احتراف اللاعب السعودي في ملاعب أوروبا.. لم ينجح أحد

«الشرق الأوسط» تفتح الملف الساخن وتبحث الحلول مع نخبة من خبراء الكرة

TT

رغم تطبيق نظام الاحتراف في السعودية قبل 18 عاما، فإن تجربة احتراف اللاعب السعودي في الدوريات الخارجية (الأوروبية) تظل خجولة جدا، فهي وإن اختلفت في مسمياتها وأماكنها، إلا أن نهايتها عادة ما تكون واحدة، عودة اللاعب إلى غير ناديه الأصلي بعد فترة زمنية قصيرة ومحدودية في المشاركة.

الأمر الذي دفع بالاتحاد السعودي لكرة القدم إلى اتخاذ خطوات حاسمة للحد من ظاهرة ما يعرف محليا بـ«الكوبري» بتحديد مدة ثلاثة أعوام أو ثلاثة مواسم كروية يجب أن يقضيها اللاعب في الخارج قبل عودته إلى السعودية إلى غير ناديه الأصلي.

الغريب أن الإعلام الرياضي بدلا من أن يسلط الضوء على أسباب عدم احتراف اللاعب خارجيا أو الدفع نحو خوض اللاعبين لغمار التجربة الخارجية، نجد أن أغلبه انشغل إما بتزيين فرصة احترافهم محليا داخل أنديتهم، أو الانتقاص من قدر التجارب التي تمت أو التي ستتم، بدعوى أنها ليست مع أندية الصف الأول، أو أنها محاولة للالتفاف على الأنظمة والقوانين المطبقة محليا.

الأكيد أن الكرة السعودية شهدت نوعين من الاحتراف، إما إعارة محدودة لأحد الأندية الخارجية كما حصل مع سامي الجابر وفهد الغشيان، أو التعاقد المباشر لفترة زمنية لا يكملها اللاعب مع ناديه الجديد، كما حصل مع فؤاد أنور وناجي مجرشي وحسين عبد الغني وأخيرا أسامة هوساوي وعبد الله الحافظ.

«الشرق الأوسط» بدورها تفتح ملف احتراف اللاعب خارجيا وأسباب تعثره، مقارنة ببعض التجارب الخليجية والعربية والأفريقية، وبحث معوقات ذلك وأفضل السبل المؤدية إلى تطبيق حقيقي للاحتراف، وهل تجربة الشباب التسعة المتواجدين في البرتغال هي البداية الصحيحة لاحتراف اللاعب السعودي خارجيا.

كوبري الاحتراف اعتبر إبراهيم موسى، وكيل أعمال اللاعبين، أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال عد تجربة الجابر في بريطانيا، والغشيان في هولندا، وفؤاد في الصين، وعبد الغني في سويسرا، وناجي في كوريا الجنوبية، وأخيرا أسامة في بلجيكا، بأنها احتراف، ولكن يمكن تجاوز ذلك واعتبارها شبه احتراف، كونها تمت في سن متأخرة من عمرهم.

يؤيده في ذلك عمر باخشوين المدرب الوطني، الذي يرى فيها تجربة جيدة في مجملها، كونها اعتمدت على موهبة هؤلاء النجوم وفي أندية مناسبة لمواهبهم.

أما طارق كيال مدير الكرة بالنادي الأهلي سابقا، فيصفها بالتجربة الفردية أو الاجتهادية التي لا تؤدي إلى النتيجة المرجوة. وهو ما عبر عنه الدكتور صالح بن ناصر، مستشار الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس لجنة الاحتراف سابقا، بأنها تجربة احتراف لم تكتمل.

من جهته قال حسين عبد الغني قائد نادي النصر، إنه لا يستطيع تقييم تجربة زملائه السابقين، إلا أنه يرى في تجربته مع نادي نيوشاتل السويسري ناجحة بجميع المقاييس، كونه استفاد منها كثيرا، ليس على الصعيد الرياضي فقط وإنما في حياته الخاصة أيضا.

ويضيف «الاحتراف خارجيا يختلف كليا عن الاحتراف الموجود لدينا، وعندما أتحدث عن الاحتراف فأنا لا أتحدث عن اللاعب فقط ولكن عن جميع الأجواء المحيطة به تكون محترفة». وعن اختلاف هذه التجربة عن الحالية التي قام بها الشباب التسعة أمثال عمر السحيمي وصالح الشهري وعبد الله الحافظ والأخوين عبد الله وعلي عطيف في البرتغال، قال موسى هذا ما يمكن أن نطلق عليه احتراف، فهؤلاء اللاعبون ذهبوا وهم بسن الـ18 عاما، وبالتالي ستتحقق لهم الاستفادة القصوى، مبديا في ذات الوقت حزنه على قرار عودة عبد الله عطيف وعبد الله الحافظ إلى السعودية، حيث كان يتمنى أنه لم يقطع تجربته الاحترافية، ولكن «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن» كما قال.

على النقيض من ذلك يعتقد الكيال أن تجربة احتراف هؤلاء الشباب غير مؤسسة على أسس سليمة، وأنها وجدت لاستخدامها كـ«كوبري» للعودة إلى الأندية السعودية غير التي كانوا فيها، حتى يتهربوا من تعويض أنديتهم التي تأسسوا فيها، ويدلل على ذلك بقوله «لنستعرض الأسماء المحترفة خارجيا وأيها أفاد المنتخب الأول. هل سمعنا يوما أنه تم استدعاء أحد هذه الأسماء لتمثيل المنتخب؟ إذا لم يتم ذلك فهذا يؤكد أن نتائج هذه التجربة غير ظاهرة أو معلومة حتى الآن».

يؤيده في ذلك الدكتور صالح بن ناصر بقوله «اكتشفنا قبل 3 مواسم حيلة لجأ إليها بعض اللاعبين ووكلائهم للتهرب من التزامهم تجاه أنديتهم، بالتسجيل ورقيا في أندية خارجية حتى يتمكنوا من العودة إلى الدوري المحلي في أندية أخرى، كل ذلك لحرمان أنديتهم من حقوقها المالية، أو للالتفاف على أنديتهم التي تبالغ في مطالب انتقالهم لأندية أخرى».

وأضاف: «نجحنا وقتها في وضع اشتراطات تمنع عودة هؤلاء اللاعبين قبل أن يمضوا تجربة احترافية لا تقل عن موسمين، وحاليا أصبحت 3 مواسم، كل ذلك للحد من ظاهرة (الكوبري) ولإجبار هؤلاء اللاعبين، على الأقل، اكتساب بعضا من مهارات الاحتراف قبل عودتهم إلى السعودية».

ويرد إبراهيم موسى على ذلك بقوله «البعض يحارب فكرة احتراف اللاعبين في الخارج بحجة استخدامها كـ(كبري)، وشخصيا لا أهتم بما يردده البعض عن (الكباري) و(الأنفاق) التي وجدت أصلا لتسهيل أمور الناس، خاصة عندما يكون الشخص يتبع النظام في عمله»، واصفا قرار رفع مدة الاحتراف إلى 3 سنوات بأنها خطوة مميزة وستقطع الطريق على كل من يرغب في التلاعب.

احتراف عشوائي وحول نظام الاحتراف المطبق في السعودية، وهل المسؤولون اتخذوا أفضل السبل لتنفيذه يقول الكيال «لا زلنا نضع أنظمتنا بناء على ما يصادفنا من ثغرات، وليس بناء على الأسس الصحيحة.. إذن احترافنا غير منظم ونتائجه سلبية».

ويتابع: «يخطئ من يريد نتيجة دون أن يضع الأسس لذلك. فكيف نريد لاعبا محترفا وننسى أن نسأل لماذا لا يوجد لديه انضباط؟ لماذا بنيته غير مكتملة؟ لماذا تكثر إصاباته؟ لماذا لا تسعفه لياقته دائما؟».

ويضيف كيال «لا يمكن أن يكون هناك احتراف كامل ما لم تكن المنظومة الرياضية محترفة بالكامل. إذا أردنا لأي عمل أن ينجح يجب أن تكون له أسس ونظم تكفل له النجاح. أنظمتنا وطريقة احترافنا كانت جزئية، بدأنا من الأعلى وأهملنا القاعدة. كان يجب أن يكون لدينا فكر احترافي في المعيشة والغذاء والتمارين والانضباط داخل الملعب وخارجه».

ويرد على ذلك الدكتور صالح بن ناصر ويقول: «القاعدة المتبعة في الاحتراف عالميا تقضي البدء بتثقيف اللاعبين على مفهوم الاحتراف ثم احترافهم».

ويتابع: «أما مسألة احتراف المنظومة الرياضية بالكامل، فهذا موضوع اقتصادي مؤسساتي بحت، فمتى ما شعر رأس المال أنه بالإمكان الاستثمار في هذا المجال فإن خصخصة الأندية ستكون حاضرة»، مضيفا: «أثبتت التجارب العالمية التي اقتبسنا منها نظامنا، أن الأصح هو أن تبدأ باحتراف اللاعبين ثم يتبعها احتراف باقي المنظومة»، ويدلل على ذلك بالتجربة الإنجليزية التي بدأت باحتراف اللاعبين في عام 1888. وبعد 31 عاما وضعت نظام الخصخصة.

ويشدد بن ناصر على ضرورة أن تكون ثقافة الاحتراف موجودة أولا لدى الإداريين واللاعبين. كون النظام المؤسساتي لا يقبل التصرفات الفردية التي تصدر عن بعض أعضاء الشرف في اختيار اللاعبين والأجهزة الفنية وتجديد عقود بعض اللاعبين بناء على الحب والكره. ويعتبر إبراهيم موسى أن سن الـ18 عاما هو أفضل سن للاحتراف، خاصة أن نظام الفيفا لا يجيز احتراف اللاعب قبل ذلك، معتبرا الخمس سنوات من 18 - 23 التي يقضيها اللاعب في الاحتراف الخارجي، كفيلة بصقل موهبته وإكسابه مهارات مميزة، خاصة إذا كانت هذه التجربة في أوروبا.

ويتابع: «الجميع شاهد كيف أن الكرة البرازيلية ساحرة العالم لم تنجح في تحقيق كاس العالم بعد عام 1970 إلا بعد أن احترف نجومها في الدوريات الأوروبية، وهم نجوم لا يختلف على موهبتهم أحد أمثال روماريو ورونالدو ورونالدينهو وريفالدو.. فإذا نجحت أوروبا في تقديم إضافة للكرة البرازيلية، فهل ستعجز عن تقديم إضافة للكرة السعودية»؟ وهو ما أكده حسين عبد الغني بقوله «أنا على يقين أن اللاعب السعودي لو تحققت له فرصة احتراف خارجي وهو في سن مبكرة، فإنه بخلاف المردود المالي له الذي سيكون أفضل بكثير مما يتقاضاه الآن، لأنه سيتم تأسيسه بشكل صحيح، خاصة أن الحياة في الخارج ستجبرك على الانضباط»، مشيرا إلى أن تجربته في سويسرا كانت بهدف أن «تسجل في حياتي الرياضية تجربة احتراف خارجية».

ويتفق عبد الغني مع موسى على أن أفضل سن للاحتراف الخارجي هو 18 عاما، مضيفا: «لو تواجد اللاعب مع أهله في الخارج قبل هذا العمر، فإنه بالتأكيد سيحقق نتائجه أفضل، خاصة أن هذه الدول تهتم بنقل الفكر الاحترافي للنشء، ناهيك عن اكتساب المهارات التأسيسية في كرة القدم».

ولا يخفي عبد الغني أسفه من اهتمام الأندية السعودية بالفريق الأول وإهمالها للفئات السنية، والذي يظهر من خلال اختياراتها للأجهزة التدريبية وتوفير الملاعب المؤهلة لهذه الفئات.

مقومات الاحتراف وعن أبرز المقومات الواجب توفرها في اللاعب السعودي للظفر بتجربة احترافية خارجية يؤكد باخشوين أن الدوريات العالمية تعتمد في اختياراتها على كمالية اللاعب، ولا تلتفت كثيرا للموهبة فقط، حيث تهتم بمرحلة التأسيس من سن 6 - 7 سنوات، وهل اللاعب يجيد التسلم والتسليم، التحرك من دون كرة، التمركز، وهي أمور يفتقدها الكثير من اللاعبين السعوديين، نتيجة عشوائية العمل الذي نؤديه.

وأضاف: «للأسف لا تظهر هذه النواقص إلا عندما يصل اللاعب إلى مرحلة الشباب أو الأولمبي، وبالتالي يصبح تعويضها صعبا جدا، وهذا ما يجعل من المستحيل احتراف لاعب سعودي في ناد مثل جوفنتوس الإيطالي أو مانشستر يونايتد الإنجليزي أو أي ناد آخر من فئة الخمسة نجوم».

أما إبراهيم موسى فيقول: ليس بالضرورة أن يكون جميع اللاعبين مؤهلين للاحتراف خارجيا، وبالتالي فهو لا يعمل إلا مع من يلمس أن لديه الرغبة والإصرار على الاحتراف، ولديه تاريخ جيد، وسلوكياته منضبطة، لأن الأمور الفنية يمكن تطويرها واكتسابها من خلال التجربة الاحترافية، وقبل كل شيء موافقة الوالدين ورغبتهم في احتراف ابنهم، وبغير هذه الموافقة لا يسعى لاحتراف أي لاعب حتى لو كان نجم النجوم.

ويختلف حسين عبد الغني مع وكيل اللاعبين موسى بقوله «جميع اللاعبين السعوديين مؤهلين للاحتراف الخارجي، وبخاصة الذين يمثلون لاعبي المنتخب الآن، وتحديدا إذا توفرت لديهم الرغبة لذلك». ويعود موسى ليؤكد أن أولى اشتراطات احتراف اللاعب هو أن يكون موهوبا، ولديه الرغبة الأكيدة في تطوير نفسه، ويمتلك القدرة على ذلك، وقبل كل شيء أن يكون والده متعلم ومدرك لأهمية الاحتراف، مضيفا أن هذه الأمور يمكن اعتبارها مؤشرات لنجاح تجربة هذا اللاعب في الاحتراف الخارجي من عدمها.

ليعود باخشوين ويؤكد على أن الانضباط قد يكون بديلا للموهبة، مدللا على ذلك بالكرة الإنجليزية التي لم تنجب منذ سنوات طويلة لاعبين من نوعية ميسي ورونالدو ورونالدينهو وريفالدو، ومع هذا تعتبر الكرة الإنجليزية ودوريها من أفضل الدوريات العالمية، والمنافسة فيه شرسة. ويشترط طارق كيال لوجود احتراف خارجي صحيح أن يكون لدينا احتراف داخلي صحيح أولا. ويضيف «الدوريات المحترمة كبريطانيا مثلا تضع تقييم لجميع البلدان القادم منها اللاعبين، وبالتالي لا يمكن قبول أي لاعب يصل إليها من بلد تقييمها لبلده ضعيف».

ويتابع: «يجب أن يكون الاحتراف الداخلي قائما على أسس صحيحة. يجب أن يكون الإداري محترفا. والنادي محترفا. واللاعب محترفا. والإعلام أيضا محترفا. يجب أن يكون للاعب برنامج صباحي وآخر مسائي. يجب أن يلتزم اللاعب بتطبيق البرنامج الموضوع له من مدربه».

«لا أعلم عن أي احتراف نتحدث ولاعبونا ينامون بعد صلاة الفجر ويفيقون قبل التمرين بساعة، ويأتون للنادي وهم لم يأكلوا سوى ساندويتش. أي مجهود يستطيع أن يؤديه هذا اللاعب؟».

ويضيف «طالما أنديتنا ما زالت قائمة على فزعة أعضاء الشرف، ولا توجد لديها ميزانيات تحدد مداخيلها ومصروفاتها، فإن أي عمل تريد تنفيذه يكون قاصرا ومبنيا على أسس غير صحيحة. أريد عندما أضع برنامجا أن تكون الميزانية الحقيقية وليست التقديرية معروفة لدي، حتى أستطيع أن أحدد خططي وأهدافي».

ويدلل على ذلك كيال بقوله «أنظر إلى جميع الأندية بلا استثناء، ستجد أنها ما زالت مديونة، وما زالت كرة الثلج تكبر بتوقيعها لعقود بعشرات الملايين مع لاعبيها دون معرفة كيفية إيفاء هذه المبالغ لهم».

أما صالح بن ناصر فيرى أن الاحتراف وفلسفة الاحتراف المبنية على الالتزام لم تنضج لدى اللاعب السعودي بعد، ناهيك عن إمكانية تلبيتها، مضيفا: «في أوروبا إذا طلب المدرب من اللاعب النوم الساعة 11 مساء، فاللاعب سينفذ هذه التعليمات من تلقاء نفسه. أما لدينا فتجد من النادر جدا التزام لاعب بتعليمات المدرب. معظم اللاعبين يسهرون حتى وقت صلاة الفجر وتغذيتهم سيئة جدا».

ويتابع بن ناصر «هل تعلم أن أكبر عدو للاعب المحترف هو السهر والجلوس على الأرض والأكلات الدسمة كالسليق والكبسة المزودة ولعب البلوت.. وهذه بالذات ملازمة لسلوكيات لاعبينا».

معوقات الاحتراف يرى إبراهيم موسى أن أبرز معوقات احتراف اللاعب السعودي خارجيا هي في تضخم الأنا الموجودة لدينا كسعوديين، في حين أننا «فقاعة صابون كبيرة».. لدينا وهم بأن لدينا أفضل دوري، وأفضل لاعبين، وأفضل منشآت، وأفضل مواهب، في حين أن لغة الأرقام تقول إننا لسنا الأفضل.. كنا الأفضل في السابق أما الآن فنحن عكس ذلك، مضيفا: «يكفي أن نعرف حقيقة وضعنا بالنظر إلى تصنيف المنتخبات، حيث يحل الأردن في المركز 57 ونحن بعد الـ100».

ولا يستبعد موسى أن تكون اللغة واختلاف طبيعة المجتمعات الأوروبية والأجواء المناخية والبعد عن الأهل والأصدقاء من العوامل التي تحد من احتراف النجوم، مفيدا أن عقلية اللاعب والعادات التي اعتاد عليها هي أبرز تلك المعوقات.

ولا يختلف باخشوين على أهمية تمتع اللاعب بعقلية منضبطة لتحقيق النجاح في احترافه الخارجي، رابطا ذلك بضرورة أن تكون بدايتها من البيت والمدرسة ويقول: «إذا كانت العقلية موجودة يمكن أن يصل اللاعب إلى أفضل المستويات».

ويختلف عبد الغني حول قضية وعي اللاعب، ويقول: «مشكلة الوعي عند اللاعب ليست عامة. وهي ليست قصرا على اللاعبين، فهناك أيضا وكلاء أعمال ينقصهم الوعي. نحن نتحدث عن فئة عمرية من 16 - 24. وهذه مرحلة هي التي يبني فيها اللاعب اسمه، ولا يخفى على أحد أن هذه المرحلة من عمر اللاعب ينقصها الكثير، لذلك فإن وكلاء اللاعبين مطالبين بتثقيفهم».

من جهته يرى طارق كيال أن التقدير المبالغ فيه الذي يحظى به اللاعب السعودي محليا هو العائق الأكبر في خوض تجربة احترافية خارجية، ويقول: «إذا كان اللاعب يحصل على المبالغ المالية الكبيرة، ويحظى بالتقدير من الجماهير، والتلميع من الإعلام، ويعيش كما يريد، فلماذا يتعب نفسه بتجربة لن تحقق له سريعا ربع ما هو لديه الآن»؟، مرجعا ذلك إلى غياب التقييم الحقيقي للاعبين، فهو كما يرى قائم على العاطفة والمحسوبية.

ويضيف «يجب أن يكون التقييم مبنيا على عمر اللاعب، ومستواه، والندرة، وسلوكه، وانضباطه، ومن ثم جمعها في برنامج تقييمي لمعرفة الحجم الحقيقي لهذا اللاعب، وهل يستحق ما يتقاضاه أم لا؟»، ويدلل على ذلك بقوله «مشكلة لاعبينا أنه بمجرد أن يوقعوا عقودهم الاحترافية يشعروا أنهم حققوا ذاتهم وبالتالي تنخفض مستوياتهم».

من جانبه يتساءل الدكتور صالح بن ناصر «هل الأندية السعودية تسمح لنجومها بالاحتراف في الخارج؟».

ويجيب على ذلك بقوله «أظهرت التجارب أن الأندية تستخدم كل السبل الممكنة لمنع نجوم الصف الأول لديها من الاحتراف خارجيا، إما عن طريق المغالاة في عقودهم وبالتالي إغلاق الباب أمام الراغبين في الاستفادة منهم، أو بمنحهم مبالغ مالية كبيرة لن يستطيعوا الحصول عليها عند بداية احترافهم الخارجي، وبالتالي فهو أسلوب يقنع اللاعب بالبقاء في بلده وبين إخوانه، ويولد لديه شعورا مفاده طالما أن الأندية تعتبرني نجما، ودخلي عال جدا (عقده قد يصل إلى 40 أو 45 مليون ريال في بداية حياته)، فما الذي يدفعني للاحتراف خارجيا».

ويختلف المدرب الوطني باخشوين مع كيال وبن ناصر ويقول: «أخالف الجميع حيال عقود اللاعبين، فاللاعب هو أساس كرة القدم، وهو من يحضر شركات الرعاية والإعلانات والتلفزيون والإعلام، وهو من يجبر الجميع على دفع هذه المبالغ الكبيرة، وبالتالي فهو صاحب حق في أن ينال جزء مهم من هذه الكعكة».

ويتساءل باخشوين لماذا لا تحظى مباريات دوري الدرجة الأولى والثانية بالمتابعة؟ ويجيب على ذلك «بسبب غياب نجوم الشباك».

ويضيف: «إذا أعلن مثلا أن مباراة الديربي أو الكلاسيكو لن تلعب بنجوم الفريق الأول، وأنها ستكون بالفريق الأولمبي، هل تعتقد أن الجماهير ستحضر كما لو كان النجوم سيلعبون المباراة؟ ولو غاب رئيس النادي أو نائبه أو المدرب وحضر النجوم.. هل ستحضر الجماهير أم لا؟ إذن اللاعبون هم من يجلب الجماهير والأموال وبالتالي هم الأحق بمداخيلها».

ويعود بن ناصر ليقول: «للأسف معظم النجوم الحاليين لا ينظرون للتجارب العالمية الناجحة.. ولنأخذ مثلا تجربة الأرجنتيني ميسي، كانت بدايته مقتصرة على سكنه واكله وشربه، وانظر الآن لعقده الذي يعتبر الأغلى في جميع ملاعب كرة القدم. طبعا هذا لم يأت اعتباطا ولكن بالجد والاجتهاد والمثابرة والعمل على تطوير الذات والالتزام بالتعليمات التي تأتيه من مدربيه حتى أصبح ميسي الحالي».

ويتابع بن ناصر «أعتقد أن الأندية لو تعاملت مع لاعبيها الشباب كما تعاملت الدولة مع الطلاب المبتعثين لإكمال دراستهم في الخارج، لأصبح لدينا جيل من اللاعبين الذين سيثرون المنظومة الرياضية، كما أثرى المبتعثين مختلف قطاعات الدولة».

السعودي مغمور وعن أي الدوريات أفضل لاحتراف اللاعب السعودي، يؤكد حسين عبد الغني على ضرورة معرفة أن اللاعب السعودي مغمور وغير معروف خارجيا، وبالتالي فإن الترويج لفكرة أن يكون احترافه في الأندية الكبيرة أمرا غير صحيح، مفضلا أن تكون البداية في الأندية الصغيرة ومن ثم التدرج الطبيعي والمنطقي إلى دوريات وأندية أفضل عطفا على تطور مستواه.

ويتابع: «للأسف لاعبونا لا يفضلون التدرج، وأنديتهم تبالغ في مطالبها عند وجود فرصة احترافية لأحدهم. الاحتراف السعودي في الخارج يحتاج إلى جيل من اللاعبين الذين ينجحون في تعريف العالم بوجود كرة قدم سعودية، وأن هذه الكرة موهوبة وقادرة على استقطاب أسماء مميزة منها، كما نجحت دول شمال المغرب العربي ومصر ودول أفريقيا المختلفة».

وفيما يرى موسى أن موهبة اللاعب هي التي تحدد النادي الذي سينتقل له، يعتقد باخشوين أن الموضوع يكمن في التسويق والمشاركة الإيجابية للمنتخب، ويدلل على ذلك بكأس العالم للشباب المقامة حاليا في تركيا، والتي يحضرها جميع وكلاء اللاعبين لاختيار الأسماء التي يمكن تسويقها على أندية العالم وبالتالي يجنون من ورائها مبالغ كبيرة.

ويعود موسى ليؤكد أنه كوكيل لاعبين من السهل عليه تسويق اللاعبين الصغار خلاف نجوم الشباك، وأيضا لاعبي الأندية المتوسطة والصغيرة، لأن الضغوط عادة تكون على إداراتها بشكل أقل.

من جهته يرى بن ناصر أن عملية تسويق اللاعبين الشباب يجب أن تكون من خلال قوة الدوري، فمتى ما كان الدوري قويا فإنه سيصبح مغريا للباحثين عن المواهب لاستقطابها للاحتراف خارجيا، مضيفا: «نظرا لأن الاهتمام بالقاعدة لدينا ضعيف جدا، فإن المنفذ الوحيد لهؤلاء النجوم هو من خلال المنتخبات في المشاركات القارية والدولية».