الجماهير السعودية.. من غيبها عن المدرجات

«الشرق الأوسط» تسلط الضوء على أسباب «تسرب» المشجعين من الملاعب

TT

كشفت أرقام حديثة للحضور الجماهيري في الملاعب السعودية خلال 546 مباراة أقيمت في المواسم الثلاثة الأخيرة، حضور 2206242 مشجعا في جميع الملاعب التي استضافت مباريات دوري «زين»، بمعدل 4041 متفرجا لكل مباراة.

وفيما سجّلت مباراة الشعلة ونجران في الخرج أسوأ حضور جماهيري بواقع 77 مشجعا، جاءت مباراة الأهلي والاتحاد بمدينة الملك عبد العزيز الرياضية في مكة المكرمة كأعلى معدل جماهيري خلال موسم 2012 - 2013 بواقع 28188 مشجعا.

ورغم أن ملعب الأمير عبد الله الفيصل بمحافظة جدة أغلق الموسم الماضي لأعمال الصيانة وتوسعة مدرجاته ولم يستضف أي لقاء خلال الموسم الماضي، فإنه ما زال محافظا على تصدره كأعلى معدلات الحضور الجماهيري، بإجمالي 8495 مشجعا لكل مباراة.

في هذا التحقيق تفتح «الشرق الأوسط» ملف الحضور الجماهيري، وتسأل فيه أهل الاختصاص حول ما يدور في الشارع الرياضي من أحاديث حول أسباب غياب هذه الجماهير عن المدرجات.. وهل لضعف البنية الإنشائية للملاعب وسوء الخدمات دور في ذلك أم أن السبب هو ضعف مستوى المسابقات وغياب «نجوم الشباك»؟

أوضح محمد النويصر، نائب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم رئيس رابطة المحترفين، أن جميع الملاعب السعودية رغم أنها قديمة، حيث أنشئ آخر ملعب قبل أكثر من 24 عاما (استاد الملك فهد الدولي بالرياض)، فإن إمكاناتها عالية من حيث الطاقة الاستيعابية، مفترضا أن تشهد هذه الملاعب تحديثات في الفترات المقبلة توائم متطلبات الجماهير والاشتراطات الدولية.

وبيّن النويصر أن الملاعب الحالية تتميز بمواقعها الجغرافية، مما يتيح لها تنفيذ الكثير من الخدمات التي تعود عليه بالفائدة، مشددا على فكرة بقائها في مكانها وإعادة بنائها من جديد، كما يحدث في ملعب الأمير عبد الله الفيصل بجدة الآن، حيث سيتضاعف عدد الجماهير فيه.

ولم ينفِ النويصر أن جميع الملاعب عندما صممت قديما لم تراعِ الخدمات المفروض تواجدها الآن، كالمأكولات والمشروبات، ودورات المياه، والأمن والسلامة، مستدلا على ذلك بدخول وخروج اللاعبين لأرض الملعب من الأطراف، في حين أن الاشتراطات الدولية تفرض دخولهم من تحت المنصة، وهو ما يجري العمل على تعديله في معظم الملاعب التي تستقبل مباريات الدوري.

ويتفق محمد الدويش، المحامي القانوني والناقد الرياضي، مع ما ذهب إليه النويصر من أن البيئة الرياضية وإن كانت جاذبة فيما مضى، إلا أنها أصبحت غير مقنعة للمشجع السعودي الآن، خاصة بعد انفتاحه على البطولات العالمية وحضوره الكثير من المباريات في ملاعب دول الجوار، وأصبح يقارن بين الخدمات التي يحصل عليها في هذه الملاعب وبين ما يقدّم له في ملاعبه.

ويضيف الدويش: «المشكلة أن المشجع الآن وهو في طريقه إلى الملعب يستطيع الحصول على جميع ما يحتاج إليه من وجبات غذائية ومشروبات ساخنة وباردة من مختلف المطاعم والكافيهات التي في طريقه، ويتوقع أن يجد في الملعب خدمات مشابهة لها، إلا أنه يفاجأ بانخفاض مستوى الخدمة المقدمة، فضلا عن سوء التنظيم عند الدخول والخروج، وعدم وجود ترقيم للمقاعد يسهل عليه الجلوس في المقعد المخصص له».

ويتابع الدويش قائلا: «إذا غضضنا الطرف عن مسألة ترقيم المقاعد، وكذلك عن أرضية الملعب، والبيئة التحتية لكل ملعب، فلا يمكننا أن نغضّ النظر عن الخدمات، فلا أعتقد أن مسألة توفير بوفيهات على مستوى عالٍ، أو إيجاد أماكن محترمة للمشروبات، مسألة تحتاج إلى مال أو جهد أو وقت.. لماذا تغيب هذه الخدمات عن الملاعب؟».

ولا يختلف صالح القرني، رئيس رابطة مشجعي نادي الاتحاد، مع القائلين بأن بيئة الملاعب لم تشهد أي تطوير منذ إنشائها، ويقول: «ملعب الأمير عبد الله الفيصل بجدة منذ أن حضرت أول مباراة أقيمت عليه في عام 1970 لم يشهد أي عمليات تغيير سوى قبل سنوات عندما اشترط الاتحاد الآسيوي استبدال المدرجات الخرسانية بالكراسي البلاستيكية».

ويضيف: «أما الخدمات المقدمة للجماهير فهي ضعيفة جدا، وبخاصة دورات المياه، والوجبات والمشروبات المقدمة، التي بدأت بساندويتشات بيض وجبن وشاي ومشروبات غازية، وظلت على حالها دون تغيير رغم تعاقب السنين والأجيال»، متسائلا: «لماذا لا نشاهد في الملاعب مطاعم الوجبات السريعة التي نشاهدها في الشوارع والأسواق».

ويرجح محمد النويصر أن رعاية الشباب تسعى إلى تنفيذ هذه المتطلبات، غير أنها محكومة بميزانيات يجب إقرارها من الجهات العليا، كما حصل مع ملعب الأمير عبد الله الفيصل، عندما أمر له خادم الحرمين الشريفين بمبلغ 90 مليون ريال لإجراء تحديثاته الجديدة، التي ستوفر للجماهير خدمات طال انتظارها، كإمكانية الحصول على تذاكر الدخول مسبقا، ووجود مواقف خاصة لسيارات أصحاب التذاكر الغالية، وتقديم وجبات غذائية ومشروبات على مستوى عالٍ.

ويرد المهندس سلمان النمشان، مدير ملعب الملك فهد الدولي (سابقا) وعضو لجنة الاتحاد الدولي للأمن والسلامة والمراقب الدولي والآسيوي والمسؤول الأمني في الاتحاد الآسيوي، بقوله: «تسويق المباريات ليس مسؤولية مديري الملاعب أو رعاية الشباب، بل هي من صلاحيات الأندية والمتعهدين الموقعين عقودا ملزمة التنفيذ معها».

ويضيف: «النادي الأهلي لديه متعهد لتقديم وجبات جماهيره في المباريات التي تقام على أرضه، حيث يحضر المتعهد تجهيزاته ويستخدم المواقع المتاحة له في الملعب لتقديم هذه الخدمات، وبعد انتهاء المباراة عليه إزالة هذه التجهيزات ليسمح لمتعهد نادي الاتحاد - على سبيل المثال - بأن يحضر تجهيزاته في اليوم التالي ليقدم خدماته لجماهيره عندما يستضيف فريقا آخر على أرضه».

ويثني النويصر على حديث النمشان بقوله: «عندما أبرمت الأندية عقود الرعاية مع الشركات الراعية لها، حصلت الأخيرة على حق تسويق تذاكر المباريات والوجبات الغذائية للجماهير، وبالتالي كان من الصعب إجراء أي تغيير في هذا الشأن حتى انتهاء هذه العقود، وحاليا بعد انتهاء معظم هذه العقود، حيث لم يتبقَ سوى عقد (موبايلي) مع الهلال، أصبح كل نادٍ حرا في تقديم الوجبات التي يريدها لجماهيره، ويحصل على الدخل المناسب لها».

ويرجع رئيس رابطة المحترفين السعودي سوء الخدمة المقدمة للجماهير أو ضعفها إلى ارتفاع تكاليف تجهيز الملاعب من قبل المتعهدين وإزالتها بعد كل مباراة، مع محدودية المباريات التي يشرف عليها، وبالتالي انتفاء دافع الربح لديه لتحسين جودة ما يقدمه للجماهير.

ويضيف: «اكتشفنا أنه من الصعب على أي مستثمر يرغب في الدخول لقطاع (التموين) أن يستثمر في نادٍ واحد أو مدينة واحدة، كون الدراسات العالمية تشير إلى أن نسبة المستفيدين من الوجبات المقدمة في الملاعب لا تتجاوز 30%، وهذه النسبة متغيّرة بحسب ما يقدم وتكلفته المالية، وبما أن متوسط الحضور الجماهيري في الملاعب السعودية يقترب من 6000 شخص في المباراة الواحدة، والفترات المتاح فيها البيع ستكون قبل بداية المباراة وبين الشوطين، فإن العائد لن يكون مجديا فيما لو تم التعاقد مع أكثر من متعهد لتغطية احتياجات الملاعب السعودية».

ويتفق النمشان مع النويصر في أن اتفاق جميع الأندية على متعهد واحد سيرتقي بالخدمة المقدمة للجماهير، شريطة أن يكون هناك ضبط لحصص الأندية وفق قواعد محددة تراعي جماهيرية هذه الأندية والبطولات التي تنافس على تحقيقها.

* التذاكر الإلكترونية

* ويصف صالح القرني آلية حصول الجماهير على التذاكر بالمزعجة جدا، حيث تتغير منافذ البيع ومواعيد بيعها بتغيير الفريقين المتقابلين، بخلاف ما كان يحدث في السابق، عندما كانت تباع في 12 مكتبة قرطاسية معروفة وثابتة في المدينة، بالإضافة إلى أكشاك البيع عند مداخل الملعب.

ويضيف: «وإن كنت لا أستطيع أن أغفل دور الزيادة السكانية التي حدثت في المدينة وبقاء القدرة الاستيعابية للملعب على حالها، إلا أن ابتكار حلول تسهل على الجماهير حصولها على التذاكر ليس بالأمر العسير».

ويُبعد المهندس سلمان النمشان تهمة القصور في بيع التذاكر عن إدارات الملاعب، ويقول: «لكل نادٍ شركة خاصة به لتسويق تذاكره، وهي التي تختار مواقع وطرق البيع، وتتحكم في كيفية دخول وخروج الجماهير، وبالتالي يصبح دور مدير الملعب التأكد من تنفيذ الأمر وفق الاشتراطات السليمة، أي أن دوره إشرافي وتنسيقي بين الشركة المسوّقة والجهات الأمنية والطبية الموجودة داخل الملعب».

وهنا يتدخل محمد النويصر بقوله: «كرابطة للمحترفين أبرمنا عقدا مع شركة (آر بي إم) و(البريد السعودي) لتنفيذ مشروع تذاكر المباريات، وبما أننا لا نستطيع إجبار الأندية على التوقيع مع هاتين الشركتين، إلا أننا أوصينا بهما ومنحناهما كافة الامتيازات التي تخولهما تنفيذ خدمة إصدار التذاكر ووصولها للمستفيدين في أي مكان بكل يسر وسهولة، سواء إلكترونيا أو عبر مراكز البريد المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، التي تضمن للمشجع كرسيا محددا في المكان الذي اختاره».

ويضيف: «من الصعب على نادٍ واحد تولي تشغيل خدمة إصدار التذاكر إلكترونيا بنفسه، لأنها استثمار كبير ومكلف جدا على الأقل في المرحلة الحالية، لذا فإن العقد الموحد مع شركة متخصصة في تسويق تذاكر جميع البطولات السعودية لمختلف الدرجات، سيخفض من التكاليف وبالتالي سيحسن الخدمة المقدمة للجماهير».

* الأمن والسلامة

* ويرجح المستشار القانوني محمد الدويش أن تكون الملاعب السعودية الوحيدة في العالم التي تبعد فيها مدرجات الجماهير عن أرض الملعب، مما يؤثر على حضورها وتفاعل اللاعبين معها، ويقول: «في البطولات الأوروبية تشاهد الجماهير أثناء حركة الكرة، أما في ملاعبنا فتشعر بأن المباراة تقام بلا جماهير، هذا فضلا عن رداءة الهندسة الصوتية داخل الملعب، وبالتالي لا يصل صوت الجماهير إلى اللاعبين فيبث فيهم الحماس».

ولا يستبعد الدويش أن يكون الهاجس الأمني هو السبب الرئيس لإبعاد الجماهير عن أرض الملعب، ويتساءل: «كيف ستتصرف الأجهزة المعنية بأمن الملاعب مع المخالفات السلوكية والدخول إلى أرض الملعب المتوقعة، فيما لو أصبحت الجماهير على تماس مع اللاعبين، كما يزمع تنفيذه في استاد الملك عبد الله الدولي الجديد بجدة».

ويتداخل النويصر بقوله: «أنا من المؤيدين بشدة لفكرة أن تكون المدرجات على مقربة من أرض الملعب، كون ذلك يبث الحماس في نفوس اللاعبين، ويبهج الجماهير لقربها من نجومها»، مضيفا: «بالنسبة إلى المخاوف التي تنتاب البعض من إمكانية حدوث شغب بين الجماهير واللاعبين أو دخول بعض الجماهير لأرض الملعب، فأعتقد أننا لو وضعنا القوانين الصارمة التي تجرّم هذا الفعل وطبقناها بشدة، كما يحدث في البطولات والدوريات العالمية، فإنه بالإمكان القضاء على هذه المخاوف».

ويعقب النمشان على ذلك بقوله: «يختلف الاستعداد لأي مباراة عن الأخرى، فمباريات الديربي تختلف عن الكلاسيكو، ومباريات الأندية الكبيرة مع الكبيرة يختلف عن مبارياتها مع الصغيرة، وحساسية المباراة وتأثيرها على ترتيب الدوري صعودا وهبوطا يجب أخذه في الحسبان، كذلك لا يمكن إغفال دور الإعلام وتعاطيه مع المباراة المراد إقامتها، وهنا يأتي دور مدير الملعب في تقدير أهمية المباراة ووضع التصور اللازم لها، وإشعار جميع الجهات الأخرى المسؤولة عن تأمين المباراة لاتخاذ كافة التدابير التي تضمن وصول المباراة إلى بر الأمان دون مشاكل».

* غياب الجماهير

* يجزم محمد النويصر بأن هناك أسبابا عدة تؤدي إلى غياب الجماهير عن المدرجات، لعل في مقدمتها - كما يرى - يعود إلى ضعف المستوى الفني وغياب النجوم، ويقول: «لو كان لديك مسابقة رياضية جيدة ولاعبون محليون موهوبون وأسماء أجنبية على قدر كبير من النجومية، فإن الجماهير ستحضر إلى المدرجات بغض النظر عن حالة الخدمات الموجودة في الملاعب»، مضيفا: «في السابق عندما كان النجوم يملأون الملاعب كان الحضور الجماهيري كثيفا، رغم أن المدرجات التي كانوا يجلسون عليها إسمنتية».

من جانبه يرى النمشان أنه بخبرة 32 عاما قضاها كمسؤول يتعامل عن قرب مع كرة القدم ومتغيراتها يستطيع الجزم بأن الجمهور السعودي مزاجي، فقد يصدف أن يكون فريقه متصدرا للدوري ولكنه لا يحضر مبارياته، وقد يصدف أيضا أن يكون فريقه مهزوما في المباراة السابقة ويؤدي أسوأ مستوياته، ويفاجئه بالحضور في المباراة المقبلة وبكثافة، لا يوجد معيار يمكن من خلاله تقدير حضور الجماهير من عدمه، لأن الجماهير تتحرك بغريزتها والمعطيات التي تبنيها بنفسها.

ويتابع النمشان: «الجماهير في السابق كانت تحضر إلى الملعب من أجل النجوم أمثال ماجد عبد الله، ويوسف الثنيان، وعبد الرزاق أبو داود وغيرهم، فقط لتحقيق المتعة لها»، مضيفا: «بعد أن اختفى (النجم) من الملاعب، وأصبح الولاء للنادي الذي يدفع أكثر، فقدت هذه الجماهير الرابط الذي كان يربطها بنجومها، وبالتالي أصبح الحافز الذي كان يحضرها في السابق إلى المدرجات إما مفقودا أو غائبا».

ويثني صالح القرني على كلام النمشان بقوله: «قد لا يدرك البعض أن الجماهير لا تنتظر من نجومها تسجيل الأهداف فقط، وإنما ترغب في إمتاعها، من خلال تمرير الكرة بين قدمي لاعب الفريق المنافس، وتسجيل هدف بالكعب وآخر بلعبة مقصية، هذه الأمور غابت عن ملاعبنا فغابت الجماهير».

ويضيف: «أخبرني المدرب الإنجليزي بوب هاوتون أن لاعب كرة القدم أشبه بنجم السيرك العالمي، الذي يتطلب منه دوما تقديم أفضل العروض لإسعاد الجماهير التي حضرت لمشاهدته، فمتى ما توقف عن إبهارهم فإنهم سيتوقفون عن الحضور لمشاهدته».

ويتابع: «للأسف هذه الثقافة غائبة عن ذهن اللاعب السعودي، فهو يبحث عن المادة دون أن يلقي بالا للجماهير التي حضرت لمشاهدته»، ويتساءل: «هل يوجد في ملاعبنا اليوم نجم بحجم خالد مسعد أو يوسف الثنيان أو ماجد عبد الله.. أعتقد أن عقد مقارنة بين النجوم السابقين والحاليين ظالمة جدا».

* النقل التلفزيوني

* يتفق سلمان النمشان ومحمد النويصر على أنهما ضد تشفير النقل التلفزيوني ومع تقنينه، فلو اقتصر النقل التلفزيوني على المدن التي لا تقام فيها المباريات، فإن ذلك سيحفز الجماهير على الحضور إلى الملعب.

ويزيد النمشان: «أصبح البعض يفضل متابعة المباراة من بيته أو في المقهى عبر الشاشة الفضية والاستمتاع بالنقل التلفزيوني وإعادة اللقطة والأهداف أكثر من مرة ولأكثر من زاوية على الذهاب إلى الملعب متكبدا عناء الطريق إلى الملعب والبحث عن موقف لسيارته، والتدافع عند الدخول والخروج، والخدمات غير الجيدة».

ويختلف الدويش مع النمشان بقوله: «للأسف لم يتطور النقل التلفزيوني كثيرا عما كان عليه الوضع من قبل، فما زالت الصورة رديئة والمعلقون دون المستوى ومتابعة الكرة ضعيفة، وبالتالي فإن النقل التلفزيوني بريء من تهمة هروب الجماهير من المدرجات».

ويطرح صالح القرني سببا آخر لتفضيل الجماهير المتابعة التلفزيونية على الحضور إلى الملعب بقوله: «يقضي المشجع العادي نحو 6 ساعات لحضور مباراة فريقه في الملعب والعودة مرة أخرى إلى منزله، حيث يتطلب منه الحضور مبكرا لضمان حصوله على تذكرة الدخول إذا كانت المباراة جماهيرية، أو بعد المغرب إن كان الفريقان أو أحدهما لا يحظى بجماهيرية عالية، وفي كلا الحالتين لا يسمح له بدخول المدرجات إلا بعد صلاة المغرب».

ويضيف: «هذا الأمر بالإضافة إلى القرارات التعسفية التي تصدرها إدارات الملاعب ضد الجماهير بين الحين والآخر، كمنعهم من حمل الأعلام والشعارات المكتوب عليها عبارات تعبّر عن محبتها لفريقها ونجومها، أو منعهم من إدخال سجادات الصلاة، أو حملهم الكاميرات والأقلام، كلها أمور تجعل من المتابعة التلفزيونية خيارا أفضل للجماهير من الحضور إلى الملعب».

ويعود النمشان ويطرح مسألة توقيت المباريات ويصفه بالسيئ، ويقول: «معظم المباريات تقام بعد صلاة العشاء في مكة المكرمة؛ بمعنى أن المشجع لو حضر إلى أرض الملعب سيكون في بيته بعد الساعة 11 ليلا»، ويتساءل: «كم من الأهالي يقبل بأن يعود ابنه الصغير أو المراهق إلى المنزل في هذا التوقيت المتأخر.. لماذا لا يكون الشوط الأول بعد صلاة المغرب والثاني بعد العشاء؟».

* توقيت المباريات

* ويشير رئيس رابطة المحترفين السعودية إلى أنهم اقترحوا إقامة المباريات في 3 أوقات مختلفة، بعد العصر وبعد المغرب وبعد العشاء، ولكن لاعتبارات الطقس وأخرى دينية رأت أن إقامة المباريات بين المغرب والعشاء سيفوّت على الجماهير صلاة المغرب، فقررنا الاكتفاء بمباريات العصر إن كانت حالة الطقس تسمح ذلك وبعد العشاء. ويضيف النويصر: «ستتم مراعاة طبيعة كل منطقة قبل تحديد موعد إقامة المباريات فيها، فمثلا المنطقة الشرقية يعمل قطاع كبير من أبنائها في شركة (أرامكو)، وبالتالي فإن مباريات العصر لا تتفق مع طبيعة أهل المنطقة، على اعتبار أنهم يغادرون أعمالهم في هذا التوقيت».

ويتفق النمشان والدويش على اختلافهما مع النويصر حيال وضع أكثر من موعد لإقامة المباريات، ويقولان: «أجواؤنا حارة معظم أيام الموسم الرياضي، وبالتالي فإنه من الصعب إقامة المباريات في النهار»، ويضيفان: «أثبتت التجارب السابقة أن إقامة المباريات عصرا في موسم الشتاء لم تغرِ شريحة كبيرة من الجماهير بالحضور، بل على العكس كانت معظم المدرجات تبدو شبه خالية».

ويزيد الدويش: «أنا مع إجراء بعض المناقلات بين المباريات، كأن لا تقام المباريات الجماهيرية في يوم واحد، وبالتالي نحافظ على الزخم الأسبوعي، ونمنح الجماهير الفرصة لمتابعة معظم المباريات».

ويضيف: «يجب مراعاة إقامة المباريات بعد صلاة العشاء في كل منطقة، وليس توحيد جميع المباريات بعد صلاة العشاء بمكة المكرمة، كما هو حاصل الآن، وهذا قد يوفر لنا بعض الوقت، على الأقل نصف ساعة، بين مدينة وأخرى».

ويتفق النمشان والدويش والقرني على أن الدوريات والبطولات الأجنبية تحظى بمتابعة دقيقة من الجماهير السعودية، لذلك يتأثر حضورهم للمدرجات إذا ما تزامنت إحدى مبارياتها الكبيرة مع مباريات الدوري السعودي، على الأقل بنسبة 30%.

ولا ينفي النويصر هذا الاستقطاب، ولكن بحسب آخر دراسة اطلع عليها أشارت إلى أن ولاء الشارع الرياضي ما زال كبيرا للمسابقات المحلية، رغم الاهتمام بالبطولات الأجنبية.

* ملاعب دول الجوار

* يؤكد سلمان النمشان أن حديث الإعلام السعودي عن سوء بيئة ملاعبنا، ومقارنتها بملاعب دول الجوار، وأنها مجهزة بأفضل التجهيزات والخدمات، وهو ما يجذب الجماهير للملاعب، هو حديث مرسل لا يستند على معلومات دقيقة، وهي بالمناسبة أحكام صادرة عن متابعتهم للبطولات المجمعة فقط وليس للنشاط الكروي طوال الموسم.

ويضيف: «من واقع خبرة كمراقب دولي معتمد ومسؤول أمن وسلامة، لا يتفوق علينا في المنشآت الرياضية سوى اليابان وكوريا الجنوبية، أما دول الجوار فمعظم ملاعبها لنا لا تختلف كثيرا عن ملاعبنا، غير أن هذه الدول تجيد تحسين وجهها بـ(المكياج)، إلا أن الأكيد أن حضورهم الجماهيري ضعيف جدا». ويتابع النمشان: «هل تعلم أنه تم رصد 3 ملايين ريال قطري لحضور الجماهير لنهائي أمير قطر، ما يعني أن الجماهير لم تحضر لمشاهدة المباراة بقدر ما أتت للفوز بالجوائز، كذلك الحال في معظم دول آسيا لا يتجاوز الحضور الجماهيري فيها 3000 مشجع أو أقل». ويدلل النمشان على ضعف منشآت بعض دول الجوار بقوله: «كدت أن ألغي إحدى المباريات واعتبار الفريق مهزوما في المباراة 0-3. لأن قياسات الملعب كانت غير قانونية وارتفاع المرمى غير صحيح، فأيهما أهم.. أرضية الملعب وارتفاع المرمى أم المدرجات؟».

ويضيف: «لدينا مشكلة حقيقية في جلد الذات، ننظر للآخرين وهم لا يملكون سوى 4 منشآت ويجيدون تسويقها، وننسى أننا نمتلك عشرات الملاعب ومعظمها على أعلى المواصفات العالمية، نجيد كشف عيوبنا ونغفل عن عيوب الآخرين.. فهل تعلم أن 5000 مشجع في نهائي آسيا 2011 لم يتمكنوا من دخول الملعب رغم امتلاكهم تذاكر الدخول؟ والسبب أن الجهة المنظمة خافت ألا تحضر الجماهير وبالتالي ينكشف وضعهم، فأحضروا عمال الشركات وأدخلوهم مجانا للمباراة، وعندما حضر حاملو التذاكر عجزوا عن التصرف معهم، لأنه كان من المستحيل استيعاب هذا العدد في الملعب أو إخراج الموجودين من هناك.. ومع هذا لم يتطرق للموضوع أي أحد». ويختلف الدويش مع النمشان جزئيا، ويقول: «الكرة السعودية بشكل خاص والرياضة السعودية بمختلف مناحيها لا تقوم على دراسات وأرقام بل على آراء وانطباعات فردية»، مدللا على ذلك بتجربة عودة اللاعب الأجنبي الثانية التي بدأت قبل 20 عاما، وما إذا كانت هناك أي دراسات تقيم هذه المرحلة، وحجم المبالغ التي دفعت فيها، والمردود الذي تحقق، وهل وجودهم ساهم في تطوير الكرة السعودية أم لا؟ كذلك الحال بالنسبة لتطبيق نظام الاحتراف، الذي مضى عليه نحو 20 عاما، ولم نشاهد أي دراسات تبيّن الفوائد التي جنتها الكرة السعودية بعد أن شرعت في تطبيقه.

ويضيف: «ما أراه أن هناك آراء إعلامية وأخرى إدارية يتم الترويج لها عبر فئة من الإعلاميين (المطبلين)، وبالتالي تترجم هذه الآراء إلى قرارات».