«الوهم» أبعد البنوك السعودية عن الاستثمار في الأندية الرياضية

«الشرق الأوسط» تفتح ملف «سوق الرعاية الرياضية».. وخبراء: أرضيتنا هشة

TT

مرت «الرعاية» التجارية للقطاع الرياضي في السعودية بمنعطفات كثيرة، بدأت في عام 2006 عندما أبرمت شركة الاتصالات السعودية اتفاقا حصريا لرعاية جميع أندية الدوري لموسمين رياضيين، أتبعها فسخ نادي الهلال لعقده معها والتوقيع مع شركة «موبايلي» لخمس سنوات.

وكانت النقلة النوعية في يونيو (حزيران) 2009 عندما أبرمت هيئة دوري المحترفين السعودي (الرابطة حاليا) عقدا مع شركة الاتصالات المتنقلة (زين) على رعاية الدوري بمبلغ 300 مليون ريال لمدة 5 أعوام، أتبعها الاتفاق مع «ماستركارد» و«طيران الإمارات» و«تويوتا» على الرعاية السنوية للدوري.

وقبل أن ينتهي عقد «زين» أعلنت «الرابطة» موافقتها على طلب تنازل الشركة عن السنة الأخيرة، والموافقة على عرض شركة عبد اللطيف جميل المتحدة للسيارات، لمدة 6 مواسم رياضية بمبلغ 600 مليون ريال، كأغلى عقد رعاية في العالم العربي.

«الشرق الأوسط» التي تابعت مسيرة عقود «الرعاية» التي قامت بها بعض الشركات التجارية للأندية أو الدوري السعودي، تبحث اليوم في هذا التحقيق أسباب ابتعاد البنوك والشركات الحكومية وشبه الحكومية والكثير من الشركات الخاصة عن الاستثمار في المجال الرياضي، وخاصة أن بعضها لديه مشاركات خارجية، وهل ابتعادها يعد تخاذلا عن دورها في المساهمة المجتمعية، أم أن الأرضية الاستثمارية والقانونية الموجودة لا تحقق لها الفائدة المرجوة.

يشدد الدكتور حافظ المدلج، عضو اللجنة التنفيذية ورئيس لجنة التسويق بالاتحاد الآسيوي، على أن مفهوم الرعاية يعني ربط اسم منتج أو علامة تجارية بمنتج رياضي، سواء كان هذا المنتج «دوري» أو اتحادا أو ناديا أو لاعبا أو بطولة أو مباراة، كرعاية شركات «كوكا كولا» و«أديداس» و«ماكدونالدز» لبطولات كأس العالم. ولذلك، والحديث للمدلج، كانت بداية تسويق الدوري السعودي متعبة جدة، بسبب عدم وجود أرضية قانونية واستثمارية يمكن تقديمها للمستثمرين، فكان لا بد من البحث عن جهة تقوم بذلك، فتعاقدت هيئة دوري المحترفين مع شركة «ثرشهولد» البريطانية، لوضع اللوائح التجارية المطلوبة لرعاية بطولات الدوري، من خلال تكييف القوانين والأنظمة المطبقة في الدوري الإنجليزي لتنفيذها لدينا.

ويتابع المدلج: «لكن تكاليف هذه الشركة وكذلك التعاقد مع شركة (كي بي إم جي) للضبط المالي، وشركة الاستثمارات الخليجية للتنظيم والهيكلة الإدارية، استوجب وجود جهة تتولى الصرف على الهيئة، فكان التعاقد مع شركة (صلة الرياضية) للتسويق التجاري، التي كانت جريئة وذكية بضخها مبالغ مالية كبيرة وصلت في بدايتها إلى 20 مليون ريال لتسيير أمور (الهيئة)، حتى يتم التوقيع مع راعي للدوري».

وأضاف المدلج: «بعد ذلك قامت (صلة) بعمل مسح لجميع الشركات المهتمة بهذا النوع من الاستثمار، مثل (الخطوط السعودية)، (أرامكو)، (سابك)، شركات الاتصالات، شركات السيارات، شركات المشروبات الغازية، شركات المياه، شركات الأجهزة الإلكترونية، وزيارتها وعرض مشروع الرعاية عليها، ولكن تم التوقيع مع (زين) لأنها كانت الأحوج لهذا العقد».

وأرجع المدلج حاجة «زين» لهذا العقد بقوله: «كانت (موبايلي) و(الاتصالات السعودية) مرتبطة بالأندية الجماهيرية الكبيرة (الهلال، النصر، الاتحاد، الأهلي، الشباب)، فوجدت (زين) أن مدخلها الوحيد لقطاع الرياضة عبر رعايتها لبطولة الدوري، وهذا الأمر كان في صالح (الهيئة).. فكان العقد».

الكرة والاتصالات وعن أسباب اقتحام شركات الاتصالات لقطاع الرياضة، يرى راشد الفوزان الإعلامي الاقتصادي، أن «شركات الاتصالات الثلاث كان لها أهداف خاصة بها، فهي وإن اتفقت في تقديمها لخدمة عامة، وبالتالي تستطيع أن تلمس نتائج عوائدها من هذا الاستثمار مباشرة، إلا أن دخول (الاتصالات السعودية) لم يكن بهدف جذب عملاء جدد، بقدر ما كان لنشر اسمها التجاري، وهذا ما جعل معظم إعلاناتها لا تحتوي على منتجات أو تقديم خدمات بقدر ما هو ترويج لهذا الاسم».

أما «موبايلي»، والحديث للفوزان، فكانت «شركة جديدة وبالتالي أفرزت دراساتها أن ارتباطها بناد جماهيري كالهلال بعقد شراكة، سيعود عليها بالفائدة، على اعتبار أنها جديدة في السوق وأي شريحة من العملاء تستطيع أن تستقطبها سيعتبر نموا بالنسبة لها، وكذلك الحال كان مع (زين)».

من جانبه، يتفق محمد المسحل، الأمين العام للجنة الأولمبية السعودية، مع ما ذهب إليه الفوزان من أن اهتمام شركات الاتصالات بالرياضة نابع من كونها تقدم خدمة تستهوي شريحة عريضة من المستهلكين، ولذلك وجدت في الرياضة فرصة لتحقيق تغطية دعائية كبيرة لمنتجاتها، حتى وإن كانت البداية على استحياء، إلا أنها تعاظمت شيئا فشيء إلى أن استقرت في نهاية الأمر.

ويفسر الدكتور حافظ ذلك الوضع بقوله إن العلاقة بين شركات الاتصالات والعملاء واضحة جدا فهي عبارة عن (مكالمات، باقات، اشتراكات)، مضيفا أن «موبايلي» كانت تعلم عندما وقعت مع الهلال أن هناك، على الأقل، نحو 200 ألف مشترك حولوا من «الاتصالات السعودية» لها، وكذلك الحال مع «الاتصالات» تعرف أنه بعد أن رعت أندية الأهلي والاتحاد والنصر والشباب، استقطبت شريحة كبيرة من المشتركين بسبب ميولهم الرياضية.

ويتابع المدلج: «الشركات أيضا عندما تصدر باقات معينة مثل (الموج الأزرق) أو (العالمي) وغيرهما، فإن عدد المشتركين فيها يبين حجم الدخل الذي حققته من هذا العقد، وبالتالي تكون الصورة واضحة لديها، بخلاف الشركات الأخرى».

ولكن هذا لا يمنع، والحديث للمدلج، أن تكون هناك «مؤشرات يمكن رصدها والبناء عليها، كما حصل مع شركة عبد اللطيف جميل عندما كانت ترعى حكام الدوري، حيث أظهرت دراساتها أن عدد المرات التي ظهر فيها شعار (تويوتا) في التلفزيون أو الشوارع أو الصحف خلال فترة الرعاية، يفوق ما أنفق على رعاية الأندية والمشاركة على رعاية الدوري بالكامل، الأمر الذي حفزهم على رعاية الدوري لمدة 6 سنوات».

من جهة أخرى، يرى خليل الميناوي، الرئيس التنفيذ لشركة «إم أند إم للتسويق الرياضي»، أن انخفاض مستوى الدوري عن السابق «يعد أحد أهم الأسباب التي أدت إلى إحجام الكثير من الشركات عن الاستثمار في الدوري أو انحسار حصتها الموجهة لقطاع الرياضة كما هو حال شركات الاتصالات الآن، الأمر الآخر أن ميزانية الكثير من الشركات لم تعد بذات الحال السابقة، وبالتالي انعكس ذلك على التسويق والإعلان، ناهيك بأن الكثير من الشركات استثمرت اسمها في فترات سابقة، وبالتالي ليست بحاجة للصرف مرة أخرى على ترويج هذا الاسم».

يؤيد ذلك راشد الفوزان الذي يعتقد أن «الاتصالات السعودية» على وجه الخصوص بدأت الآن مرحلة مراجعة الخطط وإعادة الهيكلة، والتدقيق في العقود الجديدة، ومن المؤكد أنها لو استمرت في الاستثمار الرياضي، فلن يكون بنفس الأسعار أو الكيفية القديمة، كونها حققت ما تريده، ولا بد لها أن تتوجه إلى قطاعات اجتماعية وإنسانية أكثر أهمية بالنسبة لها من التوجه للأندية الرياضية.

من جهته، يختلف الدكتور المدلج مع ما طرحه الميناوي، ويقول: «المشكلة أن غالبية شركات الإعلانات التي تسيطر على السوق السعودية هي شركات أجنبية، ويديرها غير سعوديين، وبالتالي ليس لديهم الحس الوطني الذي يدفعهم لحث الشركات على الاستثمار في الرياضة أو الأندية»، مضيفا: «الوضع بالنسبة لهم عبارة عن مصالح معينة مع وسائل إعلامية وصحف معينة، وبالتالي فإن طرق باب الأندية لن يحقق لهم ذات المصالح».

معوقات الاستثمار يشدد محمد المسحل على أن أحد أهم المبادئ التي يجب أن ندركها قبل أن نسأل لماذا لا يتم الاستثمار في القطاع الرياضي، أن ننظر للموضوع بنظرة التاجر أو المستثمر، الذي يبحث عن استثمار يعود عليه بالربح في نهاية الأمر، وإذا لم تكن الربحية مالية مباشرة، فليس أقل من أن تكون في السمعة على المدى الطويل.

ويتابع: «إذا أردنا الحديث عن جماهير كرة القدم، فنحن نتحدث عن شريحة ضيقة، وبالتالي ليست مغرية لجميع المستثمرين الذين يستهدفون شرائح عمرية مختلفة».

لذلك، والحديث للمسحل، إذا أردنا أن يصل الاستثمار في القطاع الرياضي إلى المستوى المطلوب، يجب أن نجد رقعة واسعة من المتابعين لجميع الرياضات وليس لكرة القدم وحدها.

ويتفق الفوزان مع المسحل بقوله: «قطاع الرياضة في السعودية يستهدف فئة عمرية محددة، وبالتالي فهو ليس مغريا للشركات التي لديها منتجات تتجاوز أعمار الشباب».

ويتابع: «أنديتنا محلية جدا، فليس هناك أكثر من 3 أو 4 أندية لديها جماهيرية كبيرة، وبالتالي فهي ليست مغرية للمستثمر إذا أراد أن يطرق هذا الباب للاستفادة من قضية الجماهيرية»، مضيفا أن «الشركات لم تصل بعد إلى قناعة بأهمية هذه الأندية، على غرار شركة (أودي) مع نادي برشلونة الإسباني، وشركة (آي أو إن) مع مانشستر يونايتد، بسبب عدم وجود الإغراء العالي للمستثمر، والتغطية الإعلامية الضعيفة، والبيئة الرياضية غير الجاذبة».

«وهم» البنوك يؤكد الدكتور حافظ المدلج أن بعد البنوك عن قطاع الرياضة هو أحد أمرين، الأول ينطبق على جميع الشركات، وهو «الوهم» بأن رعاية ناد معين سيجعلها تخسر جماهير الأندية الأخرى، وبالتالي تلحق بها الخسارة، مضيفا: «أعتقد أننا تجاوزنا هذه المرحلة، بدليل أن رعاية (موبايلي) لنادي الهلال لم تجعل جميع الهلاليين يتحولون لها، ولا جماهير النصر والأهلي والاتحاد والشباب يتخذون من (الاتصالات السعودية) وسيلتهم الوحيدة للاتصال».

ويضيف المدلج: «المشكلة أن هذا (الوهم) موجود بوجود القائمين على مجالس إدارات هذه البنوك ومن يتخذون القرارات فيها، وهم من الجيل القديم، ممن لا يرى في الرياضة المجال المناسب للاستثمار، وإن كنت أعتقد بخطأ هذا، ولكن ستتغير النظرة مستقبلا بتغيير هذه القيادات بأخرى شابة».

الأمر الآخر كما يقول المدلج هو أن البنوك لدينا يمكن أن نطلق عليها «القطط السمينة»، حيث تنعدم مشاركتها ليس في قطاع الرياضة وحده، بل في جميع قطاعات المجتمع، حيث تضخمت أرباحها وبلغت المليارات، دون أن تشارك في رد الجميل لهذا المجتمع من خلال شبابه، الذين يمثلون 70% من تعداده، ولا يجد متنفسا آخر له سوى الرياضة».

وأضاف: «لو كنت صاحب قرار لفرضت على كل بنك رعاية ناد معين، وبناء ملعب متكامل له، فمبلغ 300 مليون ريال لن تؤثر على البنك، ولكنها ستؤثر إيجابيا على شباب المجتمع».

ويتابع بقوله: «للأسف البنوك مدللة لدينا من الحكومة دلال غير طبيعي، ولذلك لا يفرض عليها ضرائب، وتستفيد من فوائد معظم المودعين الذين يرفضون أخذها بحجة البعد عن الربا، بالإضافة التي الفوائد التي تجنيها من القروض والخدمات التي تقدمها، وبالتالي تحقق الأرباح بالمليارات ولا تقدم شيئا».

ويتفق المسحل مع ما ذهب إليه المدلج بقوله: «قبل أن نسأل لماذا تغيب البنوك والشركات شبه الحكومية والخاصة عن الاستثمار في القطاع الرياضي، يجب أن نسأل عن مدى اهتمام هذه القطاعات بالحس الاجتماعي، على اعتبار أن الرياضة أحد أركانه»، مضيفا: «هل تعلم أن أرباح البنوك السعودية عن خلال الشهور الخمسة الأولى من هذا العام بلغت 10.3 مليار ريال، لم يصرف منها ريال واحد على المجال الاجتماعي، ناهيك بالرياضي بشكل خاص»، مضيفا: «لا يوجد بنك في العالم يستفيد من أمواله بشكل كامل إلا بعد أن يستوفي حق المجتمع عليه، وليس بالضرورة أن تكون هذه المشاركة مدفوعة ماليا، بل بالإمكان أن تكون خدماتية».

ويعود الدكتور حافظ ليقول: «أتذكر أن رابطة دوري المحترفين حفت أقدامها مع البنوك على إصدار بطاقة مثل (فيزا) أو (ماستركارد) عليها شعار الأندية، بحيث يصدر بنك (س) بطاقة لنادي (ص)، على أن يكون جزءا بسيطا من العائد على استخدام هذه البطاقة لصالح الأندية، وبالتالي ستجذب جماهير هذا النادي على تقديم الدعم غير المباشر لأنديتها من خلال استخدامها لهذه البطاقات.. ولكن لا حياة لمن تنادي».

من جهته، أكد خليل الميناوي أن هناك تحركات لعمل دراسات استراتيجية تسويقية لكيفية دخول البنوك لقطاع الرياضة والاستثمار فيه، بعيدا عن الأفكار التقليدية المتمثلة في إصدار بطاقات تحمل شعار الأندية أو البطولات، مضيفا: «للأسف معظم البنوك ليس لديها الخبرة الكافية للاستثمار في الرياضة، وخاصة أن فرق التسويق لديها لا تمتلك الخبرة سوى لتسويق منتجاتها فقط».

الأمر الذي أكده الدكتور راكان الحارثي رئيس مجلس إدارة شركة «صلة الرياضية» في تصريحه لصحيفة «المدينة» بتاريخ 5 يناير (كانون الثاني) 2013، بأن بنك الجزيرة وقع عقدا يتضمن دخوله مجال الاستثمار الرياضي، كأول بنك يستثمر في المجال الرياضي والرياضة السعودية التي تحولت بفضل جهود القائمين عليها إلى صناعة واسعة تحقق عوائد مالية نظرا للاهتمام الجماهيري الكبير الذي تحظى به الرياضة والمسابقات المحلية. وهناك حديث بأن البنك أنهى اتفاقياته لرعاية 7 أندية وهي الاتحاد والأهلي والشباب والنصر والاتفاق والفتح.

ويختلف الفوزان مع المدلج والمسحل حول تخوف البنوك فيقول: «أنديتنا ليست عالمية أو قارية، وهي في أقصاها مشهورة خليجيا، ولذلك فإن البنوك والشركات التي على شاكلتها لا تريد أن تطرق هذا المجال حتى لا يفسر تصرفها بأنه دعم لهذا النادي وجماهيره ضد النادي الآخر، وبالتالي قد تتضرر أكثر».

ويضيف: «لم نصل إلى النضج الفكري والعقلاني لتفسير أن إعلان (بنك) في ناد معين هو من أجل الانتشار أو بهدف العائد الاستثماري أو بسبب العلامة التجارية، لأننا ما زلنا ننظر للموضوع بمنظور تعصبي وفي حدود ضيقة جدا، ونعشق وتصنيف الجهات (مع) و(ضد)، حيث لم نصل بعد إلى مرحلة أننا نقبل المنافسة، توجد حساسيات عالية، ولذلك الكثير من الشركات تحجم عن الدخول في هذا المعترك».

ويعود المسحل ليقول: «التعصب الرياضي أمر مزعج، وهو شر لا بد منه، وموجود في جميع ملاعب العالم، ومع هذا نجد أن الشركات التي ترعى أندية لديها جماهير تخرج عن حدود المعقول والروح الرياضية، مستمرة في رعايتها لها، ولم نسمع يوما أنها تخوفت من رعاية أندية مثل بايرن ميونخ الألماني، أو مانشستر يونايتد، رغم الصخب والتعصب الذي تمارسه جماهيرها، سواء في البطولات المحلية أو القارية.. إذن التعصب موجود، وبعض المستثمرين ينظر على أنه من الأمور الإيجابية التي تزيد الزخم».

الأرضية القانونية يرى راشد الفوزان أن الاستثمار الرياضي لا توجد له قوانين خاصة، حيث لا يوجد لدينا قانون خاص بالاستثمار الرياضي، وبالتالي لا تستطيع الشركات أن تحمي حقوقها في حال حدوث أي خلاف.

ويدلل الفوزان على ذلك بقصة الخلاف الشهيرة التي حصلت بين الهلال و«الاتصالات السعودية»، عندما فسخ الأول عقده وأبرم آخر مع «موبايلي»، حيث تم اللجوء إلى المحاكم وديوان المظالم، ولكن دون جدوى.

ويؤكد المدلج أن فسخ الهلال لعقده مع «الاتصالات» سبب ضربة موجعة لقانونية الاستثمار، ولكنه عندما حاول تكرار ذلك لاحقا، تصدت له الرئاسة العامة لرعاية الشباب بدعم مباشر من الأمير نواف بن فيصل، وبالتالي أعطى هذا الأمر نوعا من الطمأنينة لحماية الحقوق.

ويعود الفوزان ويزيد: «النقل التلفزيوني المفتوح يقلل من إغراء الاستثمار لهذا القطاع، هناك خطوات كثيرة مطلوب وجودها في البيئة الرياضية قبل البدء في قضية الاستثمار الرياضي»، مضيفا: «هذه أمور لا تحل بإصدار قانون وقرارات فقط، بل بالتوعية والثقافة والفهم.. فلا تطورت تشريعاتنا ولا تطورت ثقافتنا».

ويثني المدلج على كلام الفوزان ويقول: «يجب أن تعرف الشركات حقوقها وتعمل على تفعيلها إذا رغبت في نجاح استثمارها»، مذكرا بأن شركة «زين» عندما رعت الدوري كانت هناك بعض البنود في العقد، كان بإمكانها تحقيق الفائدة لها، ولكنها لم تفعل. والسبب قد يكون من الرابطة أو الشركة المسوقة «صلة» أو «زين» نفسها، الأكيد أنها مسؤولية ثلاثية.

ويتابع: «أرى أن شركة عبد اللطيف جميل قادمة بشكل احترافي أكثر، وهي حريصة على الموضوع من الجانب الاستثماري فيه وكذلك المسؤولية الاجتماعية، متوقعا أن يكتب لها النجاح بما سينعكس على التجارب القادمة».

وأفاد بأن الأرض أصبحت أصلب من السابق، ولكنها ليست صلبة 100%، وهناك بعض الثغرات القانونية التي يتم العمل على إغلاقها في الفترة المقبلة.

التسويق الرياضي يشدد خليل الميناوي على أنه بعد سنوات طويلة من الشد والجذب بين المعلن ومكونات المنتج الرياضي أصبحنا اليوم على بعد منعطف جديد من مفهوم التسويق الرياضي، حيث سننتقل من مجرد وضع اسم أو علامة تجارية إلى تجير هذه العلامة لخدمة المنتج أكثر، خصوصا مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وارتباط النجوم بها.

وأضاف: «ما أراه أننا مقبلون على تطوير صناعة التسويق الرياضي، بمعنى بدلا من أن نكون وسطاء لمنتجات إعلانية في أماكن ومقاسات وبتكلفة محددة، أصبحنا نقدم أفكار تسويقية من خلال اللاعبين وأنديتهم لجلب عوائد مالية غير تقليدية».

ويتفق المسحل مع ذلك بقوله: «قنوات التسويق الحالية لا تواكب متغيرات المجتمع، وخاصة أنه التغير والتطوير فيه سريع. ولذلك يجب على المستثمر أن يقدم أفكار جديدة لتسويق منتجه».

ويعود الميناوي ليقول: «المشكلة أن الكثير من العملاء أو المستثمرين لا يملكون روح المغامرة لطرق أساليب تسويقية جديدة، فأغلبهم يركن إلى التقليدية، خاصة إذا ما كانت تحقق لهم مبتغاها.. بمعنى أنهم لا يبحثون عن الزيادة».

ويضيف: «عالم التسويق يعتمد في المقام الأول على الابتكار، بالطبع هناك قوالب ثابتة يمكن استثمارها ولكن التحدي الحقيقي هو في الابتكار»، ويدلل على ذلك بتجربة شركة «سوني»، عندما اقتحمت المجال الرياضي من خلال إصدارها لألعاب إلكترونية تحاكي الواقع الحقيقي، فقدمت مداخيل جديدة للأندية وجنت من خلفها أرباحا طائلة».

من جهته، يرى الفوزان أن الخطأ الذي تقع فيه معظم الأندية السعودية هو حصر «الرعاية» في شركة واحدة، بخلاف ما هو مطبق في دول العالم، حيث تكشف لنا زيارة واحدة على الصفحة الإلكترونية لفريق مانشستر يونايتد الإنجليزي، عن أن عدد الشركات التي ترعاه تتجاوز الـ34 شركة، إحداها «الاتصالات السعودية»، وباقي الشركات تتنوع بين راع رئيس، وآخر شريك لوجيستي، وراع للملابس، وشريك للسيارات، ومتخصص في ألعاب الإنترنت والمراهنات، وراع للمشروبات، وشريك للسفر، وغيرها من الشركات المتخصصة في أدق تفاصيل احتياجات النادي.

وهو ما أيده المدلج بقوله: «يجب على الأندية أن تنوع مصادر دخلها كما فعلت (الرابطة)، وخاصة أن النظام لا يمنع ذلك، ويجيز للأندية أيضا الحصول على الرعاية الأجنبية، كما كان سيتم في وقت سابق عندما تقدمت شركة قطرية لرعاية نادي الفيصلي، بحكم تشابه لون شعار النادي مع العلم القطري».

ويعود الفوزان ويتساءل: «طالما أن النظام يسمح بتعدد الرعاية.. فلماذا أغفلت رابطة دوري المحترفين ذلك وأعلنت توقيعها لعقد رعاية مع شركة عبد اللطيف جميل ولم تخضع الدوري للمزايدة، لنتأكد أن السعر الذي دفع فيه هو الأكبر؟».

ويتابع: «المعروف عالميا أن المشاريع الرياضية تخضع لـ(المزايدة). ألم يطرح النقل التلفزيوني لبطولات كأس العالم وأوروبا والدوري الإنجليزي للمزايدة؟ ألم يحصل تنافس بين قنوات (الجزيرة) و(أبوظبي) و(سكاي) في أوروبا وغيرها، فلماذا لم يطرح الدوري لدينا للمزايدة؟ ما المانع أن يدخل عدد من المنافسين ويرفعوا السعر كما يحدث عند شراء اللاعبين؟ الأكيد أن المنطق التجاري في الرياضة وغيرها واحد».

القيمة السعرية محمد المسحل أكد بدوره أنه لا يعرف شخصيا على أي أساس وضعت الأندية القيمة السعرية لرعايتها أو الإعلان على منشأتها، بخلاف الحال مع رابطة المحترفين، التي تعمل وفق دراسات علمية، وبالتالي فإن أي مبلغ ترصده مناسب، خاصة مع ملاحظة الزيادة المضطردة لمداخيل الرابطة عاما بعد عام، كأحد أفضل الجهات التي تحقق ربحية سنوية.

ويضيف: «للأسف لا توجد لدينا دراسة تحدد هل المنتج الذي بين أيدينا يساوي القيمة التي هو عليها أم لا؟ ويقيني أن جميع الأرقام أو المبالغ التي تتداول، والتي يتوقع أن يحصل عليها الدوري أو الأندية هي انطباعية أو تقديرية، لما تمثله هذه الأندية أو البطولات لمسؤوليها، والتي قد تكون أقل أو أكثر مما يستحق».

ويتفق المناوي مع المسحل في عدم وجود تقييم حقيقي للأندية أو البطولات المحلية، ويقول: «لو أخذنا التجربة العالمية سنجد أن هناك شركات متخصصة لتقييم البطولات العالمية، وهذه التقييمات مبنية على تقييمها للأندية أولا من خلال معدلات محددة في كل منطقة ومدينة وبلد ومستوى، وبعد جمع هذه التقييمات لكل الأندية يمكن إعطاء قيمة حقيقية للبطولات المشاركة فيها. ولذلك عند تقييم قيمة النقل التلفزيون لبطولة الاتحاد الأوروبي (يوفا) بمبلغ 350 مليونا، فإن هذا المبلغ يمثل القيمة الحقيقية له».

ويضيف الميناوي: «تكمن أهمية وجود تقييم حقيقي للأندية والبطولات في استمرارية الرعاية، وهذا ما يجعل البطولات العالمية محتكرة من قبل شركات محددة، مرجعا ذلك إلى أن القيمة التي تدفعها هذه الشركات تمثل القيمة المستحقة لهذا المنتج. كذلك الحال للجهات المسؤولة عن هذه البطولات لا تبحث عن رعاة آخرين لأن القيمة التي يتقاضونها لمنتجهم تمثل القيمة الحقيقية له».

ويدلل الميناوي على أهمية شركات التقييم بقوله: «لو أخذنا مثلا (الفورمولا 1)، سنجد أن شركات التسويق اكتشفت أن خوذة القائد تحظى بأعلى معدل مشاهدة، تليها البدلة التي يرتديها القائد، ولذلك عندما وضعت الأسعار تم تسعير الخوذة بقيمة أعلى من البدلة».

وأضاف: «بعد أن تطورت وسائل النقل التلفزيوني وانتشرت الكاميرات في أنحاء المضمار، وتحسنت الرؤية لدى المشاهدين، تصدر الإعلان الموجود على سطح السيارة للأسعار، وتحول الجزء غير المشاهد سابقا إلى قيمة مالية مضافة، وبالتالي أحدثت شركات الإعلانات تغيراتها للأسعار عطفا على المتغيرات الجديدة».

من جهته، أكد المدلج أن الأرقام التي وضعت عند بداية التسويق للدوري كانت كبيرة وفوق المتصور، حيث اقتربت رعاية الدوري السعودي كـ«اسم» من رعاية الدوري الإسباني، مع الفارق الكبير بين الاثنين، وهذا دليل على أن العملية التسويقية كانت رائعة جدا. ويتابع: «أتذكر أن (الرابطة) طرحت على الأندية الصغيرة القبول في بداية الأمر بمبلغ مليوني ريال لكل ناد، وأن الـ20 مليونا ستأتيهم بعد 3 أو 4 سنوات.. إلا أنهم رفضوا ذلك، وظلوا على حالهم يرفضون المليوني دولار ولا يمتلكون راعيا حتى الآن».

ويتفق الفوزان مع المدلج على أن تعظيم القيمة المالية لبعض الأندية فيه شيء من المبالغة، وبالتالي حرمها من موارد مالية كانت ستتضاعف مع مرور الأيام.

ويتابع: «لا توجد دراسات تبين هل القيمة السعرية للدوري أو الأندية مستحقة أم لا؟ ما لدينا اجتهادات قد تكون صائبة أو خاطئة، وإن كنت أعتقد أن قيمة الدوري السعودي قد ترتفع عما هي عليه الآن إذا ما تم تشفير النقل التلفزيوني»، مضيفا: «أعلم أن هذا الأمر سيغضب البعض، ولكن إذا أردنا أن نرتقي بقطاع الاستثمار الرياضي والرعاية الرياضية فعلينا أن نطبق القواعد الأساسية المتبعة في هذا المجال، فكيف نعتمد المدرسة الإنجليزية لنظام الرعاية ونهمل أهم مداخيلها وهو النقل التلفزيوني».

إجبار الشركات ولا يتفق محمد المسحل مع الدعوات القائلة بإجبار القطاع الخاص على الاستثمار في المجال الرياضي، ويقول: «القاعدة أنك لا تستطيع إلزام أحد فيما يملك، ولكن بإمكانك أن تضع القوانين التي تجبر هذه الشركات على تقديم خدمات للمجتمع، كأن تضع شرط واجبة التنفيذ على البنوك مثلا بأن تخصص 1% من ربحها السنوي لخدمة المجتمع، ومنحها حرية اختيار القطاع الذي ترغب توجيه دعمها له».

ويضيف: «يوجد أيضا لدى جميع القطاعات التجارية ميزانية تسويقية تقدر بنحو 15% من مصاريفها، هذه أيضا يجب أن يكون لها تشريع خاص بها، بحيث تخصص للإنفاق على عدد من القطاعات المظلومة في المجتمع، كأن توجه 3% لقطاع الرياضة، و5% للقطاع الترفيهي، وهكذا، كما هو معمول به في جميع دول العالم.. إذن الإجبار المطلق خطأ والترك المطلق خطأ أيضا».

أما راشد الفوزان فهو ضد تدخل الدولة إلا في وضع البنى التحتية، لأن الموضوع كما يراه سيكون كدعم السلع الذي تقوم به الدولة لبعض المنتجات، فاكتشفت بعد فترة أن المبالغ المصروفة في هذا المجال قد تضخمت وأصبحت عبأ».

ويدلل الفوزان على ذلك بالخطوة التي أقدمت عليها الدولة بإعلانها التوجه نحو تخصيص الأندية لتتخلص من عبئها.. إذن المنطق يقول: «عاملها كتاجر لتنجح، ولا تعاملها كقطاع حكومي فتفشل».