فوز سوانزي بكأس المحترفين درس للفرق الإنجليزية الصغيرة

الإدارة الناجحة أكدت قدرتها على قيادة فريق متواضع ماليا لتحقيق ما عجز عنه الكبار

TT

وجد نادي سوانزي سيتي الإنجليزي مخرجا لعثراته المتتالية على مدار العشر سنوات الماضية، لا عن طريق الحسابات العقيمة التي لا تجدي نفعا، وإنما عن طريق إيمانه الراسخ بالإبداع ومحاولاته الدائمة والمستميتة للوصول إلى الأهداف التي يسعى إليها، تماما كما تفعل الفرق الكبرى في عالم الساحرة المستديرة مثل آرسنال الإنجليزي وبرشلونة الإسباني.

لقد أثبت سوانزي بفوزه بكأس المحترفين الإنجليزية أنه فريق يقدم أداء راقيا ويحتفظ بالكرة بشكل رائع، علاوة على أن لاعبيه دائما ما يتسمون بالشجاعة في أصعب المواقف وفي ضوء الضغوط الهائلة التي يتعرضون لها، وهو ما يجب أن يكون بمثابة درس لكافة الفرق الإنجليزية الصغيرة. وقد بدا هذا التماسك واضحا خلال رحلة عودة الفريق للدوري الإنجليزي الممتاز تحت قيادة المدير الفني الكبير بريندان رودجرز، كما كان ظاهرا للعيان في المباراة النهائية لكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة التي انتهت بفوز سوانزي الساحق بخماسية نظيفة ليحصل الفريق على أول بطولة كبرى في تاريخه ويضع حدا لمغامرة برادفورد التي تستحق كل الاحترام والإعجاب.

ولا تعد هذه البطولة الغالية بمثابة إنجاز محلي لسوانزي سيتي فحسب، ولكنها ستمكنه من المشاركة في النسخة المقبلة من الدوري الأوروبي، بعد عشر سنوات كاملة من تسجيل نجمه جيمس توماس، الذي يعمل الآن في خدمة الإسعاف بجنوب ويلز، لثلاثة أهداف في مرمى هال سيتي في نهاية موسم 2002-2003 ليساعد الفريق على الهروب من الهبوط إلى دوري الدرجة الخامسة.

ويقول بول هيوارد الناقد الرياضي بصحيفة «دايلي تلغراف» البريطانية: «إن تاريخ سوانزي سيتي الطويل مع المشاكل الإدارية وإقالة مدربيه واحدا تلو الآخر ومشاكله المالية لا تتناسب تماما مع طموحاته الحالية والطريق الرائع الذي بدأ يسلكه منذ تعاقده مع المدير الفني الإسباني روبرتو مارتينيز الذي غرس قواعد الكرة الإسبانية الجميلة في الفريق حتى بدأ يعتمد على التمريرات القصيرة والاحتفاظ بالكرة لأطول فترة ممكنة، ثم امتدت تلك المسيرة الناجحة تحت قيادة المدير الفني القدير رودجرز، إلا أن جاء الدنماركي الشاب مايكل لاودروب، الذي كان اختيارا رائعا وموفقا من إدارة النادي ليستكمل مسيرة رودجرز بعد رحيله إلى نادي ليفربول العريق».

وأضاف: «لقد رأى البعض أن رحيل رودجرز إلى ملعب أنفيلد قد ينهي المسيرة الرائعة لسوانزي، ولكن القدر أبى إلا أن يمنح الفريق مديرا فنيا رائعا وقائدا عظيما لديه خبرات هائلة وعين خبيرة في استكشاف المواهب واستقدامها للفريق، وخير مثال على ذلك تعاقده مع النجم ميتشو من نادي رايو فاليكانو الإسباني مقابل 2 مليون جنيه إسترليني، ليصبح أحد أهم الأعمدة الرئيسية التي يعتمد عليها الفريق وواحد من أبرز هدافي الدوري الإنجليزي».

لقد أبى سوانزي سيتي أن يصبح الضحية الرابعة لنادي برادفورد الذي أطاح بثلاثة فرق كبرى في الدوري الإنجليزي الممتاز في طريقه للمباراة النهائية، ومنعه من الاستحواذ على الكرة تماما وحد من خطورته بشكل كبير. ورغم أن سوانزي سيتي قد حصل على هذه البطولة عقب فوزه على فريق برادفورد الذي يلعب في دوري الدرجة الرابعة، فإنها تعد الإنجاز الأكبر للنادي، وهو الإنجاز الذي ربما يفوق النتائج الرائعة التي حققها الفريق الموسم الماضي عندما حقق الفوز على فرق ذات تاريخ عريق في الدوري الإنجليزي مثل آرسنال وليفربول ومانشستر سيتي، وهو ما جعل سوانزي سيتي يحظى باحترام الجميع ويثبت أنه قادر على مقارعة الكبار في الدوري الأقوى في العالم.

وانتقل سوانزي سيتي من ملعب «فيتش» إلى ملعب «الحرية» وسلك طريقا مختلفا يعتمد على اللاعبين المغمورين ويحولهم إلى نجوم من الطراز الرفيع، ويكفي أن نعرف أن الفريق الذي حقق الفوز التاريخي على هال سيتي موسم 2002-2003 كان يضم ليون برايتون الذي وصف العام الماضي بأنه «أفضل لاعبي العالم في التمرير على مر التاريخ»، حيث وصلت دقة تمريراته إلى 93.3%.

إن هذه الدقة في التمرير تعكس الثورة التي بدأها المدير الفني مارتينيز، والتي طورها لاودروب إلى مستوى أفضل، بفضل خبراته الهائلة مع عملاقي الليغا الإسبانية برشلونة وريال مدريد، لينقل تلك الخبرات إلى سوانزي سيتي ويجعله قادرا على اللعب بسلاسة كروية رائعة ترهق الفرق المنافسة.

لقد تحول ملعب «الحرية» إلى معقل للمواهب التي تريد أن تظهر مهارتها وللاعبين المنتقلين من الأندية الأخرى الذين يسعون للعودة إلى سابق عهدهم، وخير مثال على ذلك نجمي الفريق ناثان داير وواين روتليدج اللذين قدما أداء رائعا أمام برادفورد وأثبتا أنهما نجمان موهوبان قد اكتسبا خبرات هائلة من اللعب في فرق أكبر. لقد كون رودجرز تشكيلة رائعة من اللاعبين، ثم جاء لاودروب ليضع لمساته الإبداعية بعين الخبير والكروي المحنك، فاستعان بكل من ميتشو وجوناثان دي غوزمان، الذي أثبت أحقيته في تسديد ركلة الجزاء، رغم غضب داير الذي كان يريد أن ينال هذا الشرف في تلك المباراة التاريخية.

إن إصرار رجل المباراة الأول داير على تسجيل ركلة الجزاء ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه بتسجيله ثلاثة أهداف في المباراة النهائية للبطولة الكبرى الوحيدة التي حصل عليها فريقه عبر تاريخه الطويلة كان بمثابة المشهد الوحيد الذي عكر صفو تلك الليلة التاريخية، ولا سيما أنه لم يكن اللاعب الذي حصل على الخطأ الذي احتسبت منه ركلة الجزاء، وهو ما يعد مشهدا بعيدا كل البعد عن الاحترافية.

ولم يكتف سوانزي سيتي بأن يكون معقلا لإحياء النجوم التي ضلت طريقها في الفرق الأخرى، ولكنه نجح في تحقيق الأرباح بهؤلاء اللاعبين، ويكفي أن نعرف أن مجلس إدارة النادي، الذي يضم والد صبي جمع الكرات تشارلي مورغان (الذي كان بطل حادثة مباراة سوانزي سيتي أمام تشيلسي عندما ركله البلجيكي إدين هازارد لاستخلاص الكرة منه)، قد حقق أرباحا بلغت 14.6 مليون جنيه إسترليني خلال أول موسم للفريق في الدوري الإنجليزي الممتاز.

لقد سلطت المباراة النهائية لكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة الضوء على الفرق الصغيرة التي تكافح وتناضل من أجل تحقيق أهدافها وإسعاد جمهورها، وهو ما يعد دليلا على قدرة هذه الأندية على تحمل الصعوبات والعقبات، بل والكوارث كما في حالة برادفورد، الذي تمكن من الوصول للمباراة النهائية بجدارة واستحقاق رغم أن تكلفة لاعبيه لم تتعد 7500 جنيه إسترليني، وهو ما يعد بمثابة درس قاس لكافة الأندية الأخرى ليعلمها كيف يمكن للإدارة الناجحة أن تقود فريق متواضع من الناحية المادية لتحقيق ما تعجز عنه الفرق الكبرى.

التحية لسوانزي على الإنجاز التاريخي الذي حققه والأداء الرائع الذي أبهر به الجميع، ويكفيه فخرا أنه نجح في غضون عشر سنوات أن يتحول من ناد يمر بكارثة كبيرة إلى نادي يحصل على بطولة غالية من استاد ويمبلي الشهير، كما يتعين الإشادة أيضا بنادي برادفورد على هذا الإنجاز ووصوله إلى المباراة النهائية بعدما أطاح بثلاثة فرق من الفرق الكبرى في الدوري الإنجليزي الممتاز.