بشير أواسة: العناية الإلهية أنقذتني من الموت

الحكم اللبناني الذي تعرض للضرب من لاعب فريق النهضة ـ بر إلياس قرر الاعتزال نهائيا

TT

كان مشهد الحكم اللبناني بشير أواسة وهو يتلقى اللكمات من كل حدب وصوب من قبل لاعبي فريق النهضة - بر إلياس وإدارييه خلال مباراته مع السلام زغرتا، ضمن بطولة لبنان للدرجة الثانية لكرة القدم، يثير الشفقة والأسى عليه.

لقد كان أواسة في المشهد الذي انتشر على مواقع الإنترنت بشكل سريع أشبه بفريسة وقعت بين أنياب مفترسة وبخاصة من جانب اللاعب يوسف عمر الذي كال له اللكمات وطارده بطول وعرض الملعب إلى أن أسقطه أرضا وسط رجال الأمن والإداريين الذين وقفوا كالمتفرجين! وأشار أواسة الذي قرر اعتزال التحكيم نهائيا أن العناية الإلهية هي التي أنقذته من الموت، ومستغربا من تعامل القوى الأمنية مع الحادثة وعدم اتخاذ أي مبادرة لحمياته.

ونفى أواسة في حديثه لـ«لشرق الأوسط» أن يكون الحادث سياسيا، أو «يتعلق بخلفية سياسية»، بل السبب هو رغبة الفريق في أن أتواطأ معهم، كي أساعدهم على الفوز.

وانتقد أواسة العقوبات المخففة التي اتخذها الاتحاد اللبناني لكرة القدم بحق النادي واللاعب المعتدي وأنها جاءت نتيجة تسوية سياسية من خلف الكواليس، لافتا إلى أن الحسابات السياسية «مرتبطة بانتخابات الجمعية العمومية للاتحاد».

وشرح أواسة تفاصيل الحادث لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «عندما نكون في صدد تحكيم أي مباراة، خصوصا في الأدوار الحاسمة، نقوم بقراءة لما هو متوقع باللقاء ومن مختلف جوانبه، سواء للاعبين أو الأندية أو المكان الذي ستقام فيه المباراة». وأشار إلى أنه «بعد رفض الكثير من الحكام إدارة هذه المباراة، شعرت بصعوبة المهمة التي أنا مقبل عليها، فطالبت بحضور القوى الأمنية لأن الجميع يعرف تاريخ فريق النهضة - بر إلياس من حيث انعدام الأخلاق الرياضية لبعض لاعبيه، وأن الجميع يدرك أن وصوله إلى الدور نصف النهائي قد جاء بالإرهاب وليس بفضل مهارات لاعبيه في كرة القدم».

وأضاف: «المباراة كانت مصيرية بالنسبة للفريقين، لذلك حاولت أن أتفادى أي خطأ فني. وبعد مرور 30 دقيقة كان الفريق الخصم (السلام زغرتا) قد سجل في مرمى النهضة ثلاثة أهداف نظيفة، الأمر الذي استفز اللاعبين والجهاز الفني لشعورهم أن الأمور صعبة عليهم للتعويض، وعندما أطلقت صافرتي بسبب خطأ لصالح نادي السلام زغرتا، اعترض اللاعب يوسف عمر وتوجه بسلوك غير رياضي لسب أحد الإداريين بعبارة سيئة ومهددا إياه بالضرب بعد انتهاء المباراة، وكل ذلك واضح أمام الكاميرات». ويستطرد أواسة قائلا: «نتيجة لذلك رفعت بطاقة الإنذار بوجه يوسف عمر، إلا أن اللاعب تمادى في رد فعله وتهجم علي بالضرب ووجدت لاعبي النهضة يشاركونه الركض نحوي وسط توقف القوى الأمنية عن التدخل بشكل مثير للاستغراب». وأضاف: «لم تأخذ قوات الأمن أي مبادرة لحمياتي، بل قام علي فواز، أحد معلقي القنوات الرياضية بهذا الأمر، كان بمقدورهم أن يفتكوا بي».

وحمّل أواسة مسؤولية تمادي فريق النهضة بالتطاول على الحكام والإداريين إلى الاتحاد اللبناني ونظام العقوبات الذي لا يحمي الحكام بل الأندية فقط. وقال: «العقوبات تنتهي بتسويات على حساب الحكام بقاعدة (الأمن بالتراضي)». وأضاف: «هذه ليست المرة الأولى التي يقدم فيها إداريو فريق النهضة ولاعبوه على مثل تلك التصرفات.. واسألوا مصور الاتحاد كم كاميرا دمرت؟ واسألوا الفرق التي تذهب إلى البقاع لمواجهة النهضة لماذا تعتبر أن الوصول إلى هناك بمثابة دخول المصيدة، والإنجاز الأكبر إذا خرج اللاعبون من البلدة بسلام».

وكان الاتحاد اللبناني قد قرر شطب 6 نقاط من رصيد النهضة بر إلياس وتغريمه عـشرة ملايين ليرة (6600 دولار أميركي) مع نقل مبارياته لخارج ملعبه لمدة موسم كامل لقيام لاعبيه وإدارييه بضرب الحكم أواسة. وعاقب الاتحاد اللبناني اللاعب يوسف عمر بالإيقاف لمدة سنة، واللاعبين حسين حوى ومصطفى الحاج وناهد سعد وميشال حوى 8 مباريات، وإيقاف الإداري خالد الطلياني ومنعه من دخول كافة الملاعب مدى الحياة لاعتداءاته المتكررة على الحكام، وإيقاف الإداريين محمد حوى وسامر الميس عن العمل ومنعهما من دخول المنصة الرئيسية والأماكن المخصصة للجهاز الإداري لمدة عام، والإداري محمود سيف الدين ستة أشهر.

وحول تقييمه لهذه القرارات، قال أواسة «أنها تبدو متساهلة وجاءت نتيجة تسوية سياسية من خلف الكواليس، وحسابات متعلقة بانتخابات الجمعية العمومية للاتحاد، كان يجب أن تكون العقوبات أكثر فعالية وتسلط الضوء على الحماية، لأن الحكم هو عصب اللعبة». وشدد أواسة على أن «القرارات التي صدرت عن الاتحاد غير كافية وتعبر عن أقصى ما يمكن أن يفعله، وذلك لكي يخفف من حدة الضجة الإعلامية، فالاتحاد غير قادر على اتخاذ قرارات أكثر صرامة بسبب النظام الداخلي له».

وكشف أواسة أنّ جميع الحكام الذين كانوا متواجدين في الاجتماع الأسبوعي للحكام في ملعب بيروت البلدي الأسبوع الماضي، وقعوا على وثيقة أكدوا فيها «رفضهم التحكيم لفريق النهضة بر إلياس، وسلموها لمسؤول لجنة الحكام طلعت نجم تمهيدا لتسليمها لرئيس لجنة الحكام ريمون سمعان». وفي خطوة منه لتخطي هذا القرار، قال أواسة إن الاتحاد استعان بحكام من سوريا، في إشارة إلى أن هناك تعديلا سيدخل على بنود النظام، لتكون واضحة من ناحية العقوبات، والشطب، والإيقاف عن اللعب.

وردا على سؤال حول كيفية محاسبة الحكام، قال أواسة «هناك جلسة للجنة الحكام منفردة، وجلسة أخرى ترفع فيها توصية للحكام حول أخطائهم بعد أن تشاهد المباريات على أشرطة فيديو. وتقوم الأحكام على نقد ذاتي بالأخطاء التي ارتكبها الحكم، وكيف يمكن أن يحسن دوره».

وأكد أواسة أن قراره بالاعتزال نهائي، وقال: «سأبقى إلى جانب الحكام وأعمل لمصلحتهم، وأنا لا أزال في موقعي الرياضي إلى جانبهم لكن لن أقوم بإدارة أي مباراة مرة ثانية». وأشار إلى أنه «بعد عام، ستكون هناك تغييرات جديدة أعتقد أن الحكام ستتعامل معها بإيجابية»، موضحا أن هدفه هو «حماية اللعبة وحماية زملائه الحكام من أي اعتداء خصوصا أنهم بشر ويخطئون». واعتبر أن اعتزاله تضحية لإيصال الصوت وتفعيل الأحداث وتسليط الضوء في مجال تعديل بنود الاتحاد لحماية الحكام.

وعما إذا كان سيتابع اللاعب عمر قضائيا في المحاكم المختصة، قال: «لم أرفع دعوى قضائية على اللاعب يوسف عمر، أنا أسامح كل إنسان تعرض لي، هكذا تربيت وهذه خصال المؤمن». «العفو عند المقدرة»، لأن العنف يجر العنف. وشدد على أنه «يجب ألا يتوقف شخص عن تشجيع الرياضة بسبب تصرفات شخص ما، فلا يقاس الحق بالرجال، بل الرجال يقاسون بالحق».