بايرن ميونيخ ودورتموند يستعدان لمباراة «القرن» غدا في ويمبلي

لا حديث في ألمانيا يعلو على نهائي دوري أبطال أوروبا الذي أعاد البوندزليغا لبسط نفوذها على الساحة الأوروبية

TT

«نهائي الحلم» أو «مباراة القرن»، أهم ما يطلقه الألمان على المباراة النهائية لمسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، التي تجمع لأول مرة بين فريقين ألمانيين هما بايرن ميونيخ بطل دوري بلاده ووصيفه بروسيا دورتموند غدا على ملعب ويمبلي في لندن، والتي جعلت ألمانيا تغلي فخرا بكرتها المهيمنة من جديد.

وتسود ألمانيا فرحة كبيرة منذ تأهل الفريقين على حساب برشلونة وريال مدريد الإسبانيين في 30 أبريل (نيسان) الماضي والأول من مايو (أيار) الحالي، وتستعد منذ أكثر من 3 أسابيع لحدث «يحصل مرة واحدة في الحياة»، حسب رئيس تحرير صحيفة «بيلد» الشعبية الواسعة الانتشار. وكتبت الصحيفة «جمهورية كرة القدم العزيزة.. حتى موعد النهائي، لا يوجد شيء أهم من ذلك. إنه لحدث تاريخي، إنه أهم من المستشارة (أنجيلا ميركل)، أهم من كأس أوروبا».

وارتفعت نسبة الغليان في المدينتين المعنيتين (ميونيخ ودورتموند) منذ زمن بعيد، وقد نفدت البطاقات الـ25 ألفا المخصصة لكل من الناديين بسرعة قياسية، كما تشهد على ذلك طلبات الحجز التي وصل عددها إلى 500 ألف طلب لدى بروسيا دورتموند وحده. ومن المتوقع نصب 3 أنواع من الشاشات العملاقة في دورتموند، بينما شهدت ميونيخ أرتالا طويلة من طالبي البطاقات المجانية للدخول إلى ملعب فريقها أليانز أرينا (45 ألف مقعد) حيث سيتم نقل المباراة على الهواء مباشرة.

حتى الأوركسترا الموسيقي في المدينة سيعيش ساعة كرة القدم، حيث سيقوم بإشراف قائده لورين ماتسل بعزف نشيد الفريق البافاري على موقع التواصل الاجتماعي «يوتيوب»، فيما ستكون المستشارة ميركل حاضرة في ويمبلي. وسيكون أكبر تجمع من المشجعين (نحو 100 ألف) في برلين أمام بوابة براندبورغ، وقد بدأت منذ أول من أمس الاستعدادات مع كلمة سر هي «ألمانيا تحتفل بالمرحلة الخامسة والثلاثين من الدوري الذي يضم في الأصل 34 مرحلة، في إشارة إلى أن لقاء البايرن ودورتموند يبدو كأنه من البطولة المحلية».

وتتحدث ألمانيا عن قوتها الكروية العائدة على الساحة الأوروبية، وتمدح الإصلاحات التي اعتمدت في العقد الأخير من القرن الماضي لتصبح أكثر قدرة سواء في كرة القدم أو على الصعيد الاقتصادي. وحسب رئيس تحرير صحيفة «11 فروينده» فيليب كوستر، لا شيء مدهشا في هذا الجنون.. «لقد أصبحت كرة القدم أكبر مشهد في ألمانيا، وقد أصبحت المبدع الكبير والوحيد للروابط داخل المجتمع». وقال كوستر خلال حوار مع المراسلين الأجانب «في الواقع، تجد الأمة الألمانية نفسها في كرة القدم، يمكننا أن نكون فخورين». وتتساءل الصحافة الألمانية عموما «هل أصبحنا المحطة القوية لكرة القدم».

ويقول رئيس رابطة كرة القدم الألمانية كريستيان شيفرت «كل أوروبا توجه أنظارها اليوم إلى البوندزليغا. هل نحن الآن أفضل بطولة في العالم؟ سنظهر ذلك في السنوات القادمة إذا ما حافظنا على ثباتنا. في كل الحالات نستطيع أن نكون فخورين».

من جانبه، يرى «القيصر» فرانز بيكنباور أسطورة الكرة الألمانية أنها «اللحظة المناسبة للتأكيد على أن الألمان أخذوا زمام المبادرة». لكن هذا النهائي الذي يعتبر «مفخرة وطنية» يقسم الألمان، حيث يشير استطلاع أجري مؤخرا إلى أن 67 في المائة يتوقعون فوز بايرن ميونيخ، فيما يتمنى 49 في المائة فوز دورتموند (مقابل 30 فقط لبايرن).

ويرى رئيس تحرير «بيلد» فيليب كوستر «الدعم الذي يتمتع به بروسيا يقابله بنفس القدر نفور من بايرن الفريق المحبوب جدا في ألمانيا». وكم ستكون الجملة الشهيرة التي أطلقها في أحد الأيام يوما المهاجم الدولي الإنجليزي السابق غاري لينكر صحيحة، بعد هزيمة منتخب بلاده في نصف نهائي كأس أوروبا 1996، ومفادها «كرة القدم تلعب بوجود 11 عنصرا ضد 11 آخرين، وفي النهاية تكون ألمانيا هي الرابحة دائما».

لكن بكل تأكيد لقد كان نجاح بايرن ميونيخ في تحطيم العديد من الأرقام القياسية بمسابقة الدوري الألماني (بوندزليغا) ومواصلة بروسيا دورتموند عروضه القوية الرائعة للموسم الثالث على التوالي، ووصولهما معا إلى النهائي الأوروبي، هو تسطير جديد لتاريخ الكرة الألمانية على الساحة الأوروبية.

وأثار بايرن ودورتموند ضجة هائلة في عالم كرة القدم هذا الموسم بعد انطلاقتهما الرائعة في دوري الأبطال وبلوغهما النهائي على حساب قطبي الكرة الإسبانية برشلونة وريال مدريد ومن خلال نتائج رائعة في المربع الذهبي. ولم يكتف بايرن بالفوز الساحق 4/صفر على برشلونة ذهابا في ميونيخ، وأكمل انتصاره بثلاثية جديدة على برشلونة في عقر داره إيابا، ليفوز 7/صفر في مجموع المباراتين بالمربع الذهبي.

في المقابل، حقق دورتموند فوزا رائعا 1/4 على الريال ذهابا في دورتموند، ثم تصدى لمحاولات الريال للعودة القوية في لقاء الإياب، وخسر دورتموند صفر/2، ليفوز 3/4 في مجموع المباراتين ويحجز مكانه في النهائي الأوروبي للمرة الثانية، بعدما فاز باللقب في عام 1997.

وبقدر ما أثار وصول الفريقين للنهائي السعادة في ألمانيا، بقدر ما أثار القلق والاستياء في كل من إسبانيا وإنجلترا، حيث أصبح مؤشرا على تغير موازين القوى الكروية في القارة وعودة «البوندزليغا» لبسط نفوذها على الساحة الأوروبية التي سيطرت عليها الكرة الإنجليزية والإسبانية لسنوات طويلة.

ورغم ما أكده فيسنتي ديل بوسكي المدير الفني للمنتخب الإسباني بأن فريقه لا يزال متربعا على صدارة التصنيف العالمي لمنتخبات كرة القدم الصادر عن الاتحاد الدولي للعبة (فيفا)، وأن الدوري الإسباني ما زال يضم في أنديته أفضل اللاعبين والنجوم الأجانب، كانت جميع التعليقات وعناوين الصحف وتقارير وسائل الإعلام بعد مواجهات المربع الذهبي لدوري الأبطال تصب في اتجاه واحد وهو أن الكرة الإسبانية سقطت أمام نظيرتها الألمانية بنتيجة 11/3، وهي إجمالي نتائج المواجهات الأربع في المربع الذهبي.

وأكد فولفغانغ نيرسباخ، رئيس الاتحاد الألماني للعبة، أن بايرن ودورتموند قدما شهادة نجاح وتفوق الكرة الألمانية على الساحة الأوروبية. وأوضح «الجميع رأوا أن ألمانيا تمثل عنوانا بارزا في كرة القدم. هذا ينطبق على البوندزليغا وأنديتها وأيضا المنتخب الألماني».

كما وصف الهولندي الدولي رافاييل فان دير فارت، الذي عاد إلى صفوف هامبورغ الألماني بعد مغامرتي الاحتراف في إسبانيا وإنجلترا، البوندزليغا ببساطة بأنها «أفضل مسابقة دوري في العالم».

وتتمتع البوندزليغا بمناخ صحي أكثر من باقي بطولات الدوري المحلية نظرا لعدم السماح للمستثمرين الأجانب بشراء الأندية أو السيطرة عليها، كما أنها ما زالت تقدم تذاكر معتدلة الأسعار لمباريات البطولة. كما تتمتع البوندزليغا بنظام أكاديميات الناشئين وقطاعات الشباب بالأندية والتي أصبحت أمرا إجباريا منذ السقوط المدوي للمنتخب الألماني في نهائيات كأس الأمم الأوروبية (يورو 2000) بهولندا وبلجيكا عندما خسر الفريق مبارياته الثلاث في مجموعته بالدور الأول وودع البطولة صفر اليدين.

وكانت الكرة الإسبانية هي النموذج الذي نظر إليه الألمان خاصة منذ أن تولى يواخيم لوف تدريب المنتخب الألماني.

ولم تكن في خطة دورتموند خلال السنوات الأخيرة بقيادة مديره الفني يورغن كلوب اختلافات كبيرة عن خطط برشلونة باستثناء عدم وجود ليونيل ميسي في صفوف دورتموند. كما حقق بايرن قفزات هائلة بقيادة مديره الفني يوب هاينكس الذي سيترك تدريب الفريق بنهاية فعاليات الموسم الحالي حيث يخلفه الإسباني جوسيب غوارديولا المدير الفني السابق لبرشلونة.

وقاد غوارديولا فريق برشلونة للفوز بـ14 لقبا من 19 بطولة خاضها الفريق تحت قيادته على مدار أربع سنوات تولى فيها المسؤولية من 2008 إلى 2012. وقد يواجه غوارديولا مهمة صعبة في الموسم المقبل إذا أكمل بايرن ثلاثيته التاريخية بإحراز لقب دوري الأبطال أمام دورتموند ولقب كأس ألمانيا في مواجهة شتوتغارت في الأول من يونيو (حزيران) المقبل بعدما توج الفريق بلقب البوندزليغا مبكرا.

وتوج دورتموند بلقبه الوحيد في دوري الأبطال عام 1997، بينما أحرز بايرن لقبه الرابع في تاريخ البطولة عام 2001 قبل أن يخسر النهائي عامي 2010 و2012 أمام إنتر ميلان الإيطالي وتشيلسي الإنجليزي على الترتيب. وتمثل المباراة النهائية لدوري الأبطال على استاد «ويمبلي» ذروة المنافسة المحتدمة بين بايرن ودورتموند في السنوات الأخيرة، علما بأن آخر مواجهة سابقة بين الفريقين انتهت بالتعادل 1/1 في الرابع من مايو الحالي.

وفاز دورتموند في جميع المباريات الأربع التي جمعته ببايرن في البوندزليغا بالموسمين الماضيين واللذين توج فيهما دورتموند باللقب، كما فاز على بايرن 2/5 في نهائي كأس ألمانيا الموسم الماضي. وثأر بايرن من منافسه العنيد بالفوز عليه 1/صفر في دور الثمانية لمسابقة الكأس هذا الموسم، بينما انتهت مباراتا الفريقين في البوندزليغا هذا الموسم بالتعادل 1/1.

ومنذ هزيمته أمام باير ليفركوزن 1-2 في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لم يخسر بايرن أي مباراة في البوندسليغا كما حقق الفوز في جميع المباريات التي خاضها بالبطولة منذ بداية فعاليات الدور الثاني باستثناء تعادله مع دورتموند مطلع الشهر الحالي.

كما حقق الفوز في جميع المباريات التي خاضها بكأس ألمانيا وبلغ المباراة النهائية بجدارة وحقق الفوز في جميع المباريات الأربع التي خاضها في دور الثمانية والمربع الذهبي لدوري الأبطال بالفوز 2-صفر على يوفنتوس الإيطالي ذهابا وإيابا وعلى برشلونة 4-صفر ذهابا و3-صفر إيابا.

وفي المقابل، ظل دورتموند هو الفريق الوحيد الذي لم يتعرض لأي هزيمة في دوري الأبطال هذا الموسم حتى مني بالخسارة الأولى له في البطولة أمام ريال مدريد صفر-2 في إياب المربع الذهبي وإن لم يحرم هذا الفريق من التأهل لنهائي البطولة.

واشتهر بايرن بالسعي دائما لاستغلال ثرواته ووضعه المالي المتميز لضم أبرز النجوم من الأندية الألمانية المنافسة وهو ما يعتبره كثيرون محاولة من النادي البافاري لإضعاف منافسيه أكثر من حاجته لهؤلاء النجوم.

وسبق لدورتموند أن تغلب على بايرن في دور الثمانية لدوري الأبطال عام 1998 ولكنه خسر بعدها أمام ريال مدريد في المربع الذهبي عندما كان يوب هاينكس مديرا فنيا للريال.

واستعاد دورتموند اتزانه سريعا بعدما كان مهددا بإعلان إفلاسه في 2005 وحصد ملايين من اليوروات هذا العام.

وتزايد الجدل في الفترة الماضية حول إمكانية احتكار بايرن ودورتموند للألقاب المحلية في ألمانيا مثلما فعل الريال وبرشلونة في إسبانيا منذ سنوات كثيرة.

ولكن الحقيقة أن ألمانيا لم تشهد ناديا حتى الآن نجح في الهيمنة على الألقاب المحلية لفترة طويلة مثلما فعل بايرن بفضل ثروته.

وسيكون باستيان شفينشتايغر نجم البايرن على موعد لتجاوز صدمة العام الماضي وسينبري لتسديد ضربة جزاء مرة أخرى إذا استدعت الأمور غدا في النهائي. ونال شفينشتايغر، 28 عاما، إشادة كبيرة من مدربه هاينكس الذي وصفه بأنه «أفضل لاعب خط وسط في العالم»، ولكن الألقاب الدولية ما زالت تنقصه من أجل الانضمام فعليا لقائمة العظماء.

وفاز شفينشتايغر بستة ألقاب في البوندسليغا وخمسة ألقاب في الكأس، منذ الظهور الأول له مع البايرن في أواخر عام 2002. حينما كان في الثامنة عشرة من عمره. ولكن على المستوى الدولي فإنه افتقد إلى الصعود لمنصة التتويج مع المنتخب الألماني، حيث حل الفريق ثانيا في يورو 2008 وثالثا في كأس العالم 2006 و2010 ووصل الفريق للمربع الذهبي في يورو 2012، خلال مسيرته الدولية التي شهدت مشاركته في 98 مباراة، كما خسر مرتين مع بايرن في نهائي دوري أبطال أوروبا الأولى في 2010 على يد إنتر ميلان الإيطالي، والثانية في العام الماضي على يد تشيلسي الإنجليزي. وكانت ضربة الجزاء التي سددها شفينشتايغر في القائم الأيمن خلال نهائي دوري الأبطال أمام تشيلسي هي السمة الأبرز على الإخفاق الذي نال من البايرن، ولكنه وزملاءه عاقدون العزم على الثأر على ملعب ويمبلي غدا والعودة بالكأس.