عبد الرحمن بن سعود.. رمز النصر الغائب الحاضر

المدرج الأصفر يستحضره عند كل موقعة تاريخية مع الجار

TT

«أحبك يا نصر والله أحبك».. كلمات دونها الأمير ممدوح بن سعود، ورددها عشقا وهياما الأمير عبد الرحمن بن سعود - رحمه الله - في ناديه الأصفر، وتغنى بها الفنان الراحل طلال مداح بصوته الشجي العذب، فباتت هذه الأبيات عنوانا عريضا رسمه لجيل نصراوي بات مهووسا بفريقه رغم ابتعاده عن البطولات لسنوات طويلة، الشاعر المتيم بعشق النصر لا يغيب عن ذاكرة الجماهير النصراوية التي بادلته هذه الأبيات الشعرية التي كتبها الرمز الأصفر الراحل؛ حيث بات اسمه يتكرر على ألسنتهم في السراء والضراء.

اليوم يقف النصر على بُعد خطوة تُعيده إلى الزمن الجميل وإن غابت عناصره، أمام غريمه التقليدي وخصمه اللدود «الهلال» في نزاع لا يقبل القسمة على اثنين، حينما يلتقي الخصمان على «ذهب» بطولة كأس ولي العهد، حينها ستكون البطولة إما صفراء تُسر الجماهير أو زرقاء تكبكب أوراق مستقبل الأصفر الجديد التي يرسمها بعناية ودقة مدربه الأوروغوياني كارينيو ومن خلفه رئيسه الأمير فيصل بن تركي. في هذا المساء المختلف، يبرز اسم عبد الرحمن بن سعود «الرمز» كما يقول عنه النصراويون فهو لا يغيب عن ذاكرتهم، ويظل في الواجهة دائما، فكيف والخصم «الهلال»، فللأخير وللرئيس الراحل حكايات لا نهاية لها. تصريحات نارية وأحاديث مثيرة كانت عنوانا لديربي الرياض، فحينما يحضر عبد الرحمن بن سعود أمام المايك للحديث الإعلامي حتما ستحضر «الإثارة»، وإن غضب الطرف الآخر منها، إلا أن الراحل عبد الرحمن بن سعود كان يعدها جزءا من الإثارة الحميدة كما يقول في أحاديثه الإعلامية التي يؤكد فيها أن الهلال شقيق عزيز، وأتمنى له الخير كبقية أندية الوطن.

سُئل ذات مرة عن أول قرار سيتخذه لو أنه أصبح رئيسا لغريمه التقليدي «الهلال»، فجاوب سريعا في غضون ثوانٍ قليلة بأنه سيقدم ورقة استقالته ويعود مجددا لرئاسة عشقه النصر، مردفا هذه الإجابة بتوضيح بأنه يبدي احترامه للهلال كأحد الأندية الكبيرة في السعودية إلا أن العشق والهوى للنصر.

الأمير عبد الرحمن بن سعود ولد في الرياض عاصمة السعودية في التاسع عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) 1940. وهو أحد أبناء الملك سعود بن عبد العزيز، نشأ في ظروف صعبة بعدما رحلت والدته عن الحياة وهو في مقتبل عمره ليعتاد على مواجهة الظروف القاسية، وهو الأمر الذي أسهم بنجاحه في قيادة نادي النصر نحو منصات التتويج، حياته العلمية بدأها في معهد الأنجال الذي صقل مواهبه المتعددة إعلاميا وكتابيا أو رياضيا بعدما زاد عن ألوان فريق «المعهد» كحارس مرمى في البطولات التي تقام على مستوى المدارس في الرياض، أما اجتماعيا فهو متزوج وله من الأبناء ستة ذكور وثلاث بنات وهم: خالد، وعبد العزيز الذي كان إداريا في لعبة السلة بنادي النصر قبل أن يفارق الحياة، وفيصل الذي سبق له خلافة والده في رئاسة نادي النصر، بالإضافة إلى شقيقه ممدوح؛ حيث تولى الأخير منصب رئاسة النادي في فترة سابقة، بالإضافة إلى سعود وفهد، كذلك البنات الجوهرة ومنال وعهد.

قصة ارتباطه مع النصر بدأت منذ صغره، حينما اعتاد على حضور مبارياته الرسمية والودية، قبل أن يبدأ علاقته بصورة رسمية ويتولى دفة الرئاسة في مقتبل عمره، وحينها كان الفريق قابعا في غياهب الدرجة الأولى لينجح الأمير الراحل في قيادته إلى أجواء المنافسة، رغم صعوبتها وندرة المواهب الرياضية حينها، إلا أنه لم يكن يضع جُل تركيزه على بطولة يحققها ومعها يخطف أضواء الفلاشات ليرمى بعدها ذاك النادي في مغبة الديون والمشكلات التي لا تنتهي، فالأمير عبد الرحمن بن سعود كان عاشقا لهذا الكيان الأصفر حد الثمالة فعبارته «أنا نصراوي الهوى والهوية» التي كانت تسبقه في الأحاديث الإعلامية التي يُدلى بها بين الفينة والأخرى، جسدها على أرض الواقع عندما صنع النصر فريقا قويا واسما صعبا في سماء الكرة السعودية.

عشق النصر وعمل لأجله، فعشقه الجمهور بجنون وبات حبه في قلوبهم ينافس اللاعبين ونجوم الفريق، علامة النصر يرفعها بيديه ويمضي بالقرب من مدرج فريقه ليلقي التحية على جماهير النصر قبل كل مباراة يخوضها فريقهم ليبث فيهم روح الحماس، ومعها تتعالى أصوات الجماهير «حيو أبو خالد حيوه».

في منتصف عام 1425، وقبل أن يشرع الموسم الرياضي في الانطلاق، كان جالسا في مكتبه بنادي النصر يرسم ملامح الموسم المقبل، وفي داخله يكتنز سرا غامضا لا يعرفه إلا المقربين منه، وهو نصيحة الأطباء له بالابتعاد عن العمل الرياضي؛ بسبب ظروفه الصحية؛ حيث كان مخططا له أن يجري عملية «قلب» في فرنسا خلال أيام قليلة سبقت وفاته، قبل أن يدخل في نوبة قلبية بعد عودته من النادي، ومع الساعات الأولى من صباح يوم 12 جمادى الآخرة وتوافيه المنية في ذلك اليوم، ليرحل ويترك خلفه مكانة خاصة بين الرياضيين بشرائحهم كافة.