تحويل رعاية الشباب إلى وزارة.. «الحل» الوحيد لإنقاذ الرياضة السعودية

«الشرق الأوسط» تفتح ملف «الهبوط الحاد».. وخبراء: لن ننجح بلا مال ومواهب

TT

شهدت الرياضة السعودية، الجماعية منها والفردية، خلال السنوات الأخيرة، هبوطا حادا في المستوى العام، أبعدها كثيرا عن منصات التتويج، إلا من محاولات فردية تظهر بين الحين والآخر، كالميداليات الأربع التي حققها منتخب ألعاب القوى مؤخرا في بطولة آسيا العشرين بمدينة بوني الهندية، أو الذهبية والفضية اللتين نالهما أبطال الكاراتيه في بطولة العالم مؤخرا في اليونان.

هذا الأمر وإن يظهر تعافيا في المشهد الرياضي، إلا أن السقوط المتوقع لاحقا يسوق العديد من التساؤلات التي تدور حول مكامن الخلل، وهل هي في اللاعبين، أم في الإدارة، أم في المدربين، أم في البيئة الرياضية، أم في غياب الدعم المالي؟

وبينما يرى فريق أن أسباب ضعف القاعدة الرياضية وشح المواهب تعود إلى عجز الأندية عن القيام بدورها، يرجع آخرون ذلك إلى تخلي وزارة التربية والتعليم عن مسؤوليتها في تنمية الرياضة المدرسية، واعتمادها على كوادر تدريسية لا تجيد سوى رمي كرة القدم تجاه الطلاب.

«الشرق الأوسط» التي تتابع مختلف الرياضات السعودية تبحث اليوم في هذا التحقيق أسباب ضعف مستواها، وكيفية الارتقاء بها، كما تسلط الضوء على أبرز المعوقات التي تقف في طريق نجاحها لتنافس مثيلاتها في دول آسيا، وهل يمكن للشارع الرياضي أن يستبشر خيرا بمشاركة سعودية مشجعة في أولمبياد ريو دي جانيرو 2016 بعد مشروع تطوير الرياضة المدرسية؟

* الدعم المادي

* يرجع الدكتور هاني نجم، رئيس الاتحاد السعودي للجودو والتايكوندو، أسباب هبوط مستوى الرياضة بشكل عام إلى أمرين اثنين: قلة الدعم المادي، والضعف الإداري في الاتحادات الرياضية. ويتساءل «كيف يمكن لاتحاد رياضي أن يطور من أدواته، ويعمل على نشر اللعبة بين أطياف المجتمع، والمشاركة في الفعاليات الرياضية المختلفة بميزانية لا تتجاوز 1.6 مليون ريال لأكثر من لعبة؟».

ويفسر الدكتور نجم ذلك بقوله «الرياضة لا تعتمد عادة على ميزانية الاتحاد، التي تخصص للمشاركات الدولية والخارجية والمعسكرات، وإنما على مفهومها لدى المجتمع، بمعنى هل مجتمعنا يفهم معنى الرياضة ويمارسها؟ هل الرياضة المدرسية أكثر من نشاط جانبي؟».

ويتفق يوسف العصيمي، المدرب الوطني لكرة السلة، مع ما ذكره الدكتور هاني، ويضيف «الخلل يبدأ من انصراف الأندية إلى كرة القدم، حيث توجه مداخيلها لتطوير هذه الرياضة والاستثمار فيها على حساب الألعاب الأخرى»، مفيدا «هذا الأمر أصاب لاعبي الألعاب الأخرى بالإحباط، لأنهم لا ينالون حقهم من التكريم والدعم الذي يحصل عليه لاعب كرة القدم، رغم أنهم يتدربون ويسافرون ويبتعدون عن أهلهم ويمثلون الفريق في بطولات داخلية وخارجية ويحققون الانتصارات أيضا». ويتابع العصيمي «واجهت خلال إشرافي على الفئات السنية ابتعاد الكثير من الطلاب عن مزاولة اللعبة بعد تجاوزهم للمرحلة الثانوية، رغم المقومات الكبيرة التي يمتلكونها، إما بحجة إكمال دراستهم الجامعية، أو الالتحاق بعمل يؤمن مستقبلهم الوظيفي، هذا بخلاف لاعبي كرة القدم، الذين تأتي اللعبة كأول خياراتهم».

ويثني محمد الخويلدي، لاعب ألعاب القوى والمتخصص في القفز الطويل، على ذلك ويقول «في أحيان كثيرة أشعر بأن الرياضة لا تتماشى مع اللاعبين الطلاب أو الموظفين، حيث تعمد الجهات التي ينتمون لها إلى معاقبتهم لممارستهم الرياضة أو تفوقهم فيها». ويشرح الخويلدي ذلك بقوله «إذا كان اللاعب طالبا فإنه يعاقب بالحسم من درجاته إذا تغيب عن الدراسة بسبب مشاركته في بطولة ما، كما لا تتم مراعاة دراجاته الدراسية، أما إذا كان موظفا فإنه يفقد الكثير من الامتيازات التي يحصل عليها زملاؤه الآخرون، سواء عند التقييم أو العلاوة».

من جهته، يرى محمد العجاجي، أمين عام اتحاد التنس الأرضي، أن ضعف البنية التحتية المخصصة لمزاولة الرياضة في المدارس والأحياء جعل مسؤولية الكشف عن المواهب الرياضية مقصورة على الجهود البسيطة التي تقوم بها الأندية، نتيجة انشغالها بكرة القدم، وضعف اهتمامها بالألعاب الجماعية، وانعدام ذلك في الألعاب الفردية.

يؤيده في ذلك رئيس اتحاد الجودو والتايكوندو بقوله «للأسف تأخرنا على الأقل 10 سنوات للبدء في تطوير الرياضة، فمنشآتنا متهالكة، ومراكز الأحياء معدومة، وبالتالي أصبحت قاعدة اختيار المواهب صغيرة جدا»، مفيدا «إذا أردنا اختيار رياضي يستطيع أن يمثل المنتخب في المحافل الرياضية فيجب أن تكون قاعدة الاختيار كبيرة جدا، لنختار منها الأفضل»، مفيدا «مشكلة القاعدة الضعيفة أنها لا تمنحك الأفضل دائما». ولا يستبعد العجاجي أن يكون الكثير من اللاعبين ينظرون للرياضة نظرة مادية بحتة، فهم إما أن يكونوا لاعبي كرة قدم يستطيعون أن يحصلوا على العقود الكبيرة، أو أن الرياضة لن تشكل لهم هاجسا يستحق أن يشغلوا بالهم بها.

ويؤيد ذلك العصيمي بقوله «هناك أيضا المغريات التي تعترض طريق اللاعب، وهي الاستمتاع بحياته الخاصة بعيدا عن أعباء الرياضة التي لن تعود عليه بالعوائد المالية أو الشهرة التي توازي الجهد الذي يبذله».

* انتشار اللعبة

* وعن انتشار اللعبة بين أطياف المجتمع يتساءل الدكتور هاني بقوله «كيف يمكن للاتحاد أن يسهم في زيادة قاعدة اللعبة بميزانية متواضعة وضعف البنية التحتية؟.. للأسف لا توجد نواد رياضية تساعد الشباب على ممارسة الرياضة، وإن وجدت فهي إما حكومية متهالكة أو أهلية غالية تفوق إمكانيات الشريحة العريضة من المجتمع. هناك مسؤولية مشتركة تقع على عاتق رعاية الشباب والقطاعات الحكومية والخاصة الأخرى، بإيجاد منشآت تمكن الشباب من ممارسة الرياضة فيها». ويلقي الدكتور نجم بلائمة ضعف المخرجات الرياضية على المدارس التي لا تهتم بالرياضة وبث ثقافتها في النشء، واكتفائها بالحصص الصباحية، مضيفا «يجب أن تتم الاستفادة من المنشآت الرياضية الخاصة بالمدارس في الفترات المسائية، وجلب الكفاءات التدريبية التي تسهم في صقل مواهب هؤلاء النشء».

يؤيده في ذلك محمد العجاجي بقوله «المدارس لا تساعد النشء على اختيار رياضة مختلفة عن كرة القدم، كون الملاعب غير مهيأة سوى لممارستها، كذلك المدرسون والإعلام يعملون على ترسيخ قوانين وأحكام وثقافة الكرة على حساب الألعاب الأخرى، وبالتالي يكون التعاطي معها أسهل».

ويختلف العصيمي مع الدكتور نجم بقوله «كيف يمكن لمدرسي التربية البدنية أن يطوروا مهارات الطلاب الرياضية وهم غير مؤهلين لذلك، وإن وجدت بعضهم مؤهلا في رياضة معينة فإنهم لا يملكون المهارات التي تخول لهم توجيه الطلاب في باقي الألعاب، هذا على افتراض أن الملاعب الرياضية موجودة في المدارس».

ويعود الدكتور نجم ويقول «لكي أنشر اللعبة يجب أن أعرف أهميتها أولا لدى الأندية، وللأسف الجودو والتايكوندو رياضات غير محبوبة، ولذلك لكي أرغبهم بها لا بد أن أقدم لها إغراء كي يقبلوا بها، كأن أعطيهم بساطا تمارس عليه اللعبة، أو أن يتحمل الاتحاد جزءا من تكاليف المدرب».

ويتابع «هل تعلم أن قيمة البساط 60 ألف ريال؟ بمعنى أنه لو رغبت في تقديم بسط لعشرة أندية فأنا مطالب بدفع 600 ألف ريال، فماذا أستطيع أن أعمل لنشر اللعبة وأنا لا املك سوى 1.6 مليون ريال للعبتين، بواقع 800 ألف لكل لعبة، ومطالب بالمشاركة في معظم البطولات التي لا تتحمل رعاية الشباب سوى جزء من تكاليفها، والباقي يتحمله اتحاد اللعبة، وتبلغ تكلفة مشاركة 10 لاعبين فيها نحو 500 ألف ريال، شاملة المدرب والإداري والحكم ولمدة 10 أيام، هذا بخلاف المعسكرات الخارجية، فمن أين أستطيع الصرف على نشر اللعبة والرفع من مستواها وتحمل باقي الالتزامات المالية المترتبة على الاتحاد من رواتب إداريين ومدربين وخلافها؟!».

ويتفق العجاجي مع ما ذهب إليه الدكتور نجم من أن تكاليف المشاركة في البطولات مكلفة جدا، ويقول «تجهيز لاعب أولمبي يتطلب مشاركته في 30 بطولة خلال العام، والبطولة الواحدة تكلف نحو 10 آلاف ريال شاملة المعسكر والإقامة والسفر والإعاشة والمدرب، بمعنى أن لاعبا واحدا سيكلف خزينة الاتحاد نحو 300 ألف ريال، فكيف هو الحال مع باقي اللاعبين؟! هذا بخلاف المصاريف الإدارية والفنية المترتبة على الاتحاد».

* المواهب الرياضية

* يقترح يوسف العصيمي الاستفادة من المنشآت التعليمية ومدرسي التربية البدنية المؤهلين في اكتشاف المواهب الرياضية وصقلها، ويقول «أرى أن تتم الاستفادة من المراكز التعليمية النموذجية المنتشرة في كل مدينة بأن تتحول إلى مراكز رياضية في الفترة المسائية، بحيث يكون مركز (أ) متخصصا في رياضة كرة السلة، ومركز (ب) متخصصا في الكرة الطائرة، ومركز (ج) في ألعاب القوى، وهكذا، وتكليف مدرسي التربية البدنية المؤهلين في هذه الألعاب بالإشراف على هذه المراكز، كل حسب مؤهله، وبالتالي يستطيع الطلاب الاستفادة العملية من كفاءة هؤلاء المدربين».

ويتفق معه الخويلدي بقوله «نحتاج إلى معرفة الطبيعة الجغرافية التي تتميز بها السعودية وبالتالي إقامة مدارس تدريبية في كل منطقة بحسب القدرات الرياضية المتوافرة فيها، كأن نقيم مدرسة متخصصة في الوثب الطويل والقفز بالزانة بالمنطقة الشرقية، وأخرى للمسافات الطويلة في الجنوبية، وثالثة متخصصة في ألعاب الرماية بالرياض، وإحضار المدربين المؤهلين لهذه الرياضات، وانتداب اللاعبين المميزين لهذه المدارس من مختلف المناطق».

ويعود العصيمي ليؤكد أن هذه الخطوات ستوسع من قاعدة الرياضة في جميع الألعاب بخلاف ما هو موجود الآن، ويتساءل «هل يعقل أن مدينة كبيرة مثل الرياض تعدادها يقترب من 5 ملايين نسمة، لا تمارس فيها كرة السلة إلى عبر ناديي الهلال والنصر فقط؟».

ويواصل العصيمي حديثه ويقول «توجد طاقات شبابية وتدريبية كبيرة في المدارس لكنها معطلة، فمعظم اللاعبين بحاجة إلى مدربين يوجهونهم التوجيه السليم، والكثير من مدرسي التربية البدنية أوقاتهم بعد الدوام المدرسي غير مستغلة، فكيف هو الحال لو تم التعاقد مع هؤلاء المدرسين، كل حسب مؤهلاته، لتدريب اللاعبين، وإلزامهم بتنفيذ برامج تدريبية موضوعة، وإقامة البطولات الخاصة بها، لتوسيع قاعدة اللعبة بين النشء؟!».

ويضيف «لك أن تتخيل لو أنه أصبح لدينا 15 فريقا فقط في مدينة الرياض، ومثلها في كل منطقة، كم سيكون حجم القاعدة التي ستغذي الأندية وبالتالي المنتخبات لاحقا؟».

ولا يختلف الخويلدي مع العصيمي حول وجود المواهب الرياضية، وإن كان يرى أن المشكلة تكمن في الاعتماد على هذه المواهب من دون صقلها، ويقول «قد نستفيد من هذه المواهب لفترة محدودة، ولكن ستفقدها بعد فترة بسيطة». ويضيف «نحتاج إلى البحث عن المواهب ثم صقلها من خلال المراكز المتخصصة»، منوها بالتجربة المطبقة في مدينة ليفركوزن الألمانية، حيث يتم تصنيف اللاعبين بحسب الفئات العمرية، وتخصيص مدربين متخصصين لكل فئة، وتحديد مكافآتها ومميزاتها الخاصة بها «لم تم تطبيق هذا الأمر سيصبح لدينا العديد من الرياضيين في كل لعبة».

* الرياضة المدرسية

* وأكد رئيس الاتحاد السعودي للجودو والتايكوندو أنه التقى باللجنة المسؤولة عن تطوير الرياضة المدرسية، حيث قدموا له خطتهم التطويرية، والآلية التي سيتبعونها للبحث عن المواهب الشابة الموجودة في المدارس، مضيفا «ما اطلعت عليه كان مشجعا ومبشرا بأن القاعدة الرياضية ستتسع بشكل كبير بما ينعكس على الرياضة السعودية، ولكن ما أخشاه أن تكون هناك (ثقوب) في هذا البرنامج وبالتالي تتوجه هذه الميزانية إلى الجهة غير الصحيحة.. يجب أن يكون هناك قياس لما يتم صرفه والإنتاجية المتحققة».

ويتابع الدكتور هاني «شخصيا يمثل هذا المشروع أهمية قصوى بالنسبة لي ليس كرئيس اتحاد فقط، ولكن كطبيب وجراح قلب على تماس مباشر بالآثار السلبية لعدم ممارسة الرياضة في مجتمعنا، وبما أن ثلثي المجتمع من الشباب فنحن مقبلون على كارثة كبيرة في السنوات العشر المقبلة إذا لم تصبح الرياضة هاجسا لدى الجميع».

من جهته، أوضح أمين عام اتحاد التنس أنه اجتمع بالجهة المنفذة لبرنامج التطوير، وتم الاتفاق على أن يكون إدراج اللعبة ضمن خطة التطوير في عام 2016، مفيدا بأنهم كاتحاد عرضوا عليهم المساهمة في تذليل العقبات التي تعترضهم، حتى لو اضطروا إلى الاستعانة بالاتحاد الدولي للعبة، الحريص على تقديم الدعم لانتشارها.

أما محمد الخويلدي فيرى أن أفضل وسيلة لنجاح مشروع الرياضة المدرسية أن تكون هناك حوافز للطلاب المميزين رياضيا، وبالتالي تصبح الرياضة بالنسبة لهم عاملا مساعدا إيجابيا في دراستهم.

* قصور الإعلام

* لا ينكر المدرب الوطني يوسف العصيمي أن كرة القدم سحبت الأضواء من باقي الألعاب الأخرى، ويقول «المشكلة أن ميزانية معظم الأندية توجه لكرة القدم، وبالتالي النزر البسيط منها يذهب للألعاب الأخرى، وبالتالي لا تستطيع أن تلوم إدارات الأندية على تركيزها على الألعاب الجماهيرية في حين كان الأولى بالرئاسة العامة لرعاية الشباب أن تدعم هذه الألعاب وتسن القوانين التي تلزم الأندية على الصرف اللائق عليها.. هل تعلم أن بعض الأندية تخصص ميزانية لبعض ألعابها تفوق ميزانية اتحاد اللعبة نفسه؟». ويضيف العصيمي «الإعلام ملام أيضا في ابتعاد الجماهير عن الرياضات الأخرى وتركيزه فقط على كرة القدم».

ويتفق معه الخويلدي بقوله «الإعلام يهتم بالألعاب الجماعية ويهمل الفردية وبالتالي الجمهور يتبعه في ذلك. نحتاج إلى تكثيف وجود هذه الألعاب في الإعلام وتسليط الضوء على نجومها حتى نخلق حالة من التواصل بين هؤلاء اللاعبين والجماهير»، مفيدا «للأسف نجومنا في ألعاب القوى مشهورون خارجيا ومجهولون محليا، وهذا الأمر محبط بالنسبة لهم».

من جهته، يرى العجاجي أن التعريف باللعبة مسؤولية الاتحاد دون إغفال دور الإعلام في ذلك، كونه شريكا مهما لنشر اللعبة، ويقول «الاتحاد قد يقيم البطولات ويجلب اللاعبين العالميين، ولكن إن لم يكن هناك إعلام يواكب هذه البطولة فلن تتحقق النتيجة المرجوة».

ويضيف «قد يكون هناك قصور محدود من الاتحادات الرياضية، ولكن انصراف الإعلام عن الرياضات الفردية صعب من مهمة هذه الاتحادات في نشر اللعبة على نطاق واسع محليا».

* أخطاء قاتلة

* يشدد الدكتور هاني نجم على أن الأخطاء الإدارية التي تصدر عن الاتحادات الرياضية أو السياسة المالية والإدارية المتبعة من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب، قد تتسبب أحيانا في تعثر الرياضة السعودية، ويقول «عندما توليت مسؤولية اتحاد الجودو والتايكوندو قبل عام ونصف العام بعد استقالة الرئيس السابق، اكتشفت أن الاتحاد الذي عمره 40 عاما ليست لديه قاعدة بيانات بعدد الأندية أو اللاعبين المشاركين فيه، وما المراكز التي تقدم هذه الرياضة، وكيف تمنح شهاداتها».

ويضيف «للأسف جميع العاملين في الاتحاد متعاونون، والكثير منهم لا يملكون المؤهلات التي تخولهم للنهوض بالاتحاد والارتقاء بمقدراته البشرية والإدارية، وأن وجودهم في هذه الاتحادات ليس حبا في الرياضة بقدر ما يأتي طمعا في المكاسب المالية التي قد يجنونها من وجودهم في الاتحاد».

ويتابع «بمراجعة بسيطة على ميزانية الاتحاد والكيفية التي يتم صرفها فيها، ستجد أنها موجهة للانتدابات والإقامات وتذاكر السفر، وعادة هذه الأمور تكون للإداريين وليس الفنيين.. فهل هذه الأمور ستطور اللعبة؟»، مضيفا «يقيني أنه لو تمت مضاعفة ميزانية الاتحاد 10 مرات وظلت الأنظمة الحالية على حالها فلن تتطور اللعبة، وما سيحدث هو أن سفر الأعضاء سيزيد والانتدابات ستزيد والرياضة لن تستفيد».

ويتفق الخويلدي مع الدكتور هاني نجم بقوله «المشكلة ليست في الميزانية ولكن في كيفية صرفها، حيث تلاحظ أن حجم الإنفاق على لاعب عالمي يوازي ما يصرف على لاعب مبتدئ»، مفيدا «يجب أن تقسم الميزانية لمستويات عدة، بحيث يكون الإنفاق بشكل كبير على الأفضل ويتم التدرج نزولا بحسب كفاءة ومهارة اللاعبين».

ويعود الدكتور هاني ويقول «النظام المالي المتبع بين الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحادات الرياضية يجبرك على الكذب والتحايل، حيث تطالبهم بتقديم خطتهم السنوية لرصد الميزانيات المقررة لهم، فتلجأ هذه الاتحادات إلى طلب المشاركة في جميع البطولات لأخذ الميزانية، من دون أن تكون لديها القدرة الفنية أو اللاعبون المؤهلون للمشاركة فيها».

ويذهب الدكتور نجم إلى أبعد من ذلك ويقول «تكتشف بعد فترة أن هذه البطولات «وهمية»، ووقتها الزمني لا يناسب اللاعبين، وأن الهدف الرئيس من إدراجها هو الحصول على المبالغ المالية التي سترصدها الرئاسة لها»، مشددا على ضرورة أن يكون هناك نظام يمنح الاتحاد الحق في الحصول على تمويل للبطولات التي يشارك بها، ويمنعه أيضا من التلاعب والاحتيال على الرئاسة.

من جهته، يتطرق يوسف العصيمي للأخطاء التي وقع فيها اتحاد كرة السلة وتسببت في هبوط مستوى اللعبة، والتي منها مشاركة اثنين من المحترفين الأجانب مع الفريق، أي ما يمثل 40 في المائة من عناصر الفريق، وغالبا ما يكون هؤلاء اللاعبون في المراكز المهمة، مما أضعف فرصة اللاعبين المحليين فيها وجعل دورهم تكميليا، إلى أن تداركوا الوضع بعد مرور 4 سنوات وأصبح هناك لاعب محترف واحد.

ويواصل العصيمي قوله «من الأخطاء أيضا ما تم ابتكاره تحت مسمى «التوأمة»، حيث تتم توأمة بين كل ناديين في منطقة واحدة، فإذا جاء موعد مباراة الهلال والأهلي فإن النصر يحضر معه ويلتقي بالاتحاد في اليوم نفسه، وفي اليوم التالي يلتقي الهلال بالاتحاد والنصر بالأهلي، وفي الدور الثاني يأتي الاتحاد والأهلي ويلتقيان مع النصر والهلال في يومين متتاليين».

وهذه الخطوة بحسب العصيمي «كانت تهدف إلى تقليص النفقات، لكنها أضرت بالدوري كثيرا، كونها حولت الموسم الرياضي من 7 أشهر إلى 4، وبالتالي أصبح اللاعبون متوقفين عن مزاولة اللاعبة أغلب شهور السنة.. كما أنها أفقدت الأجهزة الفنية القدرة على تصحيح أخطائها وعلاج لاعبيها المصابين وبالتالي الاستفادة من قدراتهم في المباريات».

ويضيف العصيمي «من الأخطاء الجسيمة أيضا عدم وجود مدرب متفرغ للمنتخب الأول منذ 15 عاما وكذلك للمنتخبات السنية، حيث تتم الاستعانة عادة بأحد مدربي الأندية الأجانب لتدريب المنتخب عند وجود بطولة ما، مما أفقد المنتخب هويته نتيجة تعاقب المدربين وعدم الثبات على آلية لعب محددة».

ويتفق الخويلدي مع العصيمي حول أخطاء المدربين بقوله «يصدف أن يحضر اتحاد اللعبة مدربا أجنبيا على قدر كبير من المهارة، ولكن نظرا لأن معظم اللاعبين إما طلاب أو موظفون، فإنهم لا يتم تفريغهم بالشكل الكامل للتدريب، وبالتالي لا يحصلون على كفايتهم التدريبية، ويستعاض عن ذلك بالإعداد قصير المدى قبل البطولات، بمعنى أن معظم الدول تعمل على تجهيز لاعبيها لـ4 سنوات للمشاركة في البطولات الأولمبية، ونحن استعداداتنا تتم آخر 4 أشهر قبل بدء البطولة».

* الاتحادات الرياضية

* أوضح محمد العجاجي أن الاتحادات الرياضية تعاني من ضعف الميزانيات، وبالتالي فإن إسناد رئاسة الاتحاد لشخصية ترتكز على قاعدة مالية قد يكون عاملا مساعدا لنجاحه، باعتبار أنه قادر على تخطي الصعاب التي تعترض طريقه من جيبه الخاص. ويضيف العجاجي «رياضة التنس مكلفة ماليا، ولولا دعم أولياء الأمور وتفهمهم لطبيعة اللعبة التي تتطلب تغيب أبنائهم عن الدراسة بشكل متكرر بسبب مشاركتهم في البطولات والمعسكرات، لكان الوضع أسوأ»، منوها «تبلغ تكلفة مضرب اللعب نحو 800 ريال، والزي الرياضي يقترب من 2000 ريال، فإذا علمنا أن اللاعب يحتاج لأكثر من مضرب لعب في كل بطولة، فيمكن تخيل حجم المبالغ الواجب توافرها للاعب واحد كي يمارس اللعبة».

أما يوسف العصيمي فيرى أنه من أنصار التجديد الدوري للاتحادات، شريطة أن يكون العاملون فيها من المهتمين باللعبة، ويقول «أقبل أن يكون رئيس الاتحاد من خارج المنظومة لكي يستطيع أن ينمي موارده ويجلب الشركات الراعية لدعم اللعبة، ويعمل على تذليل الصعاب التي تعترض طريق تطور اللعبة».

ويتفق معه الخويلدي ويزيد «أفضل شخص يمكن أن يتولى إدارة اتحاد رياضي هو من عاصر رياضته من سن مبكرة، وبالتالي فهو يمتلك الرؤية لحل جميع المشاكل التي تعترضه، ولديه الحلول الآنية أو النهائية لعلاجها».

ويتساءل الدكتور هاني بقوله «يتقاضى مديرو الاتحادات الحاليون مبلغ 2000 ريال شهريا نظير أعمالهم.. بالله عليك ما الذي تتوقعه من شخص يقبل أن يتقاضى هذا المبلغ؟ هل يوجد شخص مؤهل وقادر على التطوير يقبل أن يبدد وقته وطاقته بهذا المبلغ؟».

ولا ينكر رئيس اتحاد الجودو والتايكوندو أن آلية تقييم الاتحادات الحالية غير صحيحة ويقول «يجب أن يكون هناك تقييم سنوي للاتحاد، وتقييم لا يعتمد على ما يتحقق من إنجاز فقط، بل بالبرامج التي يضعها والأهداف التي يحققها، ومدى عمله على انتشار هذه اللعبة وزيادة فنياتها.. الميداليات بالطبع مهمة ولكن يجب ألا تكون هي المعيار الوحيد، يجب أن تكون جميع هذه الخطوات مقيمة بنقاط ومن ثم جمع هذه النقاط لمعرفة مدى نجاح هذا الاتحاد من عدمه».

ويتابع الدكتور هاني «قد يستغرب البعض هذا القول، لكن الحقيقة أنك قد تشارك في بطولة ما وتحصد ميدالية معينة، ويسعد الجميع بها، من دون أن يكلف البعض نفسه معرفة أن عدد المشاركين في هذه البطولة لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة أو أقل، وبالتالي فإن الفوز بإحدى ميدالياتها إن لم يكن حتميا فهو بأقل جهد». ويضيف «المشكلة الكبيرة هي ربط النجاح في رياضة ما بالمكافأة المرصودة، بمعنى أن الرياضي لا يمارس هذه الرياضة إلا إذا كانت هناك بطولة أو جائزة يهدف للحصول عليها.. لن تتقدم الرياضة لدينا ما لم تصبح الرياضة بالنسبة للرياضي ثقافة حياة».

* خارطة طريق

* يعتقد الدكتور هاني نجم أن استراتيجية من محورين قادرة على إحداث نقلة نوعية في تطوير الرياضات المختلفة، الأولى نشر اللعبة على أكبر شريحة ممكنة حتى يسهل اختيار الأفضل منها لتمثيل المنتخب في المحافل الدولية، والثانية نشر جودة اللعبة، باختيار الكفاءات التدريبية القادرة على صقل مواهب النجوم.

ويعتقد الدكتور نجم أن الوقت قد حان لأن تكون الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الرياضة والشباب «وزارة»، مفيدا «ما دامت هناك قناعة بأن التحول إلى وزارة سيتم بعد فترة زمنية معينة، طالت أم قصرت، فلماذا لا يكون هذا التحول الآن؟». ويتابع «لا بد أن يكون هناك تأثير مباشر من الجهة الراعية للرياضة على نشر الثقافة الرياضية في المجتمع، يجب أن تكون هناك مراكز يستطيع أن يمارس فيها الشاب للرياضة، وليس بالضرورة أن تكون هذه المراكز خاصة، حيث إنه من الواجب أن تكون المساحات المناسبة لتأدية الرياضة عليها متاحة ويسهل الوصول لها».

أما محمد العجاجي فيرى أنه يجب إدراج الألعاب الفردية في بعض المدارس، وإيجاد البنية التحية لممارسة اللعبة، مع تنظيم البطولات اللازمة لجذب المواطنين، وتقديم الدعم المالي والإعلامي لها.

ويصر العصيمي والخويلدي على أن الحل يكمن في الاستفادة من المراكز التعليمية المنتشرة في أنحاء البلاد، وانتداب الكفاءات التدريبية المؤهلة لنشر الثقافة الرياضية الصحيحة بين الشريحة العظمى من الطلاب.