خبراء كرويون: الأندية والإعلام يقزمان المدرب السعودي بجملة «شدوا حيلكم يا شباب»

«الشرق الأوسط» تفتح قضية المدربين الوطنيين وأسباب تجاهلهم لسنوات طويلة

(من اليمين الى اليسار) حمود السلوة، محمد الخراشي، أمين دابو
TT

ربما ماثلت فرحة المدربين السعوديين نظراءهم الحكام بعدما أسندت لجنة الحكام الرئيسة إدارة المباراة النهائية لبطولة كأس الملك للأندية الأبطال في نهاية الموسم الماضي لزميلهم الحكم الدولي مرعي العواجي، وهو الأمر الذي كان بمثابة الشمعة التي أوقدت في نفق مظلم لازم الحكام السعوديين سنوات طويلة وأبعدهم عن إدارة المباريات النهائية وجعلهم يكتفون بنهائيات البطولات الودية والحواري.

قرار إدارة الهلال منح الثقة الكاملة للاعبها السابق سامي الجابر لتولي الجهاز الفني وتدريب الفريق الهلالي في الموسم الجاري الذي بلغ جولته الثامنة، منح المدربين الوطنيين جرعة من الأمل بعد زمن من اليأس والجمود في مسيرة المدرب الوطني على صعيد الفرق الممتازة، وإن سجل حضورا في بقية الفئات المختلفة أو على صعيد دوري الدرجتين الأولى والثانية والثالثة «المناطق».

أعقب قرار تدريب سامي الجابر للهلال خطوة جميلة في مسيرة المدربين الوطنيين، وذلك عندما حزم المدرب الوطني علي كميخ حقائبه مغادرا للأردن لتولي الإشراف الفني على فريق الفيصلي الأردني وبرفقته طاقم سعودي يتقدمهم علي الحمدان الذي يعمل مساعدا لكميخ هناك في الأردن، لكنه لم يستمر سوى أشهر معدودة ليجد نهايته واضحة مع النادي بعد الخروج من كأس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، لينتقل فور ذلك إلى تحد جديد للمدير الفني السعودي بإدارة فريق شباب الأردن فنيا مع ذات الطاقم، وهو ما يجعل المهمة أكبر وأثقل مسؤولية مما مضى بالنسبة لكميخ ومن معه.

هذه الخطوات أبرزت معها عنوانا عريضا لمستقبل يبدو أفضل عن سابقه للمدربين الوطنيين، وأن هناك ضوءا في خريطة الطريق للفترة المقبلة، فمسيرة المدرب السعودي شهدت تألقا من عملاق التدريب وعميدهم خليل الزياني الذي صال وجال مع المنتخب السعودي وفريقه الاتفاق ثم الهلال، وذات الحال لمحمد الخراشي وناصر الجوهر، وعدد من الأسماء التي كانت تعمل برفقتهم في زمن سابق، إلا أن هذا التميز الذي كان عليه المدرب السعودي خفت وهجه وقل لمعانه وغاب عن الساحة على صعيد المنتخب والفرق الممتازة.

عبر «الشرق الأوسط» نغوص في خفايا المدرب الوطني بصحبة أهل الشأن والاختصاص ونكشف الأسباب التي تجعل المدرب يغيب عن مقاعد البدلاء في الفرق الممتازة، وتجعل حضوره مقصورا على مباريات قليلة كمدرب بديل عند إقالة مدرب أجنبي حتى حضور الأجنبي الآخر.

المدرب محمد الخراشي الذي قاد الأخضر السعودي للتأهل لمونديال 94 لأول مرة في تاريخه، قال إن أبرز الأسباب التي تجعل المدرب يغيب عن الوجود في دوري جميل هي ذات أوجه كثيرة وتتحملها مجالس إدارات الأندية، مضيفا: «إدارات الأندية تخشى الجمهور والإعلام، وبالتالي لن تمنح المدرب الثقة والفرصة، فهي تتجه للمدرب الأجنبي، سواء كان مؤهلا أو عكس ذلك، فمثلا الإسباني بينات، مدرب الاتحاد، هل كان يملك السيرة الذاتية الكبيرة والضخمة والمميزة التي تؤهله لقيادة الاتحاد مباشرة؟ ولكن هي مجرد فرصة منحت له من قبل إدارة الاتحاد وأثبت وجوده وبالتالي حقق البطولة وتغنت به الجماهير الاتحادية».

وعن وجود سامي الجابر وحيدا يمثل المدرب السعودي في دوري جميل بينما البقية هي أسماء أجنبية، قال الخراشي: «بلا شك الخوف والتردد من الأندية هما السبب، ولكن تأكد لو نجح سامي فسيمنح فرصة لمدرب وطني آخر، وسنشاهد مثلا صالح المطلق يتولى تدريب النصر، وهاني أنور ونايف العنزي في الشباب مثلا، مع أن الأخير يملك شهادة (بروفيشنال)، فهي فقط الفرصة التي تنقص المدرب ويحتاج إليها لإثبات نفسه». وفي ما يخص افتقاد المدرب السعودي الطموح، قال الخراشي: «من دون أي مجاملة، المدرب الوطني يملك طموحا أكبر من أي شخص في الوسط الرياضي، وإذا كان لا يملك الطموح فلماذا يؤهل نفسه؟ لماذا يحرق نفسه بالعمل الدائم والمستمر على تطويرها والحصول على دورات ويعمل على تدريب ناشئين وشباب وأولمبي وأوجد هذه القاعدة الجيدة في أغلب الأندية؟».

وعن سبب حضور المدرب الوطني في المنتخبات أكثر من حضوره في الأندية، قال: «الثقة عندما تمنح من أعلى سلطة رياضية ويعطى المدرب الصلاحيات الكاملة وتوفر له عوامل النجاح، شاهدناه نجح، فلو أعطي الفرصة المماثلة بالأندية لنجح، وبإذن الله يكون سامي الذي منح الفرصة والصلاحيات هو العنوان الرئيس لنا في المرحلة القادمة».

وعن سبب بروز المدرب الوطني في دول عربية كمصر وتونس والعراق وغيابه في السعودية، قال الخراشي: «لأن هذه الدول تساعد المدرب وتمنحه ضمانات عندما يتفرغ للتدريب ويتسلم راتبا مجزيا من إدارات الأندية، وفي حال فسخ العقد بإمكانه أن يرجع لوظيفته الأساسية، لكن في السعودية لا توجد ضمانات».

وأضاف: «من يقيمني هنا في السعودية ليسوا متخصصين، بل رئيس ناد أو عضو مجلس إدارة أو إعلامي، وسأتقبل بكل رحابة صدر أن ينتقدني شخص لديه خلفية فنية في كرة القدم ولن أمانع في ذلك لكن أن يأتيك عضو مجلس إدارة لا يملك إلا (دراهم) أو مجرد شخصية اعتبارية ويقيم المدرب فهذا أمر لا يرضي عاقلا. المدرب الوطني لم يأت من الشارع، بل حضر للنادي وهو موظف دولة يتسلم راتبا وقدره، وجميعهم أو أغلبهم بكالوريوس تربية رياضية ومرتباتهم بين 15 و20 ألف ريال، وعندما يحضر للنادي كم سيمنح كراتب شهري، خمسة آلاف أو ستة آلاف؟ لا أريدهم ولا أريد ناديهم، فالرياضة بالنسبة لي هواية وليست مهنتي فرضا».

وأخيرا عن مقولة «شدوا حيلكم يا شباب»، وهل هي الخطة السرية والمعيبة على المدرب الوطني، قال الخراشي: «لو أنك رئيس ناد مثلا وتعاقدت مع مدرب، هل سيعمل تمارين وخططا أو هي مجرد جملة واحدة (شدوا حيلكم يا شباب)؟ بالتأكيد هي معمعة مباريات وبطولات وحسابات وغيرها وخطط، ويأتي من يقول عن المدرب الوطني هذه الكلمة، إذا كانت كذلك فهي أعظم كلمة تحضر لنا بطولات وشاهدنا المدربين الوطنيين في المنتخبات كيف نجحوا، هي عملية تكاملية وواجبات وليس كما يقال هي مجرد استنقاص لا أكثر».

من جهته، قال المدرب الوطني حمود السلوة إن أبرز ما ينقص المدرب الوطني حتى نشاهده يدرب الأندية السعودية، الثقة التي باتت شبه مفقودة تماما بين المدربين السعوديين وإدارات الأندية، وقال السلوة: «ينقص المدرب السعودي كي يدرب في الأندية السعودية ثقة الأندية السعودية وثقة الإعلام الرياضي والوسط الرياضي بشكل عام ليس فقط في كرة القدم بل في كل الألعاب».

وفي ما إذا كان غياب الثقة أو انعدامها بين إدارات الأندية والمدرب السعودي هو الذي جعله يغيب عن مقاعد البدلاء فيها، قال السلوة: «بكل تأكيد إدارات الأندية هي السبب الأول، وتقارير كثير من خبراء كرة القدم الذين تعاقد معهم اتحاد كرة القدم السعودي لرسم استراتيجية تطوير كرة القدم السعودية عبر مراحل متعددة، أجمعت على أن المدرب الوطني هو الحلقة الأضعف في منظومة الكرة السعودية على مستوى الأندية، وهذا نتيجة عدم الثقة بالمدرب الوطني من قبل الأندية على الرغم من أن الاتحاد السعودي لكرة القدم يصنف (آسيويا) رابع اتحاد وطني من بين 46 اتحادا في القارة في برامج إعداد وتأهيل المدربين الوطنيين بعد اليابان وإيران وكوريا الجنوبية، لكن حضورهم العملي والميداني داخل المستطيلات الخضراء محليا ضعيف جدا، وهو ضعف لا يوازي إنجازات الكرة السعودية ونجاحاتها على مستوى البطولات القارية والعالمية».

وعن افتقاد المدرب الوطني الطموح، وهل هو أمر صحيح، قال السلوة: «الطموح وحده غير كاف، والطموح وحده لا يصنع مدربا سعوديا ناجحا، وإن توفر هذا الطموح فإنه يصطدم بعدم القبول وعدم الثقة بالمدرب الوطني من قبل إدارات الأندية تحديدا، وعدم توفر مبادرات مادية محفزة للأندية من قبل اتحاد كرة القدم ورابطة دوري المحترفين واللجنة الأولمبية السعودية، القضية ليست قضية (طموح) فقط، بل قضية قبول وقناعة من قبل إدارات الأندية».

من جانبه، اتفق المدرب الوطني عبد الله غراب مع زميله في هذا المجال حمود السلوة، حيث أرجع غراب غياب المدرب السعودي عن تدريب الأندية السعودية إلى الثقة المفقودة بين الطرفين، وقال غراب إن أبرز الأشياء التي تجعلنا لا نشاهد المدرب السعودي يدرب فرق دوري جميل هو الثقة من الجمهور والإعلام، وهذا ما ينقص المدرب، فهناك إمكانات وهناك كفاءات وقدرات ودراسة أكاديمية ولاعبون دوليون سابقون متسلحون بهذه الخبرة، مضيفا: «المدرب الوطني لديه تأهيل على مستوى عال، ولكن تنقصه الثقة بقدراته وإمكاناته فقط ومنحه الفرصة، وشاهدنا التجارب التي عمل فيها المدرب، سواء على صعيد الدرجة الأولى أو الثانية أو حتى الفئات السنية، لكن ما ينقصه حاليا الوجود في فرق الممتاز أو دوري جميل». وفي ما يخص حضور المدرب الوطني في دول عربية كمصر وتونس والعراق وسوريا، وفي الوقت نفسه عدم بروزه في السعودية، قال غراب: «بلا شك المادة لها دور عندنا، فكل ناد بالسعودية بإمكانه أن يغير ثلاثة إلى أربعة مدربين في الموسم لوجود المادة، أما في بقية الدول العربية فعدم وجود المادة بكثرة على عكس ما يحدث لدينا جعلهم يمنحون المدرب الوطني الفرصة والثقة والوقت الطويل حتى حقق نجاحه وفرض نفسه وبات مطلوبا». وأشار غراب بأسف شديد إلى أن الإعلام الرياضي يقزم المدرب السعودي بوصفه بالفزعة ومدرب الطوارئ، فضلا عن جملة «شدوا حيلكم يا شباب» التي تتردد بشكل لا يليق بخبراء وطنيين في هذه اللعبة.

بدوره، قال المدرب الوطني أمين دابو إن «المدرب السعودي لا بد أن يكون متحصنا بالعلم وحاصلا على شهادات في التدريب لأكثر من مرة ومؤهلا تأهيلا كاملا، الأمر الثاني يجب أن يبدأ التدرج في العمل من البراعم ثم الناشئين فالشباب، وبعد ذلك إذا تمكن من العمل كمساعد مدرب في الفريق الأول، وذلك لأجل أن يأخذ خبرة كاملة لكيفية التعامل مع كافة طبقات اللاعبين ويتحلى بالصبر الكبير عند عدم تحقيق نتائج إيجابية سريعة، فهذه الأمور ستجعله يؤهل نفسه ويحقق النجاح»، مضيفا: «غياب المدرب عن الساحة يرجع لعدم وجود ثقة بين المدرب الوطني والإدارات أو الجماهير حتى الآن، ولولا هذه الضغوط ووجود الثقة لكان من الممكن أن نشاهد مدربا وطنيا، فالمدرب الوطني قدم أشياء كثيرة». وعن وجود سامي الجابر وحيدا كمدرب لفريق الهلال بين 14 فريقا من دوري جميل، قال دابو: «سامي الجابر مهمته صعبة جدا لأنه يتولى الإشراف على فريق كبير جدا ولم يأخذ الخطوات التي ذكرتها سابقا كالتدرج والتسلح بالخبرات، لأن الجماهير والإعلام ليس من السهل أن تصبر عليه كمدرب». ورفض دابو صحة مقولة «شدوا حيلكم يا شباب»، وأنها الخلطة السرية للمدرب السعودي، حيث قال: «أكبر غلطة تم تداولها في الشارع الرياضي السعودي، سواء كإعلام أو جماهير، فلا يوجد ما يسمى (شدوا حيلكم يا شباب)، فهذه كذبة لا أساس لها ويجب أن نبعدها من قاموسنا، امنحوا المدرب الفرصة وبعدها أطلقوا الحكم عليه بصورة سليمة».