كرة القدم تعيش خريفا في دول «الربيع العربي»

مسابقات تلغى ومباريات بلا جمهور وأزمات مالية تهدد بإفلاس الأندية

TT

حالة التخبط وانعدام الاستقرار التي ضربت دول «الربيع العربي» بعد ثوراتها الشعبية، انعكست على الوضع الرياضي بشكل عام وكرة القدم بشكل خاص، حيث ألغت كثيرا من البطولات المحلية وباتت المباريات الدولية تقام خلف أبواب موصدة خوفا من أعمال شغب، فيما تدفع الأندية فاتورة باهظة الثمن للاستمرارية في ظل تراجع المداخيل وعدم القدرة على دفع رواتب اللاعبين.

في مصر وللموسم الثاني على التوالي يتم إلغاء مسابقتي الدوري والكأس بسبب تداعي الحالة الأمنية.

وبعد إلغاء مسابقة الموسم الأول في أعقاب الثورة بعد كارثة ملعب بورسعيد إثر سقوط 74 قتيلا من جماهير النادي الأهلي في اعتداء من جماهير النادي المصري، خرج الاتحاد المصري لكرة القدم الأسبوع الماضي ليلغي مسابقات الموسم الثاني لدواع أمنية.

وأجرى الاتحاد المصري لكرة القدم اجتماعا مع ممثلي الأندية، حيث تم الاتفاق في النهاية على إلغاء المسابقة هذا الموسم، نظرا للظروف الأمنية التي تمر بها مصر حاليا بعد أن رفضت وزارة الداخلية استئناف المسابقة قبل جولة واحدة من نهايتها وقبل مرحلة الدور النهائي للدورة الرباعية بسبب الظروف السياسية التي تشهدها البلاد. وكان مقررا أن تقام مباريات الجولة الثامنة عشرة غير المؤثرة على تأهل الرباعي الأهلي والزمالك والإسماعيلي وإنبي لدورة رباعية لحسم اللقب. أما الدورة الفاصلة فكانت مقررة أساسا في مطلع شهر الشهر الحالي.

وأمام إلغاء المسابقات التي تقام دون حضور جماهيري باتت معظم أندية الدوري المصري، خصوصا الكبرى صاحبة الشعبية مهددة بالإفلاس.

وتعيش أندية الأهلي والزمالك والإسماعيلي والاتحاد السكندري وغزل المحلة أزمات مالية كبيرة حتى إنها عجزت عن تسديد مستحقات لاعبيها، وبات الاستغناء ببيع بعض النجوم أو إعارتهم هو الحل لتسيير الأوضاع ولو مؤقتا.

وكان نادي الاتحاد السكندري قد أعلن أنه قد يشهر إفلاسه بسبب سوء الأحوال المالية وعدم القدرة على دفع رواتب اللاعبين والجهاز الفني، وتدخل رئيسه رجل الأعمال عفت السادات لإنقاذه بدعم خاص، مع إعفاء الجهاز الفني الأجنبي من الاستمرار لعدم القدرة على توفير رواتبهم. ولجأت أندية غزل المحلة والإسماعيلي والمقاصة لبيع بعض اللاعبين مع التوقف عن عقد أي صفقات جديدة.

أما النادي الأهلي، وهو أكبر الأندية المصرية وأغناها بفضل سياسته المنفتحة على التسويق والذي كان دائما عكس جميع الأندية يتباهى بالفائض في أرباحه السنوية، فقد عجزت إدارته وللمرة الأولى عن تسديد كامل مستحقات نجوم الفريق مع إلغاء مسابقة الدوري وهي أحد أهم روافد الموارد المالية للنادي من عوائد المباريات والبث التلفزيوني. وخسر الأهلي بسبب التوقف بعض العقود الإعلانية التي أبرمها مع الشركات الراعية، كما خفض من مقابل البعض الآخر، واضطر النادي لإعارة نجمه الأشهر محمد أبو تريكة لبني ياس الإماراتي لستة أشهر لتفادي دفع راتبه الكبير والاستفادة من المقابل لدفع رواتب باقي اللاعبين. وفي الزمالك لم يختلف الحال كثيرا عن الأهلي، حيث باتت أزمات مرتبات اللاعبين تثار كل يوم، ومجلس إدارة النادي يقاومها بمسكنات الدعم الشخصي من رجال الأعمال أو رئيسه ممدوح عباس. وطالب الزمالك مسؤولي اللعبة والأندية بضرورة البحث عن موارد أخرى لحين يتضح أمر مصير المسابقات.

وفي الإسماعيلي، يعيش النادي أزمة مالية خانقة اضطرته لبيع عدد من لاعبيه المؤثرين من أجل الصرف على بقية الفريق. وإذا كانت الأندية الجماهيرية قد أعلنت عن معاناتها فالأكيد أن الصغيرة منها تصرخ، لأن لاعبيها المحترفين يهددون بالرحيل أو التوقف النهائي بحثا عن قوت يومهم.

* (المسابقة مستمرة في تونس وسط الاضطرابات)

* وإذا كانت هذه هي الأحوال في مصر، فالوضع قد يكون أفضل نسبيا في تونس حيث المسابقات مستمرة لكن وسط أجواء مضطربة.

وأثرت الأوضاع التي شهدتها تونس منذ يناير (كانون الثاني) 2011 على قطاع الرياضة بشكل عام، وعلى فرق كرة القدم بالخصوص. وتجلى ذلك بالأساس في الاضطرابات التي عرفتها روزنامة أغلب الأنشطة الرياضية، بسبب تأجيل عدد كبير من المباريات خلال الموسمين الأخيرين لداوع أمنية وفي برمجة أغلب هذه الأنشطة وخصوصا المحلية دون حضور للجمهور مما تسبب في أزمة مالية خانقة لعدد كبير من الجمعيات الرياضية.

ومن مخلفات هذه الأوضاع مثلا أن مباراة نهائي كأس تونس لكرة القدم لموسم 2011 - 2012 التي كان من المفروض أن تجرى في شهر يونيو (حزيران) 2012 ستجري يوم 11 أغسطس (آب) القادم أي بتأخير أكثر من سنة عن موعدها. في حين جرت منافسات بطولة موسم 2012 - 2013 بنظام المجموعتين عوضا عن مجموعة واحدة كما جرت العادة لاختصار عدد المباريات وتلافي التأخير الحاصل في الموسمين السابقين ولضمان انطلاق الموسم الجديد في موعده الذي حدد ليوم 18 أغسطس 2013.

وحول أبرز ما عانت منه الرياضة التونسية في السنتين الأخيرتين قال جلال الدين تقية، المستشار بديوان وزير الشباب والرياضة لـ«الشرق الأوسط» أن «الأزمات المالية سجلت حضورها بشكل لافت سواء بالنسبة للاتحادات الرياضية أو الجمعيات. وهو ما تسبب في ظهور بعض الإشكاليات، رغم أن الحكومة حافظت على دعمها للجمعيات والاتحادات لكن بخفض هذا الدعم بنحو 15%». وأضاف: «مع تواصل هذا الوضع المتأزم بالنسبة لأغلب الهياكل والجمعيات الرياضية، يجري الآن الإعداد لصرف قسط جديد من الدعم المالي لمختلف الهياكل الرياضية، داعيا الجمعيات الرياضية وفرق كرة القدم خاصة إلى التأقلم مع الوضع الجديد ومع هذه الأزمات المالية بضغط المصاريف وخصوصا الموجهة للتعاقد مع اللاعبين والمدربين الأجانب التي كان بعضها بأرقام قياسية وبمبالغ مالية طائلة خاصة في الفرق الكبرى».

وقال جلال تقية: «أمكن تجاوز مصاعب الفترة المنقضية بأقل ما يمكن من الخسائر والتكاليف بالنظر للوضع الانتقالي الذي مرت وتمر به البلاد». وتجدر الإشارة إلى أن الموسم المنقضي سجل لجوء عدد من الرياضيين في اتحادات كرة القدم، إلى الإضراب عن التمارين جراء عدم حصولهم على مستحقاتهم المالية لعدة أشهر متتالية. بل وصل الأمر بلاعبي فريق أولمبيك الكاف من الدرجة الأولى إلى عدم خوض آخر مباراة لهم في الموسم الماضي ضد النادي الأفريقي بسبب إضرابهم، في حين اختارت بعض الأندية الانسحاب من مسابقة كأس تونس 2011 - 2012 احتجاجا على الأوضاع الصعبة التي تمر بها». ويخشى رؤساء الأندية أن تتواصل هذه المصاعب المالية الموسم المقبل، وهو ما سيفاقم من المشكلات التي تتخبط فيها أغلب الأندية الرياضية التي يعاني بعضها من عجز في الموازنات المالية يقدر بملايين الدنانير أحيانا.

وحول الاستعدادات الحالية للموسم الرياضي القادم أكد جلال تقية في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «العمل بتحديد عدد الجماهير المسموح لها بحضور الأنشطة الرياضية سيتواصل، وسيقتصر الحضور الجماهيري على الفرق التي تستقبل منافسيها، وبأعداد محدودة يتم ضبطها بالتنسيق مع الجهات الأمنية واعتمادا على طاقة استيعاب الملاعب وما يتوفر بها من تجهيزات أساسية، متوقعا أن يتم احترام روزنامة كل المنافسات الرياضية».

الوجه الآخر لما يعيشه القطاع الرياضي في تونس من ظواهر جديدة يتمثل في المعارك الانتخابية الساخنة التي ميزت الجلسات العامة سواء للاتحادات الرياضية أو للفرق الرياضية نتيجة للأجواء الديمقراطية التي تعيشها البلاد. وقد شهدت بعض هذه الجلسات العامة الانتخابية ترشح أكثر من قائمة واحدة، وحسم بعض هذه المعارك الانتخابية الحامية بفارق ضئيل في الأصوات بين المتنافسين. وحول هذا الموضوع قال جلال تقية لـ«الشرق الأوسط»: إن «الجو العام بالبلاد أفرز عدم احترام للمسؤولين وللقوانين، وتسبب في حدوث بعض التجاوزات وفي السلوكيات المشينة والغريبة عن أجواء الرياضة والرياضيين». مضيفا: «كل الهياكل الرياضية جرت فيها عمليات انتخابية دون أي إقصاء، رغم أن البعض يعيب تواصل وجود بعض الوجوه في دفة التسيير الرياضي ولكن المهم أن ذلك تم بعد إجراء انتخابات».

السؤال الذي يطرحه اليوم كثير من المهتمين بالشأن الرياضي في تونس يتعلق بمدى تأثير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة الراهنة للبلاد، على ولع التونسيين الشديد بالرياضة وخصوصا بكرة القدم، وكذلك على نتائج المشاركات الرياضية التونسية في المحافل العربية والأفريقية والعالمية مستقبلا.

* (ليبيا ألغت المسابقة للعام الثالث)

* وفي ليبيا وبعد ثلاث سنوات من توقف المسابقة جراء انعدام الأمن، بدأ الاتحاد الليبي لكرة القدم الاستعداد لإطلاق الدوري في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل للموسم الرياضي (2013 - 2014)، بمشاركة 16 فريقا من فرق الدرجة الأولى بمجموعة واحدة من ذهاب وإياب ودون حضور جمهور ودون هبوط.

ولا توجد معلومات كافية عن كيفية تسيير الأندية لأعمالها وكيف تعاملت مع أزماتها المالية في ظل توقف المسابقة، لكن على ما يبدو أن الدعم الحكومي كان سببا في حل جزء من المشكلة.

وقال أنور الطشاني، رئيس الاتحاد أن المشاركات الخارجية ستكون لأصحاب المراكز الأربعة الأولى في مرحلة الذهاب، وأن فتح باب قيد وتسجيل الرياضيين سيكون من 1 يونيو إلى 31 أغسطس فيما يخص الفترة الأولى، والفترة الثانية لقيد وتسجيل اللاعبين ستكون في الفترة من 1 يناير 2014 إلى 31 يناير 2014.

وأوضح أنه سيتم اعتماد اللوائح المعتمدة السابقة المعمول بها في الاتحاد العام الليبي لكرة القدم إلى حين انتهاء عمل اللجنة المكلفة من قبل الاتحاد العام من إعداد اللوائح وتنقيحها ودراستها وصياغتها مجددا وعرضها على الجمعية العمومية للاتحاد العام الليبي لكرة القدم للاعتماد.

وأعلن الطشاني عن شعار الاتحاد العام الليبي لكرة القدم الجديد والذي فازت به شركة «أدويسا» حيث تم منح الشعار الفائز مبلغ (5000) دينار ليبي، كما تم الإعلان عن اللجان المشكلة من قبل الاتحاد العام الليبي لكرة القدم وهي اللجنة العامة للحكام، واللجنة العامة للمسابقات، ولجنة قيد وشؤون اللاعبين، ولجنة الانضباط ولجنة الاستئناف واللجنة القانونية.