الأندية السعودية بين «حتمية الخصخصة» وجحيم الأزمات المالية و«التسول»

خبراء يطالبون بإيقاف شراكة «رعاية الشباب واتحاد الكرة والرابطة» الإجبارية في مداخيل الكيانات الرياضية

TT

ينتظر الشارع الرياضي في السعودية عرض مشروع «خصخصة الأندية» الذي أعده فريق التخصيص والاستثمار الرياضي، على مجلس الاقتصاد الأعلى؛ لمعرفة المصير الذي ستؤول إليه الأندية السعودية في المرحلة المقبلة.

ويأتي هذا المشروع المدون في 1000 صفحة، بحسب الأمير نواف بن فيصل بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب؛ بطلب من مجلس الوزراء، الذي أمر بخصخصة الأندية؛ لمواكبة التطور بإحداث نقلة نوعية في الصناعة الرياضية، وبالتالي فإن القرار سيكون حاضرا، وإن طال بعض الوقت.

وعلى الرغم من عدم وجود سقف زمني محدد للبدء بتنفيذ هذا المشروع، أو الكيفية التي سيكون عليها، فإن الأحاديث الجانبية التي يتداولها الشارع الرياضي بين الحين والآخر تشير إلى إمكانية تنفيذ ذلك في أواخر عام 2014 عبر البدء بتخصيص ناديي الاتحاد والنصر.

هذه المعلومة التي لم يتم تأكيدها أو نفيها من قبل فريق التخصيص المكون من الأمير عبد الله بن مساعد (رئيسا)، وعضوية: الدكتور فهد الباني، وخالد البلطان، والدكتور راكان الحارثي، والدكتور منصور المنصور، وعامر السلهام، ومحيي الدين صالح كامل، وفراس التركي، وفهد الرشودي، وفادي طبارة، وأحمد الطاهر؛ بسبب تعهدهم عدم الحديث عن أي شيء له علاقة بالدراسة، كل ذلك جعل من المهتمين بالشأن الرياضي، سواء كانوا قانونيين أو اقتصاديين أو رياضيين أو إعلاميين، يناقشون هذا الأمر من خلال تصورهم لمفهوم الخصخصة، ليتفقوا على بعض الأمور حينا ويختلفوا حول الآخر منها حينا آخر.

بدورها قامت «الشرق الأوسط» بفتح ملف تخصيص الأندية السعودية واستمزاج بعض آراء المهتمين بالقطاع الرياضي، وأبرز المحاور التي سيتضمنها مشروع الدراسة، هذا بخلاف المعلومات الشحيحة التي أوردها رئيس فريق التخصيص في المؤتمر الصحافي الذي عقد بهذه المناسبة في 16 أبريل (نيسان) الماضي، فكان هذا التحقيق.

بداية لعل اللافت في موضوع خصخصة الأندية هو شح المعلومة المتوافرة، فبخلاف ما ذكره الأمير عبد الله في المؤتمر الصحافي، تظل جميع الأحاديث المتداولة عن الخصخصة عبارة عن تكهنات واجتهادات شخصية، وهو ما يراه صالح الطريقي، الكاتب والإعلامي السعودي، مبررا.

ويزيد «من يريد معرفة أسباب هذا التكتم عليه أن يذهب للاتحاد الآسيوي لكرة القدم ليرى أوراق أنديتنا التي تشارك في دوري محترفي أندية آسيا، وهل هي أندية حكومية أم تم خصخصتها ورقيا؟».

استثمار مربح ويرى الطريقي أن الاستثمار في الرياضة مربح جدا، وتحديدا في كرة القدم، التي وصلت تكلفة النقل التلفزيوني لدورياتها على مستوى العالم إلى مبالغ تجاوزت التسعة أصفار، كذلك الحال مع «الرعاية» و«الإعلانات»، لهذا فمن المفترض أن تكون «خصخصة الأندية» مربحة للحكومة، إن كانت هناك قوة شرائية تستهلك هذه السلعة التي هي «مباراة كرة القدم».

هذا الأمر، والحديث هنا للطريقي، موجود في السعودية، بدليل أنه رغم تعدد البرامج الرياضية على القنوات الفضائية، فإن جميعها يحظى برعاة ومعلنين، وهذا دليل على أن المستهلك يبحث عن هذه السلعة «كرة القدم»، وإلا لما جاء المعلن، فحيث يوجد المستهلكون تجد المعلنين.

من جهته، اعتبر المهندس طارق التويجري، رئيس لجنة تراخيص الأندية في رابطة دوري المحترفين، الأندية السعودية بوضعها الحالي غير جاهزة للتخصيص من الناحية التنظيمية، حيث لا تزال تحيط بها البيروقراطية الحكومية التي تعوق تخصيصها.

ويستدرك بقوله «أما إذا قلنا هل تعتبر كرة القدم فرصة واعدة وحقيقية للاستثمار، فإن الإجابة بالطبع ستكون نعم، حيث إنه لم يستغل حتى الآن 50% منها، ومن يعرف تفاصيل كرة القدم ويدرك حجم العناصر الاستثمارية الموجودة بها، فإنه بالتأكيد سيحقق أرباحا طائلة منها».

ويخالف الطريقي ما ذهب إليه التويجري بقوله «إن الجدوى الاقتصادية لتخصيص الأندية ستكون ضعيفة جدا على المدى القريب، ومضرة للحكومة إن شرعت في تخصيص الأندية الآن، بسبب قيام الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لكرة القدم ببيع رعاية الدوري لشركة عبد اللطيف جميل لمدة 6 سنوات، وغير معروف كم هي مدة بيع النقل التلفزيوني الجديدة التي ستتم هذا العام، وهل ستكون بنفس مدة بيع رعاية الدوري؟»، ويتساءل: إن كان هذا سيحدث، فما الذي تبقى لإغراء المستثمر ليشتري النادي وقد بيعت أهم مداخيله؟

ويجيب عن هذا السؤال خالد أبو راشد، المستشار القانوني، بقوله: «النادي» عبارة عن أصول ثابتة، وهذه الأصول هي المقرات التي يمتلكها والتجهيزات التي يضمها، ومتى ما كانت هذه المقرات في مواقع تجارية وبمساحات كبيرة، فإن قيمتها السوقية تختلف عن تلك التي تكون في مواقع يمكن اعتبارها أقل جذبا استثماريا أو غير متكاملة.

ولا يغفل أبو راشد الإشارة إلى أن اسم «النادي» سيكون له اعتبار أيضا عند البيع، ناهيك عن جماهيرية النادي وتاريخه وبطولاته، حيث تلعب جميعها دورا مهما عند تقييمه، وهي التي ستدفع تجاه رفع قيمة النادي من عدمه، مضيفا أنه لا يمكن إغفال القيمة المالية التي يمثلها اللاعبون وعقودهم الاحترافية.

ويتفق فهد المطوع، رئيس نادي الرائد سابقا، مع ما ذهب إليه أبو راشد من أن مقومات أي ناد تكمن في الأصول الثابتة التي يمتلكها، إلا أنه يتساءل بقوله: معلوم أن جميع مقرات الأندية عائدة ملكيتها للدولة، وبالتالي فإن الدولة إما أنها ستتنازل عنها للأندية، أو أنها ستبيعها للملاك الجدد.. لكن كيف سيتم التعامل مع الأندية التي لا تملك مقرات؟ وما الشيء الذي سيخصص في هذا الأندية؟

ليعود صالح الطريقي ويقول: مقرات معظم الأندية مضى عليها أكثر من 30 عاما، إضافة إلى أن بعضها كمبنى ليس له قيمة، والملعب الملحق به لا يغري المستثمر، إذ إن مدرجاته لا تكفي الجماهير، ولا تصلح لكي تكون ملاعب بداخلها مرافق للاستثمار كوجود «مقصورات للاستئجار - محلات - مطاعم وغيرها».

وينسجم حديث الطريقي مع ما ذكره راشد الفوزان، الخبير الاقتصادي، في ملتقى الاستثمار الذي نظمه مركز الأمير سلمان الشهر الماضي، من أن الرئاسة العامة لرعاية الشباب أهملت البنية التحتية، ما أثر بشكل كبير على البيئة الاستثمارية، وقال: «البنية التحتية لدينا غير موجودة وملاعب أنديتنا أشبه بالاستراحات». وأردف «لا أدري صراحة ماذا تفعل الرئاسة العامة منذ 30 عاما، حيث لم يتم إنشاء سوى ملعب واحد؟».

الأندية المؤهلة للتخصيص يفترض فهد المطوع أن تكون جميع الأندية مؤهلة للتخصيص، وحتى الأخرى التي ليست مستعدة لذلك ينبغي أن تُمد لها يد العون، سواء من اتحاد الكرة أو الدولة، لمساعدتها على توفير اشتراطات التخصيص إذا أريد للمشروع النجاح.

ويعتقد المطوع أنه ينبغي أن يكون هناك ميزان لتقييم الأندية، فمن غير المقبول أن تقيم جميع الأندية بدرجة واحدة، فهناك أندية جماهيرية وهذه بحد ذاتها ميزة لا تتوافر لدى الأندية الأخرى الأقل جماهيرية، وهناك أيضا مسألة المقرات المتكاملة التي وفرتها الدولة لبعض الأندية ولم تحظ بها أندية أخرى.

لذلك، والحديث للمطوع، ينبغي أن تكون هناك حوافز للأندية، لن أقول «الصغيرة»، لكن الأقل جماهيرية، لتصبح مغرية للاستثمار فيها. فما دام أننا نعمل تحت إطار مشروع وطني ينبغي أن لا نقوي فريقا على حساب الآخر، يجب أن يسود مبدأ العدل والمساواة بين الجميع حتى تكون المنافسة شريفة وحقيقية.

وهو ما أيّده أحمد المقيرن، رجل الأعمال، في ملتقى الاستثمار، عندما طالب الدولة بضخ مبالغ مالية كبيرة للرياضة وإنشاء منشآت رياضية حديثة وملائمة لوسائل التقنية، وقال «في حال عدم دعم الدولة للرياضة، فإن القطاع الخاص لن يدعمها ويضخ مبالغ للاستثمار فيها».

ويتفق طارق التويجري مع القول بأهمية المنشآت عند تقييم الأندية، إذ يقول «لا يمكن إغفال القيمة الفعلية التي تمثلها مقرات الأندية والمنشآت التابعة لها، فإذا كانت هناك مقرات تجهيزاتها متكاملة وجيدة فإن ذلك سينعكس بالطبع على قيمة الشراء»، مضيفا «لكن الواقع يقول إن مقرات الأندية في متوسطها العام متواضعة، وبالتالي ستكون قيمة الشراء متوافقة مع ما تمثله من قيمة حقيقية».

معوقات التخصيص لا يرى خالد أبو راشد أن هناك مشكلة قانونية في تخصيص الأندية، كون تحويل أي ناد إلى عقود وشركات أمر معروف وقواعده محددة، لكن المشكلة تكمن في أمرين، الأول: الأنظمة الحكومية التي تحول دون تملك الأندية لمقراتها وبالتالي استثمارها تجاريا. والثاني: عدم حماية العلامة التجارية للأندية.

يؤيد ذلك ما قاله الدكتور حافظ المدلج، رئيس لجنة التسويق بالاتحاد الآسيوي، في ملتقى الاستثمار: «ما دامت الملكية غير محفوظة لدينا، فلن ينجح الاستثمار، فالأندية العالمية يأتي ثلث دخلها من الملكية والقمصان والماركات عكس ما لدينا، حيث توجد محال التقليد أمام النادي ولا يتم إغلاقها»، مضيفا «أطالب بحماية ملكية الأندية، فسبق أن تمت حماية برامج (مايكروسوفت) وأشرطة المطربين وعدد من المنتجات الأخرى عكس قمصان الأندية التي تباع في كل مكان بالتقليد ولا تجد رادعا لها».

ويتطرق أبو راشد إلى موضوع «الرعاية» كأحد معوقات التخصيص بقوله: «كانت عقود الرعاية السابقة عبارة عن شراء مؤقت لهذه الأندية، تمتد بمدة العقد، وبالتالي فإن أي استثمار للنادي يعود ريعه للشركة الراعية طوال فترة العقد، باستثناء حالات محددة وبسيطة جدا».

ويضيف «هذه العقود تتنافى مع مبدأ الخصخصة القائم على شراء أسهم في هذه الشركة الجديدة (النادي) وبالتالي الاستفادة من عوائدها المالية التي تتحقق في نهاية العام».

يذكر أن الأمير تركي بن خالد، المشرف السابق على المنتخب السعودي الأول، قال خلال ملتقى «الاستثمار الرياضي.. آمال وتطلعات»: «التخصيص الرياضي لن ينجح لعشر سنوات مقبلة، وذلك بسبب قيمة النقل التلفزيوني التي تتأخر كثيرا على الأندية، إضافة إلى أن ملكية الأندية غير محمية تماما».

وهو حديث يختلف عما قاله الأمير عبد الله بن مساعد، رئيس فريق التخصيص، من أن الأنظمة الرياضية الحالية والاستثمار الرياضي الذي تمارسه الأندية السعودية، مبشران بعمل واعد.

تقييم الجماهيرية يعتبر الحديث عن جماهيرية الأندية وأيها أكثر هو الشغل الشاغل لمعظم المهتمين بالشأن الرياضي، ونظرا لأن هذه «الجماهيرية» ستكون من أولويات تقييم الأندية، فإن السؤال هو كيف يمكن تقييم هذه «الجماهيرية» كأرقام واعتبارها أصولا ثابتة عند طرح أي ناد للبيع؟

يجيب عن ذلك طارق التويجري بقوله «لا يمكن إغفال النتائج التي خرج بها فريق دراسة الخصخصة ولا ترتيبها، إلا أنني أعتقد أن قيمة المنشأة لها اعتبار كبير عند التقييم، كذلك الأرض التي تتبع لها والتجهيزات الكاملة التي يضمها النادي، مع عدم إغفال أهمية اسم النادي وتاريخه وبطولاته وشعبيته، كذلك المكانة الفنية له، والتي يمكن قياسها من خلال المتوسط الزمني القريب جدا لهذا النادي».

ويضيف «الجماهيرية هي السلعة الحقيقية التي تمتلكها الأندية ويبحث عنها المستثمر، لذلك نجد أن الكثير من المستثمرين في قطاع الرياضة على مستوى العالم يبحثون عن الأندية ذات التكلفة السعرية المقبولة ومن ثم ضخ الأموال فيها من خلال جلب نجوم الشباك لها، بهدف توسيع قاعدتها الجماهيرية، ليس على مستوى الدولة أو مدينة النادي، ولكن حتى خارجيا، وبالتالي ستزداد المبيعات المرتبطة به من ثم قيمة النادي السوقية».

ويتفق أبو راشد مع ما ذهب إليه التويجري من أهمية الجماهيرية عند التقييم، ويضيف «يمكن الاستدلال على أهمية (الجماهيرية) من خلال العودة إلى مطالب رعاة الأندية السابقين أو المعلنين في الرياضة، حيث دائما ما كان الإعلان يبحث عن الأندية الجماهيرية للتسويق عبرها».

وأضاف «لا توجد مسطرة محددة لقياس جماهيرية أي ناد، لكن هناك مؤشرات يمكن اعتمادها لتحديد هذه الجماهيرية، مثل عدد الحضور في المباريات، كذلك أرقام بيع التذاكر، ومدى انتشارها في مختلف المناطق وبكثافة أو اقتصارها على مناطق محددة».

أما التويجري فيرى أن هناك عناصر عدة يمكن من خلالها تقييم الجماهيرية، منها ما هو مباشر ومنها ما هو غير ذلك، ولعل أول هذه المقاييس وأكثرها شيوعا هو شركات الإحصاء العالمية، التي تعمل وفق قياسات وأوزان عالمية محددة، وبالتالي تأخذ عينات مختلفة من شرائح مختلفة ومن ثم تعطي أرقاما شبه قريبة للواقع لكل ناد. ويتابع: المقياس الثاني هو دخل المباريات، وتصنيف الجماهير، وهل هي متفاعلة أم لا؟ وهل هي قريبة أم لا؟ وهل هي قابلة لأن تكون متفاعلة أم لا؟ أما المقياس الثالث فهو مبيعات الأندية التي يمكن رصدها من خلال متاجرها الخاصة، حيث يمكن من خلال القوة الشرائية معرفة حجم هذه الجماهير.

من جهته، قال فهد المطوع: لا أستطيع أن أعطي تصورا للآلية الصحيحة لتقييم الأندية أفضل من الشركة المتخصصة التي استعان بها فريق التخصيص، لكن أكثر ما لفتني في حديث رئيس التخصيص هو توقعه أن تقتصر الخصخصة في الموسم الأول على ناد واحد أو ناديين فقط.

وهذا في رأي المطوع أمر خاطئ، حيث يبدو له من هذه الخطوة تطبيق الدراسة على ناديين كتجربة، ومن ثم دراسة إيجابياتها وسلبياتها، وتحديد الموقف من مشروع الخصخصة، وهذا أمر غير مقبول كونها تجربة مقيمة دوليا ولا تحتاج لإعادة تقييم منا.

بدوره، قال طارق التويجري إن الجهة المشرفة على مشروع الخصخصة لا تستطيع أن تتحرك في تنفيذ مشروعها دون أن تتفاهم مع الأندية والاتفاق على الأسلوب الأمثل الذي يحقق المنفعة للجميع، بحيث لا ينظر فقط للأندية الكبيرة التي يتوقع أن تحقق الفائدة الأكبر ومن ثم يكون الآخرون في الظل، يجب أن تكون التفاوتات مقبولة ومعقولة، والعمل قدر الإمكان على تضييق الخناق على هذه التفاوتات، بحيث لا يميز ناد على حساب آخر.

ويختلف التويجري مع ما ذهب إليه المطوع حول جدوى بدء المشروع على جميع الأندية، إذ يقول «البداية الطبيعية للطرح يجب أن تكون مرحلية وعبر أندية محددة ووفق معايير محددة، وهذا يمثل عنصر الذكاء في الطرح، بحيث لا يتم طرح كل منتج بطريقة واحدة، فيكون هناك كشف للأسعار».

ويضيف «أما موضوع البدء بالاتحاد والنصر، كما ظهر في الإعلام مؤخرا، فهو أمر لم يتحدد بشكل رسمي، لكن إن صحت المعلومة فأعتقد أن فريق التخصيص لديه مبررات قائمة على معايير واضحة وصريحة لهذا الاختيار».

من جهته، لا يرى فهد المطوع أي فرق بين النصر والاتحاد وأي ناد آخر، وإن كان يرى أن تنفيذ الخصخصة على الأندية الصغيرة ستكون نتائجها كبيرة، خاصة أنه لا توجد فوارق بين الأندية الكبيرة والأخرى ذات الدخول المحدودة سوى في توفر المادة، التي تمكن الأول من استقطاب النجوم والمدربين العالميين وصعوبة تحقيق ذلك لدى الأندية الأخرى. وبالتالي فإن تنفيذ الخصخصة على الأندية ذات الدخول المحدودة سيمر دون تعقيدات قد تكون مرتبطة بالأندية الكبيرة، وبالتالي تمكنها من تنويع مصادر الدخل لديها بما يكفل لها جلب لاعبين مميزين وإنشاء مشاريع استثمارية مربحة.

يشار إلى أن الأمير عبد الله بن مساعد شدد على أن هناك تقييما كاملا وشاملا ومفصلا ودقيقا لكل الأندية السعودية المحترفة الـ14، موضحا أن «لكل ناد كراسة فيها تفصيل موضح فيه كل مسببات التقييم، إذ إن ناديا مثل (الشباب) تصل قيمته كمثال إلى نحو المليار ريال؛ بسبب قيمة الأرض التي بنيت عليها المنشأة الخاصة بالنادي، بينما تبدو قيمة ناديي (الاتحاد) و(الأهلي) مختلفة تماما عن قيمة (الهلال) و(النصر)؛ لأسباب تختص بالعقار وغيرها».

وأضاف: «الأمر لا يختص فقط بالمقار الحالية للأندية وقيمة الأراضي، وإنما مكرر الدخل للأندية والشهرة والشعبية التي تتمتع بها، وسيكون ذلك خلال منافسة بين الملاك أو الشركات الراغبة في تملك الأندية».

إدارة الأندية يعتبر المستشار خالد أبو راشد أن الدور الشرفي للأعضاء سيتلاشى طبيعيا عند تطبيق الخصخصة، كون الوضع الحالي يدفع نحو اعتماد الرياضة بشكل كبير جدا على الدعم الذي يقدمه هؤلاء الأعضاء لأنديتهم، لكن مع تحول الأندية إلى كيانات تجارية، فإن دور الأعضاء سيتبدل من كونهم متبرعين لأنديتهم إلى مستثمرين فيها بإمكانهم الاستفادة من العوائد المالية التي تحققها هذه الأندية، وهذا بالتالي يجعل جميع المبالغ التي قدمها هؤلاء الأعضاء في فترات سابقة عبارة عن هبات غير مستردة.

ولا يتخوف أبو راشد من تفرد الملاك الجدد في اتخاذ القرارات كما هو معمول به الآن، إذ يقول: ستتحول الأندية بعد التخصيص إلى كيانات تخضع لنظام الشركات المطبق في السعودية، والذي يحدد كيفية إدارة هذه الشركات، بحيث يكون هناك مجلس إدارة منتخب من قبل الجمعية العمومية للنادي (المساهمين)، وهذا المجلس لديه رئيس تنفيذي، وجهاز محاسبي، وخطة عمل معتمدة من الشركاء، وبالتالي يمكن تقييم مسار هذه الإدارة ومنحها الثقة إذا وفقت في أداء عملها أو سحب الثقة منها إذا لم تنجح في تحقيق تطلعات الأعضاء (الجماهير).

يذكر أن الأمير عبد الله بن مساعد كشف عن أن «كل مالك يريد شراء ناد سيخضع لشروط صارمة جدا، إذ لن يقبل تقدم أي مالك سجله الأمني سيئ، بل سيخضع جميع الملاك المتقدمين لشراء الأندية لقوانين ولوائح واضحة تكفل لهم العمل وفق ضوابط لا تقبل إدخال الأندية إلى متاهات الجميع في غنى عنها».

وأضاف «سيتم متابعة الملاك في صرفهم على الأندية، إذ إن انخفاض الصرف - مثلا - على الفرق بأقل من 67% من قيمة الإيرادات، يعني أنه سيكون هناك انخفاض في الأداء الفني للفرق، وبالتالي يتعين على المرجع الخاص في النادي التدخل؛ لأن الهدف ليس فقط التخصيص، وإنما أيضا تطوير كرة القدم السعودية إلى الأفضل».

وحول أي الطرق أفضل لتنفيذ مشروع الخصخصة قال المطوع: لا أعتقد أن تجربة الخصخصة «الجزئية» التي نفذتها الدولة لقطاع الاتصالات مثلا (تخصيص جزء من ملكيتها والإبقاء على الأخرى) يمكن تطبيقها في قطاع الرياضة، وذلك لأن «الاتصالات» قطاع خدماتي مربح ومطلوب من جميع شرائح المجتمع، وبالتالي الاستثمار فيه يهم الجميع، كما أن الدولة عندما تمتلك حصة فيه فهي تستثمر في هذا القطاع، وعوائد الاتصالات غير عوائد قطاع الرياضة التي لا تهم سوى شريحة الشباب.

ويضيف «هذا لا يمنع من أن قطاع الرياضة لو تم تخصيصه وفق القواعد والاشتراطات الصحيحة فإنه سيكون قطاعا مربحا، وستنعكس إيجابياته على الرياضة السعودية مستقبلا».

ويتابع المطوع «في ظني أن الدولة عندما تلجأ إلى تخصيص أحد قطاعاتها فهي بذلك لا تهدف إلى التخلص من قطاع متطلب لديها، ولكن رغبة منها في تحريره من البيروقراطية الحكومية، كذلك تحرير الأندية من اعتمادها على الأفراد إلى العمل المؤسسي المبني على قواعد مؤسساتية صحيحة، يعمل الجميع فيها لزيادة الربح، وتنويع مصادر الدخل، وتوزيع الأرباح في نهاية العام».

وبينما لا يرى المطوع جدوى من التخصيص الجزئي للأندية، يعتقد طارق التويجري أن تجربة بهذا الحجم لا تحتمل المغامرة، وبالتالي يجب أن تتم على مراحل، حيث يقول: أعتقد أنه وفقا لظروفنا المحيطة فإننا نحتاج إلى فترة طويلة لنتعامل مع الخصخصة كمشروع حقيقي وليس كشعار، لذلك أنا أميل إلى أن يكون هناك مرحلية عند تنفيذ المشروع، بحيث لا يكون هناك إطلاق كامل للمشروع وبالتالي نجد أنفسنا بين يوم وليلة في حال غير الذي كنا عليه، ومن ثم نتخبط كوننا لم نفهم الأمر بشكل صحيح، ما قد يكبل الأندية بعقود طويلة المدى وملزمة ستؤثر سلبا على مسيرتها، مضيفا أنا مع المرحلية والمراقبة والتدرج، يجب أن يكون هناك انضباطية محددة، نحتاج إلى فترة للخروج من عباءة أعضاء الشرف والإدارة المتفردة الوحيدة، لا يمكن أن نخرج من هذه الأجواء إلى نظام جديد بشكل مباشر وسريع، لأن ذلك ستكون له انعكاسات غير جيدة.

يشار إلى أن رئيس التخصيص أوضح أن الدولة لن يكون لها أي نصيب في الأندية عند تخصيصها، أما مسألة امتلاك الجماهير للأسهم فسيكون ذلك وفق القانون الذي سيتم تطبيقه لاحقا.

مصادر الدخل يؤكد المستشار خالد أبو راشد أن الكثير من الدول التي تمتلك فيها الأندية مقراتها الرياضية، فإن أول مصادر دخلها هي استثمار هذه المقرات على الأعضاء، من خلال إصدار بطاقات عضوية سنوية أو فصلية تمكن حامليها من الاستفادة من التجهيزات الموجودة فيها.

ويضيف: بالنسبة للأندية السعودية وكونها لا تمتلك هذه المقرات العائدة ملكيتها للدولة، فإنها لا تستطيع فرض رسوم مالية على الأفراد للاستفادة من مقراتها والتجهيزات المتاحة لها، باعتبار أن ذلك يكفله النظام مجانا. لذلك عندما عمدت بعض الأندية إلى إصدار بطاقات اشتراك للجماهير لم تنجح الفكرة لسببين، الأول: لم تكن هناك خدمات ملموسة يستفيد منها حامل هذه البطاقة. والثاني: كانت هذه البطاقات شراء وليس اشتراكا، بمعنى أنك ستدفع مبلغا ماليا في بطاقة لا تعود عليك بالفائدة، وبالتالي إن أقدمت على شرائها لمرة واحدة فإنك لن تكرر التجربة مرة أخرى. لذلك ولدت هذه الفكرة ميتة أصلا.

ويشير أبو راشد إلى أن أولى العقبات التي كانت تواجه الأندية سابقا هي محدودية الأوعية الاستثمارية، وهو ما سيتغير بعد الخصخصة، حيث ستتمكن الأندية من الاستثمار في كافة المجالات المتاحة للاستثمار، وبالتالي تدر عليها دخولا مالية تساعدها على تنفيذ برامجها، من خلال التملك للعقارات والمساهمات.

ويضيف «عندك مثلا الاستثمار في متاجر الأندية، في السابق كان هذا الباب مغلقا، حيث لا تستطيع الأندية استثمار شعار النادي لتحقيق عوائد مالية لها، ولكن بعد السماح للأندية بالاستفادة من علاماتها التجارية أصبحت هناك دخول مالية لها من خلال بيع منتجاتها الرياضية».

من جانبه، يرى فهد المطوع أن العقبات التي منعت الأندية في السابق من تنويع مصادر دخلها هي التي ستدفعها لتوسيع قاعدتها الاستثمارية، وهي تتمثل كما يراها في أن النظام كان يمنعه كرئيس للنادي من توظيف أشخاص في مجلس الإدارة والدفع لهم، وبالتالي فهو يعتمد على متطوعين، وهؤلاء لا يمكنه أن يلزمهم بعمل أو إنتاج أو أن يعاقبهم إذا ما أخلوا بالمهام الموكلة لهم.

ويضيف «سيكون أعضاء مجلس الإدارة متفرغين للعمل، كما صرح بذلك رئيس فريق التخصيص، ومن شأن ذلك أن يمكن رئيس مجلس الإدارة من توظيف الكوادر القادرة على تحقيق الربح للنادي».

مفهوم الربح والخسارة الأكيد أن مفهوم الربح والخسارة في المجال الرياضي أمر شائك تتنازعه الآراء، فبينما يرى فهد المطوع أنه لا فرق بين الاستثمار في القطاع الرياضي أو أي قطاع آخر، كون كليهما يبحثان عن الربح ويسعيان لتحقيقه، وكذلك العمل على الحد من نسبة الخسائر، فإن القطاع الرياضي لديه مقومات كثيرة، مثل النقل التلفزيوني، الملابس، المنتجات الرياضية، الإعلانات المباشرة، عقود اللاعبين، وجميعها تدر مبالغ طائلة للأندية متى ما تم استثمارها بشكل صحيح. في المقابل يختلف مع ذلك طارق التويجري الذي يقول: يعتقد البعض أن الرياضة هي منشأة ربحية تشارك أو تستثمر فيها، ومن ثم تجني أرباحا في نهاية العام، وهذا أمر غير صحيح. فكما هو معروف في تاريخ الفيفا فإن الرياضة ليست ربحية بالطريقة الكلاسيكية، لأن ذلك سيجعلها تغتال من قبل المستثمرين الذين لا تعنيهم سوى لغة المال فقط، لا المستثمرين الذين يعنيهم تطوير الرياضة.

وأضاف التويجري: الصحيح أن الربح يتحقق من خلال رفع قيمة النادي من خلال تفعيل موارده، وضخ أموال في جهات محددة، وبالتالي يكون لدينا نتاج ذو قيمة أكبر تسهم في رفع اسم النادي، ومن ثم تكون هناك عناصر تتقوى وتكون ذات قيمة سوقية أكبر، وبالتالي ترتفع قيمة الحصص التي تمتلكها في النادي.

ويدلل التويجري على ذلك بنادي الرائد، فهو يمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة، إلا أن وضعه لا يتوافق مع جماهيريته، لكن إن وجد مستثمرين وضخوا أموالا فيه، فإن نتاجه سيرتفع، وتكون المحصلة النهائية ارتفاع قيمته السوقية، وبالتالي يمكن بيع ما يمتلكونه من حصص لمستثمرين آخرين بأسعار تحقق الربح لهم.