ديربي الرياض وديربي لندن.. وجهان لعملة «الإثارة والتحدي»

رغم بزوغ نجم أندية أخرى منافسة فإن أقطاب الصراع لم تتغير

TT

حتى إن اختل المعيار الفني، وتباينت الفروقات بين الطرفين، وعزفت الجماهير عن الحضور؛ تبقى مباريات «الديربي» على مستوى جميع دوريات العالم ذات سمة خاصة تميزها على المستوى الإعلامي والجماهيري، وتبقى حلاوة الانتصار في مباراة «ديربي» بحلق المنتصر إلى حين موعد المباراة القادمة، ويحاول المهزوم أن يلملم شتاته ويتجاهل الغصة التي سببتها له الخسارة لعل وعسى أن يعود إلى اتزانه المفقود.

برشلونة وإسبانيول ناديا المدينة التي تحمل اسم الأول، رغم الفوارق الضخمة بينهما، إلا أن الانتصار إن حققه الأول فجماهيره المعتادة على المنافسة على أكبر البطولات تتجمع وتتراقص فرحا في ساحة «كتالونيا» الشهيرة وسط المدينة أو شارع «لارامبلا» المعروف حتى ساعات الصباح الأولى، وإن فاز الجار المتواضع فإن الفرحة ستكون لجماهيره مضاعفة كما حدث في موسم 2007 عندما تعادل إسبانيول مع برشلونة في ملعب الأخير وحوّل البطولة إلى مدريد وبالتحديد فريقها الملكي.

في إيطاليا وإن كانت الديربيات الكبيرة تشهد منافسة على المراكز والألقاب مثل ديربي الغضب الذي يجمع قطبا العاصمة روما ولاتسيو، أو ديربي مدينة الموضة العالمية الأولى بين إنترناسيونالي وميلان؛ فإن هناك ديربيا يشهد منافسة ضارية واستعدادا جماهيريا على أعلى مستوى، وهو ديربي مدينة تورينو بين يوفنتوس الفريق الإيطالي الأكثر حصولا على البطولات، وبين جاره المتواضع تورينو، وكأي ديربي في العالم تتلاشى تلك الفوارق وغالبا ما يواجه يوفنتوس صعوبات كبيرة في تجاوز مباريات جاره العنيد.

إذن، النصر والهلال ليسا استثناء، وإن رجحت الكفة بشكل كبير للفريق الأزرق على صعيد البطولات أو حتى الهيمنة المطلقة على المباريات التي جمعتهما خلال السنوات الفائتة، لكن الصخب والتصريحات النارية والأعصاب المشدودة تحضر دائما في مبارياتهما، حتى إن كانت مجرد مباراة دورية لا يطمع الفريقان أو أحدهما في الحصول على شيء من وراء الفوز، إلا أنها دائما ما تكون حافلة بالأحداث الدراماتيكية، ولعل أقرب مثال هو مباراة إياب الدوري بينهما في الموسم الفائت والتي فاز بها الهلال بهدف نواف العابد، وأدت في النهاية إلى قرار المشرف العام على فريق كرة القدم في فريق النصر آنذاك، الأمير الوليد بن بدر، الابتعاد عن الفريق إلى غير عودة.

ديربي آخر في مكان بعيد جدا عن الرياض تشابه حالة فريقيه التنافسية حالة الهلال والنصر، وهو ديربي شمال لندن الذي يجمع آرسنال وتوتنهام، والبعض ما زال يصر على أنه ديربي لندن الأقوى والأهم رغم صعود نجم فرق لندنية كثيرة مثل تشيلسي وفولهام وكوينز بارك رينجرز وويست هام، لكن لا تحظى أي من الديربيات تلك بنفس الحظوة الجماهيرية والإعلامية التي يحظى به الديربي الأقدم بين فريقي شمال العاصمة. حالة توتنهام وآرسنال تبدو أكثر حالة تشابه الهلال والنصر، مع وجود بعض الفوارق البسيطة، فمنذ انطلاق الديربي أواخر القرن التاسع عشر الميلادي كانت المنافسة بينهما على أشدها؛ فتارة يتفوق آرسنال، وتارة أخرى يسيطر توتنهام على لقاءات الديربي، ولعل أشهرها ذلك الديربي الذي أقيم في ملعب توتنهام موسم 1914 وانتهى لمصلحة آرسنال المشارك في دوري الدرجة الثانية آنذاك بخماسية مقابل هدف وحيد ضد غريمه الذي يشارك في دوري الدرجة الأولى، ما يدل على أن مباريات الديربي لا تخضع غالبا لأي مقياس، قبل أن يعود توتنهام بعد تلك الفترة للفوز بعدد من مواجهات الديربي بعد ذلك عندما يكون الفريقان في درجة واحدة.

ديربي الرياض لم يبدأ بفوز كما هو حال ديربي لندن، بل بدأ بتعادل بين الفريقين قبل 50 عاما في إطار مباريات كأس الملك، وتلا ذلك مجموعة انتصارات هلالية بعدد من المباريات قبل أن يتجاوز الأصفر تلك الكبوات ويهيمن نسبيا على المباريات التي جمعت الطرفين.

وكما هو حال ديربي الرياض، فقد استمرت المنافسة بين فريقي شمال لندن بمباريات الديربي، وصولا إلى نهاية التسعينات الميلادية، قبل أن تبدأ الكفة تميل لطرفين من الأطراف الأربعة، حيث بدأ ديربي الرياض يتجه إلى الهلال مع تراجع مستوى خصمه، وكذلك الحال بالنسبة لآرسنال الذي سيطر سيطرة مطلقة على جميع المباريات التي جمعته بغريمه التقليدي، حيث استطاع الهلال أن يبقي النصر بلا أي فوز لمدة 5 أعوام وبالتحديد منذ عام 2004 حتى نهاية 2009 عندما كسر الأصفر تلك العقدة بفوزه بهدفين مقابل هدف، وفي تلك الفترة بالتحديد استطاع توتنهام تحقيق الفوز الأول على آرسنال منذ 17 عاما عندما قلب تخلفه بهدفين إلى فوز بثلاثية بقيت بأذهان سكّان الشمال اللندني حتى اليوم.

ولأن كرة القدم لا تبقى على حال واحد، فقد انقلب الديربي اللندني منذ ذلك اليوم ليميل لمصلحة توتنهام الذي حقق انتصارا متتاليا على غريمه في أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2011. ورغم فوز آرسنال بخماسية مقابل هدفين بعد ذلك التاريخ بأربعة أشهر، إلا أن توتنهام بات بعد ذلك يدخل مبارياتهما دون الالتفات إلى علو كعب جاره في المواجهات التي جمعتهما سابقا. فيما أعاد الهلال النصر لمربع الخسائر بعد ذلك الفوز واستطاع الانتصار عليه بـ7 مباريات مقابل تعادلين وأقال مدربين بعد الفوز على جاره وهما الأرجنتيني جوستافو كوستاس الذي خسر من الهلال بثلاثية نظيفة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، والكولومبي فرانشيسكو ماتورانا مطلع سبتمبر (أيلول) الفائت بعد تلقي شباكه ثلاثة أهداف زرقاء مقابل هدف نصراوي.

وفي الديربي الأخير عاد النصر إلى سكة الانتصارات بلقاءات الديربي لأول مرة منذ 3 أعوام بالهدف الذي أحرزه محمد السهلاوي وخسر الهلال بسببه 3 نقاط ثمينة، وكذلك خسر الفرنسي أنطوان كومبواريه وظيفته بسبب تلك الهزيمة وتعرض للإقالة مباشرة.

وفي مواجهات الكأس لا تختلف الأمور كثيرا بين أطراف الديربي السعودي والإنجليزي، ففي ديربي لندن يهيمن آرسنال على مباريات خروج المغلوب التي جمعته بغريمه ابتداء من نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي الذي أقيم قبل 43 عاما وفاز به المدفعجية بهدف نظيف، ومن بعدها والفريق يحقق الانتصارات بسهولة ضد توتنهام، حيث استطاع إخراجه من 5 بطولات للكأس التقى فيها الفريقان مقابل فوزين فقط لتوتنهام كان أولهما بعد هزيمة النهائي بـ21 عاما وبالتحديد في موسم 1991 في ملعب ويمبلي بثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، فيما يكتسح الهلال نظيره النصر بمباريات ولي العهد بـ6 انتصارات كان أولها في دور ثمن النهائي من موسم 1997 وفاز بهدفي سامي الجابر ويوسف الثنيان مقابل هدف لإبراهيم الشويع، قبل أن تتوقف تلك المواجهات ببطولة الكأس لأكثر من عقد ويعود الهلال ويتخصص في إخراج جاره في النسخ الخمس الماضية، ابتداء من دور ثمن النهائي في موسم 2008 عندما فاز عليه بهدفي ياسر القحطاني وطارق التايب، وفي نصف النهائي بالموسم الذي يليه بهدف مبكر للسويدي كريستيان ويلهامسون، ومن دور ربع النهائي بالموسم اللاحق بهدفين لثياغو نيفيز وكريستيان ويلهامسون مقابل هدف أصفر للغيني باسكال فيندونو، وتبع ذلك فوز بنفس الدور من المسابقة اللاحقة بهدفي ميريل رادوي وأحمد الفريدي، وفي دور ربع النهائي العام الفائت فاز الهلال بأربعة أهداف مقابل هدف واحد جاءت عن طريق يو بيونغ سو ومحمد الشلهوب وعبد العزيز الدوسري وعمر هوساوي خطأ بمرماه وحمل هدف النصر الوحيد توقيع محمد السهلاوي.