كرة القدم السورية بين انشقاق لاعبين وقتلى ومباريات خارج الحدود

الرياضيون يبحثون عن فرصة للهروب.. والمنتخب محظور عليه اللعب في بلاده

TT

الكرة السورية تعاني الاضطراب مثلها مثل جميع مناحي الحياة في البلاد التي تشكو من الحالة الأمنية المتردية وصعوبة تنقل الفرق بين المدن السورية، إضافة إلى قرار الحظر الذي فرض من الاتحادين الدولي والآسيوي بمنع إقامة المباريات الرسمية في الملاعب السورية، ما اضطر الأندية والمنتخبات إلى اختيار ملاعب بديلة في الدول المجاورة.

وعلى الرغم من فوز المنتخب السوري ببطولة غرب آسيا التي أقيمت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي بالكويت، وما كان منتظرا أن يكون له مردود إيجابي على اللعبة في البلاد، فإن الأحداث المتوالية جاءت عكس ذلك، وانعكس الانقسام الذي أصاب المجتمع السوري عموما ما بين مؤيد للنظام وثائر عليه، على مجال الرياضة وبالأخص كرة القدم، حيث أعلن عدد من الرياضيين انضمامهم إلى الثورة، بينما سقط آخرون قتلى جراء القصف العشوائي للملاعب، لتتوقف المسابقات المحلية عدة مرات، قبل أن يعود الدوري لممارسة نشاطه عبر تجمع كل الأندية في منطقة واحدة بالعاصمة دمشق.

ومنذ أكثر من عام تعيش الرياضة السورية حالة جمود مع تصاعد التوترات الأمنية، وتواصل القصف على مدن حمص ودير الزور وحلب ودرعا وإدلب، وتعذر التدريب فيها ومنع إقامة أي أنشطة رياضية إضافة إلى قلة الموارد نتيجة غياب الجمهور والإعلانات.

ومع صعوبة التنقل في البلاد وهجرة اللاعبين وملاحقة المعارضين منهم واعتقالهم والتحاق بعضهم بالثورة، لا سيما عدد من نجوم الرياضة في حمص وحماه، مثل حارس مرمى نادي الكرامة الحمصي عبد الباسط الساروت الذي كان نجما لامعا وتحول إلى قائد ثوري وتعرض للإصابة عدة مرات أثناء إسعافه للجرحى، والانقسام الذي أصاب المجتمع السوري عموما ما بين مؤيد للنظام وثائر عليه، لم يعد هناك أي اهتمام بكرة القدم إلا لمحاولة إشغال الناس عن واقعهم المر. ويذكر أن عددا من الرياضيين قد أعلنوا انضمامهم إلى الثورة ضد النظام مثل لاعب كرة القدم الدولي فراس الخطيب نجم الكرامة السوري سابقا وشينغهاي شينوا الصيني الحالي وأحد أمهر اللاعبين السوريين على مر التاريخ، الذي تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صورته وهو متشح بعلم الثورة. وبجانب الخطيب، طبقا لوسائل إعلامية مناصرة للثورة السورية، قاطع منتخب «الأسد» كما سموه كلا من صانع ألعاب نجران السعودي جهاد الحسين، والمحترف بصفوف رودا كيركيدا الهولندي سنحاريب ملكي، وبلال عبد الدايم مدافع الوحدات الأردني، وعلاء الشبلي لاعب زاخو العراقي وزميله بالفريق فراس إسماعيل. وإضافة إلى هؤلاء الملاكم الأولمبي ناصر الشامي حامل برونزية أولمبياد أثينا 2004 الذي غادر إلى الأردن بعد إصابته برصاص في قدمه خلال وجوده في مدينة حماه، وكذلك سباح المسافات الطويلة أنس محمود، ومؤخرا لاعب الكرة السابق ورجل الأعمال يحيى الكردي، والإعلامي الرياضي ياسر حلاق، إضافة إلى عدد من الرياضيين المقيمين في دول الخليج.

وكان مشهد اللاعب الدولي عمر السومة خلال احتفاله ببطولة غرب آسيا دليلا آخر على الانقسام في المنتخب السوري، حيث توجه ناحية الجماهير حاملا علم الثورة ومتشحا شعار الجيش الحر المناوئ لنظام الأسد، وذلك قبل أن يشتبك معه عدد من اللاعبين والمسؤولين الإداريين بمنتخب سوريا لمنعه.

ورغم قرار استئناف الدوري السوري لكرة القدم قبل أيام، فإن الهاجس الأمني بات يهدد كل الفرق المشاركة، خصوصا بعد سقوط قذائف الهاون على ملعب مدينة تشرين الرياضية وسقوط مهاجم نادي الوثبة الحمصي يوسف سليمان قتيلا، إضافة إلى إصابة أربعة آخرين من نادي النواعير أثناء تحضيرهم لمباراة كانت مقررة بين الفريقين.

الحادثة المفاجئة والمفجعة جاءت لتفجر قضية أخرى من الجدل والاتهامات المتبادلة، إذ من غير المتوقع أن يكون نادٍ رياضي بين أهداف القذائف التي يطلقها مقاتلو الجيش الحر المناهضون للنظام، ولكن عندما يتهم معارضون النظام بتحويل النوادي الرياضية التابعة للاتحاد العام الرياضي إلى مقرات لتجمع الأمن والشبيحة، مثل استاد العباسيين الذي تحول إلى واحد من أكبر المقرات الأمنية في العاصمة، ليخرج من الخدمة منذ نحو عام ونصف، بالإضافة إلى تمركز دبابات ومدرعات الجيش في محيط المنشآت الضخمة المدن الرياضية الفيحاء والجلاء وتشرين والمحافظة، قد يفهم سبب استهداف الملاعب بقذائف الهاون، لكن حتما لا يبرر وضع الرياضيين في دائرة النار.

وحسب الإحصائيات هناك أكثر من 60 رياضيا استشهدوا جراء العنف الدائر بمدن سوريا والقائمة الطويلة تضم اللاعب الدولي بكرة السلة باسل ريا، والملاكم الدولي السابق غياث طيفور، ولاعب كرة القدم في نادي الاتحاد زكريا يوسف، ولاعب الكرامة أحمد سويدان، وحكم كرة القدم محمود نصيرات، والإعلامي مصعب العودة الله، ومدرب الملاكمة أحمد قاسم، ولاعبي الجودو إياد زين الدين وباسل العلي، ولاعبي كمال الأجسام منصور العلي وحسام أبو حمدان، ولاعب الكاراتيه محمد خضور، ولاعبتي كرة السلة رجاء أبو محمود ودعاء أبو محمود، والرباعة سناء عبد الرحمن، ولاعب الحرية السابق بكرة السلة يحيى الحافظ، وحارس شباب كرة الوثبة طارق عبارة، وغيرهم. هذا عدا المصابين منهم إصابات سببت لهم إعاقات دائمة، مثل حكم كرة السلة عبد الرزاق محمد الذي أدت إصابته إلى بتر قدميه. كما فقدت كرة القدم السورية أحد أبرز رجالها، الإعلامي والخبير الكروي المعروف مروان عرفات، رئيس الاتحاد الرياضي سابقا، لدى إصابته بطلق ناري عند الحدود الأردنية في طريق عودته إلى دمشق.

كما اعتقل أكثر من 200 رياضي، ومؤخرا قام النظام بالحجز على أموال رجل الأعمال مرتضى الدندشي الممول الرئيسي لنادي الكرامة الحمصي بتهمة دعم الإرهاب.

وساهمت العقوبات التي فرضتها الاتحادات الدولية والقارية في حظر خوض الأندية والمنتخبات السورية للمباريات على ملاعبها واللعب في ملاعب بديلة في مضاعفة الضغوط على الرياضيين السوريين، إضافة إلى قلة فرص الاحتكاك لاعتذار الكثير من الدول عن استضافة المنتخبات السورية باستثناء دول محدودة.

ومع ذلك يصر الاتحاد العام الرياضي على إقامة الأنشطة، وبالأخص دوري كرة القدم، عبر تجمع كل الأندية في منطقة واحدة ضمن العاصمة، وبحسب رياضي سوري رفض الكشف عن اسمه «يتعرض اللاعبون السوريون الذين ما زالوا في البلاد لضغوط هائلة للمشاركة في الأنشطة الرياضية، وذلك من أجل تأكيد دعايات النظام على أن الحياة لا تزال طبيعية في البلاد وأن الأوضاع تحت السيطرة». وأضاف: «من يرفض من اللاعبين المشاركة يعرض نفسه للملاحقة الأمنية والاعتقال»، لافتا إلى أن «الفرق المشاركة في الدوري تجمعت في ملعب تشرين بدمشق، وهناك فرق خاضت المباريات بسبعة لاعبين فقط لعدم اكتمال المجموعة».

ويقول الرياضي السوري إن الدوري الذي كان يقام منتشرا عبر الملاعب بطول البلاد وعرضها، بات يقام بطرق مجمعة بالعاصمة وبشكل لا يوحي بالتنافس، بل من أجل الحضور. والطريقة الجديدة تعتمد على تقسيم الفرق الستة عشر إلى مجموعتين تلعب كل واحدة منها على طريقة الدوري من مرحلة واحدة ثم يتأهل الأربعة الأوائل من كل مجموعة إلى دور النخبة لتحديد حامل اللقب، في حين تلعب باقي الفرق لتحديد الأربعة الهابطين للدرجة الثانية». وكان دوري الموسم الماضي 2011 - 2012 قد شهد اعتذار بعض الفرق عن المشاركة بسبب الوضع الأمني فاعتبرت هابطة إلى الدرجة الثانية، وتوج الفريق الفائز باللقب «دون منافسة تذكر»، وحسب قول الرياضي السوري: «غالبية اللاعبين يحلمون بفرصة للهروب من البلد». وتقول مصادر إعلامية إن هناك أكثر من مائة رياضي سوري بينهم مدربون هاجروا إلى دول الجوار الأردن ولبنان والعراق وأيضا إلى اليمن وعمان، ومنهم من التحق بأندية عربية بحثا عن مصدر للعيش، بعد انعدام مداخيل أنديتهم، السبب الذي جعل الأندية تستغني عن لاعبيها مقابل تنازلهم عن مستحقاتهم من رواتب وعقود والحصول على حصة من عقودهم الجديدة في الأندية العربية.

لكن على الجانب الآخر يرى مصدر مقرب من الاتحاد الرياضي السوري أن «الرياضة بقيت أفضل القطاعات السورية التي حافظت على نفسها من الانقسام خلال الأزمة». وقال: «الرياضة أقل القطاعات السورية تضررا من الأزمة»، مؤكدا أن المنتخب «بقي محافظا على جمهوره من المؤيدين والمعارضين، وأثبتت كرة القدم أنها قادرة على جمع السوريين بما يتخطى أي قطاع حيوي ذي نشاط اجتماعي آخر».

وأشار المصدر: «الدليل على استقرار المنتخب هو خوضه للتصفيات الآسيوية بشكل منتظم، واستعداده حاليا لمباراة ودية مع منتخب كوريا الجنوبية في الـ22 من الشهر الحالي». وأكد المصدر على أن المنتخب السوري ما زال يحظى بدعم من الاتحاد الدولي لكرة القدم، مشيرا إلى برقية التعزية التي أبرقها رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جوزيف بلاتر إلى رئيس الاتحاد السوري صلاح الدين رمضان، معربا فيها عن صدمته لمقتل اللاعب الدولي الشاب يوسف سليمان وجرح أربعة آخرين جراء هجوم بالقذائف في دمشق، مشيرا إلى أن وفدا من الاتحاد برئاسة أمين السر توفيق سرحان يزور ماليزيا قريبا للمشاركة في اجتماع للفيفا سيتسلم على أثره حصته من المخصصات المالية التي يصرفها الفيفا للمنتخبات في دول العالم.