الشغب والتعصب آفة تهدد ملاعب كرة القدم

الانفلات الأمني في دول الربيع العربي زاد من حدة العنف.. وكارثة بورسعيد الأسوأ

TT

كرة القدم هي اللعبة الأشهر والأكثر جاذبية في العالم، لكن رغم جاذبيتها فإن هناك الوجه الآخر المظلم الذي يطل بخطورته منها، والمتمثل في الشغب وأعمال العنف المتزايدة التي باتت ملازمة لهذه الرياضة، ولا تعرف حدودا.

حكم يلقى حتفه في هولندا نتيجة الاعتداء عليه، وآخر لبناني يفلت من الموت بأعجوبة، وجماهير تتساقط بالعشرات، وأحيانا بالمئات، جراء عنف التعصب وعلى أتفه الأسباب! ورغم القوانين الصارمة والقيود التي توضع للحد من التعصب وأعمال العنف، فإن أعمال الشغب باتت تأخذ منحى أكثر خطورة في السنوات الأخيرة، وبعدما كان مسؤولو اللعبة يقاومون سباب وقذائف الحجارة من الجماهير المنفلتة، أصبحوا الآن في مواجهة مع حوادث دموية وصدامات شرسة.

ومن الشرق إلى الغرب، ومن الشمال إلى الجنوب، لا يخلو بلد يمارس كرة القدم من أعمال الشغب، ونحن في عالمنا العربي لسنا بمنأى عن هذا الخطر، وإن تفاوتت درجته، ولم يكن يظن أكثر المتشائمين أن تشهد ملاعبنا حوادث دموية مثل التي حدثت في استاد بورسعيد المصري حين سقط 74 قتيلا لتدخل بين قائمة أسوأ 10 حوادث بكرة القدم عبر التاريخ.

لقد شهد عالم كرة القدم حوادث كثيرة، بعضها كان لأسباب عارضة نتيجة تدافع أو سقوط جدران المدرجات، وبعضها الآخر، وهو الأسوأ، نتيجة التعصب المجنون أو العنصرية، كما هو الحال في حادثة استاد هيسيل البلجيكي خلال مباراة ليفربول ويوفنتوس بدوري الأبطال الأوروبي (39 قتيلا عام 1985)، أو كارثة ملعب ليما البيروفي خلال مباراة المنتخبين البيروفي والأرجنتيني عام 1964 (318 قتيلا)، وأخيرا ملعب بورسعيد المصري.

وفي هذا التحقيق نرصد أهم أحداث العنف والشغب التي شهدتها ملاعبنا العربية خلال السنوات القليلة الماضية.

حادثة بورسعيد تضع مصر على رأس قائمة الأكثر عنفا في الملاعب، وعلى ما يبدو أن الانفلات الأمني الذي أصاب البلد في أعقاب ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 كان انعكاسه السلبي الأبرز على كرة القدم، حيث شهدت الملاعب سلسلة من الأحداث كان من نتائجها إلغاء مسابقة الدوري لموسم كامل، قبل أن تستأنف باللعب دون جمهور.

ولم تمر أيام معدودات على ثورة يناير حتى شهدت مصر أول حادثة باقتحام الآلاف من جماهير نادي الزمالك أرضية استاد القاهرة قبل نهاية مباراة الفريق أمام الأفريقي التونسي في دوري أبطال أفريقيا في أبريل (نيسان) 2011؛ اعتراضا على عدم التحكيم، وعرفت إعلاميا باسم «موقعة الجلابية»، نسبة إلى شاب كان يرتدي «جلبابا» نزل أرض الملعب حاملا عصا في يده ضمن الجماهير المشاغبة.

ومن حينها انتقلت العدوى لمعظم الملاعب المصرية، فاقتحمت الجماهير أرضية ملاعب بالإسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية خلال عام 2011 اعتراضا على التحكيم. وأوقفت جماهير غزل المحلة لقاء فريقها مع الأهلي، وأشعلت جماهير الإسماعيلية النيران بالمدرجات وألقت الحجارة على رجال الأمن، بعد خسارة فريقها أمام «المقاولون العرب»، لكن الحادثة الأشهر والأكبر فكانت كارثة في تاريخ الرياضة المصرية، حيث شهد استاد بورسعيد مجزرة عقب مباراة بين ناديي المصري والأهلي في فبراير (شباط) 2012 راح ضحيتها 72 قتيلا ومئات المصابين من جماهير الأهلي، بعدما اقتحمت جماهير المصري مدرجات الجمهور المنافس، وفي 9 مارس (آذار) الماضي، قضت المحكمة بإعدام 21 شخصا وسجن 21 آخرين، من المتهمين في ارتكاب هذه الكارثة.

وما يجري في مصر ليس بعيدا عن دول ثورات الربيع العربي الأخرى التي تعاني أيضا الانفلات الأمني، ففي تونس كادت تتحول مباراة القمة بين الترجي والنجم الساحلي في دوري أبطال أفريقيا الموسم الماضي إلى مأساة مماثلة لما حدث في بورسعيد، عندما اقتحم جمهور النجم أرض الملعب قبل ربع ساعة من نهاية اللقاء، واعتدت على بعض الموجودين على مقاعد البدلاء من لاعبي الترجي بسبب غضبها لخسارة فريقها بهدفين، مما دفع الحكم لإلغاء اللقاء.

ويعاني الدوري التونسي أيضا من تصاعد وتيرة أعمال الشغب، حيث شهد استاد المرسى الذي استضاف مباراة النجم ضد حلق الواد والكرم أحداث عنف قبل وأثناء وبعد المباراة بين لاعبي ومسؤولي الفريقين.

وفي مدينة قفصة توقفت مباراة الفريق أمام الصفاقسي بعد إلغاء هدف لقفصة، حيث أصيب الحكم في وجهه بعد أن ألقت الجماهير عليه حجارة وزجاجات.

ويذكر أن الملاعب التونسية لم تكن قبل ثورتها الأخيرة عام 2010 تشهد أعمال عنف خطيرة منذ أحداث استاد باجة عام 1999 عندما وقعت اشتباكات بين مشجعي فريقي باجة والترجي، مما أسفر عن سقوط أكثر من 10 قتلى.

وعلى ما يبدو أن الشمال الأفريقي العربي هو الأكثر عصبية دون غيره من بلدان المشرق العربي، حيث أصبحت ملامح شغب الملاعب جزءا أصيلا في كثير من المباريات في ليبيا والجزائر، ولم تكن الثورة الليبية وحدها هي السبب في توقف المسابقات المحلية أو نقل مباريات المنتخب لخارج البلاد، فقد كانت مباريات الدوري وأيضا مباريات الفرق في البطولات الأفريقية كثيرا ما تشهد أحداث عنف، أبرزها ما حدث في لقاء اتحاد ليبيا والنجم التونسي، وآخرها ما حدث في مباراة ليبيا والجزائر الدولية في تصفيات أفريقيا المؤهلة لكأس الأمم في جنوب أفريقيا التي أقيمت فبراير الماضي، فعقب إطلاق حكم اللقاء صافرة نهاية المباراة، وقعت اشتباكات بين لاعبي الفريقين بشكل مؤسف.

وتعتبر الملاعب الجزائرية الأشهر في أعمال الشغب، فالشماريخ والصواريخ أصبحت عادة طبيعية في معظم المباريات، وتبدو إحصائيات الأمن الوطني خير دليل على الانفلات في الملاعب، حيث سجلت 30 حادث عنف بمدرجات الملاعب خلال شهرين فقط، بين سبتمبر (أيلول) ونهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، منها مقتل 3 أشخاص وإصابة 157 شخصا، بينهم 134 من رجال الشرطة و17 من الجماهير.

أما الموسم الكروي 2010-2011 فقد شهد مقتل شخصين من الجماهير وإصابة 193 جريحا بينهم 130 شرطيا، ووقوع خسائر مادية متمثلة في تحطيم 116 سيارة نقل، و64 سيارة ودراجتين ناريتين تابعتين للشرطة و49 سيارة خاصة.

ومن أبرز حوادث الشغب التي ظهرت مؤخرا تلك التي حدثت في مباراة نادي اتحاد الجزائر ومولودية سعيدة، حيث أصيب 5 لاعبين من نادي الاتحاد إثر تعرضهم للاعتداء في نهاية المباراة من قبل مجموعة من المشاغبين، بعضهم تعرض لطعنات بأسلحة بيضاء إضافة إلى جروح نتيجة الرمي بالحجارة والزجاج. ووصل عدد المصابين إلى 18 في صفوف اللاعبين والطاقمين الفني والإداري، إضافة إلى 30 مشجعا.

كما تسببت أعمال الشغب في مباراة شبيبة الساورة مع اتحاد الحراش في إصابة 45 شخصا من بينهم 32 شرطيا، وامتد الشغب من الملعب إلى شوارع مدينة بشار، حيث تم اعتقال عشرات المشاغبين.

وتبدو الأمور في المغرب أفضل كثيرا من جيرانها العرب، فمنذ حادثة مباراة الكوكب المراكشي وحسنية أغادير في افتتاح الملعب الجديد بمراكش الذي شهد أعمال شغب تم على أثرها تدمير الملعب وتحطيم 690 كرسيا، وتم القبض على 20 شخصا، وحادثة مباراة الوداد البيضاوي والجيش الملكي قبل عامين، تم إصدار قوانين صارمة ساعدت كثيرا في تحجيم شغب الملاعب.

وفي الخليج فإن الملاعب ليست بمعزل أيضا عن الشغب، وإن كانت معظم الحوادث المسجلة فردية. في السعودية برزت حادثة نادي الوادي الأخضر (درجة ثالثة) لدرجة الناشئين على حكم مباراة فريقهم وأشبعوه ضربا وركلا هو ومساعديه قبل أن يتدخل رجال الأمن.

وفي حادثة مماثلة بمطلع الألفية الحالية تهجم لاعبو فريق الجلبين وبعض إدارييه على حكم مباراة فريقهم مع الرائد ضمن منافسات دوري الدرجة الأولى موسم 2006.. الأمر الذي أدى إلى توقفها، وحينها أصدر الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير سلطان بن فهد قرارا بحل إدارة النادي ومنعها من الترشح لأربع سنوات، مع شطب 9 من لاعبي الفريق المشاركين بالأحداث. وفي الموسم الحالي سجلت حالة لفريق النصر السعودي إبان مشاركته في البطولة العربية عندما بصق اللاعب سعود حمود على لاعب العربي الكويتي طلال نايف مع نهاية المباراة، لتكون الشرارة للاشتباكات بين لاعبي الفريقين انتهت بتدخل سريع من رجال الأمن.

وفي الكويت أحيانا ما تتسبب حساسية المباريات الكبرى في أحداث شغب فردية، أبرزها مؤخرا ما سجل عقب مباراة القادسية والنصر حينما تهجم نجما القادسية نواف الخالدي وبدر المطوع على طاقم التحكيم بقيادة الحكم يوسف الثويني، لينزل بعدها الجمهور مشاركا في عملية الضرب اعتراضا على خسارة الفريق1-2.