ثورة فرنسية تسعى بقوة المال للهيمنة على الكرة الأوروبية

موناكو وباريس سان جيرمان يسلحان نفسيهما لتغيير موازين القوى في القارة العجوز

TT

على خلفية اليخوت المتلألئة الراسية على البحر الأبيض المتوسط التي عهدنا رؤيتها في عدد كبير من الأفلام الكلاسيكية، ظهر لاعب كرة قدم شهير وهو يمسك بالقميص رقم تسعة أمام وسائل الإعلام. وبعد مرور سبعة أيام، وعلى بعد 1000 كيلومتر إلى الشمال، ولكن على خلفية أكثر تواضعا ودعاية لكثير من العلامات التجارية، ظهر نجم آخر يمسك بالقميص رقم تسعة لحظة تقديمه لوسائل الإعلام أيضا. هذان المشهدان كانا للنجم الكولومبي راداميل فالكاو الذي انتقل من أتليتكو مدريد الإسباني إلى موناكو الفرنسي والنجم الأوروغواياني إدينسون كافاني الذي انتقل من نادي نابولي الإيطالي إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، ليصبحا أحدث الأسلحة الكروية في الدوري الفرنسي في إطار السباق المحموم بين موناكو وباريس سان جيرمان، للهيمنة على كرة القدم الفرنسية والأوروبية.

وإذا كان حصول نادي ليون على لقب الدوري الفرنسي سبع مرات في العقد الأول من القرن الجديد شيئا سيئا لعشاق الساحرة المستديرة الذين يبحثون عن المتعة والإثارة والمنافسة القوية، فإن الشيء الأسوأ هو الاحتمال الكبير لهيمنة موناكو وباريس سان جيرمان على البطولة وعلى البطاقتين المؤهلتين لدوري أبطال أوروبا خلال السنوات المقبلة، في ظل المنافسة الشرسة بين مالك نادي موناكو الملياردير الروسي ديمتري ريبولوفليف ومالك نادي باريس سان جيرمان القطري ناصر الخليفي للتعاقد مع لاعبين من العيار الثقيل، ويكفي أن نعرف أن موناكو قد تعاقد مع فالكاو مقابل 53 مليون جنيه إسترليني، في حين تعاقد باريس سان جيرمان مع كافاني مقابل 55 مليون جنيه إسترليني.

وعلى الرغم من أن نادي موناكو الصاعد حديثا للدوري الفرنسي الممتاز لن يشارك في النسخة المقبلة من دوري أبطال أوروبا، إلا أنه قادر على جذب النجوم من زاوية أخرى تتمثل في أن إمارة موناكو تعد ملاذا ضريبيا، بمعنى أن اللاعبين سيحصلون على رواتبهم خالية من الضرائب، وهو ما يثير حفيظة باقي الأندية.

وقال فالكاو عقب وصوله للنادي الفرنسي: «أعرف أن مجيئي إلى هنا كان مفاجأة بالنسبة للبعض»، ولكن، وفقا لـ«آدم شيرجولد» الناقد الرياضي في صحيفة «ديلي ميل» البريطانية، فإن أفضل مهاجمي العالم لا ينتقلون إلى أندية صاعدة للتو من القسم الثاني، إلا إذا كانوا يحصلون على مبالغ خيالية! وعلى الرغم من أن حامل لقب الدوري الفرنسي باريس سان جيرمان قد تعاقد فقط مع كافاني ليضيفه إلى كوكبة النجوم الموجودة بالفعل في النادي، فإن موناكو قد تعاقد مع فالكاو، ومواطنه جيمس رودريغز مقابل 39.6 مليون جنيه إسترليني، ونجم بورتو البرتغالي جواو موتينهو مقابل 22 مليون جنيه إسترليني.

ويضيف شيرجولد: «من المؤكد أن موناكو وباريس سان جيرمان أصبحا فرسي الرهان في النسخة المقبلة من الدوري الفرنسي، كما أن هذا الإنفاق الخيالي سيحول ميزان القوى في أوروبا باتجاه فرنسا للمرة الأولى، فبعدما هيمنت الأندية الإنجليزية والإسبانية على بطولة دوري أبطال أوروبا لسنوات كثيرة، دخلت الأندية الألمانية المنافسة بقوة العام الماضي، وها هي الأندية الفرنسية تدعم صفوفها بنجوم من العيار الثقيل ومبالغ فلكية قبيل تطبيق قواعد اللعب المالي النظيف التي يقرها الاتحاد الأوروبي».

ووفقا لشيرجولد، لا يزال هناك حديث عن أن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم ليس متأكدا من كيفية تطبيق تلك القواعد، وهو ما يعني أن تطبيقها قد يستغرق عدة سنوات. في الحقيقة، يتمثل التهديد الأكبر لنادي موناكو في رغبة الدوري الفرنسي في تطبيق القواعد المالية والضريبية نفسها على جميع أندية المسابقة، بما في ذلك موناكو الذي يتمتع بأنه تابع لمنطقة ملاذ ضريبي، بداية من العام المقبل.

ويتهم نادي موناكو السلطات بأنها «تصوب أسلحتها تجاه النادي»، وأن ذلك قد يقوض قدرة النادي على التعاقد مع لاعبين من العيار الثقيل. وثمة تهديد آخر بانفصال موناكو عن الدوري الفرنسي والانضمام إلى الدوري الإيطالي، ولكن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم يدرك جيدا أن إقصاء موناكو عن المسابقة يعني أن باريس سان جيرمان سيهيمن على كل شيء، ولذا يعمل الاتحاد على التوصل لحل وسط يرحب بالثروة الطائلة للملياردير الروسي ريبولوفليف، ويضمن قيام جميع الأندية بدفع الضرائب والرسوم بشكل عادل. وفي ضوء تهديدات الاتحاد الأوروبي والاتحاد الفرنسي لكرة القدم، فإن عنصر الوقت يمثل أهمية قصوى لنادي موناكو، الذي حقق أفضل أداء له في دوري أبطال أوروبا عام 2004، عندما وصل للمباراة النهائية وخسر البطولة أمام بورتو البرتغالي، تحت قيادة المدير الفني البرتغالي جوزيه مورينهو.

ويدرك المدير الفني لنادي موناكو كلاوديو رانيري أنه يتعين على ناديه التأهل للنسخة المقبل من دوري أبطال أوروبا، من خلال الفوز بالدوري الفرنسي، وإلا فإن النادي لن يكون قادرا على جذب اللاعبين الكبار في القارة العجوز. ويضيف شيرجولد: «وحتى يتمكن النادي من القيام بذلك تعاقد مع موتينهو، الذي سيكون اللاعب المحوري في خط وسط الفريق والممول الرئيس للنجم الكولومبي فالكاو في الخط الأمامي، في الوقت الذي يشغل فيه رودريغز الجانب الأيمن أو الأيسر، حسب حاجة الفريق. وقد يستعين المدير الفني بالنجم الفرنسي جيريمي تولالان، المقبل من نادي مالقة الإسباني، للعب في خط الوسط بجوار موتينهو، على أن يلعب نجم برشلونة السابق إريك أبيدال في الجانب الأيسر، والنجم ريكاردو كارفاليو، الذي تعاقد معه النادي عقد انتهاء عقده مع ريال مدريد، في قلب الدفاع. وبهذه التشكيلة القوية، يبدو أن النادي سيكون قادرا على المنافسة على لقب الدوري الفرنسي بكل قوة».

ولا يمكن استبعاد تعاقد موناكو مع لاعبين جدد خلال الفترة المقبلة، ولكن على الجانب الآخر يجب التأكيد على قوة باريس سان جيرمان، الذي يملك تشكيلة قادرة على المنافسة على الألقاب المحلية والقارية بكل قوة، ويكفي أن ننظر للخط الأمامي للفريق بقيادة العملاق السويدي زلاتان إبراهيموفيتش، الذي أثبت أنه يستحق المبلغ الخيالي لصفقة انتقاله للنادي الفرنسي، حيث أحرز 35 هدفا في 46 مباراة، قاد بها الفريق للحصول على لقب الدوري الفرنسي، وسيكون الخط الأمامي للفريق أكثر قوة وصلابة مع وجود كافاني وإزيكيل لافيتزي. ويملك المدير الفني لنادي باريس سان جيرمان لوران بلان خط وسط حديديا يضم كل من تياغو موتا وجيرمي مينيز وماركو فيراتي وخافير باستور ولوكاس مورا، وهو بالتأكيد أفضل خط وسط في فرنسا بفارق كبير عن باقي الأندية الفرنسية وثاني أفضل خط وسط في أوروبا بعد بايرن ميونيخ الألماني.

وعندما انتقل كافاني إلى باريس سان جيرمان، تحدث عن «مشروع» بناء فريق قوي، وهو ما يلقي الضوء بالتأكيد على حقيقة أن الخليفي يعتزم ضخ ملايين أكثر من ريبولوفليف، ويعني أن باريس سان جيرمان ربما يعقد صفقات من العيار الثقيل قبيل انطلاق دوري أبطال أوروبا في شهر سبتمبر (أيلول)، ويعني أيضا أن العملاق الفرنسي ربما يسعى للوصول للمباراة النهائية للنسخة المقبلة من البطولة الأقوى في القارة العجوز، وهو بالتأكيد حلم مشروع لفريق يضم هذه الكوكبة من النجوم. وخلاصة القول: يقوم موناكو وباريس سان جيرمان بتسليح أنفسهما للقيام بثورة فرنسية في عالم الساحرة المستديرة، ويتعين على باقي الفرق الأوروبية أن تعي ذلك جيدا.