرازيليون من إنفاق أموال طائلة على هذه الملاعب من دون الاستفادة الحقيقية منها، ولكن لو تمكنوا من إيقاف هجرة اللاعبين لأوروبا فسيستفيدون منها في زيادة قوة الدوري البرازيلي وتنمية المواهب الشابة.

ومع ذلك، ستظل الأندية الأوروبية الكبرى هي الأكثر ثراء وقوة، ولذا ستحاول جذب اللاعبين المميزين من أي مكان في العالم، ولكن اللوائح الجديدة التي يعتزم الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تطبيقها قد تبطئ أو تقلل من هجرة راقصي السامبا البرازيليين إلى أوروبا.