بعد أحداث بوسطن.. العالم يستنفر الأمن الرياضي

المركز الدولي للأمن الرياضي يعود إلى الواجهة.. وروسيا والبرازيل تحت الضغط

TT

جاءت تفجيرات بوسطن الشهر الماضي والتي راح ضحيتها ثلاثة وأصيب 264 آخرون، لتفتح من جديد واقع الأمن الرياضي من حيث استغلال التجمعات الرياضية للقيام بأعمال إرهابية يكون ضحيتها الأبرياء من المتنافسين والمنظمين والمشاهدين.

وليس ببعيد عنا ما طالب به رئيس المركز الدولي للأمن للرياضي محمد حنزاب حينما شدد قبل أشهر وعبر تجمعات كثيرة، على أهمية إعادة صياغة الأمن والسلامة للمنافسات الرياضية. ويبدو أن مركز الأمن بدأ يستشرف الأخطار التي تحيط بالرياضة، لا سيما أنها نشاط مفتوح متاح للجميع؛ لكن ماذا عن الواقع الحقيقي للتجمعات الكبيرة؟ فكلنا يعلم أن مونديال جنوب أفريقيا قد عاش هاجس الخوف والتوتر طوال أيامه؛ خشية تصرف أرعن؛ لكن كان الأمان حليفا للأفارقة، والهاجس نفسه قد حضر خلال المونديالين الاثنين اللذين سبقا جنوب أفريقيا في كوريا واليابان وألمانيا.

لكن يبدو أن أحداث بوسطن ستعيد من جديد المركز الدولي للأمن الرياضي إلى الواجهة لكي يكون له حضور فاعل في كيفية حماية الرياضة وإبعادها عن إسقاطات السياسة والعابثين، وهو الأمر الذي بدأ العالم يفكر فيه ويتحرك لأجله، فلم تمر أيام قليلة على التفجيرات الإرهابية التي استهدفت المارثون السنوي لبوسطن حتى كانت ردود فعل منظمي التظاهرات الرياضية المقبلة في الواجهة الإعلامية يؤكدون من خلالها جاهزية كل التدابير والاحتياطيات الأمنية الضرورية لضمان أمن وسلامة هذه التظاهرات والمشاركين فيها. هنا بدا العالم أكثر حذرا وتوجهت التساؤلات بقوة إلى المنظمين القريبين من الأحداث الرياضية العالمية، وتقافزت وسائل الإعلام لتتساءل عن الخطر الأمني، لتطالب الدول المنظمة للبطولات التي ستقام على المديين القريب والمتوسط بضرورة التعجيل بوضع خطط أمنية جديدة، خصوصا أن تفجيرات بوسطن كشفت عن أن الحضور الأمني يحتاج إلى كثير من التعزيزات التقنية القادرة على الوقاية والحذر والانتباه أولا، وذلك بتطوير كاميرات المراقبة والمراقبة البعدية والمستمرة لكل ما يرتبط بالرياضة التنافسية المعنية ومحيطها. وتسببت تفجيرات بوسطن في حدوث صداع لمنظمي البطولات لإدراكهم أن المسألة ليست سهلة، فهي تحتاج عوامل كثيرة وتضافر جهود وتنسيق جهات متعددة، وأهم من ذلك تحتاج إلى ضخ مبالغ مالية طائلة، وتكثيف الإجراءات الأمنية؛ ما قد يدفع إلى نفور الجماهير - وهم عصب الرياضة - من الملاعب. الجانب الآخر في الأمن الرياضي أن الدول باتت تحتاط ومسؤولو الهيئات الرياضية كذلك فيما يخص إسناد التنظيمات إلى البلدان التي يرون أنها أقل من الناحية الأمنية، ومثل ذلك قد يقلص فرص الموضوعية في التنظيم والعدالة بالاستفادة من عوائد التنظيمات اجتماعيا وماليا. وقال رئيس مركز الأمن الرياضي، إن «الخطر على الرياضة لا يتمثل فقط في المراهنات غير المشروعة والتلاعب بنتائج المباريات فقط»، وكأنه يلمح إلى الأخطار الكبيرة التي يخشى على الرياضة منها كالإرهاب، واستغلال التجمعات لممارسة أفعال ضد الإنسانية. من حديث رئيس المركز بدا لنا أن استخدام المنحرفين للرياضة لكي تكون سبيلا لغسل الأموال، أو بيئة لبث الأحقاد والدعوة إلى العنصرية، ناهيك عن دخول التنافر والبغضاء على خط اللعبة؛ جراء الشعبية والجماهيرية التي تتمتع بها الرياضة وانتشار التكنولوجيا وسهولة النقل التلفزيوني؛ لن يمنع أن تكون هدفا للإرهابيين. ونؤمن بأنه كان مصيبا جدا وهو يقول خلال العام الماضي: «لهذه الأسباب مجتمعة دخلت الجريمة المنظمة، ووجدت أن الاتحادات الدولية الرياضية ضعيفة في بنيتها القانونية التنظيمية من ناحية الرقابة المالية والشفافية، ولا تمتلك وسائل الحماية، ولا تستطيع أن تحمي نفسها، فبدأت عمليات مثل غسل الأموال، وهي عملية تتم بشكل كبير في المجال الرياضي، وفي المقابل الدول والحكومات ما زالت مقتنعة في لا وعيها بأن الرياضة قضية هواة».

هنا يقفز إلى الأذهان بلدان كبيران سيستضيفان ثلاثة أحداث رياضية مهمة؛ من أجل أن يكون للأمن الكلمة العليا فيهما من واقع الخوف من التردي الأمني، وهي: بطولة العالم لألعاب القوى التي ستقام في موسكو صيف هذا العام، والألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي «روسيا»، وبطولة كأس العالم التي ستقام صيف عام 2014 في البرازيل.

ولعل التعبير الأفضل عن القلق الأمني الرياضي هو ما صدر من موسكو بالتأكيد على أنه سيتم ضمان الأمن خلال الألعاب الأولمبية الشتوية التي ستجري في سوتشي الروسية ابتداء من يونيو (حزيران). هذا لم يكن حديثا رياضيا، بل بيان لوزارة الداخلية الروسية نشر على موقعها الإلكتروني يوم 16 أبريل (نيسان). وستشهد المدينة ابتداء من يونيو المقبل تشديد الإجراءات الأمنية. وأكد ناطق باسم الوزارة أن أمن الوافدين لمشاهدة الألعاب الأولمبية في سوتشي هو أولوية بالنسبة للدولة.

وقد تم وضع نظام الأمن بالتعاون مع أفضل الخبراء الدوليين. وأضاف: «يتفق هذا النظام تماما مع الشروط الخاصة بضمان الأمن في مثل هذه المباريات. وقد اختبر هذا النظام مرارا أثناء إقامة المباريات الدولية الكبرى».

وأوضح الناطق أن الإجراءات الأمنية المشددة ستطبق في سوتشي ابتداء من 1 يونيو المقبل، حيث ستفرض حراسة مشددة على 29 منشأة من المنشآت التي هي بحاجة إلى نظام أمني خاص. ولعلنا ندرك أن الهاجس الأمني بدأ يسيطر على الرياضة، لكن ماذا إذا كان ينطلق من قلق من الداخل؟ فسوتشي مدينة شركسية. الأهم أن الشراكسة في الداخل والخارج يعارضون إقامة هذه الدورة التي تقام على مدينة شهدت المذابح الدموية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا خلال القرن الثامن عشر تجاه القبائل الشركسية بحيث دفعت هذه الأحداث الشراكسة إلى الهروب من موطنهم. الأمر نفسه ينطبق على موسكو وبطولة العالم لألعاب القوى، ولنا في حديث وزير الرياضة الروسي فيتالي موتكو تأكيد على ذلك حينما أقر بصعوبة تفادي ما حدث في بوسطن في ظل استحالة تفتيش كل شخص يأتي لمشاهدة المنافسة، غير أنه التزم بتأمين الحدثين مهما كلف الأمر من إمكانات بشرية ومادية وتقنية؛ حيث إن هذا التجمع الكبير مع أولمبياد سوتشي سيكونان معبرين عن قدرتها على استضافة الحدث الضخم كأس العالم 2018.. والأكيد أن العالم لن يتنازل عن أمنه حتى لو تخلى عن فكرة كأس العالم! لكن ماذا عن البرازيل والجريمة هناك تأخذ مداها.. في ظل أن حوادث الاختطاف منتشرة هناك ولا أدل على ذلك مما تعرض له لاعبون برازيليون كبار من معاناة باختطاف أفراد من عائلاتهم بين الفينة والأخرى، مثلما حدث مع والدة المهاجم روماريو قبيل انطلاق مونديال 1994، ويبدو أن القلق الأمني المونديالي قد أصاب الأركان الكبيرة للحكومة البرازيلية حينما أكد وزير الخارجية أنطونيو باتريوتا قدرة بلاده على توفير الحماية لضيوفها خلال المونديال وكأس القارات التي ستكون بمثابة مقياس جيد لمدى جاهزيتها الأمنية.

وأضاف أن المونديال سيكون في أمان بفضل التدابير التي ستتخذ لهذا الغرض، خصوصا إخضاع جميع الراغبين في مشاهدة المباريات لتفتيش دقيق أكثر من مرة ومنع الآخرين من الاقتراب من الملاعب.

الأمن الرياضي مطلوب جدا وتفعيله واجب؛ لكن بغض النظر عن الإجراءات الأمنية الاستثنائية المتشددة التي ستتخذها البلدان المنظمة للمسابقات الرياضية ومدى نجاحها، فإنها قد تؤدي إلى عزوف الجمهور عن حضورها؛ لأنها تتطلب أوقاتا طويلة، ما يجعل المنافسات سبيلا لبث الملل، لا لاقتلاعه؟! خصوصا أن الطوابير الطويلة قبل الدخول إلى الملاعب والإجراءات الأمنية هي من أكثر ما يبعد الجماهير عن الملاعب الرياضية.

حاليا، وبعد أحداث بوسطن، هل ما يحدث من استنفار عالمي تجاه أمن الرياضة هو شأن وقتي سرعان ما يتم تناسيه؟ خصوصا أن أحداث العنف والأعمال الإرهابية قد طالت الرياضة منذ زمن بعيد فلم ينس العالم دورة أولمبياد ميونيخ عام 1972 والقتلى الذين تناثروا خلالها، ومن ثم ما حدث في أولمبياد أتلانتا عام 1996 وراح ضحية الإرهاب الذي طالها شخصان وأصيب أكثر من 100 شخص. وليس غائبا كارثة ملعب هيسيل التي حدثت في 29 مايو (أيار) 1985 عندما انهار جدار تحت ضغط الجمهور الهارب من ملعب هيسيل ببروكسل، كنتيجة لأعمال شغب قبل انطلاق مباراة نهائي كأس الأندية الأوروبية البطلة بين ليفربول ويوفنتوس.. ولن ننسى أحداث بورسعيد الدامية التي راح ضحيتها 72 شابا خلال لقاء كرة قدم بين الأهلي والمصري.

الإرهاب عاد ليطل بوجهه من جديد في ظاهرة مخيفة مقلقة لا بد من دراستها والتعرف على أسبابها الحقيقية حتى يتمكن العالم من القضاء عليها، وهنا دور المؤسسات الأمنية والرياضية العالمية لتقوم بدورها في هذا الشأن، خصوصا أن الرياضة تعد حاليا إحدى أبرز الصناعات التي تنفق فيها الأموال بسخاء وتدر أرباحا تقدر بمليارات الدولارات، كما أن لها صلاتها الوثيقة بعالمي السياسة والمصالح الخاصة؛ لكن يبدو أن معاناتها قد تدفع بأرباحها حتى حضور جماهيرها إلى النسب الأقل، والسبب أن الأمن المحكم سيأخذ نصيبه من كليهما.